17-أغسطس-2023
gettyimages

القيادة السياسية تفضل الاستعداد لصد الهجوم الروسي في الخريف، مقابل القيادة العسكرية التي تدعم استمرار الهجوم (ألترا صوت)

كشفت مجلة "نيوزويك"، الأمريكية، عن تباين في الرؤى بين الرئاسة الأوكرانية، التي رأت للهجوم المضاد الذي طال انتظاره خيبة أمل لم تكن متوقعة، وبين القيادة العسكرية ممثلة في قيادة القوات المسلحة الأوكرانية برئاسة الجنرال فاليري زالوجني، التي اعتبرت الانتقادات الموجهة للهجوم، بأنها "نفاذ صبر، متجذر في سوء الفهم".

وتأتي هذه الخلافات، في ظل إجماع على تعثر الهجوم الأوكراني المضاد، الذي لم يحقق الأهداف المرجوة منه، أقله في الفترة الحالية، مما دفع الرئاسة الأوكرانية إلى تشكيك في جدوى استمراره، والخشية من هجوم روسي جديد، مع اقتراب فصل الخريف.

وبحسب المجلة الأمريكية، يواجه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، خيارًا مستحيلًا، يتمثل في "المخاطرة بفشل مكلف، أو تقليل خسائر أوكرانيا، وتقبل هزيمة مدمرة سياسيًا". 

يواجه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، خيارًا مستحيلًا، يتمثل في "المخاطرة بفشل مكلف، أو تقليل خسائر أوكرانيا، وتقبل هزيمة مدمرة سياسيًا"

وقد أدى عدم إحراز تقدم إلى تكثيف النقاش الاستراتيجي على أعلى المستويات في القيادة الأوكرانية، بحسب ما أفادت به مصادر مطلعة لمجلة نيوزويك، وقد أدت إلى وقوف البعض في مكتب الرئيس ضد القيادة العسكرية. 

ووفقًا للمجلة الأمريكية، فإن المجموعة الأولى، تدفع إلى تعزيز مكاسب القوات الأوكرانية المحدودة، والاستعداد للهجوم الروسي المتوقع في الخريف والشتاء. بينما تصر المجموعة الثانية وعلى رأسها الجنرال زالوجني، على مواصلة الهجوم المضاد.

وأفاد مصدر مقرب من الحكومة الأوكرانية، بشرط عدم الكشف عن هويته، أنه يوجد بالتأكيد بعض الخلافات بين القيادة الأوكرانية حول الاستراتيجية العسكرية المتبعة.

على الجانب العسكري، يريد زالوجني وقادة من المستوى العسكري، مواصلة الهجوم المضاد، لكنّ على الجانب السياسي هناك بعض الأسئلة حول ما إذا كان هذا منطقيًا، مع الدفع باتجاه تعزيز بعض المناطق بشكلٍ دفاعية، من أجل تخفيف الضغط على خطوط الإمداد.

ومع قلق المسؤولين الغربيين الواضح بشأن بطء وتيرة الهجوم المضاد، وتضخيم وسائل إعلام غربية لكل تطور إيجابي وسلبي للهجوم، بدأت "لعبة إلقاء اللوم، تختمر في كييف"، وفق تعبير المجلة الأمريكية.

وقال مصدر لـ"نيوزويك" عن المشاعر السائدة بين بعض المسؤولين الحكوميين المدنيين الأوكرانيين، إن "هناك شعورًا بأن الجيش ضللهم، فيما يتعلق بمدى نجاح هذا الهجوم المضاد، وأنه تم تزويدهم بتقييمات وردية بشكل مفرط من الجانب العسكري، وهم غير راضين عن ذلك".

ولدى سؤاله عما إذا كان الأداء المخيب للآمال في ساحة المعركة قد يعجل بتغييرات في القيادة العسكرية الأوكرانية، أجاب المصدر: "لم أسمع أي شيء محدد، ولكن يمكن للمرء أن يتصور شيئًا من هذا القبيل".

بودكاست مسموعة

من جانب آخر، رفض متحدث باسم وزارة الدفاع الأوكراني، التعليق على تأكيدات المصادر التي تحدث لـ"نيوزويك" حول الموضوع، مكتفيًا بالقول: "هناك اتصالات مباشرة بين القيادة العسكرية والقيادة السياسية في البلاد، وتتمثل مهمتها في اتخاذ القرارات في الظروف الديناميكية للوضع العسكري ".

وأضاف المتحدث: "الثقة في القيادة العسكرية شرط أساسي، ومهم للنصر"، واصفًا التقارير حول الخلافات الداخلية بين القيادة السياسية والعسكرية على أنها "دعاية روسية، تروج لها باستمرار المصادر الإعلامية للعدو". فيما لم يرد مكتب الرئيس الأوكراني على طلب "نيوزويك" عبر البريد الإلكتروني للتعليق حول الموضوع.

اعتراف أوكراني 

وكان الرئيس فولوديمير زيلينسكي، قد أقر بأن الهجوم المضاد الذي طال انتظاره كان يتحرك "أبطأ مما هو مرغوب فيه"، وبعد ستة أسابيع من القتال، لم تصل القوات الأوكرانية بعد إلى خط الدفاع الأول، المسمى بخط سوروفيكين، وهى شبكة من الدفاعات الروسية التي تم العمل عليها منذ أواخر عام 2022، تحت إشراف الجنرال سيرجي سوروفيكين.

getty

وكانت الصور ومقاطع الفيديو الخاصة باحتراق الآليات الثقيلة التي قدمها الغرب، في حقول الألغام الريفية، وحول الأشجار المليئة بالحفر في منطقتي دونيتسك وزباروجيا، مصدر سعادة للمسؤولين الروس، ووسائل الإعلام الروسية، الذين أبلغوا باستمرار  وبشكل غير مقنع، عن الهزيمة المؤكدة لجهود أوكرانيا في هجومها المضاد.

وأثارت الطبيعة المريرة للقتال مخاوف الغرب، وقال دبلوماسي غربي كبير لشبكة "CNN" الأمريكية الأسبوع الماضي: "لدى الروس عدد من الخطوط الدفاعية، ولم يخترق الأوكران الخط الأول".

ويضيف التقرير، أن أوكرانيا كانت واضحة بشأن ظروف ساحة المعركة الصعبة، حيث تقاتل قوات كييف بعدد كبير من الأسلحة الجديدة التي تلقوا تدريبات محدودة عليها، ويتم تدريب القوات المهاجمة على مزيج من عقيدة حلف "الناتو" والعقيدة السوفيتية، لكن لا يملك الجيش الأوكراني القوة الجوية اللازمة لدعم نهج القتال الأكثر حداثة. لكن وزير الدفاع الأوكراني السابق أندريه زاغورودنيوك، الذي شغل المنصب بين عامي 2019 و2020، ويعمل حاليًا مستشارًا في وزارة الدفاع، قال لمجلة "نيوزويك"، إن هناك "الكثير من المفاهيم الخاطئة حول هذا الهجوم المضاد"، وأضاف زاغورودنيوك "أحدها هو أن أوكرانيا تحولت إلى حرب استنزاف وهي ترهق الروس، هذا ليس هو الحال. ما تفعله أوكرانيا الآن هو في الأساس محاولة لتقليل قدرة الروس على الدفاع عن أنفسهم، إنه في الأساس إعداد طويل لحركة أكثر نشاطًا".

وأشار إلى حاجة القوات الأوكرانية "لتدمير الموارد الروسية التي تستخدمها للدفاع عن نفسها، ومن ثم إيجاد طريق عبر حقول الألغام، وما إلى ذلك"، وتابع "هي تجد الطريق، إنها تعمل. لا أعتقد أن هناك فائدة من التوقف".

وأكد زاغورودنيوك، أن "العمل مستمر، الأمر ليس وكأنه طريق مسدود. يستغرق الأمر وقتًا أطول لأن الوضع صعب. لكن هذا لا يعني أن المضي قدمًا بشكل عام كان خطة سيئة".

ووصف زاغورودنيوك "أولئك الذين وضعوا جداول زمنية علنية للهجوم المضاد"، بأنهم مضللون، قائلًا: "لا أعتقد أن الجيش الأوكراني وعد بأي تواريخ محددة"، وأوضح "عندما نقول أطول من المتوقع، أعتقد أنه سيكون من الآمن أن نقول إنها أطول من المتوقع من قبل الأشخاص الذين ليس لديهم أي علاقة بالموضوع".

وأشار إلى أن هناك بعض الأشخاص، ربما سياسيون، صحفيون، محللون، يقولون: "يا رفاق، لديكم شهرين، لماذا بحق السماء قرر هؤلاء الناس أن لدينا شهرين، أو شهر واحد أو شيء من هذا القبيل؟"، وفق وزير الدفاع السابق.

انتقادات أوكرانية

يذكر أن زيلينسكي انتقد الدول الغربية بسبب الالتزام المتردد، ووتيرة التسليم البطيئة للأسلحة المتطورة. وقال الرئيس الأوكراني في تموز/يوليو: "خططنا لبدء ذلك في الربيع، لكننا لم نقم بذلك لأنه بصراحة لم يكن لدينا ما يكفي من الذخيرة والأسلحة، وليس لدينا ما يكفي من الألوية المدربة بشكل صحيح".

بدوره، يؤكد رئيس الجامعة الأمريكية في كييف، والذي عمل مستشارًا خاصًا سابقًا  زالونجي، دان رايس ما أوردته "نيوزويك" عن الخلاف بين القيادة السياسية والعسكرية الأوكرانية.

وأشار رايس، على وجه الخصوص، إلى افتقار أوكرانيا للدعم الجوي، واستمرار رفض الولايات المتحدة  توريد نظام الصواريخ التكتيكية "MGM-140 ATACMS"، وغياب الذخائر العنقودية طويلة المدى لاستخدامها مع نظام الصواريخ عالية الحركة "هيمارس".

وأضاف رايس "لا يمكنك الشروع في الهجوم، والفوز بالمعركة بدون المدفعية المتفوقة، والقوة الجوية المتفوقة"، وتابع "لا ينبغي لأحد أن يشعر بالصدمة من ذلك".

وقال رايس في إشارة إلى النجاح المذهل لهجمات أوكرانيا المضادة في خريف 2022: "أعتقد إن الأمل كان في إيجاد ثغرة كما حصل في خاركيف وخيرسون العام الماضي، لكن الروس في شبه جزيرة القرم كان لديهم 10 سنوات لإعداد هذه الدفاعات، كما أنهم لا يهتمون بنثر الألغام الأرضية في كل مكان".

getty

فرصة للرافضين لمواصلة الدعم 

المتشككون الغربيون يواصلون الهجوم، على استمرار مواصلة تقديم المساعدة العسكرية لكييف، وبالأخص تجاه الرئيس الأمريكي جو بايدن .

وعلى سبيل المثال، تحدث السيناتور الجمهوري عن ولاية ألاباما، تومي توبرفيل  لقناة "Fox News" الأسبوع الماضي، عن أن "أوكرانيا تبدو وكأنها فريق مبتدئ يلعب مع فريق جامعي... لا يمكنهم الفوز".

وتعرض توبرفيل لانتقادات على نطاق واسع بسبب تصريحاته عن الحرب الروسية على أوكرانيا، ولكن بالنسبة له ولآخرين من المشككين في أهداف الحرب في أوكرانيا، فإن الهجوم المضاد البطيء دليل على الحاجة إلى تغيير المسار.

وقالت مصادر لـ"نيوزويك"، إن تغيير النهج تجري مناقشته في كييف أيضًا. وقال مصدر مقرب من الحكومة الأوكرانية للمجلة الأمريكية: "نحن في المكان الذي نحن فيه. والسؤال هو، عند نقطة الانعطاف هذه، ما هو الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله؟"، وأضاف "بالتأكيد ليس وضعًا سهلًا، لكن نقطة انعطاف مهمة.

وتابع أن "الروس سيشنون هجومهم المضاد"، وأشار المصدر، إلى أن المسؤولين والقادة الأوكرانيين "يتوقعون أن يبدأ الروس في وقت مبكر من تشرين الأول/ أكتوبر، ثم يواصلون ذلك بدفعة كبيرة في الربيع القادم".

مخاوف من فشل الهجوم المضاد

وتعهد زيلينسكي مرارًا وتكرارًا بعدم إضاعة حياة الشعب الأوكراني، حيث استثمرت كييف بالفعل بكثافة في الهجوم المضاد، على الرغم من أن معدلات الخسائر في كلا الجانبين غير معروفة، كما تقول "نيوزويك"، حيث أربك جنود الجيش الأوكراني التوقعات، أمّا القادة في كييف فهو على "ثقة من النصر بشكلٍ علني".

وقد يُنظر إلى توقف الهجوم المضاد دون تحقيق اختراق كبير، على أنه هزيمة كبيرة، في موسكو، وبين الشركاء من الغرب، وهناك مخاوف عميقة من أن هدف أوكرانيا المتمثل في تحرير جميع الأراضي وفقًا لحدودها عام 1991، أصبح طموحًا بشكل مفرط.

getty

لكن المضي قدمًا والفشل في تحقيق النصر قد يكون له نفس النتيجة بالضبط، وهو ما يمنح النقاد للدعم الغربي لأوكرانيا، فرصة أخرى "لتأطير زيلينسكي، وفريقه على أنهم شركاء عنيدون وغير موثوق بهم".

وقال مصدر مقرب من الحكومة الأوكرانية، إنه من المهم أن تظهر الحكومة أن "أوكرانيا ليست طرفًا غير عقلاني".

كما قال مصدر آخر مقرب من مكتب الرئيس الأوكراني، على علم بالمناقشات الجارية، والذي طلب عدم كشف اسمه، ليتحدث بصراحة عن هذا الموضوع الحساس، لمجلة "نيوزويك" إن، "التوقعات الإعلامية القاتمة لهجوم كييف لا تتضمن الفشل".

زكي وزكية الصناعي

مشيرًا إلى أن "النبأ الجيد هو أنه بعد 18 شهرًا تقريبًا من محاولة الاستيلاء على العاصمة كييف، وقتل زيلينسكي، فإن الجيش الأوكراني هو من في الهجوم، وليس الروس".

وأضاف المصدر: "استعادت أوكرانيا أكثر من نصف الأراضي التي فقدتها. كان من غير الواقعي توقع المزيد بشكل أسرع بالنظر إلى الميزة الهائلة التي تتمتع بها روسيا في القوة النارية والقوة البشرية"، وتابع "على الرغم من هذه المزايا الروسية الهائلة، فإن أوكرانيا ستمضي قدمًا في الأسابيع المقبلة. وهناك فرصة جيدة لأن تتمكن أوكرانيا من قطع خطوط الإمداد الروسية المهمة إلى شبه جزيرة القرم هذا الخريف".

رؤية غربية قاتمة

أكد المؤسس المشارك لمجلس أبحاث "Geostrategy" ومقره المملكة المتحدة، جيمس روجرز، لمجلة "نيوزويك"، أن "كييف تواجه معضلة صعبة وطويلة الأمد".

وأضاف "الروس يتعلمون من أخطائهم، ومن الواضح أن لديهم الكثير من الموارد من حيث القوة البشرية التي يمكنهم وضعها في الميدان، الأمر الذي سيجعل الأمور دائمًا أكثر صعوبة، حتى لو تمكن الجيش الأوكراني من قتل خمسة روس مقابل كل أوكراني، فلا يزال هناك الكثير من الروس الذين يجب قتلهم من أجل الوصول إلى الهدف".

واعترف روجرز "أننا في الغرب كانت لدينا توقعات غير واقعية إلى حد ما حول السرعة التي سيتمكن بها الأوكران من شن هجوم مضاد وتأمين أهدافهم، لأنهم بحاجة إلى المزيد من المعدات العسكرية للقيام بذلك".

وأضاف روجرز "إلى أن يتم توفير هذه الأنواع من الأسلحة، سيظل الأوكران يقاتلون دائمًا"، مشيرًا إلى "افتقار أوكرانيا إلى القوة الجوية"، حيث "لن يستطيعوا الوصول إلى أهدافهم بدون الهيمنة الجوية الكاملة أولًا، لذا فإن توقعهم أن يفعلوا الشيء نفسه يمثل مشكلة بعض الشيء".

لكنه بالمقابل، أكد أنه من السابق لأوانه إعلان نجاح العملية الجارية أو فشلها، موضحًا أن القوات الأوكرانية تقاتل بقوة وتحقق مكاسب في نقاط متعددة على طول الجبهة التي يبلغ طولها 800 ميل، فيما تتعرض القوات الروسية لهجمات، وعمق تصميمها الدفاعي غير واضح.

أكد المؤسس المشارك لمجلس أبحاث "Geostrategy" ومقره المملكة المتحدة، جيمس روجرز، لمجلة "نيوزويك"، أن "كييف تواجه معضلة صعبة وطويلة الأمد"

لكن روجرز قال، إن "تقليل الدعم الغربي في حالة فشل الهجوم الأوكراني المضاد في نهاية المطاف هو احتمال محتمل بالتأكيد"، وأضاف أن هذا التعثر قد "يسير في الاتجاه الآخر، ويكون بمثابة دعوة للاستيقاظ للشركاء الأجانب لتوسيع المساعدة العسكرية بما يتجاوز ما كانوا على استعداد لتقديمه حتى الآن".

وأشار روجرز: إلى أن "هناك خطرًا من وقوع انتكاسة كبيرة للغاية بحيث لا يتبقى للأوكرانيين سوى القليل للقتال، أو أن تكون هناك سلسلة واسعة من الانتكاسات، وخلال الأسابيع أو الأشهر القادمة، ستترك أوكرانيا في وضع غير مؤات للغاية لاستمرار الهجوم ضد الروس في المستقبل".

ويقول روجرز: إنه "لا يوجد سبب للقول إن هذه الحرب لن تستمر لأشهر وسنوات عديدة أخرى. لكن كل شهر تستمر فيه تجعل انتصار روسيا أكثر احتمالية، لأن روسيا تؤمن أهدافها الاستراتيجية، على الرغم من تقلصها بشكل كبير مما قد كانت عليه في شباط/فبراير 2022".