29-نوفمبر-2016

إحدى جلسات مجلس الأمن (أندرو باترون-Getty)

بين حين وآخر، تطالب بعض دول العالم بتعديل هيكلية مجلس الأمن، أحد أهم مكونات منظمة الأمم المتحدة، إن لم يكن الأهم. ألمانيا والبرازيل والهند واليابان ودول أخرى تتصدر قائمة المطالبين، بعد أن باتوا قـوًى اقتصادية وسياسية لا يستهان بها في العالم اليوم، فسبعون عامًا بعد إنشاء منظمة الأمم المتحدة كانت كافية لنهوض بعض الأمم من جديد، واختلاف موازين القوى العالمية.

 خلق مجلس الأمن نوعًا من التوازن ما بين القوى الكبرى التي برزت في وقت إنشائه، أي الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية

تتنوع النداءات، بين المطالبين برفع عدد الأعضاء ذوي العضوية الدائمة، وآخرين ينشدون حق النقض (فيتو). ملف قديم متجدد لا يزال عصيًا على تحصيل إجماع المجتمع الدولي تمهيدًا لحله. لنقاش المسألة، التقى "ألترا صوت" مدير قسم التواصل والإعلام في مقر الأمم المتحدة الرئيسي في نيويورك، ماهر ناصر، والذي يعمل في المنظمة منذ نحو 29 عامًا. وهذا كامل الحوار:

اقرأ/ي أيضًا: كيف مولت الأمم المتحدة بشار الأسد؟

"ألترا صوت": تنظر العديد من الأمم إلى هيكلية مجلس الأمن على أنها "مجحفة" و"غير عادلة"، خاصة فيما يتعلق بمسألتي العضوية الدائمة وحق النقض (فيتو)، كيف تعلق؟

- ماهر ناصر: لا يجب النظر إلى بناء مجلس الأمن بمعزل عن هيكلية الأمم المتحدة ككل، فعندما تم الاتفاق على خلق منظمة الأمم المتحدة عام 1945، جرى التوقيع على ميثاقها الذي دخل حيز التنفيذ بعد أن صادقت غالبية الدول الأعضاء على بنوده. هيكلية مجلس الأمن كانت نتاج عملية مفاوضات بين 51 دولة شكلت منظمة الأمم المتحدة آنذاك، إذ خلق المجلس بنوع من التوازن ما بين القوى الكبرى التي برزت في حينه، أي تلك الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، أما الآن فهناك عشر دول أعضاء أخرى يتم انتخابها لعامين من المجموعات الجغرافية المختلفة.

جرى الحديث عن مسألة العضوية الدائمة كثيرًا، ولا بد من الإشارة أن تلك المعادلة كانت ضرورية لنجاح الدول الكبرى في حينه بإقرار خلق تلك المنظمة الدولية، ربما نتفق مع تلك المعادلة أو لا نتفق، لكنها كانت ضرورية لإيجاد المنظمة. وتلك المعادلة تختلف عن معادلة عصبة الأمم، التي فشلت واندثرت. ومسألة حق النقض (الفيتو)، كانت وسيلة لدخول الدول المهمة في حينه تحت إطار المنظمة.

"ألترا صوت": الآن، ومع مرور الوقت، تتحدث العديد من الدول الأعضاء عن ضرورة تغيير البناء الحالي للمجلس وجعله متوازنًا أكثر، إلا أن هذا الملف يحتاج لإقرار من الدول الأعضاء، بالتالي، هل باتت منظمة الأمم المتحدة "أداة سياسية" بيد خمس قوى كبرى لتنفيذ رغباتها في هذا العالم، وفقًا لوصف العديد من الأمم؟

- بدأت حديثي مشيرًا إلى ضرورة عدم اختزال منظمة الأمم المتحدة في مجلس الأمن فقط، فهناك الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي لكل دولة فيها صوت واحد، بغض النظر عن عدد سكانها أو حجم اقتصادها، ابتداء من الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة الاقتصاد الأقوى في العالم، مرورًا بالصين ذات عدد السكان الأكبر، وانتهاءً بدول صغيرة ربما، كمالطا أو قبرص أو الأردن وغيرها.

فالعام الماضي على سبيل المثال أقرت أهداف التنمية المستدامة من قبل كافة الدول الأعضاء (193 دولة) وباتت تمثل أجندة العمل التنموي المستدام حتى عام 2030، بما في ذلك قضايا تغير المناخ. معظم المعاهدات الدولية التي تصبح جزءًا من القوانين المحلية، كمعاهدة حقوق الطفل مثلًا، كلها معاهدات تبدأ من قاعة الجمعية العامة. فالجمعية العامة تخلق نوعًا من الانسجام العالمي في التعاطي مع القضايا الكونية العامة وتوجد أجندة مشتركة. مما لا شك فيه أن هناك خلافات كثيرة بين الدول الأعضاء حول بعض القضايا، لكن منذ 20 عامًا يتم تبني 80% من القرارات بالإجماع وليس بالتصويت.

هناك أيضًا مجلس حقوق الإنسان، والمجلس الاقتصادي الاجتماعي، وغيرها. أما مجلس الأمن، فيختص بالأساس بقضايا الأمن والسلام، وباعتقادي أن النظر إلى الأمم المتحدة من باب مجلس الأمن وملفات الأمن والسلام فقط ينتقص من عطاء المنظمة في الملفات الأخرى. ولا بد من الإشارة هنا إلى نجاحات عدة تمت في ملفات الأمن والسلام، كوقف حروب وضمان استقلال مجموعة من الدول، وإقرار بعثات السلام، وغيرها. أتفهم تمامًا أن كل أمة تحكم على الأمم المتحدة من منظور قضيتها فقط، وأشير أيضًا أن توازنات القوى في المنظمة حاضرة سواء بوجود المجلس أو عدمه، وتلك التوازنات قد تمنع أو تسهل الوصول للحلول.

اقرأ/ي أيضًا: حرب باردة في مجلس الأمن حول حلب..ومصر مع الجميع

"ألترا صوت": لنبتعد قليلًا عن الجمعية العامة واللجان الأخرى. ألا ترى أن لقرارات مجلس الأمن خصوصية فريدة باعتبارها مُـلزمة قانونيًا؟ وكيف تقرأ تعطيل الفيتو لها دومًا في السياقين السوري والفلسطيني على سبيل المثال؟

- ميثاق الأمم المتحدة يتحدث عن أن قرارات الجمعية العامة هي توصيات، لكنها في الواقع أكثر من مجرد توصيات، فعمليًا يجري تطويرها لاحقًا إلى معاهدات واتفاقيات، وبالتالي تصبح جزءًا من القانون الدولي والقوانين المحلية. ووفقًا للميثاق، فإن قرارات مجلس الأمن الصادرة تحت البند السابع ملزمة، وهناك آلية لضمان تنفيذها، كفرض عقوبات أو استخدام القوة، كما حصل في حرب تحرير الكويت بعد ضم العراق لها بتفويض من الأمم المتحدة.

صحيح أن لخمس دول حق النقض في مجلس الأمن، إلا أن تمرير أي قرار يحتاج لموافقة 9، من ضمن 15، من أعضاء مجلس الأمن على الأقل

لكن من الصعب جدًا على أي دولة، بما فيها الدول العظمى، العمل بحرية تامة خارج نطاق الأمم المتحدة، فالتدخل الأمريكي في العراق عام 2003 على سبيل المثال لم يتم بموافقة الأمم المتحدة. الأمين العام آنذاك، كوفي عنان، وصفه بالتدخل "الخارج عن نطاق الأمم المتحدة"، وحتى في أمريكا نفسها بات من المعروف أن تلك الحرب لم تكن مخولة دوليًا، وبالتالي النظرة إليها تختلف عن أي تدخل آخر.

بالنسبة للملف السوري وغيره، التوازنات هي التي تحكم، فالتحالفات التي تتشكل في المنطقة قد تشكل أذرعًا في تلك الصراعات.

"ألترا صوت": قانونيًا، ما الطريق إلى إجراء تعديل جوهري على هيكلية مجلس الأمن خاصة فيما يتعلق بمسألتي العضوية الدائمة وحق النقض؟

- بحسب ميثاق الأمم المتحدة، يمكن إجراء تعديل على بنود الميثاق بعد موافقة الغالبية العظمى من الدول، أي الثلثين فما فوق، بما في ذلك موافقة أو عدم اعتراض -على الأقل- الدول صاحبة حق النقض. إذًا فتغيير الميثاق ممكن، لكن يعتمد على إجماع غالبية الدول الأعضاء.

وحصل ذلك سابقًا بالمناسبة، ففي أوائل الستينيات جرى رفع عدد أعضاء مجلس الأمن من 12 إلى 15 عضوًا. وتقدم بين الحين والآخر العديد من الاقتراحات لتعديل ميثاق الأمم المتحدة وتغيير شكل عضوية مجلس الأمن، وذلك إما بتوسيعها، أو إعطاء حق النقض لدول جديدة. لكن إلى أن يتم اتفاق غالبية الدول على هذا الملف، ودون اعتراض الدول الخمس دائمة العضوية، لن يتم التعديل.

صحيح أن لخمس دول حق النقض في مجلس الأمن، إلا أن تمرير أي قرار يحتاج دومًا لموافقة 9 من أعضاء مجلس الأمن على الأقل. فمثلًا، لو أرادت إحدى الدول صاحبة العضوية الدائمة وصاحبة حق النقض تمرير قرار ما، لن تتمكن من ذلك في حال اعتراض 7 دول أخرى، وبالتالي بات لديهم حق نقض بصورة أو بأخرى. الخلاصة هي أن حق النقض لا يغني الدول صاحبة العضوية الدائمة عن حاجتها للعمل مع بقية الأعضاء.

"ألترا صوت": قد تبدو القضية للبعض أشبه بالـدائرة المغلقة؟ إذ إن تعديل عضوية مجلس الأمن يحتاج أصلًا إلى عدم اعتراض الدول الخمسة دائمة العضوية كما أسلفت للتو. أين المخرج؟

- بالطبع. لو كان هناك طريق واضح للمخرج لوجد منذ زمن.

"ألترا صوت": برأيك، ما الذي يمنع بعض الدول المعترضة على ما سبق من اتخاذ خطوات"احتجاجية" إن صح التعبير، كالانسحاب من المنظمة أو ما يشابهها؟

193 دولة هي عدد الدول التي تشكل الأمم المتحدة، وكل دولة لها علاقاتها الثنائية مع دول الجوار أو المجموعة الجغرافية التي تنتمي لها، كالمجموعة الأفريقية والأوروبية وغيرها، والعلاقات الدولية متشابكة ومعقدة، فأولويات دولة أو حكومة في موضوع ما، لا يعني بالضرورة أن تكون هي نفسها أولويات دول صديقة لها. التعامل الدولي مبني بالأساس على مبدأ الأرضية المشتركة، وإلى أن توجد تلك الأرضية المشتركة بين مجموعة أكبر من الدول التي تستطيع أن تمضي قدمًا في التغيير، لن يتم التغيير.

اقرأ/ي أيضًا: 

هربًا من العقاب..بوتين ينسحب من محكمة الجنايات

فرانسوا فيون في الإليزيه..من يدري