24-أغسطس-2018

تعد مدينة إدلب آخر المناطق الكبيرة التي تسيطر عليها المعارضة السورية (Getty)

ألترا صوت - فريق التحرير

عادت محافظة إدلب مركز الشمال السوري لتصدر المشهد العسكري على الخارطة السورية، بعدما أعلن النظام السوري عزمه شن هجوم بري وجوي مدعومًا بالميليشيات الأجنبية بغية استعادت السيطرة عليها من قوات المعارضة السورية، بينما بدت الأخيرة في محاولة نهائية لتدعيم صفوفها متجهة لإعلانها عن تحالفات جديدة لصد الهجوم المرتقب، وإن كان ذلك بعيدًا نسبيًا في ظل رفض هيئة تحرير الشام تسليم سلاحها، أو الاندماج معها.

شهدت الأيام القليلة تحذيرات دولية من خشية شن النظام السوري هجومًا بالسلاح الكيميائي على غرار ما حصل سابقًا في مدينة دوما بريف دمشق

الدول الكبرى تحذر الأسد من استخدام السلاح الكيميائي 

وشهدت الأيام القليلة تحذيرات دولية من خشية شن نظام الأسد هجومًا بالسلاح الكيميائي على غرار ما حصل سابقًا في مدينة دوما بريف دمشق، قبل أن يستعيد النظام السيطرة عليها غداة الهجوم الكيميائي، وشدد المسؤول الأممي يان إيغلاند قبل أيام على عدم إمكانية "خوض حرب في وسط أكبر مجموعة من مخيمات اللاجئين والنازحين في العالم"، في إشارة للمنطقة التي تؤوي مئات الآلاف من النارحين.

واعتبارًا من منتصف عام 2016 تحوّلت محافظة إدلب شمال غرب سوريا وجهة لمقاتلي المعارضة مع عوائلهم، بالإضافة للسكان المدنيين الذين رفضوا التوقيع على ما عرف بـ"اتفاقيات المصالحة"، بعد استعادة النظام السوري السيطرة على كافة المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة.

 وتقدر الأمم المتحدة عدد المدنيين الذين يقيمون في مدينة إدلب مع الريف بين 2.5 إلى 3.5 مليون مدني، وهي آخر معاقل المعارضة الكبرى، وكانت واحدة من بين محافظتين تمكنت فصائل المعارضة من السيطرة عليها خلال عام 2015 بعيد الإعلان عن تشكيل تحالف جيش الفتح، أما المحافظة الثانية فقد كانت درعا التي تمكن النظام السوري من استعادتها قبل بضعة أسابيع، بعدما كانت خرجت عن سيطرته منذ عام 2012.

ومع نهاية عام 2015 كان النظام السوري يسيطر على ما يقرب 32% فقط من الأراضي السورية، لكنه مع نهاية الشهر الفائت بات يفرض سيطرته على ما يقدر بـ90% من مساحة البلاد، وفق ما ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، ولا تزال المناطق الشرقية تخضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية التي تقودها وحدات الشعب الكردية بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، فيما لا يزال تنظيم الدولة يحتفظ بنفوذ ضمن جيبين صغيرين في عمق البادية السورية.

اقرأ/ي أيضًا: إدلب.. حصن المعارضة الأخير في مواجهة جحيم النظام السوري

وكانت المحافظة محل خلاف بين الأطراف الدولية حول إمكانية تحولها لمعقل أخير لفصائل المعارضة السورية، لكن ذلك لا يزال مرهونًا بإعلان هيئة تحرير الشام موافقتها على الاندماج شريطة تسليم سلاحها؛ حيث تتجه باقي الفصائل إلى توحيد نفسها ضمن تحالفات جديدة في محاولة أخيرة للحفاظ على آخر معاقلها في سوريا، بعد سبع سنوات من حرب دامية استخدم فيها نظام بشار الأسد الأسلحة المحرمة دوليًا لاستعادة السيطرة على كثير من المناطق.

تقدر الأمم المتحدة عدد المدنيين الذين يقيمون في مدينة إدلب مع الريف بين 2.5 إلى 3.5 مليون مدني، وهي آخر معاقل المعارضة الكبرى

ووجهت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في 21 آب/أغسطس الجاري إنذارًا للأسد بأنها سترد "بشكل مناسب" على أي هجوم بالسلاح الكيميائي قد يشنه على المحافظة، وجاءت تحذيرات الدول الثلاث الكبرى بالتزامن مع الذكرى الخامسة للهجوم الكيميائي الأعنف الذي نفذه النظام السوري على الغوطتين الشرقية والغربية في اليوم عينه قبل خمسة أعوام، ما أسفر عن مقتل ما يزيد على ألف مدني جراء استنشاقهم لغاز السارين السام.

هل تتمكن المعارضة السورية من توحيد صفوفها؟

بدأت فصائل المعارضة السورية في الأشهر الماضية تتجه في محاولة أخيرة لتوحيد صفوفها تأهبًا لصد أي هجوم محتمل قد يشنه النظام السوري مدعومًا بالميليشيات التي تقودها إيران، في حين لا تزال هيئة تحرير الشام ترفض الاندماج مع أي تحالف تقوده المعارضة السورية، وهو ما ظهر من الكلمة المصورة للقائد العام للهيئة أبي محمد الجولاني التي نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي السبت الماضي، لكنه في مقابل ذلك أعلن استعداده التعاون مع باقي الفصائل لصد أي هجوم محتمل.

 وبعد أن كانت تحرير الشام متجهة للسيطرة على محافظة إدلب، مقابل انحسار نفوذ باقي فصائل المعارضة إلى الريف الجنوبي للمدينة منتصف العام الماضي، عادت وفقدت السيطرة على مساحة واسعة منها. وتعتبر المحافظة الشمالية محل خلاف بين الأطراف الدولية الفاعلة في سوريا التي تصر على استهداف المحافظة طالما أن لتحرير الشام المدرجة ضمن قائمة "المنظمات الإرهابية" نفوذًا فيها.

يرى مراقبون أن موسكو تستخدم محافظة إدلب كورقة ضغط لدفع الأطراف الدولية للموافقة على المشاركة في ملف إعادة الإعمار مقابل إيقاف أي عمل عسكري 

وبينما ترفض تحرير الشام فكرة الاندماج داخل أي تحالف مع الفصائل المعارضة دون أن تبدي معارضتها من التعاون معها لصد أي هجوم محتمل يشنه النظام السوري، فإن الأخيرة اتجهت لتوحيد صفوفها بالإعلان مطلع الشهر الجاري عن تشكيل الجبهة الوطنية للتحرير، التي وصفتها في بيانها التأسيسي بأنها نواة لـ"جيش الثورة القادم".

وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف دعا يوم 20 من شهر آب/ أغسطس الجاري فصائل المعارضة لأن "تنأى بنفسها" عن هيئة تحرير الشام، وهو ما وصفه مراقبون بأنه تحذيرات روسية لقرب شن هجوم عسكري محتمل على المنطقة، الأمر الذي لا تزال تركيا ترفض حدوثه خوفًا من وقوع كارثة إنسانية، بحسب ما صرح وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو، الجمعة، الذي أكد أن أي حل عسكري في المحافظة سيؤدي إلى "كارثة" إنسانية في المنطقة.

هل تشهد إدلب مصيرًا مشابهًا لما حدث في حلب؟

 وكانت أنقرة بدأت خلال الفترة الماضية بتقديم الدعم لفصائل المعارضة التي اندمجت ضمن الجبهة الوطنية للتحرير، فضلًا عن دعمها مسبقًا للجيش الوطني الذي تشكل من فصائل الجيش السوري الحر، المشارك إلى جانب القوات التركية في عملية غصن الزيتون، التي تمكنت فيها من السيطرة على منطقة عفرين، بعد أن كانت خاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب الكردية في آذار/ مارس الماضي.

إلا أن الحال يختلف مع محافظة إدلب التي باتت آخر معقل للمعارضة السورية، وفي حال خسرتها المعارضة، فإن ذلك يعني استعادة النظام السوري السيطرة على أكثر من 94% من البلاد، ولا يبدو أن النظام السوري مقبل على الانصياع للتحذيرات الدولية، والتي كان واحد منها للمبعوث الدولي إلى سوريا ستافان دي ميستورا، الذي حث الأطراف الدولية الفاعلة في سوريا على تجنيب المنطقة مصيرًا مشابهًا لما حصل في الشطر الشرقي من مدينة حلب، أو الغوطة الشرقية بريف دمشق.

ويقوم النظام السوري بالاشتراك مع طهران وموسكو بالترويج لنظرية أن محافظة إدلب أضحت بؤرة للمنظمات الإرهابية، بعدما قام بتهجير السكان الأصليين للمناطق الخارجة عن سيطرته إليها، متذرعًا بتواجد هيئة تحرير الشام داخلها. وتنذر التطورات بأنه في حال هجوم عسكري فإن المنطقة مقبلة على أزمة نزوح جديدة، قد تكون الأقسى والأكبر خلال العقد الجاري وفق تقديرات لمنظمات حقوقية.

اقرأ/ي أيضًا: الشمال السوري الساخن.. كر وفر ومعارك مصيرية بين النظام والمعارضة في إدلب

وعلى الرغم من التفاهمات الاقتصادية التي تحكم أنقرة وموسكو، والتي ساهمت العقوبات الاقتصادية الأمريكية في تقريبهما أكثر من السابق، فإن الملف السوري يشهد تباعدًا في وجهات النظر لإنهاء الأزمة السورية، ففيما تصر أنقرة على أن أي حل سياسي يجب أن يتضمن تنحي رئيس النظام السوري بشار الأسد عن السلطة، فإن موسكو ترى أن شرط تنحي الأسد عن السلطة يجب ألا يرتبط بأي اتفاق سياسي.

ويرى مراقبون أن موسكو تستخدم محافظة إدلب كورقة ضغط لدفع الأطراف الدولية للموافقة على المشاركة في ملف إعادة الإعمار مقابل إيقاف أي عمل عسكري محتمل في المنطقة، وهو ما ترفضه الدول الفاعلة في الأزمة السورية، والتي كان آخرها تصريحات مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون، الذي ربط ملف إعادة الإعمار بانسحاب القوات الإيرانية من سوريا.

لكن حال المحافظة قد يتبدل إذا ما قررت فصائل المعارضة استباق أي عمل عسكري بشن هجوم خاطف على ما تبقى لتحرير الشام من مواقع عسكرية فيها، إلا أن هذا الخيار محكوم بتفاهم الأطراف الدولية، وتقديم موسكو ضمانات بعدم شن النظام السوري أي هجوم عسكري على المنطقة إذا ما انتهى تواجد تحرير الشام فيها.

وفي كلتا الحالتين، فإن المنطقة التي شهدت خلال العامين الماضيين عشرات التفجيرات، استهدفت قادة في فصائل المعارضة، أو قيادات في الصف الأول في تحرير الشام، فضلًا عن الأسواق الشعبية، وأماكن تجمع المدنيين، مقبلة على أيام مجهولة المصير، طالما أنها محكومة بتوّصل الأطراف الدولية لاتقاق يجنبها حربًا قد تكون الأسوأ منذ بدايات الأزمة السورية في آذار/مارس 2011.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عملية عسكرية للجيش الحر في إدلب.. هل اقتربت نهاية "هتش"؟

"تحرير الشام".. مصير مجهول في شمال سوريا بحثًا عن إدارة ذاتية