07-سبتمبر-2023
gettyimages

تتواجد المجموعة بشكلٍ مباشر في سوريا وليبيا، بالإضافة إلى السودان من خلال علاقة متينة مع قوات الدعم السريع، أمّا الانتشار الأبرز فهو في أفريقيا جنوب الصحراء (Getty)

قبل حوالي أسبوعين، انفجرت الطائرة الخاصة التي كانت تقل صاحب الشركة العسكرية الروسية الخاصة "فاغنر"، يفغيني بريغوجين، بعد رحلة قادته إلى أفريقيا، لإعادة ترتيب عمل شركته الخاصة بعد التمرد الفاشل الذي قاده ضد موسكو.

وبعد أيام من حادثة سقوط طائرة بريغوجين، وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مرسومًا رئاسيًا يلزم عناصر مجموعة "فاغنر"، وباقي عناصر شركات الأمن الروسية الخاصة، بأداء قسم الولاء للدولة الروسية. مما يضعها تحت سلطة وزارة الدفاع الروسية مباشرةً.

التحول في السيطرة على فاغنر، يعني زيادة سلطة فاغنر على نشاط المجموعة في الدول العربية والأفريقية التي تنشط بها، وبحسب شخص مقرب من الكرملين، فإن الخطوة جاءت بعد أن قام نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف، بزيارة إلى سوريا وليبيا، لتأكيد على أن الحكومة الروسية أصبحت الجهة التي تقود  العمليات الخارجية، التي تم التعاقد عليها سابقًا مع مجموعة "فاغنر".

ستفضل روسيا، استمرار تواجد فاغنر، مع إمكانية متكررة للتملص والتورط في نشاطها

وتتواجد المجموعة بشكلٍ مباشر في سوريا وليبيا، بالإضافة إلى السودان من خلال علاقة متينة مع قوات الدعم السريع، أمّا الانتشار الأبرز فهو في أفريقيا جنوب الصحراء، إذ تنتشر في جمهورية أفريقيا الوسطى، ومالي، وبشكل محدود في موزمبيق، مع احتمال تواجدها في بوركينا فاسو، وهو ما ينفيه المجلس العسكري الحاكم، بالإضافة إلى حديث عن تواصل مع المجلس العسكري في النيجر. 

وفي ظل التوتر القائم مع فرنسا في أفريقيا، فإن ضبط عمل المجموعة سيكون له تداعيات واسعة على النفوذ الروسي في المنطقة، خاصةً أنه من غير المرجح مغادرة عناصر "فاغنر" المنطقة، نظرًا للأدوار الحاسمة مثل حراسة منشآت النفط، ومناجم التعدين ذات القيمة الاستراتيجية.

لا بديل عن فاغنر

تؤكد التقديرات، بأن روسيا لن تتخلى عن أدوار فاغنر، التي تمكنها من التحرك والنشاط حول العالم، دون بصمة مباشرة، بدون حاجة إلى نقل قوات خاصة بها، مع وجود قواعد راسخة، وعمل قائم للمجموعة العسكرية.

وأدوار فاغنر، منذ عام 2017، تتراوح ما بين مهمات استشارية في عدد من الدول الأفريقية، وصولًا إلى تقديم "فاغنر" خدمات أمنية عبر توفير عناصر لحراسة الرؤساء والمسؤولين في تلك الدول، إلى جانب تدريب وإعداد قوات الأمن المحلية، بالإضافة إلى المشاركة في القتال بشكل مباشر.

منح انتشار "فاغنر" في مالي، الحكومة الروسية موطئ قدم في منطقة الساحل، وتسعى للتمدد بعدها إلى بوركينا فاسو، بالإضافة إلى النيجر، مستغلة موجة الانقلابات التي تشهدها المنطقة، وحالة العداء الشعبي للوجود الفرنسي  والغربي في المنطقة..

وفي جمهورية أفريقيا الوسطى، قدمت "فاغنر"، خدمات أمنية وعسكرية، ونجحت في تثبيت نظام حكم الرئيس فوستان آرشانج تواديرا، في مواجهة الجماعات المتمردة التي تسيطر على نحو 40% من مساحة البلاد مقابل السيطرة على مناجم التعدين، وتجارة الخشب، بالإضافة لأعمال تجارية أخرى  تدر عليها عوائد مالية، ساهمت في دعم عمل المجموعة.

getty

وسواء في مالي أم أفريقيا الوسطى، تتهم واشنطن وباريس، مجموعة  "فاغنر" بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في حق المدنيين، وهو ما لا يشجع الكرملين على الدخول بشكل مباشر في المنطقة، مع تفضيل بقاء "فاغنر" في الواجهة لتحمل أي تداعيات أي ملاحقات جنائية في هذا الإطار.

مناجم الذهب في السودان

في السودان، التي بدأ فيها  نشاط "فاغنر" بصورة خاصة عام 2017، عقب الزيارة التي قام بها رئيس النظام السابق عمر حسن البشير إلى موسكو، وطلبه بشكل علني من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، المساعدة ضد "التدخلات الأمريكية في الشؤون السودانية". 

وكانت أولى نشاطات "فاغنر" في السودان، تدريب عناصر الاستخبارات السودانية، وقوات الدعم السريع للتصدي للمظاهرات الغاضبة والمطالبة بسقوط النظام، مقابل عقود للتنقيب بمناجم الذهب في عدة مواقع من جبال النوبة، وولاية ودارفور، وولاية نهر النيل، ولكنها لم تستطع الوقوف في وجه المظاهرات التي أدت إلى سقوط نظام عمر البشير في نيسان/أبريل 2019. لكن بحكم سيطرة قوات الدعم السريع على معظم مناجم الذهب في السودان، توثقت العلاقة بينها وبين مجموعة "فاغنر"، وتم الاتفاق على الشراكة بينهما في تجارة الذهب والسلاح.

وبعد انفجار الموقف في السودان، واندلاع المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في نيسان/أبريل الماضي، صدرت تقارير غربية  اتهمت "فاغنر" بالوقوف وراء تسليم الدعم السريع شحنات صواريخ أرض جو، من قواعدها في شرق وجنوب ليبيا، وهو ما نفته قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، التي تسيطر على المنطقة.

وقد ساهمت الصواريخ المضادة للطائرات في تقليص هيمنة الجيش السوداني على سماء المعركة، كما تمكنت الدعم السريع من إسقاط مجموعة من الطائرات الحربية والمروحية، وهو ما يؤكد تسلمها تلك الشحنات من "فاغنر" التي تربطها  شراكة مع قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) في تعدين الذهب عبر شركة "آم أنفست".

وبحسب دراسة لمعهد الشرق الأوسط، سيختلف الوضع بعد مقتل بريغوجين، وسيطرة وزارة الدفاع الروسية  على "فاغنر"، إذ تشير التقديرات إلى أنه يمكن أن يساهم في إضعاف حميدتي، وتجفيف مصدر مهم لتزويد قواته بالأسلحة النوعية، مما قد يفقده القدرة على شن عمليات هجومية ضد القواعد العسكرية التي تسيطر عليها القوات السودانية، ومواصلة الحرب  لمدة طويلة.

getty

سوريا وضبط عمل فاغنر

أما في سوريا، فالوضع كان أعقد، فالمشاكل التي واجهت القيادة العسكرية الروسية هناك، تمثلت في نقص التنسيق حول تحركات "فاغنر"، والذي تسبب  في إحدى المرات بمقتل وإصابة نحو 300 عنصر من "فاغنر"، إثر قصف جوي ومدفعي أمريكي مكثف على رتل من "فاغنر"، والعناصر المتعاقدين معها، عند محاولتها التقدم نحو شرق نهر الفرات، في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد".

 وتنصلت وزارة الدفاع الروسية سريعًا من الحادثة، واعتبرتها "عمليات استطلاع، وتفتيش للقوات السورية لم يتم تنسيقها مع قيادة مجموعة العمليات الروسية في قرية الصالحية، وأنه لا يوجد جنود روس في هذه المنطقة من محافظة دير الزور السورية".

بحسب دراسة لمعهد الشرق الأوسط، سيختلف الوضع بعد مقتل بريغوجين، وسيطرة وزارة الدفاع الروسية  على "فاغنر"، إذ تشير التقديرات إلى أنه يمكن أن يساهم في إضعاف حميدتي

بينما اتهمت "فاغنر"، القوات الجوية الروسية، بعدم توفير غطاء جوي لعناصرها، بعدما وعدتهم سابقًا بحمايتهم من المقاتلات الأمريكية. وسبق لمجموعة "فاغنر" في عدة حوادث سابقة بين عامي 2016 و2017، أن وجهت علنًا اتهامات للقوات الروسية، بعدم تزويدها بالذخائر الكافية، ما تسبب لها بخسائر كبيرة في عدة معارك بسوريا.

وخلال تمرد "فاغنر" في حزيران/يونيو الماضي، تحركت قيادة القوات الروسية في سوريا بسرعة لمنع انتقال التمرد إلى صفوف عناصر المجموعة في سوريا، واتخذت عدة إجراءات احترازية في هذا الإطار.

وبعد مقتل بريغوجين، أصبح بإمكان وزارة الدفاع الروسية ضبط إيقاع عمل المجموعة هناك، بعد أن فرضت على عناصرها التعاقد معها، وبالتالي لن يكون بإمكانها التعاقد مباشرة مع النظام السوري، ولا القيام بأية عمليات دون موافقة أو تنسيق مع القيادة العسكرية الروسية.