19-يوليو-2017

أُرغم محمد بن نايف بالقوة على التنازل عن حقه في ولاية العهد (فايز نور الدين/أ.ف.ب)

بعد كشفها من مصادر أمريكية مطلعة، وضع محمد بن نايف قيد الإقامة الجبرية بعد عزله من منصبه كولي للعهد؛ نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تقريرًا يوضح تسلسل أحداث المؤامرة التي نفذها ولي العهد السعودي ونجل الملك، محمد بن سلمان، لإقصاء ابن عمّه الأكبر، ابن نايف، الرجل صاحب النفوذ الكبير والعلاقات الوطيدة داخل الولايات المتحدة.

كما يُلقي التقرير الضوء على بعض كواليس تمرير الأمر داخل الأسرة الحاكمة، التي اعتادت نموذجًا أكثر تقليدية في تسليم الحكم بين أفرادها. في السطور التالية ترجمةً بتصرف لتقرير نيويورك تايمز.


لم يكن محمد بن نايف معتادًا على أن يخبره أحد بما عليه فعله، باعتباره ولي العهد السعودي، إلا أن هذا الوضع تغير ذات ليلة صيفية في حزيران/يونيو الماضي، حين استُدعيَ إلى قصر في مكة، مُحتجزًا رغم إرادته، وضُغط عليه ليتخلى عن حقه في ولاية العهد.

لم يكن وصول ابن سلمان لولاية العهد بالسلاسة التي رُوّج لها، بل استلزم الأمر احتجاز ابن نايف وإجباره على التنازل

وبحلول الفجر كان قد استسلم، لتستيقظ السعودية على أخبار وجود ولي عهد جديد لها، نجل الملك، محمد بن سلمان، البالغ من العمر 31 عامًا. وبينما أشاد مؤيدو الأمير الشاب بالترقية السلسة للقائد الطموح، إلا أن الدلائل تشير إلى تخطيطه للوصول إلى ولاية العهد، وإلى أن انتقال السلطة لم يكن بالسلاسة التي ظهر بها الوضع علنًا، وفقًا لمسؤولي البيت الأبيض الحاليين والسابقين الذين تربطهم صلة بالعائلة المالكة.

اقرأ/ي أيضًا: أمير السعودية الطائش يكرر مؤامرات الأسلاف ويضع ابن عمه تحت الإقامة الجبرية

وبحسب أحد المصادر المقربة للعائلة المالكة، فقد قيل لبعض كبار الأمراء، إن محمد بن نايف لا يصلح لأن يكون ملكًا، لأسباب تتعلق بالأدوية المخدرة، وذلك أملًا في تعزيز دعمهم للتغيير المفاجئ في سلسلة ولاية العهد. أما على الجانب الأمريكي، فقد أثار قرار إبعاد محمد بن نايف ورجاله المقربين، قلق مسؤولي مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة، الذين شهدوا اختفاء الأفراد الأكثر ثقة بالنسبة لهم في الجانب السعودي، ما اضطرهم للمكافحة من أجل بناء علاقات جديدة.

وأثار تركيز السلطة في قبضة الأمير الشاب محمد بن سلمان، الاضطراب في العائلة المالكة، التي سارت على تقاليد الإجماع واحترام الكبار مدة طويلة، فبحسب كريستيان كواتس أولريتشن، الباحث في قسم الشرق الأوسط بمعهد بيكر للسياسة العامة بجامعة رايس، والذي يدرس سياسة دول الخليج، فإنّ السلطة الآن "تتركز في فرع واحد، ولدى شخص واحد أصغر سنًا من كثير من أبناء عمومته وأبناء الملوك السابقين، ما قد يخلق وضعًا مضطربًا داخل العائلة".

انعزالية الأسرة المالكة السعودية الممتدة وفاحشة الثراء، هو أمر معروف، وهو ما يؤدي غالبًا إلى الصعوبة التي يواجهها الدبلوماسيون وعملاء الاستخبارات وأعضاء العائلة أنفسهم، في فهم كيفية سير الأمور في داخلها.

لكن منذ تقرير النيويورك تايمز، الذي أشارت فيه إلى أن محمد بن نايف وضع قيد الإقامة الجبرية، وما قدمه المسؤولون الأمريكيون، ومن هم على صلة بأفراد العائلة المالكة، من شهادات مماثلة عن كيف أُجبر الأمير الأكبر على التنحي لصالح الأمير الصغير؛ والجميع يتحدث عن الأمر، رافضين الكشف عن هوياتهم، خوفًا من فقدان اتصالاتهم داخل العائلة المالكة أو تعريض أنفسهم للخطر.

وكان مسؤول سعودي رفيع المستوى، قد نفى في بيان مكتوب، إجبار محمد بن نايف على الاستقالة، زاعمًا أن ابن نايف كان أول من تعهد بالولاء لولي العهد الجديد، وأنه من أصر أن يتم تصوير هذه اللحظة وإذاعتها. وتابع في البيان زعمه بأن ولي العهد السابق، يستقبل الضيوف بشكل يومي في قصره في جدة، وأنّه زار الملك وولي العهد أكثر من مرة.

وبدأت المنافسة بين الأمراء مبكرًا، وذلك عندما تولى الملك سلمان الحكم، وفوض سلطات مهولة لابنه المفضل، إذ عُين محمد بن سلمان وليًا لولي العهد ووزيرًا للدفاع، وعُين كذلك مسؤولًا عن المجلس الاقتصادي واسع النفوذ، ومُنح الإشراف على الشركة التي تحتكر إنتاج النفط في البلاد، شركة أرامكو السعودية.

وصعّد محمد بن سلمان نفوذه بزيارات خارجية إلى الصين وروسيا والولايات المتحدة، حيث قابل مارك زوكربيرغ المدير التنفيذي لفيسبوك، وتناول العشاء مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض. كما أن ابن سلمان طرح رؤية "السعودية 2030" والتي روّج لها باعتبارها "المستقبل المبهر" للسعودية!

ولا يُنكر أن ابن سلمان يحظى بتأييد كبير في أوساط الشباب السعودي، خاصة لصغر سنة، لكنه مع ذلك يُوصف بالتهور والنهم للسلطة، كما يُشير منتقدوه إلى أنّه من ورّط البلاد في حرب مكلفة وفاشلة حتى الآن في اليمن، والتي تسببت في مقتل الكثير من المدنيين، هذا بالإضافة إلى الخلاف مع قطر الذي اتضح ألا جدوى منه، خاصة بعد ما نقلته "بي بي سي" عن مصادر مطلعة، أن الدول المقاطعة لقطر، وعلى رأسها السعودية سحبت قائمة المطالب الـ13 التي كانت ترغب في فرضها على قطر، وأنها تتجه الآن لحل الأزمة "وديًّا"!

ورّط ابن سلمان بلاده في مأزقين لا جدوى منهما، الأول حرب اليمن الفاشلة، والثاني قطع العلاقات مع الجارة الخليجية قطر

وقد ارتفعت منزلة الأمير على حساب أقاربه الأكبر، بمن فيهم محمد بن نايف البالغ من العمر 57 عامًا، والذي تولى منصب وزير الداخلية السعودي، وقاد حملةً لتفكيك تنظيم القاعدة في السعودية بعد عدة تفجيرات قاتلة قبل عقد من الزمان. وعلى الرغم من حفاظه على عدم الظهور العلني بكثرة، حتى بعد أن أصبح وليًا للعهد في عام 2015، إلا أن عمله كان قد أكسبه كثيرًا من الحلفاء في الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية والعربية.

اقرأ/ي أيضًا: ما الذي تكشفه لغة الجسد في مبايعة ابن نايف لابن سلمان؟

وبالرغم من أن الإطاحة به قد فاجأت عديد الناس، لكن من الواضح أنه قد تم التخطيط لها مسبقًا. ففي ليلة 20 حزيران/يونيو، اجتمعت مجموعة من كبار الأمراء والمسؤولين الأمنيين في قصر الصفا في مكة المكرمة بعد إبلاغهم بطلب الملك سلمان رؤيتهم، وفقًا لمسؤولين أمريكيين ومصادر مقربة من العائلة المالكة.

وحدث ذلك  قرب نهاية شهر رمضان، حيث كان السعوديون مشغولين بالواجبات الدينية، وعديد من أفراد العائلة المالكة مجتمعين في مكة المكرمة قبل السفر إلى الخارج، لقضاء عُطلة عيد الفطر المبارك. وهذا ما أعطى ذلك التوقيت تحديدًا ميزةً للتغيير، على حد قول المحللين، مثل انقلاب عشية عيد الميلاد.

وقُبيل منتصف الليل، أُبلغ محمد بن نايف أنه سيقابل الملك فوُجّه به إلى غرفةٍ أخرى، وأخذ مسؤولون في البلاط الملكى هواتفه، وأجبروه على التخلي عن منصبه وليًا للعهد ووزير للداخلية، وفقًا لمسؤولين أمريكيين وبعض المصادر المقربة من العائلة المالكة.

في البداية، رفض الأمير، لكن بمرور الوقت ومع انقضاء الليل، شعر الأمير بالتعب، وجديرٌ بالذكر أنه يعاني من مرض السكري بالإضافة إلى آثار محاولة اغتيال فاشلة تعرض لها في عام 2009، من قِبل انتحاري.

وفي الوقت نفسه، دعا مسؤولو البلاط الملكى أعضاء هيئة البيعة، وهي هيئة من الأمراء الذين يُفترض بهم التصديق على التغييرات الطارئة فيما يخص ولاية العهد. وقيل لبعضهم إن محمد بن نايف يعاني من مشكلة مع الأدوية المخدرة، وليس من الملائم أن يصبح ملكًا، حسبما أفاد مصدر مقرب من العائلة المالكة.

ولسنوات، أعرب أصدقاء مقربين من محمد بن نايف عن قلقهم بشأن صحته، مشيرين إلى أنه منذ محاولة الاغتيال وهو يعاني من ألم مستمر، وقد أظهر علامات تشير إلى إصابته باضطراب ما بعد الصدمة. وقد أدت حالته الصحية إلى تناوله بعض الأدوية التي خشي بعض الأصدقاء من إدمانه لها.

تردد إدمان ابن نايف على مسكنات الآلام منذ إصابته في محاولة الاغتيال الفاشلة (أوليفييه دوليري بوول/ Getty)
يعود إدمان ابن نايف على مسكنات الآلام منذ إصابته في محاولة الاغتيال الفاشلة (أوليفييه دوليري بوول/ Getty)

وقال بروس ريدل، وهو ضابط سابق في وكالة الاستخبارات المركزية ومدير مشروع الاستخبارات في مؤسسة بروكينغز إن "وزن الأدلة التي شاهدتها، تدل على أنه أصيب خلال محاولة الاغتيال بجروح أكثر خطورة مما اعترف به، وأنه بعد ذلك واظب على تعاطي المسكنات التي أصبح مدمنًا عليها"، مضيفًا: "أعتقد أن المشكلة ازدادت سوءًا بعد ذلك".

أشار العديد إلى أنّ ابن نايف أدمن تعاطي مسكنات للآلام، منذ إصابته البالغة في محاولة اغتياله الفاشلة في 2009

من جهة أُخرى قال مسؤول أمريكي ومستشار أحد أفراد العائلة المالكة، إن محمد بن نايف عارض حصار قطر، وهو موقف ربما قد سارع بالإطاحة به. وقبيل الفجر بقليل، وافق محمد بن نايف على الاستقالة، ويظهر مقطع فيديو تم تسجيله لاحقًا، محمد بن سلمان  وهو يقبل يده، ويقول له: "لن نستغني أبدًا عن تعليماتك ونصائحك"، ليرد عليه ابن نايف: "حظًا موفقًا بإذن الله".

اقرأ/ي أيضًا: واشنطن بوست: حصار قطر يبوء بالفشل

ثم عاد محمد بن نايف إلى قصره الساحلي المطل على البحر الأحمر بمدينة جدة، ومُنع من مغادرته. هذا وقد أجبر الجنرال عبد العزيز الهويريني على الإقامة بمنزله أيضًا، وهو زميل محمد بن نايف، الذي لعب دورًا حاسمًا في العلاقة الأمنية مع الولايات المتحدة، وفقًا لبعض المسؤولين الحاليين والسابقين بالولايات المتحدة.

وبعد أيام قليلة، أَطلع مسؤولون بوكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي إيه)، البيت الأبيض، على قلقهم من أن الإطاحة بمحمد بن نايف وإبعاد الجنرال الهويريني وغيره من ضباط الأمن، قد يعيق تبادل المعلومات الاستخبارية، وفًقا لما ذكره مسؤولون أمريكيون.

لكنّ مسؤولًا سعوديًا رفيع المستوى نفى عزل الهويريني، زاعمًا أنه لايزال يشغل وظيفته، وأنه تعهد بالولاء لمحمد بن سلمان مع كبار الضباط الآخرين.

هذا وكان قد استُبدل محمد بن نايف وزيرًا للداخلية من قِبَل ابن شقيقه البالغ من العمر 33 عامًا، الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف، الذي كان يعمل مستشارًا لعمه، والذي يُعتقد أنه قريب من محمد بن سلمان.

ولا يزال مدى الدعم لترقية محمد بن سلمان في الأسرة غير واضح، فقد ذكرت وسائل الإعلام السعودية أن 31 عضوًا من أصل 34 عضوًا فى هيئة البيعة يؤيدون التغيير، بيد أن المحللين قالوا إن كثير من أفراد العائلة المالكة يترددون في التصويت ضد رغبات الملك. ويقول بعض المسؤولين الأمريكيين والسعوديين ذوي الصلة الجيدة بالأسرة الحاكمة، إن هناك همسٌ ساخط حول هذه التغييرات، وقد أشار المحللون إلى بعض التلميحات حول ذلك.

أكثر أفراد العائلة المالكة يترددون في التصويت ضد رغبات الملك، لذا لا يمكن الجزم بمصداقية قرار هيئة البيعة بعزل ابن نايف

وجاء ذلك في الوقت الذي لم يحضر فيه الملك سلمان أو ابنه اجتماع قمة مجموعة العشرين في هامبورغ بألمانيا، على الرغم من أن أحد الرجلين قد حضر كل من الاجتماعات الثلاث الأخيرة. ويقول المحللون إن النزاعات الأسرية قد تكون السبب وراء بقاء الرجال بمنازلهم، أو أنهم لا يريدون مواجهة انتقادات بشأن المقاطعة التي فرضوها وثلاث دول عربية أخرى على قطر.

اقرأ/ي أيضًا: هيئة البيعة السعودية.. أداة الصراع الملكي (3-3)

وقال مسؤول سعودي كبير إن الملك سلمان وسلفه الملك عبد الله تغيبا عن بعض الاجتماعات السابقة لمجموعة العشرين، بينما رأى السعوديون الذين صدمتهم هذه التغييرات، أن لديهم كثير ليخسروه إذا خرجت هذه الانشقاقات الأسرية إلى العلن، مزعزعة من استقرار المملكة، فيما قال أحد المصادر المقربة من العائلة المالكة، مستخدمًا الحروف الأولى من اسم محمد بن نايف: "لن يخرج الناس إلى الشارع هاتفين "نريد م. ب. ن"، مُضيفًا: "لكننا نريد هذه العائلة، نحن نريد الحفاظ عليها على أفضل وجه ممكن".

 

اقرأ/ي أيضًا:

تأسيس مملكة محمد بن سلمان "المتهورة".. الحكاية من أولها

أبرز 5 قرارات ليلية للعاهل السعودي.. هنا الرياض بتوقيت واشنطن