27-أكتوبر-2017

عناصر قوة أمنية من المعارضة دربتها تركيا في شمال سوريا (كيريم كوكالار/ الأناضول)

بعد أيامٍ من تنفيذ الجيش التركي عملية انتشار على المنطقة الممتدة قرب مدينة عفرين بريف حلب التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بدأت فصائل المعارضة المسلحة في الشمال السوري، التجهيز لحل نفسها والانخراط ضمن جيش نظامي في مناطق "درع الفرات" تحت إشراف الحكومة السورية المؤقتة، في خطوة، رغم تأخرها، قد تساهم في الحفاظ على ما تبقى لها من مناطق خاضعة لسيطرتها.

بدأت المعارضة في الشمال السوري التجهيز للانخراط ضمن جيش نظامي في مناطق سيطرة قوات "درع الفرات" التي تدعمها تركيا

مرحلتان لتأسيس الجيش النظامي للمعارضة

وخلال اجتماع عقد الثلاثاء الماضي في مقر القوات الخاصة التركية، حضره واليا غازي عنتاب وكلس التركيتين، وقائد القوات الخاصة التركية، وممثلون عن الاستخبارات التركية، إلى جانب المعارضة السورية المسلحة والسياسية، وقّع في نهايته جميع الأطراف على وثيقة تنص على توحيد إدارة جميع المعابر الحدودية في مناطق درع الفرات، وجمع كافة وارداتها في خزينة تحت إشراف الحكومة السورية المؤقتة.

اقرأ/ي أيضًا: "درع الفرات"..تحرك تركي لإفشال الانفصال الكردي

وأطلقت تركيا في 24 من آب/أغسطس 2016 عملية درع الفرات لدعم فصائل الجيش السوري الحر في شمال سوريا لاستعادة السيطرة على المناطق التي كانت خاضعة لنفوذ تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وتقدر المساحة التي تسيطر عليها فصائل المعارضة في المنطقة بنحو 3500 كيلومتر، وهي تفصل ما بين مدينتي منبج بريف حلب الشرقي وعفرين بريف حلب الشمالي، الخاضعتين لسيطرة قسد التي تقودها وحدات حماية الشعب الكردية.

وتضمن الاتفاق الذي وقع عليه كبرى فصائل المعارضة انتقالها من مرحلة المجموعات إلى مرحلة الجيش النظامي على مرحلتين، تشمل في الأولى تشكيل ثلاثة فيالق التي حدد لها فترة زمنية بشهر واحد، وفي المرحلة الثانية يتم تجريد الفصائل من جميع المسميات، وتندمج ضمن لواء في المرحلة الأخيرة مؤلف من ثلاثة كتائب، على أن تكون جميع الأسلحة والذخائر والآليات العسكرية تابعة لوزارة دفاع تحت إشراف الحكومة السورية المؤقتة.

وكان المجلس الإسلامي السوري دعا نهاية آب/أغسطس الماضي فصائل المعارضة لـ"إنهاء حالة التشرذم" والاندماج ضمن وزارة دفاع تحت إشراف الحكومة السورية المؤقتة، وبعد ما يقرب من 13 يومًا من دعوته تبنّت الحكومة المؤقتة مبادرة المجلس الإسلامي، وأعلنت عن تشكيل وزارة الدفاع برئاسة جواد أبوحطب، الرئيس الحالي للحكومة السورية المؤقتة بنفس الوقت.

 توجهات تركيا لإعادة تنظيم مناطق درع الفرات

ومنتصف الشهر الجاري، أعلن الجيش التركي أنه بدأ تنفيذ عملية انتشاره في المناطق الممتدة على طول الحدود الإدارية، الفاصلة بين مدينة عفرين ومحافظة إدلب، في إطار تنفيذ البنود المتفق عليها ضمن مذكرة "تخفيف التوتر" الموقعة بين الدول الضامنة في اجتماع آستانا في أيار/مايو الماضي.

وبحسب وكالة الأناضول التركية، فإن القوات المنتشرة ستشكل نقاط مراقبة في عشر مواقع ما بين المناطق الواقعة في شمال وجنوب محافظة إدلب، وسوف تقوم تركيا بمراقبة الأجزاء الداخلية من المحافظة، فيما يقتصر دور القوات الروسية على المراقبة خارجها.

وبرفقة انتشار القوات التركية في شمال سوريا، فقد أنهت أكاديمية الشرطة التركية تدريب 5631 سوريًا للعمل كشرطيين في المدن الخاضعة لسيطرة فصائل درع الفرات. وبحسب ما نقلت وسائل إعلام تركية عن مصادر خاصة فإن قوات الشرطة المدربة ستقوم بمهامها كـ"قوات خاصة".

تأتي التطورات الأخيرة في مناطق شمال سوريا التي تشرف عليها تركيا، في إطار تنظيم مناطق درع الفرات وإعادة الاستقرار إليها

وفي خطوة تعتبر الأولى من نوعها في مناطق المعارضة منذ خروجها عن سيطرة النظام السوري، قالت "قوى الشرطة والأمن العام الوطني"، الأحد الماضي، إنها خرّجت أول دفعة من الشرطة النسائية في مدينة إعزاز المنضوية ضمن مناطق درع الفرات، بعد أن أنهت تدريباتها في تركيا، وبلغ عدد الدفعة الأولى التي ستنتشر في مناطق ريف حلب الشمالي 90 فتاة.

تخريج دفعة من الشرطة النسائية في إعزاز شمالي حلب

وتأتي التطورات الأخيرة في مناطق الشمال السوري التي تشرف عليها تركيا في إطار تنظيم مناطق درع الفرات، وإعادة الاستقرار إليها، وتوحيد فصائل المعارضة للحفاظ على ما تبقى لها من مناطق نفوذ بعد التقدم السريع لقوات النظام مدعومًة بالمليشيات الإيرانية شرق سوريا، وبالتالي قد يكون الهدف النهائي لتركيا هو بقاء تلك المناطق تحت سيطرة المعارضة دون أن تقوم بعمليات توسع مستقبلية.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا دخلت تركيا إلى الحرب السورية؟

إشراف تركي على إعادة توزع القوى المسلحة في الشمال السوري

لكن كل الجهود التركية التي حاولت تجنيب محافظة إدلب عملية عسكرية بعدما أعلنت هيئة تحرير الشام (هتش) السيطرة على النسبة العظمى منها؛ قد تواجه بعض الصعوبات، كون هتش لا تزال تحتفظ في مواقعها داخل المحافظة، علاوة على دعمها تشكيل حكومة إنقاذ في مدينة إدلب برئاسة محمد الشيخ، والتي تم تكليفها بناءً على مقررات المؤتمر السوري العام الذي دعت إليه هتش منتصف أيلول/سبتمبر الماضي، لتضعها بذلك في مواجهة مباشرة مع الحكومة السورية المؤقتة التي تلقى دعمًا من كافة الفصائل والنشطاء والفعاليات المدنية المعارضة.

غير أن المعطيات المتوفرة من الشمال السوري، تشير أن هتش أصبح أمامها ثلاث خيارات تتلخص في اندماجها مع فصائل المعارضة التي تتهيّأ لحل نفسها والعمل ضمن وزارة الدفاع التابعة للحكومة المؤقتة، وهذا الخيار يتطلب جهودًا تركية لإقناع الدول الفاعلة في سوريا بذلك، أو أن تنسحب هتش إلى خارج محافظة إدلب دون قتال.

ويأتي أخيرًا اتخاذ قرار انتحاري من هتش بقتال فصائل المعارضة المدعومة من القوات التركية، رغم أن الاحتمال الأول حتى الآن يبقى خيارًا مرجحًا أكثر من الخيارين التاليين، كون القائد العام السابق لهتش أبي جابر الشيخ، أبدى الموافقة على حل نفسهم قبل شهرين في مقابل أن "تحل الفصائل نفسها، ونكون تحت قيادة واحدة".

وانتشار القوات التركية في المناطق القريبة من مدينة عفرين، يأتي في ظل محاولات أنقرة لمنع تنامي نفوذ قسد على الشريط الحدودي مع تركيا، إذ أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قبل أيام، أن الهدف القادم بعد عملية الانتشار في محافظة إدلب، سيكون منطقة عفرين، مشيرًا لذلك بقوله: "يمكن أن نأتي فجأة في أي ليلة".

ومن هذا المنطلق فإن الإعلان عن تشكيل جيش نظامي يأتي في إطار محاولة تركيا توحيد فصائل المعارضة ضمن جسم عسكري يمكنه التصدي لأي عمل عسكري يهدد الشمال السوري، سواءً من قسد التي أعلنت في أكثر من مناسبة نيتها التوجه لمدينة إدلب، أو هجمات متوقعة من النظام السوري الذي يطالب القوات التركية الانسحاب من المناطق التي دخل إليها.

كما أن المعارك الأخيرة بين حركة أحرار الشام الإسلامية وهتش، والتي أفضت لتوسيع الأخيرة نفوذها في محافظة إدلب؛ كشف عن مدى هشاشة فصائل المعارضة ما يمكن للنظام السوري الاستفادة من ذلك في حال قرر تنفيذ عملية اقتحام للمحافظة، وبالتالي فإن توحيد الفصائل يعطيها مجالًا لاستعراض قوتها العسكرية تجعل النظام السوري يعيد ترتيب أوراقه قبل أن يقدم على عملية من هذا النوع.

وتبقى في النهاية جميع الاحتمالات مفتوحة لمزيد من التطورات على مدار الأيام القادمة، إلا أنها لن تكون قبل شهر أو حتى شهرين على أقل تقدير، ما دام أن إعلان تشكيل الجيش النظامي منح فترة شهرين تقريبًا لإكمال عملية إنشائه وفق الخطة المتفق عليها.

الإعلان عن تشكيل جيش نظامي، يأتي في إطار محاولة تركيا توحيد المعارضة ضمن جسم عسكري يمكنه التصدي لأي عمل يهدد شمال سوريا

وفي مقابل ذلك، ستبقى المنطقة عرضًة للتوتر على فترات متقطعة، ريثما يتم الاتفاق بشكل نهائي على مصيرها، وسط مساعي أنقرة الحثيثة لإبقائها خاضعة لسيطرة فصائل المعارضة ضمن تفاهمات تتوافق عليها مع إيران وروسيا أبرز الدول الداعمة للنظام السوري منذ أكثر من ستة أعوام.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مصير إدلب يُسيطر على مباحثات أستانا.. هل اقتربت نهاية "تحرير الشام"؟

4 سيناريوهات محتملة ينتظرها الشمال السوري