19-أغسطس-2017

يكشف تسريب جديد للعتيبة عن سخريته من السعودية وسبابه في حُكامها (بلومبيرج)

استمرارًا لحفلة تسريبات البريد الإلكتروني لسفير أبوظبي في واشنطن، يوسف العتيبة، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريرًا مُطولًا يكشف مدى احتقار العتيبة -باعتباره ممثلًا عن الإمارات- للسعودية وحُكامها، انطلاقًا من رسائل إلكترونية مُسربة، يسخر فيها من طريقة الحكم وإدارة البلاد. كما يكشف التقرير مزيدًا من التفاصيل عما هو معروف عن مساعي أبوظبي الحثيثة للترويج لابن سلمان في واشنطن، ولدى إدارة دونالد ترامب الذي "يشمئز" من السعوديين. والتالي هو ترجمة لهذا التقرير.


وصف سفير أبوظبي في واشنطن، يوسف العتيبة، القيادة السعودية بأنّها "تابعة سخيفة" في سلسلة من رسائل البريد الإلكتروني المسربة التي تشير إلى سنوات من الإحباط الإماراتي مع النظام القديم في الرياض، التي أفضت إلى تبنيه استراتيجية واضحة لانتزاع السلطة من خلال تعزيز صعود الأمير الشاب محمد بن سلمان، الذي أصبح وليًا للعهد بعد الإطاحة بابن عمه محمد بن نايف ووضعه تحت الإقامة الجبرية.

كشفت رسائل مسربة من البريد الإلكتروني ليوسف العتيبة، احتقاره للسعودية والعائلة الحاكمة بها

وتظهر الرسائل، التي حصَل عليها موقع "ميدل إيست آي" من خلال مجموعة القرصنة العالمية للتسريب "غلوباليكس"، أن العتيبة يسخر من السعودية أمامَ زوجته المصرية عبير شكري على قرار الشرطة الدينية السعودية (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) في عام 2008 بحظر الورود الحمراء في عيد الحب.

اقرأ/ي أيضًا: تسريبات العتيبة.. إرهاب أبوظبي "الدبلوماسي" برعاية إسرائيلية

وفي رسالة أخرى كتب يوسف العتيبة، أنّ "أبوظبي قد حاربت السعوديين لمدة 200 سنة بسبب الوهابية"، وأنّ الإماراتيين لديهم "تاريخ سيء" مع السعودية أكثر من أي أحد آخر. وفي رسالة ثالثة كشف العتيبة عن أنّ الوقت قد حان لتحصل الإمارات على "أفضل النتائج التي يمكن أن تحصل عليها من السعودية".

ولكن الجزء الأكبر من الرسائل المتبادَلَة يكشف عن أنّ الأمر أكثر من كونه مجرد انعكاسات لآراء سفيرٍ إماراتي، فعلى ما يبدو أنّها خطة لإظهار السعودية كدولة متخلّفة تعيش في أعقاب السلف المتحفّظ دينيًا، وأنّ افضل آمالها هو محمد بن سلمان. ووفق مصدر لموقع "ميدل إيست آي"، فإنّ ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي لها، محمد بن زايد، يعتبر نفسه مُستشارًا لابن سلمان. ومن المعلوم أنّ كليهما سيعقد ثلاث اجتماعات هذا الشهر.

انقلاب سعودي يبدأ من نادي الغولف

كان العتيبة واضحًا في رسائله الإلكترونية، فيما يخص وصول محمد بن سلمان، يبلغ من العمر 31 عامًا، في وقت سابق من هذا العام لولاية العهد، وأنها فرصة سانحة للإمارات كي تضع بصمتها على جارتها الأكبر، وهو ما تُؤكده أيضًا مصادر مُطّلعة تحدثت إلى "ميدل إيست آي"، شرط عدم ذكر اسمها.

والصورة الأكبر التي رسمتها رسائل العتيبة الإلكترونية المسرَّبة، ومصادر أُخرى متعددة، تؤكد أن السفير الإماراتي كان يؤدي دورًا رائدًا في الترويج لابن سلمان بين جمهور واشنطن المتشكك، في حين أن السفارة السعودية كانت سلبيةً تمامًا تقريبًا في هذا الصدد.

وخرج وزراء سعوديين عن دائرة الموضوع، عندما توجه ابن سلمان وشقيقه خالد، الذي هو سفير في واشنطن الآن؛ إلى اجتماع سري مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في نادي الغولف التابع له ببدمينستر، وذلك قبل بضعة أسابيع من زيارة الرئيس الأمريكي للرياض.

وكانت الصحافة المحلية تعتقد أن ترامب قضى عطلة نهاية الأسبوع لمجرد الانغماس في لعب الغولف، لكن على ما يبدو فقد كان اختيار هذا المكان ليكون موقع اجتماعٍ سريٍّ لضيوفه السعوديين؛ حيث تحجب الدروعُ العقارية، الصحفيين وكاميراتهم من اختلاس النظر، على عكس برج ترامب أو فندق مارالاغو.

هذه العلاقات رفيعة المستوى، التي ساعد العتيبةُ في تنشئتها، ستجعله بلا شك مُرتاحًا، قد يُؤكد ذلك رسالته إلى أحد أهم كتاب صحيفة نيويورك تايمز، وهو توم فريدمان، وذلك في 21 آيار/مايو العام الجاري، قال فيها: "خاضت أبوظبي 200 سنة من الحروب ضد السعودية للقضاء على الوهابية. ولدينا تاريخ سيء مع السعوديين أكثر من أي أحد آخر. لكن في وجود محمد بن سلمان فثمّة تغيير حقيقي، ولهذا نحن متحمسون، ونرى في آفاق هذا الأمر أملًا يلوح من بعيد، ونحن بحاجة إلى أن يتم له النجاح".

كان للعتيبة الدور الأبرز في الترويج لابن سلمان بواشنطن، وكان يقول عنه إنّه يُذكّره بابن زايد وهو أصغر سنًا وأقل خبرة

وفي مقابلة مع بريان كاتوليس، وهو زميل بارز في مركز التقدم الأمريكي، قال عتيبة: "يذكّرني محمد بن سلمان بمحمد بن زايد وهو أصغر سنًّا، ولم يزل قليلَ الخبرة". وقبل شهر كتب العتيبة للسفير الأمريكي الأسبق في إسرائيل، مارتن إنديك، قائلًا: "لا أعتقد أننا سوف نرى في أي وقت آتٍ زعيمًا أكثر واقعيةً منه في ذلك البلد. وهذا هو السبب في أن إشراكهم في القيادة أمرٌ في غاية الأهمية، وسوف يُسفر عن معظم النتائج التي يمكن أن نخرج بها من السعودية".

اقرأ/ي أيضًا: أمير التخبط السعودي.. موسم الحصاد الأمريكي في الرياض

وفي رسائل بريد إلكترونية أخرى، ظهر العتيبةُ مُناصِرًا لابن سلمان باعتباره مُصلحًا، واصفًا إياه بأنّه "في مهمة لجعل الحكومة السعودية أكثر كفاءة"، وأنّه "الرجل الذي يفكر وكأنه رجل من القطاع الخاص".

وفي رسالة إلى ستيفن كوك، الزميل البارز في مجلس العلاقات الخارجية، قال العتيبة، إنّ "محمد بن سلمان رجلٌ مُصلح؛ وهو يؤمن كثيرًا بما نؤمن به ونراه في دولة الإمارات العربية المتحدة. تمكين الشباب وجعل الحكومة مسؤولة، هي نتائج شخص يميل لتحقيق الإنجازات"، مُضيفًا في وصف ابن سلمان لكوك، بأنّه "ليس لديه وقت لعدم الكفاءة. وما يقوده هو الرغبة في إنجاز الأمور وإصلاحها؛ فلا يعد هذا انقلابًا ولا صراعًا على العرش".

بذور الشك

كان عتيبة يمارس ألاعيبَ السياسة داخل بيت آل سعود نفسه، مُدركًا تمامًا أنّ على ابن سلمان أن يتغلب على محمد بن نايف الذي كان يحظى بسمعة طيبة في الولايات المتحدة، وكان شريكًا موثوقًا به في مكافحة الإرهاب، ولذا قام العتيبة ببذر بذور الشك لاقتلاعه.

وجدير بالذكر أنه قبل أكثر من عام من إقالة بن نايف من منصبه في حزيران/يونيو الماضي، بدأ العتيبة حملة نفوذ في واشنطن لبث شائعات حول الحالة النفسية لمحمد بن نايف، بأنه مدمن على تعاطي المسكِّنات التي تؤثر على قراراته وأحكامه.

وفي رسالة بالبريد الإلكتروني في 14 كانون الأول/ديسمبر 2015 مع ديفيد بتريوس، المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه) وقائد قوات التحالف في العراق؛ طرح ديفيد على العتيبة سؤالًا عن محمد بن نايف عمًا إذا كان لا يزال يمارس نفوذه، ليرد عليه العتيبة: "محمد بن سلمان بالتأكيد أكثر نشاطًا في معظم القضايا اليومية، أما ابن نايف فيبدو أنّ الأمور تفلّتت من يده في الآونة الأخيرة".

ليرسل إليه بتريوس مرة أُخرى: "نحتاج إليه أيضًا، فوزارة الداخلية (وكان وزيرها ابن نايف) مهمة للسعودية.وثمّة حاجة إلى صياغة اتفاق مع العضو الأصغر سنًّا. سوف نشجع الأمر عندما يصل الأمر إلى ذلك"، فأجابه العتيبة: "موافق، فهذه حالة فريدة، حيث يعتمد نجاح المملكة العربية السعودية على نجاح العمل بين محمد بن زايد ومحمد بن نايف. وأعتقد أن العلاقة الثنائية بينهما أقوى بكثير مما يعتقد الناس هنا"، مُضيفًا بذرة شك بقوله: "لكنني أعتقد أيضًا أن مستوى الثقة بالنفس لدى محمد بن نايف لم يعدْ كما كان من قبل".

وبعد ستة أشهر، كتب العتيبة إلى ستيفن كوك أنه سيكون "مندهشًا جدًا إذا حاول ابن سلمان تجاوز ابن نايف"، مُضيفًا: "التقيت بمحمد بن نايف مُؤخرًا، ولإيضاح الأمور، لم يكن مثيرًا للإعجاب، وكان أقل وضوحًا".

ويظهر دور العتيبة أيضًا في الترويج لابن سلمان، في تبادل الرسائل مع روبرت مالي، كبير مديري مجلس الأمن القومي آنذاك، والذي طلب عقد اجتماع مع وزير قريب من الأمير.

وفي تبادل آخر للرسائل، يطلب مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية من العتيبة، التوسط في لقاء يجمع ابن سلمان وبريت ماكغورك، المبعوث الخاص آنذاك للتحالف العالمي لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وبين مالي.

كاد محمد بن سلمان ووالده أن يفقدا العرش على يد متعب بن عبدالله وخالد التويجري، لولا أن افتضح أمرهما صدفة

وإجمالًا، فقد كان تأثير جهود تلك العلاقات العامة على مستقبل محمد بن سلمان كبيرًا، ففي كانون الثاني/يناير لعام 2015، كان محمد بن سلمان ووالده، على وشك فقدان عرش المملكة العربية السعودية، إذ دخل العاهل السعودي آنذاك، عبدالله بن عبدالعزيز، في غيبوبة استمرت عشرة أيام على أقل تقدير داخل مستشفى الحرس الوطني السعودي الذي كان يديره ابنه الأمير متعب، فيما أُحيطت حالته الصحية الحقيقية بسرية تامة. وكان هناك شخصين فقط من البلاط الملكي على اطلاع بحالته الصحية: ابنه الأمير متعب، ورئيس الديوان الملكي آنذاك خالد التويجري.

اقرأ/ي أيضًا: تأسيس مملكة محمد بن سلمان "المتهوّرة".. الحكاية من أولها

وتفيد مصادر مُطلعة لميدل إيست آي، أن "التويجري ومتعب، خططا لتزوير توقيع الملك عبدالله على مرسوم يستبعد ولي العهد آنذاك، سلمان بن عبدالعزيز، من دوره في تولي العرش، بزعم عدم صلاحيته لهذا المنصب". وكان خرفه الذي ظهر في كانون الثاني/يناير 2015، دليلًا على ذلك.

ولو أن هذا الأمر كان حدث، لترقى مقرن بن عبدالعزيز، والذي كان نائبًا لولي العهد آنذاك، ليصبح هو ولي العهد مُباشرةً، ويُصبح متعب ولي ولي العهد. وقد كان في نيّة الملك عبدالله تنصيب مقرن ملكًا، ليكون حلقة الوصل بين جيل أبناء المؤسس وأحفاده.

أما سلمان وابنه محمد، فقد اتخذوا خطوة سريعة ومباغتة، إذ أجروا زيارة غير متوقعة للمستشفى، وطلبوا رؤية الملك عبدالله. كان في استقبالهم التويجري الذي حاول بشتى الطرق صرفهم بأن أخبرهم أن الملك عبدالله كان مستيقظًا، إلا أنه تناول أدويته الآن ويحتاج إلى الراحة. لكنهما لم ينصرفا بسهولة، وإنما سألا أحد الأطباء على الحالة الصحية للملك، وبدون علم التويجري، فاعترف لهم الطبيب بأن الملك عبدالله في غيبوبة منذ عدة أيام، وأنه لم يعرف تحسنًا مذاك الوقت.

ووفقًا للمصادر، فقد طوى ابن سلمان المستشفى طيًا لمواجهة التويجري، ثم سمع دوي صفعة قوية تلقاها التويجري منه. وقال ابن سلمان للتويجري الذي كان مصدومًا، إنّه بمجرد تنصيب والده ملكًا، سوف يُستغنى عنه نهائيًا. وهكذا بمجرد انكشاف سر الحالة الصحية للملك عبدالله، أُستبعدت خطة تزوير المرسوم الملكي.

يُعرف عن ابن سلمان ميله إلى استخدام العنف أو التهديد به (جوناثان إرنست/ Getty)
يُعرف عن ابن سلمان ميله إلى استخدام العنف أو التهديد به (جوناثان إرنست/ Getty)

وبمجرد أن أصبح سلمان ملكًا، استخدم خطة التويجري ضد أعضاء الأسرة المالكة التي مات ملكها للتو، فقد اُستبعد الأمير مقرن من ولاية العهد خلال شهرين من تولي الحكم، ونُقل ابن نايف إلى منصبه القديم. وعندما حان وقت التخلص من ابن نايف وترقية محمد بن سلمان، استخدم الملك نفس الذريعة، واتهم ابن نايف بالقصور العقلي.

ولم تكن تلك المرة الأولى التي يستخدم فيها الأمير الطائش العنف أو التهديد بالعنف، فقبل عدة أعوام عندما أراد والده الاستحواذ على قطعة أرض، بينما رفض القاضي منحه إياها، ذهب ابن سلمان لزيارة القاضي، ووضع رصاصة على مكتبه، وأخبره: "إما أن توقع على وثيقة الأرض، أو أضع هذه الرصاصة في رأسك".

الإمارات تُعبّد الطريق لابن سلمان

قبل أن يُتمّ ابن سلمان رحلته السريعة نحو السلطة، وانتزاع دور ابن عمه الأكبر؛ كان عليه أن يحظى بدعم ترامب. حدث ذلك في يومٍ هبت فيه عاصفة ثلجية غير متوقعة على واشنطن في 13 آذار/مارس العام الجاري، حالت دون وصول المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والتي كان من المقرر أن تبدأ زيارتها للولايات المتحدة اليوم التالي، حينا كان محمد بن سلمان ووزير الخارجية السعودي عادل الجبير والوفد السعودي المرافق لهما، في المدينة بالفعل، حيث كان من المقرر الاجتماع بترامب وجاريد كوشنر وستيف بانون، في 16 آذار/مارس.

التقط العتيبة تلك الفرصة، واقترح أن يستغل البيت الأبيض فرصة فراغ جدول أعمال الرئيس للتعرف عن قرب بالأمير الشاب. وقد اُشيد بهذا اللقاء، وبالغداء المصاحب له، بشكل مبالغ فيه، على الرغم من إخبار ترامب لموظفيه أنه كان يشعر "بالاشمئزاز" من الجلوس على طاولة واحدة أمام السعوديين الذين "قطعوا رؤوسًا أكثر من داعش"!

بعد اجتماعه بابن سلمان في واشنطن، قال ترامب لموظفيه إنه كان يشعر بـ"الاشمئزاز" للجلوس على طاولة واحدة مع سعوديين

وبعد عدة أشهر، أعلن ترامب عن زيارته الأولى للرياض، رغم تردد بداية الأمر، إلا أنّ الإماراتيين أقنعوه بالقيام بهذه الرحلة، معتمدين فيما يبدو على الأموال السعودية. وبحسب مصادر لميدل إيست آي، فقد كان الإماراتيون أيضًا وراء فكرة دعوة القادة العرب لحضور هذه القمة في الرياض.

اقرأ/ي أيضًا: زيارة ترامب للسعودية.. ترويض العنصرية بالاستثمار والعلاقة مع إسرائيل!

في المقابل، كان على ابن سلمان وشقيقه الأصغر خالد، أن يُؤسسوا لبعض الأعمال مع ترامب. وقد حدث ذلك في أيار/مايو الماضي، حين كان ترامب في منزله الواقع ببيدمنيستر، بولاية نيوجيرسي لقضاء عطلة نهاية الأسبوع. وبحسب مصادر خاصة، فقد كان كلًا من ابن سلمان وشقيقه خالد بصحبة ترامب هناك، في زيارة لم يعلم بها أي وزير سعودي. وكان غرض الزيارة تقديم استثمارات في البنية التحتية الأمريكية تقدّر بـ40 مليار دولار، إلى جانب صفقة أسلحة تصل قيمتها إلى 500 مليار دولار!

 

اقرأ/ي أيضًا:

أبرز 5 قرارات ليلية للعاهل السعودي.. هنا الرياض بتوقيت واشنطن

محاولة للبحث عن العلمانية في قاموس فيلسوف الرشاوى "العتيبة"