10-سبتمبر-2018

تقترب إدلب من كارثة إنسانية محتملة (Getty)

ألترا صوت – فريق التحرير

فشلت الاجتماعات الدبلوماسية التي عقدت يوم الجمعة، في التوصل لاتفاق واضح يُجنب محافظة إدلب هجومًا عسكريًا وشيكًا قد تشنه قوات النظام السوري، مدعومة بالقوات الروسية والميليشيات الإيرانية خلال الأيام القادمة، وسط تجاهل واضح لتحذيرات أممية من حصول كارثة إنسانية في المنطقة التي باتت تمثل آخر معاقل المعارضة السورية الواقعة تحت سيطرتها.

يعكس رفض طهران وموسكو المقترح الذي قدمه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إصرارهما على دعم الهجوم الوشيك، الذي من المتوقع أن يشنه النظام السوري على إدلب

من طهران إلى نيويورك.. إدلب تزيد المجتمع الدولي انقسامًا

وبدا الانقسام واضحًا بين الدول الضامنة لاتفاق أستانا خلال القمة الثلاثية التي استضافتها إيران حول إدلب، بعدما رفضت موسكو وطهران دعوة أنقرة لاتفاق هدنة في المنطقة، وأرجع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رفض المقترح التركي لعدم وجود ممثلين عن فصائل المعارضة أو النظام السوري، فيما شدد نظيره الإيراني حسن روحاني على أنه يجب استعادة النظام السوري السيطرة على كامل أراضيه.

ويعكس رفض طهران وموسكو المقترح الذي قدمه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إصرارهما على دعم الهجوم الوشيك، الذي من المتوقع أن يشنه النظام السوري خلال الأسبوع الجاري، بعدما بدأ منذ شهر تقريبًا بإرسال تعزيزات عسكرية إلى الحدود الإدارية للمحافظة، فيما استبقت مقاتلات النظام السوري موعد انعقاد القمة الثلاثية بشنها غارات جوية على مقار تابعة لهيئة تحرير الشام، وحركة أحرار الشام الإسلامية وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.   

اقرأ/ي أيضًا: إدلب من جديد.. هل سيكرر الأسد "جحيم" حلب؟

وظهر التنافض واضحًا في الموقفين الروسي والإيراني بعدما وافقا في البيان الختامي للقمة على أنه "لا يوجد حل عسكري للصراع" في سوريا، لكنهما رفضا في مقابل ذلك مقترح الهدنة التركي، وتشديد الرئيس الروسي على أنه لا يمكن إبرام هدنة، في ظل وجود لمقاتلي هيئة تحرير الشام، وتنظيم الدولة الإسلامية، رغم أن المنطقة لا تضم أي تواجد للتنظيم، عكس تحرير الشام التي أعادت تمركزها في ريف إدلب الجنوبي المحاذي لريف حماة، الذي كان مع استهدافه أمس الأحد، نقطة انطلاق للهجوم العسكري المرتقب على المحافظة.

وبعد ساعات قليلة من انتهاء القمة الثلاثية، عقد مجلس الأمن اجتماعًا لبحث آخر التطورات العسكرية القادمة من إدلب، وفيما بدا أنه محاولة أخيرة لتجنيب المنطقة حدوث "كارثة إنسانية"، دعا المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا، النظام السوري إلى توجيه "إنذار أخير" لمقاتلي المعارضة يطلب منهم إخلاء المنطقة، لكن تصريحاته جاءت متناقضة هو الآخر، حين شدد على "ضرورة فتح ممرات آمنة" من كافة الحدود الإدارية للمنطقة التي تحاصرها من أطرافها الثلاث قوات النظام السوري باستثناء المنطقة الحدودية مع تركيا.

إدلب.. صورة واضحة عن الأزمة السورية

تمثل محافظة إدلب صورة واضحة عن تضارب مصالح الأطراف الدولية الفاعلة في الأزمة السورية، إذ قد تحوّلت منذ آب/أغسطس 2016 حتى تاريخ اليوم وجهة أخيرة لمقاتلي المعارضة، الذين أخلوا مع عائلاتهم مناطق سيطرتهم، بالإضافة للمدنيين الرافضين عقد اتفاقيات تسوية مع النظام السوري بضمانة روسية، في ريف دمشق وأطراف العاصمة، ومحافظات حمص وحلب ودرعا، وباقي المناطق التي استعاد النظام السوري السيطرة عليها.

وغدت المحافظة التي تؤوي نحو 3 ملايين شخص وفق ما تشير إليه تقديرات أممية، آخر المعاقل الكبرى لفصائل المعارضة السورية، وتشكل تحرير الشام المدرجة على لائحة "المنظمات الإرهابية" في غير جهة، عقبة كبرى في ظل رفضها حل نفسها أو الاندماج مع باقي الفصائل لتجنيب المنطقة حربًا وشيكة، ما دفع بمراقبين لتوقع أن يبدأ النظام السوري هجومه خلال الأيام القليلة القادمة.

وتظهر المنطقة شرخًا واضحًا بين الدول الفاعلة في سوريا نتيجة لتضارب مصالحهم الإستراتيجية في المنطقة، إذ تخشى تركيا من تعرض مناطقها الحدودية لأزمة نزوح جديدة، والتي من المتوقع في حال حدوثها أن تكون أكبر نسبة نزوح للمدنيين تشهدها الأزمة السورية منذ اندلاعها، بعدما باتت المنطقة آخر معاقل المعارضة السورية، ولم يعد أمام من لا يريد عقد مصالحة مع النظام غير الحدود التركية، أو المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة المنضوية ضمن عملية درع الفرات التي تقودها القوات التركية.

وترى إيران بالاشتراك مع روسيا أن استعادة إدلب من قبضة المعارضة السورية أمر بالغ الأهمية لحماية مصالحهما الإستراتيجية في المنطقة، ويروجان معًا لسردية أن انتصارهما في سوريا يعني هزيمة الولايات المتحدة فيها، وأشار الموقع الرسمي للمرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي إلى سوريا كمثال "جيد"، على أنه في حال تعاونت طهران وموسكو معًا، يمكنهما "كبح جماح الولايات المتحدة".

وعلى الطرف الآخر، تقف الدول الكبرى عاجزة عن إيقاف الهجوم العسكري على المنطقة، إلا أنها حذرت من استخدام النظام السوري للسلاح الكيميائي في المنطقة، مهددة بالرد على أي هجوم كيميائي قد يحدث في المنطقة، لكن الرئيس التركي كان أكثر حزمًا حين نشر في سلسلة تغريدات باللغات العربية والتركية والفارسية والروسية، رفض فيها سياسة "فرض الأمر الواقع في الساحة (سوريا) تحت ستار مكافحة الإرهاب"، وذلك بعد ساعات من تحذيره من حدوث "حمام دم" في المنطقة في حال شن النظام السوري الهجوم العسكري.

تحرير الشام.. بوابة النظام السوري وروسيا والأكراد إلى إدلب

ووفق خارطة تبين توزع القوى العسكرية في محافظة إدلب نشرها موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، تسيطر "تحرير الشام" على أجزاء واسعة من المحافظة، تربط ما بين ريفي حماة واللاذقية، وتعتبر الأخيرة من أبرز معاقل رئيس النظام السوري بشار الأسد، بالإضافة لأهميتها الاستراتيجية للقوات الروسية، التي تتخذ من قاعدة حميميم الجوية مقرًا لها.

خريطة توزع القوى العسكرية في إدلب.

وكان من المتوقع أن تقدم أنقرة خلال القمة الثلاثية مقترحًا لتوحيد صفوف المعارضة للقتال ضد هيئة تحرير الشام، التي يقدر عدد قواتها بحوالي 30 ألف مقاتل، بحسب ما ذكر الموقع البريطاني، مضيفًا أن المقترح تضمن إنهاء تواجد "تحرير الشام" في مخيم أطمة الحدودي، والاحتفاظ بنقاط المراقبة مع بقاء طريقي حلب – دمشق وحلب – اللاذقية مفتوحين، وتقديم ضمانة لموسكو وطهران بأن جميع الطرق ستكون مفتوحة تحت حمايتها. وتضمن المقترح أيضًا حماية تركيا لقاعدة حميميم الجوية التي تتخذها القوات الروسية مقرًا لها.

لكن القمة الثلاثية قد انتهت دون أن تظهر، فيما يبدو، أي إشارات على موافقة طهران وموسكو على المقترح التركي، وتتمركز القوات التركية في شمال سوريا في 12 نقطة مراقبة تضم كل واحدة منها كتيبة مؤلفة من 100 جندي.

اقرأ/ي أيضًا: "تحرير الشام".. مصير مجهول في شمال سوريا بحثًا عن إدارة ذاتية

 ولا يقف الأمر عند النظام السوري مدعومًا بموسكو وطهران فيما يتعلق بالحديث عن محافظة إدلب، إنما يمتد إلى قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تقودها وحدات حماية الشعب الكردية مدعومًة بالتحالف الدولي تحت إدارة واشنطن، وتعكس التحالفات الأخيرة حجم تشابك المصالح المشتركة بين الأطراف الدولية والمحلية معًا، ما يعقد من إمكانية التوّصل لحل سياسي في سوريا كما يدعي الفرقاء الفاعلون.

أبدت قسد استعدادها للمشاركة في العملية العسكرية في محافطة إدلب إلى جانب النظام السوري، والميليشيات الأجنبية التي تتزعمها إيران

فقد أبدت قسد استعدادها للمشاركة في العملية العسكرية في محافطة إدلب إلى جانب النظام السوري، والميليشيات الأجنبية التي تتزعمها إيران، وتشير صحيفة الغارديان البريطانية إلى أن مقاتلي قسد يتواجدون مع مقاتلي الميليشيات الإيرانية على أطراف المدينة حيث يلتقي الطرفان شمال حلب، والتي تطمح من خلال مساعدتها للنظام إلى "الانتقام" من مقاتلي المعارضة الذين دعمتهم تركيا في عملية غصن الزيتون، للسيطرة على مدينة عفرين أبرز معاقل وحدات حماية الشعب الكردية.

وعلى الرغم من عدم موافقة الولايات المتحدة على مشاركة مقاتلي قسد في الهجوم العسكري على إدلب، فإن مقاتلين من صفوفها توجهوا بالفعل للالتحاق ضمن قوات النظام العملية العسكرية، وهو ما لا يمكن أن يتم لو كان الرفض الأمريكي جديًا، ما يعطي إشارًة واضحة لانخراط كافة الأطراف الدولية والمحلية في المنطقة، حيثُ يطمح الأكراد للحصول على أجزاء من منطقة إدلب تمهيدًا لضمها بما يعرف مناطق "الإدارة الذاتية" التي يسيطرون عليها في شمال شرق سوريا.

وفيما ينتظر المدنيون مصيرًا مجهولًا، يبدو أن معركة إدلب لن تكون فصلًا أخيرًا من فصول الأزمة السورية، حيث إنها تضع المجتمع الدولي أمام حدوث "كارثة إنسانية" وشيكة، يجد نفسه عاجزًا عن إيقافها، بعدما فشلت جميع المحاولات الدبلوماسية، التي لم يكن معظمها جديًا، في ثني النظام السوري ممثلًا بروسيا وإيران عن شن الهجوم العسكري على المدينة التي تنتظر "المعركة الكبرى". 

 

اقرأ/ي أيضًا:

بإشراف تركي.. فصائل المعارضة السورية تتجه لتشكيل "جيش نظامي"

من يقف وراء الاعتداءات المتكررة على متطوعي الخوذ البيضاء في سوريا؟