08-يونيو-2017

عادل الجبير يتحدث إلى الصحافة في باريس (جاك ديمارثون/ أ.ف.ب)

لا يُفهم من تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، سوى أن الدبلوماسية السعودية في حالة تأزّم، بل يمكن القول إنّها واقعة تحت خيار شوفيني وعصابي، يغالبه شعور الشخصانية والتذرر، إذ بدا أن في تصريحات الجبير بالعاصمة الفرنسية باريس شيئًا من التفكك يُظهر عدم قدرة على المواجهة، بمعنى التفسير الدقيق لحال الاتهامات المساقة زورًا، بخاصة وأن الغرب لا يحتكم إلى الاتهامات العرضية كما يبدو، والتي يُفهم منها التذرع والبلطجة، إذ إنّ عينه على الواقع، وهو ما جاء على لسان دبلوماسيين غربيين في سياق الحملة الخليجية ضد قطر، وذلك بدعمهم القرار القطري وثنائهم على سياسات قطر في مواجهة الإرهاب.

ما كان لافتًا أن لغة الجبير في باريس، كانت تحكمها لهجة الجفاء، وهو ما يعد في الدبلوماسية "منهجة للفشل"

ففي الأوساط الباريسية كلام واضح حول نوايا السعودية، لذا تأتي خطوة الجبير، في استغلال زيارته لتمرير تصريحات واهية أمام الإعلام الفرنسي، من باب التبرير الذي لم يتضمن أي حجج أو براهين تدعم السردية السعودية الإماراتية في اتهام قطر. وكانت الصحف الفرنسية تسأل بصوتٍ عالٍ عن النوايا الخفية للسعوديين، ودور الدبلوماسية في التضليل واستباق الهجمات بما يعزز الخطاب الذي تريده الرياض في مراكز القرار.

اقرأ/ي أيضًا: تقدير موقف: أزمة العلاقات الخليجية القطرية.. في أسباب الحملة ودوافها

وكان لافتًا للمتابعين أن لغة الجبير في باريس حكمتها لهجة الجفاء، وهو ما يعد في الدبلوماسية "منهجة للفشل" وتطور سيئًا لمجرى الحلول، هذا إن كان الهدف هو الحل فعلًا، وهو ما يمكن أن يظهر للعلن، بأن السعودية لا تبتغي من حزمة إجراءاتها المتسرعة سوى اختلاق أزمة نافرة يوضع الشك في مزاياها، لا بل تُشعر المراقبين بأنها استخدام للحظة كان من الأهم التركيز فيها على قضايا رابحة، كمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أو تقويض دكتاتور دمشق. ويأتي هذا الاستخدام في ظرف يعبر عن فقدان السعودية لصوابها السياسي كما يتضح.

وتبدو الإجراءات المتخذة، على سرعة وتيرتها، وكأنها معدة سلفًا، لكنه إعداد هزيل كما يبدو، اتخذ من الاستعلاء قاعدة، والعيش على فكرة واهية بأن السعودية لها كلمتها على دولة مستقلة ذات سيادة. لكن قطر برهنت عكس ذلك، بعدم تخليها عن قرارها السيادي، وعدم الخضوع لدبلوماسية "هوجاء" تهدف كما يتضح لإثارة النعرات بين الشعوب الخليجية، وتعاطيها مع كل الأمر بهدوء وتعقل يستهدف عدم الضرر لأحد أو مفاقمة الوضعية التي صحي العالم عليها بتدبير أبوظبي من وراء الرياض.

وفي تصرف قطر، فإنها تحمي الشعبين القطري والسعودي معًا، بل وشعوب الخليج العربي من تبعات الدبلوماسية السعودية الشوفينية. ففي رفضها لهذا التجني إعلاء لحرية الشعب السعودي بغالبيته والذي قال كلمته عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتم إسكاته بالترهيب كما حدث أيضًا في الإمارات من قبل "مطاوعية" الأمن والمستخبرين عبر الشبكة العنكبوتية.

وكما يتضح فإنّ دبلوماسية الجبير تسمح لإسرائيل بتمرير مشروع ترهيب من فكرة المقاومة ودعم المقاومين، وعلى رأسهم حركة حماس التي ثمة إجماع على أنها الأكثر مقاومة، ولا تزال بدرجة كبيرة تحافظ على سيرة واضحة المعالم في خريطة مواجهتها للاحتلال الإسرائيلي وعدوانه.

تخدم دبلوماسية الجبير إسرائيل بشكل كبير، ربما أكثر مما قد تُقدم عليه الخارجية الإسرائيلية!

وتخدم دبلوماسية الجبير إسرائيل بمراحل متقدمة، ربما الخارجية الإسرائيلية لم تمتلك هذه القدرة على ربح جولة من دون أية جهود مسبقة. فقد جاءها على طبقٍ من ذهب كلام الوزير في باريس وهو يتهم حماس بأنّها حركة إرهابية تحميها قطر. في المقابل إذن ما الذي قدمه الجبير ودولته للقضية الفلسطينية؟ لقد بدا الجبير بموقفه هذا، يستخدم منصبه كوزير ممثل عن دولة مُسلمة عربية تخط الشهادتين على علمها، ضد فلسطين وناسها وقضيتهم "العربية".

اقرأ/ي أيضًا: هل تدخل العلاقات السعودية الإسرائيلية عهدًا جديدًا؟

لكن كما يبدو فإن نية الجبير التعدّي، وهي نية تقترن بالحفاظ على وظيفته التي يتقاضى أجرها آخر النهار، معتمدًا على الافتراء كأسلوب مناورة لا يبدو أنه جدّي، ولعله قريبًا ستتضح ملابسات المناورة وأهدافها. ولا يعد هذا الأسلوب جديدًا في السياسة السعودية داخليًا وخارجيًا.

ويستسهل الجبير على منبر غربي اتهام دولة شقيقة بـ"دعم الإرهاب"، بينما تدرك جيدًا الطبقة السياسية الفرنسية ومعها الإعلام، تورط السعودية مرارًا بما تتهم به قطر. وأرقام الإحصاءات حول نسبة "الجهاديين" القادمين من السعودية مرتفعة، فضلًا عما هو معلوم بالضرورة من الدور السعودي المهول في العبث في الشأن المصري، ودعم انقلاب عسكري على أوّل رئيسٍ مدني منتخب، بالإضافة إلى عبثها في اليمن، ومصادرة القرار "الشرعي" مع عدم السماح لأي مبادرة غربية أو عربية في الحل القريب.

ويشبه قول الجبير على هامش زيارته لفرنسا، بأنه "قد فاض الكيل"؛ تهديدًا تأديبيًا، على الأغلب لا يتحمله منطق الدبلوماسية، كما يبدو أن الجبير يضمر به كيدًا وتآمرًا. 

وقال الجبير إن اتخاذ قرار قطع العلاقات مع قطر، "جاء بسبب عدم التزامها بالاتفاقات المبرمة منذ عدة سنوات حول عدم دعم الجماعات الإرهابية، وعدم التحريض على الدول، وكذا عدم دعم وسائل الإعلام العدائية، وعدم المساس باستقرار مختلف دول المنطقة"، وهو ما يتعارض مع مواقف دبلوماسيين وتقارير إعلامية حول جهود الدوحة في مواجهة داعش، ودعم قرارات مجلس التعاون الخليجي في هذا المجال! إلا أن الجبير بات ينافس أنور قرقاش، الوزير الإماراتي للخارجية، في التجني وإطلاق التهم غير المسندة التي قامت عليها الحملة العدائية ضد قطر. 

وأضاف الجبير أن "إصدار القرار نتج من تراكمات للأحداث، ليس فقط من موقف أو تصرف واحد، وأنه تم النظر في مواقف قطر كاملة وليس جزءًا منها"، وهو ما يدفع إلى التساؤل عن الظرف والتوقيت الذي تم فيه إطلاق هذه الحملة من الاتهامات، وتسويقها على أنها أمر واقع.

تأتي اتهامات الجبير لقطر بدعمها الإرهاب في وقت يعلم الجميع فيه تورط السعودية مرارًا فيما تتهم به قطر

ومما قاله الجبير إن قطر "تدعم وسائل إعلام محرضة ومعادية"، مدعيًا أن الدول المقاطعة لقطر لا تنوي الضرر بها أو بالمواطنين القطريين، فهي حسبما قال: "جارة لنا وعضو في مجلس دول التعاون الخليجي"، مُضيفًا: "ولكن يجب على قطر الاختيار ما بين إذا كانت ستتخذ اتجاهنا أو الاتجاه الآخر". يتحدث الجبير بمنطق أبوي، أو كأنه "شيخ القبيلة" الوصي على قطر، وأن قطر لابد لها الانصياع!

اقرأ/ي أيضًا: حملة عبرية - "عربية" ضد الدوحة.. القصة الكاملة للتحريض الإسرائيلي على قطر

ثُمّ في لفتة أخيرة، تحدث عن إيران، فيما بدا أنه قصد بها الربط بين قطر وإيران، فقال إن "ما تختلقه إيران من أحداث يُشكّل خطرًأ جسيمًا على المنطقة وأمنها"، محملًا إياها مسؤولية ما يحدث في المنطقة ونتائجه، ومتهمًا إياها بـ"اغتيال دبلوماسيين وانتهاك القانون الدولي بصورة بشعة". لكن ما علاقة قطر بذلك؟ وهل تناسى الجبير العلاقات التجارية بين الإمارات وإيران، الأكبر والأقوى في الخليج والمنطقة؟! أو لربما غاب عنه التروي واستيعاب الموقف القطري السلمي تجاه الجوار والعالم، والصديق الوفي لفلسطين والعرب!

 

اقرأ/ي أيضًا:

السعودية وإيران.. إنه النفط

قطع العلاقات مع قطر.. كل شيء عن مؤامرة أبوظبي