24-فبراير-2023
getty

يقدم بوتين الحرب في أوكرانيا ضمن إطار واسع من الصراع (Getty)

تحتد المعارك في شرق أوكرانيا، ولا مؤشرات على نهاية وشيكة للحرب بعد مرور عام على اندلاعها، وبالرغم من نتائج المعارك الضبابية، التي لم تنتج أي انتصار حاسم، بالإضافة للخسائر البشرية الكبير، والعقوبات الاقتصادية الواسعة، إلّا أن فكرة الاستسلام أو التفاوض غير واردة في موسكو.

جاء خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام مجلس النواب، بالترافق مع سنوية الحرب، للتأكيد على استمراريتها، مقدمًا الحرب في إطار استراتيجي وثقافي وحضاري، مما يعني استبعاد احتمالية توجهه في الفترة الراهنة للمفاوضات

وجاء خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام مجلس النواب، بالترافق مع سنوية الحرب، للتأكيد على استمراريتها، مقدمًا الحرب في إطار استراتيجي وثقافي وحضاري، مما يعني استبعاد احتمالية توجهه في الفترة الراهنة للمفاوضات. ورغم الفشل الروسي في الحرب حتى الآن، يأتي سؤال على ماذا يراهن بوتين؟

تعزيز القدرات البشرية

كشف الكرملين مؤخرًا عن خطة ترمي إلى تعزيز قدرات الجيش الروسي، وذلك عن طريق إعلان تعبئة عامة جديدة، باستدعاء قرابة 350 ألف جندي احتياط. ليصل قوام الجيش الروسي إلى 1,5 مليون جندي. 

وبحسب ما كشف عنه وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، فإن عملية إصلاح الجيش ستبدأ العام الجاري وحتى عام 2026، مع تنفيذ أهداف ثلاثة تتمثل في: إعادة إنشاء المنطقتين العسكريتين موسكو وسان بطرسبورغ. وأرجع الوزير الروسي، القرار إلى متطلبات "الأمن العسكري الروسي"، و"المناطق الجديدة"، في إشارة إلى المقاطعات الأوكرانية الأربعة التي ضمتها روسيا بشكلٍ غير قانوني، حيث سيتم تشكيل فرقتين للمشاة في مناطق خيرسون، وزاباروجيا. فضلًا عن تشكيل 12 وحدة عسكرية متنقلة جديدة. 

getty

كما أشار شويغو إلى إنشاء فيلق عسكري في جمهورية كاريليا، ذات الحكم الذاتي مقابل الحدود الروسية الفنلندية. وبشكلٍ إجمالي، سيزيد حجم القوات البرية بمقدار 22 فرقة، بالإضافة لضم فرقتين جديدتين إلى القوات الجوية الروسية.

وتحدث وزير الدفاع الروسي عن أنه لا يمكن تأمين "البنية التحتية الحيوية" في روسيا، إلّا من خلال "تعزيز المكونات الأكثر أهمية في القوات المسلحة"، في إشارة ضمنية إلى الاهتمام بالعنصر البشري، عكس إصلاحات عام 2008، التي قام بها وزير الدفاع الروسي السابق أناتولي سيرديوكوف، والتي ركزت  على الاهتمام بتطوير الأسلحة على حساب التعداد البشري للقوات المسلحة. فيما تضع الخطة الجديدة صوب أعينها التركيز على تزويد القوات المسلحة بأسلحة متطورة، وبمعدات جديدة.

وقد سلط التعثر الذي رافق "العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا"، الضوء على ضرورة التسريع في إنجاز الإصلاحات، للذهاب قدمًا في إنجاز العملية، بحسب المسؤولين الروس.

هذه الخطة أثارت التساؤل حول إمكانية قيام روسيا بتجنيد هذا العدد الكبير من الجنود، فضلًا عن إيجاد مصادر لتمويل شراء معدات عسكرية جديدة.

هناك طرحان، يذهب الأول للقول بأن الأمر لا يعدو كونه بروباغندا إعلامية، فقيادة الجيش الروسي عاجزة عن القيام بعملية تعبئة بالنظر، للفوضى التي رافقت حملة التعبئة الجزئية الأولى، والرفض الواسع من قبل الشباب الروسي للالتحاق بالخدمة العسكرية، وترجم ذلك بحالات الهروب والهجرة التي سجلت معدلات عالية، حين الإعلان عن عملية التعبئة.

كما أن الهجوم الأوكراني المضاد كشف عن حقيقة الأخطاء التكتيكية المتكررة، والمشاكل اللوجستية في دعم وحدات الجيش، والاختلال الكبير في الاتصالات. وهو ما أعطى انطباعًا بأن الجيش الروسي كان تائهًا على الأرض، مما فتح المجال لدخول مجموعات المرتزقة المتمثلة في فاغنر والكتائب الشيشانية، لقيادة المعارك على الأرض. وأصبح "صقور" الكرملين لا يدخرون جهدًا في مهاجمة القيادة العسكرية الروسية بشكلٍ علني، بل تطور الأمر إلى توجيه تهم بالفشل وحتى الخيانة، لأسماء قيادات بعينها، وهذا ما يعطي تصورًا لحالة التأزم والفشل الذي تعاني منه القيادة العسكرية الروسية.

بالمقابل، يذهب محللون إلى القول بأن الكرملين لايزال يثق بالقيادة العسكرية، بدليل تسليمها أمر قيادة "العملية العسكرية الخاصة بأوكرانيا"، وأن عملية التعبئة الجديدة ستخضع لمعايير صارمة وفق تصور وضعته القيادة العسكرية الروسية، وبالنظر إلى أن خطاب الحرب لايزال يحظى بدعم في الداخل الروسي، وهو ما قد يساعد في نجاح عملية التعبئة.

بيلاروسيا.. الخطر قادم من الشمال

مع بداية الحرب، سمحت بيلاروسيا بأن تكون أراضيها وقواعدها الجوية وبنيتها العسكرية، نقطة انطلاق للجيش الروسي خلال عمليته بأوكرانيا. فقد شنت الطائرات الروسية غاراتها الجوية انطلاقًا من المطارات البيلاروسية، كما انطلقت الصواريخ من القواعد العسكرية البيلاروسية. ومع تزايد احتمالات قيام روسيا بعملية هجوم معاكس واسع النطاق داخل الأراضي الأوكرانية الربيع القادم، تتجه الأنظار إلى الحدود البيلاروسية الأوكرانية، التي سبق وانطلق منها رتل عسكري روسي بطول 56 كلم، نحو العاصمة كييف، مع بداية الحرب لاحتلالها. 

وعلى الرغم، من نفي مينسك بشدة، لأي نية لدخول قواتها ساحة الحرب في أوكرانيا، إلا أن كييف وحلفاؤها في الغرب يتوجسون من دور بيلاروسي محتمل في الحرب. فالمراقب للأنشطة العسكرية المشتركة لروسيا وبيلاروسيا، خاصة خلال المناورات العسكرية الأخيرة، وإعادة مينسك تهيئة مطاراتها، وتدريب طياريها، بالإضافة إلى  الأوضاع المتدهورة على حدود بيلاروسيا وأوكرانيا، يرجح إمكانية التوجه إلى فتح جبهة الشمال من جديد.

getty

وفي السياق نفسه، قال النائب الأول لوزير الخارجية في مجلس الأمن البيلاروسي بافيل مورافيكو، إن الوضع على الحدود الجنوبية لبيلاروسيا مع أوكرانيا لم يكن "هادئًا للغاية"، وأن أوكرانيا كانت "تستفز" بيلاروسيا. حيث تشهد المنطقة عمليات إطلاق نار بين الحين والآخر، إضافةً للاتهامات المتبادلة بانتهاك إشارات ترسيم الحدود، وتقول مينسك، إن محاولات إجراء حوار مع الطرف الأخر لم يأتي بنتائج إيجابية، وإنها في حالة تأهب دائم تحسبًا لحصول استفزازات.

ووسط ارتفاع مستوى التحالف بين روسيا وبيلاروسيا خلال الأشهر الماضية، وإذا أخذنا بالاعتبار توقيع موسكو ومينسك اتفاقيةً للدفاع المشترك، فإن دخول بيلاروسيا الحرب يبقى خيارًا واردًا في أي وقت، ويتزايد من لحظات تأزم موسكو على الأرض. 

في هذه الأثناء، تحاول كييف منع الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، من زج جيشه في الحرب، وذلك عن طريق الابتعاد عن أي علاقة مع المعارضة البيلاروسية. وفي تصريحات سابقة، لميخايلو بودولاك، مستشار الرئيس الأوكراني، قال فيها إن "المعارضة البيلاروسية، لا تمارس أي تأثير تنظيمي، ولا فكري على المجتمع البيلاروسي".

توسيع نطاق الحرب 

يحاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن يزعزع استقرار جارة أوكرانيا الاستراتيجية مولدوفا، فقد اتهمت رئيسة البلاد مايا ساندو، روسيا بـ"التخطيط لاستخدام مخربين أجانب للإطاحة بحكومتها المؤيدة للاتحاد الأوروبي"، وذلك عن طريق تنظيم احتجاجات لقوى المعارضة بهدف قلب نظام الحكم. 

وفي هذا الإطار تتصاعد المخاوف من أن تستدرج منطقة "ترانسنيستريا" الانفصالية، الواقعة شرق مولدوفا، إلى الحرب الدائرة في أوكرانيا. حيث يحكم الإقليم انفصاليون موالون لروسيا، وشهد الإقليم مع بداية الحرب، سلسلةً من الانفجارات الغامضة، رفعت التوتر في المنطقة. واتهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أجهزة الأمن الروسية بالوقوف خلف التفجيرات، قائلًا: إن "موسكو تحاول زعزعة استقرار المنطقة، واستدراج دول أخرى إلى حرب أوكرانيا".

getty

وفي وقت لاحق، دعا الكرملين سلطات كيشنيف إلى توخي الحذر بشأن التصريحات المتعلقة بإقليم "ترانسنيستريا"،  بعد أن طالب رئيس وزراء مولدوفا الجديد بضرورة نزع السلاح من الإقليم، وإجلاء القوات الروسية منه. كما اتهمت وزارة الدفاع الروسية، السلطات الأوكرانية بالتخطيط لغزو إقليم "ترانسنيستريا"، عبر عملية وهمية.

وبالنظر إلى استراتيجية الحرب الروسية، التي تتركز حاليًا للسيطرة على مناطق واسعة في شرق وجنوب أوكرانيا، ستكون مولدوفا خاصرةً رخوة بالنسبة لأوكرانيا، وستعمل موسكو لاستغلالها لتوسيع نطاق الحرب للضغط على كييف.

وكانت روسيا قد أجرت تدريبات عسكرية مكثفة لجنودها في هذه المنطقة الانفصالية من مولدوفا، وذلك مطلع شباط/ فبراير من العام الماضي، حين أعلنت موسكو أن الوجود الروسي هناك بالغ الأهمية من أجل حماية مواطنيها في المنطقة.

تعميق للتحالفات

بعد أن فرضت الدول الغربية عقوبات اقتصادية كبيرة على روسيا، بسبب غزوها أوكرانيا، شملت العديد من المجالات مثل قطاع الطاقة والمال والنقل والإعلام والتكنولوجيا والتجارة. بدأت روسيا تدريجيًا عملية البحث عن تحالفات جديدة، تمكنها من فتح نافذة تساعدها على الاستمرار في الحرب، بالإضافة لإعادة تثبيت موقعها في المشهد الدولي. وانفتحت روسيا للتقارب مع إيران والصين وكوريا الشمالية وجنوب أفريقيا وبعض من دول أمريكا اللاتينية.   

وبعد الانتكاسات التي واجهت القوات الروسية، كشفت تقارير عن حاجة  موسكو إلى عتاد عسكري إضافي، مما دفعها إلى اللجوء إلى إيران، لتأمين حصولها على طائرات مٌسيّرة، استخدمتها في ضرب البنية التحتية في أوكرانيا، خاصة شبكات الكهرباء بما وصف بـ"إرهاب الطاقة". وأدى الدور الفعال الذي لعبته تلك الطائرات إلى سعى موسكو وطهران لتعميق العلاقة أكثر عن طريق افتتاح مصنع للطائرات الإيرانية المسيرة في روسيا. فيما تتحدث تقارير أخرى عن إمكانية قيام إيران بتزويد روسيا بصواريخ بالستية. 

من جهتها، أصبحت كوريا الشمالية، شريان حيوي لفك عزلة روسيا للحصول على مصادر للأسلحة، فذكرت تقارير غربية، أن بيونغ يانغ قامت بتزويد موسكو بقذائف مدفعية وصواريخ، وذخائر لمساعدة بوتين في الحرب.

أما جنوب أفريقيا، فقد كسرت عزلة روسيا عن طريق استضافة مناورات عسكرية مشتركة، وعلى الرغم من المواقف الرسمية المعلنة لبريتوريا بالوقوف على الحياد في الحرب، إلا أنها رفضت كل العقوبات التي فرضت على روسيا.

مؤخرًا، ذكرت تقارير أن روسيا تسعى للحصول على أسلحة من الصين. وفي هذا الإطار، حذر مسؤولون في الخارجية الأمريكية نظرائهم الصينيين، خلال اجتماعات عقدت مؤخرًا، من مضيّ بكين قدمًا في خطوة إمداد موسكو بالأسلحة والذخائر.

getty

وبالنظر إلى العلاقات الروسية الصينية الراسخة والاستراتيجية، التي تمتد لعقود من الزمن. فإن روسيا تعتمد على حليف موثوق، وهو ما أكده وزير الخارجية الصيني وانغ يي أن، غداة قيام روسيا بغزو أوكرانيا، من أن التعاون الاستراتيجي والعسكري لبلاده مع روسيا "لا حدود نهائية له، وغير مشروط، ولا يعترف بمناطق محظورة". لكن حافظت بكين على موقف شبه محايد من الحرب، إلا أن الكثير من دوائر القرار الأمريكية ترى في موقف بكين مواربًا، إذ يعكس تدخلًا في الصراع بصورة غير مباشرة. فقد حافظت بكين على علاقاتها الاقتصادية مع موسكو، وقامت بشراء النفط والغاز عوضًا عن أوروبا، وقاومت الضغط الغربي لعزل موسكو، معتبرةً أن حل الحرب يجب أن يكون بشكلٍ تفاوضي.

وفي هذا السياق، فإن إدارة الرئيس جو بايدن تدرس نشر معلومات استخبارية تعتقد أنها تكشف عن تفكير الصين في إرسال أسلحة لدعم الحرب الروسية في أوكرانيا. في مقابل ذلك، أعلنت الصين عن مبادرة للوساطة في الأزمة الأوكرانية، عبر خطة لإيجاد حل سياسي، تشمل وقفًا لإطلاق النار، والبدء في إجراء مفاوضات سلام، ورفع للعقوبات أحادية الجانب.

لا يبدو أن روسيا تمتلك الكثير من الخيارات في حربها، بعد مرور عام من الغزو، والقدرة الوحيدة التي تمتلكها روسيا فعليًا، هي إطالة أمد الحرب وتحويلها إلى حرب استنزاف، وإمكانية نقلها إلى عدة ساحات أخرى، فيما أصبحت إمكانية حسم المعركة عكسريًا أمرًا صعبًا، على كافة الأطراف.

لا يبدو أن روسيا تمتلك الكثير من الخيارات في حربها، بعد مرور عام من الغزو، والقدرة الوحيدة التي تمتلكها روسيا فعليًا، هي إطالة أمد الحرب وتحويلها إلى حرب استنزاف

نهاية الحرب في أوكرانيا، يمكن أن تمر عبر المفاوضات فعليًا، فمأزق روسيا يتعمق في أوكرانيا، أما صمود كييف، لن يمكنها من تحقيق انقلاب كبير في الحرب لصالحها، وفيما يستبعد الكرملين وزعيمه أن تكون نهاية حملة روسيا الكبيرة، التي تهدف من خلالها إلى إعادة صياغة الشعب الروسي من جديد، إلى جانب باقي الأهداف السياسية والعسكرية، بالمفاوضات.