07-أبريل-2017

ستيف بانون برفقة دونالد ترامب (نيكولاس كام/أ.ف.ب)

بعد أقل من يوم واحد على إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إقالة كبير خبرائه الاستراتيجيين في مجلس الأمن القومي، ستيف بانون، قصفت قوات البحرية الأمريكية من مدمرة "يو إس إس بورتر" المتواجدة شرقي البحر المتوسط، بـ59 صاروخًا من طراز "توماهوك"، مطار الشعيرات العسكري في مدينة حمص وسط سوريا، والذي يعد من أكثر المطارات التي يعتمد عليها نظام الأسد في هجماته الجوية على مناطق سيطرة المعارضة شمال البلاد.

أتت الضربة الأمريكية بصواريخ التوماهوك بعد فداحة مجزرة كيماوي جديدة في خان شيخون هذه المرة

الضربة الأخيرة أتت بعد العديد من التكهنات المرتبطة بآلية تعاطي إدارة ترامب مع النظام السوري، والتي عكستها تصريحات مسؤولين أمريكيين نهاية الأسبوع الماضي، وأظهرت أنها أكثر قربًا من التحالف مع نظام الأسد، وما رافقه من تصعيد للأخير باستهدافه مدينة خان شيخون بغاز السارين السام، جعل نواب في الكونغرس الأمريكي يوجهون النقد إلى تغاضي الرئيس ترامب عن الجرائم التي يرتكبها نظام الأسد في سوريا.

من هو ستيف بانون؟

يعتبر ستيف بانون المتخرج من جامعة فرجينيا للتكنولوجيا عام 1977، والحاصل على شهادة ماجستير في دراسات الأمن القومي من جامعة واشنطن، بالإضافة لدراسته في كلية الأعمال الإدارية بجامعة هارفرد؛ من الأشخاص الأكثر قربًا للرئيس ترامب، وعمل مع الأخير كرئيس تنفيذي لحملته الانتخابية التي أوصلته للبيت الأبيض.

لم يكن بانون اسمًا معروفًا على هذا النطاق داخل الولايات المتحدة قبل 2004، وهو العام الذي أصبح فيه عضوًا بشبكة بريتبارت الإخبارية

اسم ستيف بانون لم يكن معروفًا على هذا النطاق داخل الولايات المتحدة قبل 2004، وهو العام الذي أصبح خلاله عضوًا في شبكة بريتبارت الإخبارية، ذات التوجهات اليمينية المتطرفة، ولديها موقع إخباري بالاسم عينه، يُعرف عن نفسه بأنه منصة لـ"بديل اليمين". استطاع ستيف بانون عبر الموقع أن يشن هجومًا على الإدارات الأمريكية السابقة مستغلًا الأزمة الاقتصادية لعام 2008، وحالة الاستياء الشعبي التي رافقتها في تلك الفترة.

ستيف بانون، مهندس الحملة الانتخابية لترامب كما يصفه الجميع، انضم لاحقًا إلى حركة "الشاي" المعروفة بتوجهاتها اليمينية المتطرفة. كما استفاد ستيف بانون كثيرًا من موقع "بريتبارت" الإخباري في الترويج لأفكاره المعارضة لسياسة الهجرة وتعدد الثقافات، وزاد عليها استمراره الدائم لمهاجمته  الإسلام والمسلمين عبر مقالاته. فكانت أفكاره وآراؤه قريبة من البرنامج الانتخابي الذي طرحه ترامب في حملته الانتخابية، علمًا أن الموقع الذي كان يديره ستيف بانون يسجل نحو 35 مليون زيارة شهريًا.

اقرأ/ي أيضًا: إدارة ترامب والإرهاب بين الأيديولوجيا والبرغماتية؟

ستيف بانون خارج البيت الأبيض.. السياسة الخارجية تتغير!

يعتبر قصف الجيش الأمريكي لقاعدة الشعيرات الجوية في سوريا، نقطة تحول في موقف إدارة ترامب إزاء الوضع القائم في سوريا، فهي حتى ما قبل يوم الإثنين الماضي، كانت تصريحاتها محط قلق للدول الفاعلة في الشأن السوري، بعد أن أعلنت رسميًا عدم وجود أي خلاف مع رئيس النظام السوري بشار الأسد وأركان نظامه، بل ورؤيتها لإمكانية الإفادة من هذا النظام في الحرب على داعش.

الموقف الأمريكي الأخير اعتبره مراقبون ناتجًا عن تأثير الدائرة الضيقة حول ترامب، وطريقة تعاطيها مع ملف "مكافحة الإرهاب" في حربها ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وتنظيم القاعدة، والتي رأت في الأسد شريكًا لها في هذه الحرب. ورغم محاولة إدارة ترامب التقليل من حجم تصريحات المسؤولين الأمريكيين، إلا أنها كشفت على عزم ترامب تجاهل التصعيد العسكري من نظام الأسد ضد مناطق سيطرة المعارضة السورية.

في المقابل كشفت إقالة ستيف بانون من منصبه في مجلس الأمن القومي، والتصريح الذي أعقبها حول وجود مدير مجلس الامن القومي هربرت مكماستر، الذي يملك "تصورًا خاصًا لكيفية تنفيذ الأمور"، وهو ضابط شارك بالقتال في العراق وأفغانستان، واستلم منصبه خلفًا لمايكل فلين المتورط باتصالات مع روسيا أثناء حملة ترامب الانتخابية، أن ترامب يريد أن يجري تغييرًا جذريًا في سياسته الخارجية في الشرق الأوسط بشكل كامل.

تقارير عديدة سابقة تحدثت عن تأثيرستيف بانون على ترامب، كان أخر فصولها ممارسة نفوذه بشكل واسع عندما بدأ البحث عن خليفة لفلين، حيثُ قال بعضها إن ترامب يواجه صعوبة في اختيار بديل لفلين الذي أُجبر على الاستقالة بسبب ستيف بانون. ويظهر أن الأخير كان يملك تأثيرًا كبيرًا على السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية التي ركزت على ملف "مكافحة الإرهاب" متجاهلة انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في الشرق الأوسط.

الإدارة الأمريكية تحذر الأسد

منذ تنفيذ نظام الأسد الهجومَ الكيميائي على مدينة خان شيخون، ارتفعت حدة التوقعات حول كيفية تعاطي إدارة ترامب مع الهجوم المُنفّذ بالأسلحة المحرمة دوليًا، لكن وتيرتها كانت أشد أمس الخميس، بعد حديث وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس عن مناقشته مع هربرت مكماستر لكافة الخيارات الممكنة للرد على نظام الأسد.

الضربة الأمريكية رغم إشارتها لتغير طفيف في سياسة إدارة ترامب تجاه نظام الأسد، إلا أنها قد تفتح المجال أمام حرب جديدة مع روسيا 

الصحافة الغربية قدمت مكماستر عندما أُعلن رسميًا خلافته لفلين، على أنه من أبرز المعادين للتقارب مع روسيا، ونقلت عنه قوله إن موسكو "تسعى لاستبدال النظام الأوروبي الحالي بنظام أكثر تعاطفًا مع مصالحها"، إضافة إلى أنّه من الضباط الذين يملكون سجلًا حافلًا في حروب الجيش الأمريكي في الشرق الأوسط.

الضربة الأمريكية التي استهدفت قاعدة الشعيرات، رغم إشارتها لتغير طفيف في سياسة إدارة ترامب اتجاه نظام الأسد، إلا أنها قد تفتح المجال أمام حرب باردة جديدة مع روسيا، حيثُ إن القاعدة تعتبر من أبرز المواقع المتخذة كغرفة عمليات للضباط الروس، وتبعد عن مدينة تدمر التي يشهد محيطها معارك بين قوات النظام وداعش ما يقرب 147 كم شرق حمص.

اقرأ/ي أيضًا: حلب وتدمر.. حسابات داعش ومعسكر الأسد

بموازاة ذلك رأى محللون أن إقالة ستيف بانون، والاعتماد على ماستر في التخطيط للسياسة الخارجية، وما تبعها من استهداف مواقع لنظام الأسد لأول مرة منذ 6 سنوات، يأتي في محاولة لتوجيه أنظار الرأي العام خارجيًا بعيدًا عن التحقيق الذي ينفذه مجلس الشيوخ الأمريكي حول علاقة فلين مع روسيا، والتدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية لصالح ترامب.

وجاء الرد الروسي مثلما كان متوقعًا بعد تنفيذ الضربات الصاروخية، إذ علقت اتفاقية السلامة الجوية في سوريا مع الولايات المتحدة، وأكدت أن تدمير القاعدة الجوية ألحق "ضررًا كبيرًا" في العلاقات بين البلدين، ووجهت دعوة لمجلس الأمن لعقد جلسة طارئة لمناقشة الضربة الأمريكية، والتي من المتوقع أن تشهد سجالًا بين مندوبيّ البلدين حال انعقادها، وقد تكون بداية لحقبة جديدة في تعاطي المجتمع الدولي مع نظام الأسد وحلفائه الداعمين.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الأسد وبوتين وترجمة "غوغل"

ترامب الواضح.. ترامب الجميل