31-ديسمبر-2023
حرب السودان

المعارك تتواصل في السودان، بدون أي أفق يكشف عن نهاية قريبة (الترا صوت)

أكثر من سبعة أشهر على الصراع الدموي في السودان، ولا بوادر للحل القريب توقف الحرب، بين حلفاء الأمس، مع تصاعد متواصل للحرب، التي خلفت مقتل 12 ألف شخص، وعشرات الآلاف من الجرحى، وملايين النازحين في أسوأ كارثة إنسانية مرت على البلاد، بالإضافة للتدمير الممنهج الذي شهدته المدن السودانية.

ففي صبيحة 15 نيسان/أبريل، وفي اليوم 24 من شهر رمضان، استيقظت العاصمة الخرطوم، على أصوات اشتباكات، أعلنت عن انطلاق القتال المفتوح بين الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع، في حرب عرفت القتل والدمار والتهجير، واستخدام الاغتصاب كسلاح.

كشفت الحرب في السودان، عن أكبر أزمة لجوء في العالم، مع عنف واسع شمل القتل العرقي واستخدام الاغتصاب كسلاح ضد النساء

برزت بوادر الخلاف داخل المكون العسكري في مجلس السيادة السوداني، الذي تولّى السلطة لمرحلة انتقالية بعد الإطاحة في نظام عمر البشير في نيسان/أبريل 2019، ومع بدء عمل ورشات الاتفاق الإطاري الذي وقعته القوى المدنية مع المكون العسكري. الذي جرى التوصل إليه في 5 كانون الأول/ديسمبر 2022، لحل الأزمة السياسية المستمرّة في البلاد، منذ انقلاب الجيش على حكومة عبد الله حمدوك في تشرين الأول/أكتوبر 2021.

ورفض الجيش بقيادة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان تنفيذ بنود الاتفاق قبل دمج قوات الدعم السريع في الجيش السودان حسب ما جاء في الاتفاق. في حين دعا قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) إلى التقارب أكثر مع القوى السياسية والمدنية، وتبنّي مطالبها داخل ورشات التفاوض في الاتفاق الإطاري، في محاولة للتقرب من الإطار المدني، في مواجهة الجيش، بما يحافظ على مصالحه. مع التلميح لرفض انضمام قواته إلى الجيش، للحفاظ على استقلالية نفوذه، وسلطته الاقتصادية والمالية بعيدًا عن الجيش.

وتصاعدت الأزمة بين الطرفين بعد محاولة قوات الدعم السريع الاستيلاء على قاعدة جوية للجيش في مروي، وإعلان القوات المسلحة السودانية في بيان، يوم 13 نيسان/أبريل 2023، عن تحرّكات قوات الدعم السريع وانتشارها في مناطق عدة من العاصمة، من دون موافقة القوات المسلحة السودانية أو حتى التنسيق معها. 

وبعد توتر طويل وتراشق إعلامي، انفجر الصراع، يوم 15 نيسان/أبريل 2023، بين قيادة الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، داخل العاصمة السودانية الخرطوم، ليمتد منها إلى مدن أخرى، وتبدأ فصول جديدة من مأساة الشعب السوداني.

وشهدت البلاد معارك شرسة لم تشهدها من قبل، وتركز الاقتتال بداية في العاصمة الخرطوم، حيث حاولت قوات الدعم السريع السيطرة على القصر الجمهوري، ومباني الإذاعة والتلفزيون، ومطار الخرطوم الدولي، ومباني القيادة العامة، وثكنات الجيش، بالإضافة للعديد من مؤسسات الحكومية.

خريطة السيطرة العسكرية

تدور الحرب في 11 ولاية سودانية من أصل 18 ولاية، بينما تشهد 7 ولايات هدوءًا نسبيًا، وهي تحت سيطرة الجيش السوداني. وأصبحت ملاذًا لملايين السودانيين الهاربين، وهذه الولايات هي: البحر الأحمر، كسلا، القضارف، الشمالية، نهر النيل، النيل الأزرق، والنيل الأبيض. فيما تشهد ولاية الخرطوم بمدنها الثلاث، الخرطوم وبحري وأم درمان، ساحة النزاع الرئيسي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

وبسبب انتشاره الواسع في العاصمة السودانية تمكن الدعم السريع من السيطرة على القصر الرئاسي ومحيط القيادة العامة ومطار الخرطوم والإذاعة والتلفزيون، ومقر قيادة شرطة الاحتياطي المركزي، ومجمع اليرموك للصناعات العسكرية، وعلى المناطق المحيطة بسلاح المدرعات ومساحات واسعة من العاصمة، خاصةً في مدينتي بحري وأم درمان ومناطق جنوب ووسط الخرطوم وشرقها.

في المقابل، حافظ الجيش على سيطرته على معظم ثكناته العسكرية في الخرطوم، كما بسط سيطرته على كل معسكرات الدعم السريع في العاصمة.

وخارج العاصمة، كانت ولايات دارفور الخمسة ساحة صراع دموي، وهي: ولايات شمال دارفور وجنوبه وغربه وشرقه ووسطه، وشهدت ولاية غرب دارفور انتهاكات واسعة، إذ ارتكبت قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها، المجازر بحق قبيلة المساليت، خاصة في الجنينة عاصمة، التي نفذت فيها حملة تطهير عرقي طالت المكونات غير العربية عام 2003.

وفرضت قوات الدعم السريع سيطرتها على ولايات دارفور، ما عدا ولاية الشمال التي تتمركز في عاصمتها الفاشر قوات كبيرة من الجيش السوداني

كما تُعدّ ولايات وسط السودان في إقليم كردفان الذي يضم ثلاث ولايات، هي: شمال كردفان وجنوبه وغربه، معقلًا لقوات التمرد التي عقدت معها الحكومة السودانية اتفاق سلام عام 2020، لكنّ مع انفجار الصراع الحالي في السودان، اندلعت المعارك بين قوات الحركة الشعبية قطاع الشمال بقيادة عبد العزيز الحلو، التي لم توقع على اتفاق السلام في جوبا، مع الجيش السوداني في ولاية جنوب كردفان، إذ سعت قوات الحركة للسيطرة وتوسيع نفوذها، ودخلت قوات الدعم السريع على الخط لقتال الجيش السوداني، فيما ترددت أنباء عن انضمام الحلو إلى قوات الدعم السريع، وهو ما تم نفيه في وقت لاحق.

وبعد أن كانت ولاية الجزيرة تتمتع بوضع خاص بحكم قربها من العاصمة الخرطوم، بالإضافة إلى أنها طريق عبور اقتصادي مهم يربط ولايات السودان، وأصبحت بعد الحرب المركز الرئيسي لاستقبال اللاجئين، طالتها العمليات العسكرية بعد أن شن الدعم السريع هجومًا على عدد من قرى الولاية، إذ سيطر على مدينة ود مدني عاصمة ولاية الولاية، لتشهد عملية نزوح واسعة.

وكان الهدف من السيطرة على ولاية الجزيرة هو فصل ولايات شرق وشمال السودان عن وسطها، من أجل تدمير مركز القيادة السياسية التي تدير الحرب بين الوسط وشمال وشرق البلاد.

تدمير البنية التحتية

بحكم انتشارها السابق وتغلغلها في مفاصل الدولة، أين كان يقع على عاتقها حماية العديد من مؤسسات الدولة، سارعت قوات الدعم السريع إلى تدميرها خاصة الخدمية منها كمحطات الكهرباء وتحلية المياه والشرب، بشكل غير مسبوق.

كما كان القطاع الصحي، هدفًا بارزًا للحرب. إذ عمدت قوات الدعم السريع إلى محاصرة واقتحام واحتلال مستشفيات العاصمة الخرطوم، واعتدت على الكوادر الطبية. واختطفت العديد منهم، ونقلتهم إلى مواقع معالجة جرحاها. وقامت بنهب العديد منها وتدميرها، فيما حولت من بعض المستشفيات إلى مراكز عسكرية. ما أخرج المنظومة الصحية عن العمل في العديد من مناطق العاصمة السودانية وباقي المدن.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد أقدم الدعم السريع، على نهب الأسواق والمراكز التجارية وتدميرها خاصةً في العاصمة الخرطوم، والتي تقدر قيمتها بملايين الدولارات. كما طال النهب مخازن الشركات والمصانع. ووصل النهب إلى البنوك وفروعها المنتشرة في الخرطوم والمدن الأخرى، وسرقة السيولة المتواجدة داخلها. واللافت كذلك أن معظم هذه البنوك تتبع للقطاع الخاص وليس الحكومي. ولم تسلم الجامعات والمؤسسات التعليمية الحكومية والخاصة، من عملية التخريب ونهب محتوياتها.

بالإضافة لكل ذلك، طال النهب كل ما هو ثمين في منازل المواطنين، التي تم احتلالها، وطرد سكانها واتخاذها ثكنات عسكرية، وطال هذا السلوك أحياءً كاملة.

ولم تكن البعثات الدبلوماسية والسفارات الأجنبية بعيدة عن عمليات الاعتداء والهجوم، فقد تعرضت العديد من مباني السفارات والبعثات الدبلوماسية لعملية نهب واسعة، ولم تؤدي التحذيرات التي أطلقت لمعاقبة الفاعلين إلى توقف تلك العمليات التي طالت قسم كبير من الهيئات الدبلوماسية في السودان.

هذه الممارسات أعطت الانطباع أن قوات الدعم السريع تقوم بخطة ممنهجة لتدمير كل مقدرات البلاد، ولم تكن تصرفات فردية لعناصر غير منضبطة.

الاغتصاب كسلاح حرب

منذ بدء القتال في 15نيسان/ أبريل، انتشر الخوف في كامل أرجاء السودان خاصة بين النساء، فقد ارتكبت العديد من الانتهاكات في حقهن، كان العنف الجنسي والاغتصاب سلاح حرب لكسر وإخضاع النساء والفتيات وإرهابهن ومعاقبتهن، وكوسيلة لمعاقبة فئات محددة، وذلك بعد عدة سنوات من مشاركة فاعلة في الثورة السودانية. وتم التبليغ عن عشرات الحالات في العاصمة السودانية، من الأحياء التي اقتحمها عناصر الدعم السريع، كما وردت تقارير عن احتجاز فتيات لأيام مع الاعتداء عليهن جنسيًا وعن وجود حالات اغتصاب جماعي للنساء والفتيات.

ومع بدأ الهجمات في مدينة الجنينة في ولاية غرب دارفور، تحدثت مصادر حقوقية عن ورود عدد هائل من حالات الاغتصاب أثناء الهجوم، تقف خلفها قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها.

من غير المعروف حجم وعدد حالات الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي، التي ارتكبتها قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها، لكن تم توثيق مئات الشهادات من الضحايا.

وذكرت تقارير حقوقية ولمنظمات تابعة للأمم المتحدة، من أن حالات خطف النساء والفتيات ارتفعت بشدة، واتهم الدعم السريع بالوقوف خلفها.

الأطراف الخارجية.. لا جهد حقيقي

لم يتخذ أيٌّ من الأطراف الإقليمية موقفًا واضحًا من الحرب الدائرة في السودان، فقد سارعت مصر ودولة جنوب السودان إلى عرض الوساطة لوقف القتال، بينما دعت مصر والسعودية إلى اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية لمناقشة الوضع. كما عرضت دول الجوار مع السودان الوساطة لحل الأزمة. وطالب الاتحاد الأوروبي بوقف القتال ودخول الأطراف في حوار، وينظر الاتحاد الأوروبي باهتمام كبير إلى تداعيات الصراع في السودان عليه، خشية حصول موجة هجرة جديدة يكون مصدرها السودان.

أما الولايات المتحدة، فقد لعبت دور الوسيط وساهمت إلى جانب السعودية، في التوصل إلى عدد من التفاهمات لوقف إطلاق النار بين الفرقاء، لم يتم احترام أي منها، والتي كانت تنهار سريعًا. ولم يتضح انحياز الولايات المتحدة لأي طرف من أطراف الصراع في السودان، إذ قسمت العقوبات على أفراد في الجيش والدعم السريع، استمرت في الدعوة إلى التوصل للاتفاق، من خلال الحوار.

كما دعت الصين إلى إنهاء القتال، باعتبارها الشريك الاقتصادي الرئيسي للسودان، ومستثمرًا نشطًا في قطاعاتٍ عديدة، بما في ذلك قطاع التعدين.

أما روسيا، الرسمية، فلم تنحاز إلى أي جانب في الصراع، مع استمرار العلاقة المتينة بين قوات الدعم السريع ومجموعة "فاغنر"، التي دعمت قوات حميدتي بالسلاح والذخيرة خاصةً الصواريخ، مقابل تأمين قوات الدعم السريع تدفّق كميات كبيرة من الذهب واليورانيوم من السودان.

وعلى الجانب الإسرائيلي، فإن تل أبيب ترتبط بعلاقات قوية بطرفي الصراع السوداني، ولم يخرُج موقفها عن الدعوة إلى وقف القتال، على اعتبار أن الحرب الحالية عطلت توقيع اتفاق التطبيع الدبلوماسي مع الخرطوم.

ويرتبط قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) بعلاقات واسعة داخل إسرائيل خاصة مع أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية. فقد زارت وفود للدعم السريع إسرائيل في مناسبات عديدة والتقت قادة إسرائيليين خاصة في أجهزة الأمن.

لم يتخذ أيٌّ من الأطراف الإقليمية موقفًا واضحًا من الحرب الدائرة في السودان

أكبر أزمة لجوء في العالم

قدرت الأمم المتحدة عدد النازحين في السودان بأنه تجاوز 6 ملايين داخل البلاد، أو في الدول المجاورة خاصةً في تشاد، وباتت السودان البلد الأكبر على مستوى العالم من حيث عدد النازحين، في ظل ظروف بالغة السوء بسبب استمرار القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. 

ونظرًا للأرقام الكبيرة حذّرت الأمم المتحدة من تداعيات استمرار الحرب التي تؤدي إلى المزيد من الكوارث والمعاناة للسودانيين والعاملين في المجال الإنساني على حد سواء. معتبرةً أن الحرب في السودان هي على حافة "الشر المطلق".