14-يناير-2023
gettyimages

بوتين مع رئيس هيئة الأركان الروسية والقائد الجديد للحرب على أوكرانيا فاليري جيراسيموف (Getty)

توشك الحرب الروسية على أوكرانيا من الوصول إلى عامها الأول، وهي حرب شهدت الكثير من التخبط الروسي، وخاصةً في الأشهر الأخيرة، بعد نجاح الجيش الأوكراني في تنفيذ هجوم مضاد، ساهم في استعادة عدة مدن محتلة، ولم تتمكن روسيا من تحقيق إنجازها العسكري الأول منذ أشهر، إلّا يوم الجمعة، بعد تمكنها من السيطرة على مدينة سوليدار شرق أوكرانيا، بالقرب من مدينة باخموت، التي تمثل نصرًا معنويًا أكثر منه استراتيجيًا ضمن مسار الحرب.

توشك الحرب الروسية على أوكرانيا من الوصول إلى عامها الأول، وهي حرب شهدت الكثير من التخبط الروسي، وخاصةً في الأشهر الأخيرة، بعد نجاح الجيش الأوكراني في تنفيذ هجوم مضاد، ساهم في استعادة عدة مدن محتلة

إلى جانب التعثر الميداني، فإن أبرز معالم التحرك العسكري الروسي بالحرب، هو التغيير المستمر في القيادة العسكرية للمعركة، في محاولةٍ لمواجهة التعثر المستمر. ظهر ذلك من خلال سلسلة التغييرات في القيادة الروسية العسكرية، بعد ثلاثة أشهر من تعيين الجنرال سيرغي سوروفيكين على رأس "العملية الروسية" في أوكرانيا، أعلنت وزارة الدفاع الروسية، أن رئيس الأركان العامة الروسية الجنرال فاليري غيراسيموف، أصبح القائد العام للعملية، وسيكون لغيراسيموف ثلاث نواب، وهم قائد العملية السابق الجنرال سيرغي سوروفيكين، وقائد الجيش أوليغ ساليوكوف، ونائب رئيس هيئة الأركان العامة العقيد أليكسي كيم.

وقالت الوزارة أن التغيير يهدف إلى "تنظيم اتصالات أوثق بين مختلف فروع القوات المسلحة، وتحسين جودة وفعالية إدارة القوات الروسية".

ومع ذلك، فإن المحللين الأمنيين الغربيين، والمدونين العسكريين الروس الذين يدعمون الحرب ولكنهم ينتقدون بشكل متكرر وبشدة القيادة العسكرية الروسية، يشككون في أن التعيينات الجديدة ستغير من قواعد اللعبة على جبهات القتال، أو تساعد في استعادة الزخم للحملة الروسية. 

getty

وهناك من يرى هذه التغيرات على أنها علامة على الانقسام الداخلي في الكرملين، ومحاولة  من وزارة الدفاع، إعادة تأكيد سيطرتها على إدارة الحرب في أوكرانيا، والحد من النفوذ المتزايد لرئيس مجموعة "فاغنر" العسكرية الخاصة يفغيني بريغوجين، حيث يسعى بريغوجين إلى تصدر المشهد من خلال تصريحاته بأنه حقق اختراقات من خلال موجة الهجمات الحالية في شرق أوكرانيا، التي ساهمت في تحقيق نصر روسي نادر، فقد قال بريغوجين، إن قواته تشارك بمفردها في القتال بمدينة سوليدار، وأنها سيطرت عليها بشكل كامل، ورغم ذلك، فقد أصدرت وزارة الدفاع الروسية، يوم الأربعاء، بيانًا يتعارض مع إدعاءات بريغوجين، الذي يصر على أن قواته فقط هي من تقاتل في سوليدار.

وأدى ذلك إلى تكرار بريغوجين الادعاء، مساء الأربعاء، في بيان قصير على تيليغرام، بتفاخر فيه بأن قواته قتلت حوالي 500 جندي أوكراني، وكتب "المدينة كلها مليئة بجثث الجنود الأوكرانيين"، وردت السلطات الأوكرانية بالقول إن تكتيكات بريغوجين، مجنونة ومن زمن الحرب العالمية، وأدت إلى خسائر هائلة في صفوف قواته، وهو على استعداد لقبولها لتحقيق مكاسب استراتيجية لا تذكر.

وتكرر ذلك عقب إعلان وزارة الدفاع الروسية السيطرة على مدينة سوليدار، التي لم تشر في بيانها الأول لقوات فاغنر، قبل أن تتراجع عن ذلك وتذكر قوات فاغنر، التي انتقد قائدها المؤسسات الحكومية بشكلٍ علني، لتجاهل ذكر قواته.

تصرفات بريغوجين، ينظر لها باعتبارها تمثل طموحًا شخصيًا له، من خلال تصوير أن مجموعة "فاغنر" هى جيش موازي للجيش الروسي، وقد حرص بريغوجين على الظهور بلباس مقاتل يرتدي خوذة وسترة واقية من الرصاص، مع قواته على جبهات القتال في سوليدار، وتصدير صورته باعتباره قائدًا للمعركة. فيما سعى بإعلانه المبكر للحصول على صورة "الانتصار" من المدنية.

ويسعى المعسكر المتطرف المؤيد للحرب بقيادة بريغوجين والزعيم الشيشاني رمضان قديروف منذ فترة طويلة على العمل أجل إعادة هيكلة المستويات العليا للقيادة العسكرية الروسية. وعلى الرغم من ذلك، يبدو أن بوتين لا يمنحهم الصلاحيات التي يريدونه، وبدلًا من ذلك يقوي يد رجال وزارة الدفاع، الذين غالبًا ما يكونون هدفًا لأشد الانتقادات قسوة من المتطرفين.

ولم يكن سوروفكين، المعروف باسم الجنرال "أرمجدون"، لإشرافه على حملة القصف الشرسة على شمال سوريا في عام 2016، هدفًا للهجوم من قبل المعسكر المتطرف، بل على العكس، فهم ينسبون إليه الفضل في جلب المزيد من التماسك التكتيكي والتركيز على الحملة البرية لروسيا. وكانوا يطالبون بإقالة غيراسيموف (رئيس الأركان)، الذي يحملونه المسؤولية على الفشل في احتلال كييف في الأيام الأولى للغزو، بالإضافة لوزير الدفاع سيرجي شويغو والجنرال ألكسندر لابين، الذي تم ترقيته مؤخرًا ليصبح رئيس أركان القوات البرية، لكن في النهاية اختار بوتين التعامل مع الانقسامات داخل معسكره برفع مركز غيراسيموف، وولابين، وخفض مركز سوروفيكين. في خطوة ينظر لها باعتبارها محاولةً للحد من نفوذ رئيس شركة فاغنر.

ويشير روب لي المحلل في معهد أبحاث السياسة الخارجية للأبحاث الأمنية ومقره الولايات المتحدة، إلى أن بريغوجين أشاد بسوروفيكين، وأن بقاءه في قيادة العمليات العسكرية في أوكرانيا قد يكون "جزئيًا استجابةً لنفوذ فاغنر المتزايد في الحرب".

ويضيف أن تعيين القائد العسكري الجديد ربما جاء لأسباب سياسية، وكتب على تويتر "لا أعتقد بأن السبب، هو أن سوروفكين يُنظر إليه على أنه فاشل، من المحتمل أن الأمر كان مدفوعًا بأسباب سياسية، لأنه أصبح قويًا للغاية وكان يمكنه تخطي قادته العسكريين".

كما أن أهم المدونات العسكرية الروسية المؤثرة والمؤيدة للحرب مثل "Rybar"، التي لديها أكثر من مليون متابع على تيليغرام، أطلقت مواقف لاذعة  بشأن قرار استبدال سوروفيكين، التي تنسب له الفضل في تحقيق الكثير خلال الأشهر التي قضاها كقائد للعملية العسكرية في أوكرانيا.

أمّا المحلل العسكري مارك غالوتي، فكتب سلسلة من التغريدات، أشارت إلى أن خطوة استبدال سوروفيكين ربما تأتي تخفيضًا لرتبته، بعد مجموعة من الانتكاسات، أبرزها الضربة الصاروخية الأوكرانية في رأس السنة الجديدة على المجندين في مركز ببلدة ماكيفكا، والتي قال الجيش الأوكراني إنها خلفت 400 قتيل، فيما اعترفت وزارة الدفاع الروسية بمقل 89 جنديًا.

gettyimages
بوتين مع القائد السابق للجبهة في أوكرانيا والذي عرف بوحشيته في سوريا سيرجي سوروفيكين (Getty)

وقوبل تعيين الجنرال سيرغي سوروفيكين في  تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، كقائد عام لمّا تسميه روسيا عمليتها العسكرية الخاصة، بفرحة من قبل الصقور الروس.  فقد أشاد به قديروف، ووصفه بأنه "جنرال حقيقي ومحارب"، مشددًا على أنه "سيحسن الوضع".

ويتم وصف سوروفيكين بأنه عديم الرحمة والضمير،  وأشرف على الاستهداف المستمر للعيادات والمستشفيات والبنية التحتية المدنية في محافظة إدلب عام 2019، خلال هجوم روسيا على الثورة السورية وتحالفها مع نظام بشار الأسد، وأشارت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير لها إلى أن الحملة التي استمرت 11 شهرًا "أظهرت استهتارًا صارخًا بحياة حوالي 3 ملايين مدني في المنطقة".

وبعد تعيينه، على رأس قيادة القوات الروسية في أوكرانيا، شهدت العملية، تحولًا واضحًا، فشنت هجمات صاروخية واسعة استهدفت تدمير البنية التحتية المدنية في أوكرانيا، بالإضافة لتدمير محطات الطاقة ومنشآت المياه.

وبحسب الخبراء، كان قرار بالإبقاء على سوروفيكين، محاولةً لتهدئة معسكر المتطرفين، لكنه بالكاد يلبي دعواتهم لتغيير جذري بإقالة كبار الضباط في القوات المسلحة الروسية، المسؤولين بحسبهم عن الاخفاقات العسكرية في أوكرانيا.

ومن غير الواضح بعد إذا كان تعيين الجنرال فاليري غيراسيموف، الذي قاتل في الحرب السوفيتية ضد أفغانستان، قادرًا على تحقيق اختراق في الحرب الروسية الدائرة في أوكرانيا، على الرغم مما يملكه من خبرة عسكرية، خاصةً أنه قاد القوات الروسية والانفصاليين الموالين لروسيا في أغسطس/آب 2014، وانتصر على القوات الأوكرانية في معركة إيلوفيسك في إقليم دونباس، حيث قُتل أكثر من 1000 جندي أوكراني، وأجبرت تلك المعركة الرئيس الأوكراني آنذاك بترو بوروشينكو، الموافقة على محادثات السلام.

غيراسيموف كان جزءًا من دائرة الضيقة في الكرملين الذين نصحوا بوتين في غزو أوكرانيا ، ومن المحتمل أن يعتمد مستقبله الآن على نتائج في الحرب

ونظرًا لأن غيراسيموف كان جزءًا من دائرة الضيقة في الكرملين الذين نصحوا بوتين في غزو أوكرانيا ، ومن المحتمل أن يعتمد مستقبله الآن على نتائج في الحرب، والمهمة التي تم تكليفه بها هي "أكثر الكؤوس تسممًا"، وفقًا للمحلل مارك جالوتي.  ومع اقتراب الحرب من دخول عامها الأول، يقول جالوتي إن  "استراتيجية موسكو لا تتوقف على الانتصار في ساحة المعركة، إنما تتعلق أكثر بالسياسة".