13-يناير-2018

تتصاعد المعارك بين قوات النظام وفصائل المعارضة في ريف إدلب (أ.ف.ب)

بدأت قوات النظام السوري مدعومًة بالميليشيات الأجنبية، هجومًا عنيفًا على ريفي إدلب الجنوبي والشرقي مطلع العام الجاري، تمكنت خلاله من السيطرة على أكثر من 100 موقع وبلدة، في وقت شهدت دفاعات فصائل المعارضة انهيارات متوالية دفعتها للانسحاب بشكل متسلسل، ما دفعها لتبادل الاتهامات فيما بينها، لتعود متجاوزة ذلك بإعلانها إطلاق عملية عسكرية للتصدي لتقدم قوات النظام التي يفصلها بضعة كيلومترات عن مطار أبو الظهور العسكري.

مع مطلع العام الجديد، نفذ نظام الأسد مدعومًا بالميليشيات الأجنبية، هجومًا عنيفًا على إدلب سيطر خلاله على 650 كيلومتر من ريف إدلب

النظام يسيطر على 650 كيلومتر في إدلب

الهجوم العنيف الذي نفذه النظام السوري سيطر خلاله على مساحة تقدر بـ650 كيلومتر في ريف إدلب الجنوبي والشرقي. وأصبح على أطراف مطار أبو الظهور العسكري، ثاني أكبر القواعد العسكرية للنظام في الشمال السوري، والذي كانت قد سيطرت عليه هيئة تحرير الشام (هتش) والحزب التركستاني الإسلامي في أيلول/سبتمبر 2015.

اقرأ/ي أيضًا: إدلب.. حصن المعارضة الأخير في مواجهة جحيم النظام

وكانت محافظة إدلب قد خرجت نهائيًا عن سيطرة النظام السوري عام 2015، بعدما أعلنت مجموعة من الفصائل عن تشكيلها تحالف "جيش الفتح" في شباط/ فبراير، وشنت هجومًا سريعًا تمكنت خلاله من السيطرة عليها. ومنتصف العام الماضي شنت هتش هجومًا على مقرات فصائل المعارضة في القرى والبلدات، وأتبعتها بهجوم على مركز المدنية تمكنت خلاله من فرض نفوذها على أجزاء واسعة منها.

غير أن المعارضة السورية تجاوزت مرحلة الاتهامات أول أمس الخميس، وأطلقت عملية "رد الطغيان" بهدف التصدي لقوات النظام، وتمكنت من السيطرة على خمسة قرى على الأقل، قبل أن تتمكن قوات النظام من استعادة القرى التي تقدمت إليها المعارضة السورية. لكن المعارك التي دارت خسر فيها النظام السوري عشرات القتلى والأسرى من "الفيلق الخامس اقتحام" الذي تشرف روسيا على تدريبه، وهو ما أظهرته مقاطع مصورة متداولة.

ويعتبر الشمال السوري أبرز معاقل المعارضة السورية، حيثُ أصبح الوجهة الوحيدة للمدنيين المهجرين من مناطقهم في إطار سياسة التغيير الديموغرافي التي يمارسها النظام السوري، ويأوي قرابة ثلاثة ملايين مدني، الأمر الذي دفع برئيس الحكومة التركية بن علي يلدريم من التحذير بأن الهجمات التي يشنها النظام ستسبب في "هجرة جديدة" بعدما شهدت عشرات القرى حالات نزوح جماعية تزيد عن 100 ألف مدني.

فصائل المعارضة تتجاوز مرحلة الاتهامات

ويبدو أن فصائل المعارضة وهتش، قد قررت تجاوز الاتهامات فيما بينها، بعدما كانت اتهمت المعارضة هتش بالانسحاب من المناطق التي تسيطر عليها، ما دفعها لإصدار بيانٍ يهاجم من انتقدها بتسليم المناطق للنظام السوري. وبعد وقت قصير نشرت قناتها الرسمية على تيلغرام صورًا لقائدها العام أبي محمد الجولاني، قالت إنه خلال اجتماع مع قادة القطاعات لبحث التطورات الميدانية في المنطقة، في محاولة منها لتهدئة الاحتقان الشعبي في صفوف المدنيين اتجاه انتهاكاتها بحق فصائل المعارضة خلال الأشهر الماضية.

أما حركة أحرار الشام الإسلامية، فقد أصدرت بيانًا هاجم مضمونه هتش، متهمًا إياها بأن هجماتها التي نفذتها ضد فصائل المعارضة "ساهمت بشكل جلي وواضح فيما آلت إليه الأمور"، وأعلنت في نهايته "النفير العام، رغم قلة الإمكانيات". والواضح أن بيان الحركة رغم أنه يمثل رأيها فقط لأنها الجهة الوحيدة المصدرة له، إلا أنه قد يكون متوافق مع باقي الفصائل، ويدعم ذلك فشلهم بالتوصل لإنشاء غرفة عمليات بالاشتراك مع هتش.

لكن الواضح أن المعارضة أرادت أن تتجاوز خلافاتها مع هتش، بإعلانها انطلاق العملية رغم أنها لم تحقق حتى الآن ما كانت ترمي إليه من نتائج. وبحسب وسائل إعلام محلية فإن ثمانية فصائل تشارك في العملية، خمسة منها قامت بتشكيل غرفة عمليات "رد الطغيان"، بالإضافة للحزب الإسلامي التركستاني وهتش، اللذين يشاركان بشكل منفصل في هجوم المعارضة.

يرى مراقبون أن هجوم النظام على إدلب يستهدف السيطرة على المنطقة الزرقاء الواقعة بين سكة الحجاز وطريق " حلب - دمشق" الدولي

وكانت الخارجية الفرنسية قد أصدرت قبل يومين بيان إدانة للنظام السوري، مطالبة إياه باحترام الاتفاقيات الموقعة في أستانا لإيقاف "العنف بأسرع ما يمكن"، كذلك دعا وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو روسيا وإيران لتنفيذ واجبتهما المتفق عليها في أستانا، على اعتبارهما الضامنين للنظام السوري، مشيرًا إلى أن "الانتهاكات تجاوزت الحد المتوقع".

اقرأ/ي أيضًا: البيان الختامي لمؤتمر الأستانا يشعل الشمال السوري

وفي أيار/مايو الماضي، اتفقت تركيا وإيران وروسيا في أستانا، على إنشاء خمسة مناطق لـ"تخفيف التوتر" من بينها محافظة إدلب وأجزاء من ريف حلب في الشمال السوري، غير أن النظام السوري لم يلتزم بالاتفاق في أي من المناطق المدرجة ضمن الخارطة المتفق عليها، بل إنه سيطر على عددٍ من المناطق في ريف دمشق الغربي بالإضافة لحي الوعر الحمصي.

هل للمنطقة الزرقاء دور في هجوم النظام؟

وتعليقًا على الهجوم الذي تتعرض له إدلب، اعتبر مراقبون أن الهدف منه السيطرة على ما تعرف بـ"المنطقة الزرقاء" التي تمتد حتى مطار أبو الظهور العسكري. وتضمنت التسريبات المرتبطة بالخريطة الزرقاء، شرط خلوها من السلاح، وأن تخضع للرقابة الروسية.

وكان مركز عمران للدراسات، قد نشر في وقت سابق ورقة بحثية أشار فيها إلى أن محافظة إدلب من المتوقع تقسيمها لثلاث مناطق: المنطقة الحمراء الواقعة شرق سكة القطار، لتكون منزوعة السلاح تحت حماية القوات الروسية، والمنطقة الزرقاء التي تتعرض للهجوم حاليًا والتي تقع ما بين سكة القطار وطريق "حلب – دمشق" الدولي، حيثُ كانت تتواجد هتش قبل أن تنسحب منها، وأخيرًا المنظقة الخضراء الواقعة غرب الطريق، التي أشار إلى أنها وفق التفاهمات بين الأطراف الدولية، يتكون خاضعة للنفوذ التركي.

لكن هذا الخيار حول إعادة رسم خارطة مناطق "تخفيف التوتر"، قد يصطدم بفصيل جديد لم يكن معلن عن تواجده سابقًا، بعدما أعلن تنظيم القاعدة عن وجود فرع رسمي له في سوريا. وطالب عناصره بـ"ألا يتخلفوا عن أماكنهم مع من يتعاونون معهم من المسلمين". ويأتي هذا الإعلان بالتزامن مع المعارك الدائرة في ريفي إدلب وحماة، حيثُ تتصدى المعارضة لتقدم قوات النظام وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بشكل منفصل في المنطقة.

ودخلت القاعدة في خلاف مع هتش بعدما نفذت الأخيرة عمليات اعتقال طالت قيادات من التنظيم في شمال سوريا، اتهمتهم بتسبيب "الضرر والفساد"، فردت القاعدة في بيان رفضت فك هتش بيعتها لها. وفيما ترفض فصائل المعارضة إعادة إحياء غرفة العمليات المشتركة في تحالف جيش الفتح، فقد تبادر هتش لإعادة تحالفها مع القاعدة بتجديد البيعة، إلا أن ذلك مستبعد قريبًا على الأقل، في ظل تنامي نفوذها في المنطقة.

وفي حال سيطر النظام على مطار أبو الظهور، فإنه يكون قد أصبح على بعد 50 كيلومتر من مدينة إدلب، بالإضافة لاقترابه بنحو 30 كيلومتر من أبرز معاقل المعارضة في الريف الإدلبي، وهو ما يضع المنطقة أمام احتمالات قد تكون معاكسة لما كان متوقعًا لها، وتطرح تساؤلًا مهمًا حول مصير نحو ثلاثة ملايين مدني متواجدين فيها، بالأخص بعد أن أضحت وجهةً للسكان الأصليين المهجرين من مناطقهم ضمن سياسة التغيير الديموغرافي التي ينتهجها النظام السوري.

وعلى ما يبدو، فإن الشمال السوري بشكل عام مقبل على تطورات جديدة، بعدما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن صبر بلاده "بدأ ينفذ" من تمدد القوات الكردية على طول الشريط الحدودي في إطار مساعيها لإنشاء حكم ذاتي في المنطقة. ويظهر من تصريحات أردوغان قبل نحو يومين، أن واشنطن تماطل في تنفيذ وعودها التي قطعتها لأنقرة بشأن الضمانات التي قدمتها بإيقاف الدعم لمقاتلي قسد التي تقودهم وحدات حماية الشعب الكردية.

بشكل عام، يبدو أن الشمال السوري سيشهد تطورات جديدة ومصيرية خلال الفترة المقبلة سواءً بين النظام والمعارضة أو بين تركيا والأكراد

لذا فإن تطورات محافظة إدلب الأخيرة لا يمكن فصلها عن مجمل التطورات التي يشهدها الشمال السوري. إذ وضعت فصائل المعارضة نفسها أمام اختبارات مصيرية لتمكين نفوذها في المنطقة، في ظل عدم التزام الأطراف الدولية بتنفيذ وعودها للأطراف الضامنة لها مقابل التزام أنقرة الطرف الضامن للمعارضة السورية، وهو ما يضع الشمال السوري مجددًا أمام احتمالات جديدة قد تلغي جميع ما سبقها، وتعيد المنطقة لنطقة البداية مرة أخرى.

 

اقرأ/ي أيضًا:

4 سيناريوهات محتملة ينتظرها الشمال السوري

الاختلاف بين تركيا وأمريكا في الشمال السوري