25-فبراير-2018

يلف الغموض مصير استدامة التحالف الروسي الإيراني (سيرجي كاربوخين/ أسوشيتد برس)

نشر موقع مركز ستراتفور الأمريكي للدراسات الإستراتيجية والأمنية، مقالًا يُحلل فيها وضع التحالف الروسي الإيراني، ونقاط قوته وضعفه، وفرص استدامته على المدى الطويل. وفي السطور التالية ننقل لكم المقال مترجمًا بتصرف.


التقى وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو، في العاشر من شهر كانون الثاني/يناير الماضي، لبحث سُبل حل الحرب في سوريا، ومناقشة تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتعليق الاتفاق النووي الإيراني. وعقب اجتماعهما أشاد ظريف بدعم روسيا الحازم لتنفيذ الاتفاق النووي الإيراني، وأكد مجددًا رغبة البلدين المُشتركة في الحفاظ على وحدة الأراضي السورية.

استدامة الشراكة الروسية الإيرانية يلفها الغموض، خاصة مع تضارب الرؤى الإستراتيجية بينهما فيما يخص النظام الإقليمي بالمنطقة

وعلى الرغم من أن اجتماع ظريف الأخير مع لافروف، كان هدفه إظهار قوة التحالف الروسي الإيراني أمام المجتمع الدولي، فإن الاستدامة طويلة الأمد للاصطفاف والتنسيق بين موسكو وطهران، لا تزال غير واضحة. ويمكن تفسير الغموض الذي يكتنف بقاء الشراكة الروسية الإيرانية من خلال الرؤى الإستراتيجية المتضاربة لكل من البلدين فيما يتعلق بالنظام الإقليمي في الشرق الأوسط.

اقرأ/ي أيضًا: البوصلة نحو موسكو.. هكذا أصبح بوتين الزعيم الجديد للشرق الأوسط

وتركز الرؤية الإستراتيجية الروسية بشكلٍ رئيسيٍ على القضاء على مصادر عدم الاستقرار ومنع التدخلات العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة، والتي تُسهل من وجهة نظر موسكو، إنشاء دول فاشلة ومُفككة. فقد بررت الحكومة الروسية تدخلها العسكري في سوريا في أيلول/سبتمبر عام 2015، باعتباره تدبيرًا ضروريًا لاستعادة الاستقرار في البلاد، وردع واشنطن عن استخدام القوة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد.

كما ترى روسيا أن حملتها في سوريا خطوة أساسية نحو تحقيق هدفها الأوسع المُتمثل في ترسيخ دورها باعتبارها الضامن والكفيل الذي لا غنى عنه لتحقيق الأمن الجماعي في الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من أن صانعي السياسات الإيرانيين كثيرًا ما يصفون ويُروجون لدور طهران على أنه القوة اللازمة لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، فإن تعزيز الأمن الجماعي ليس إلا هدفًا هامشيًا في الرؤية الإستراتيجية الإيرانية. إذ يركز صانعو السياسات الإيرانيون بشكلٍ أساسي على توسيع نطاق نفوذ طهران في الشرق الأوسط، وتقويض قدرة السعودية على استخدام سطوتها عبر العالم العربي.

وقد أدت هذه الأهداف التوسعية إلى تعاون إيران على نطاق أوسع مع الأطراف المتحاربة غير التابعة للدولة (المليشيات الأجنبية والمحلية)، مقارنة بروسيا، فضلًا عن الانخراط في أنشطة عسكرية تقوض فعالية مبادرات التسوية السياسية المدعومة من موسكو.

تُهدد هذه الأهداف المتباينة بعرقلة التعاون الروسي الإيراني في سوريا، مع انتقال الصراع من المرحلة العسكرية إلى مرحلته الدبلوماسية. فعلى الرغم من أن المسؤولين العسكريين الروس أثنوا على فعالية قوات حزب الله خلال العمليات العسكرية الموالية للأسد، فإن استخدام إيران للأراضي السورية لإنشاء نقطة عبور دائمة لإمداد الأسلحة لحزب الله قد أثار قلق صانعي السياسات الروس الذين يسعون للحفاظ على علاقات قوية مع إسرائيل.

بالإضافة إلى أن عدم رغبة إيران في وقف العمليات العسكرية في سوريا إلى أن يهزم الأسد تمامًا القوات المعارضة، يحيد عن أهداف روسيا الأكثر تحديدًا، التي تتمثل في ضمان أن يسيطر الأسد على ما يكفي من الأراضي، ما يسمح له بتفاوض مع فصائل المعارضة السورية من موقع القوة. كما أن إيمان إيران بإمكانية التوصل إلى حل عسكري في سوريا، جعلها أقل استعدادًا من روسيا للانخراط الدبلوماسي مع المعارضة السورية أو الفصائل الكردية خلال المفاوضات الدبلوماسية، ما يحد من نطاق الشراكة بين موسكو وطهران.

كما تبدو آفاق التعاون البناء بين روسيا وإيران قاتمة بشأن حل الصراعات الإقليمية الأخرى، مثل اليمن وأفغانستان. ففي اليمن، ازداد تدهور العلاقات المتوترة بالفعل بين روسيا والمتمردين الحوثيين الموالين لإيران، منذ اغتيال الرئيس السابق المخلوع، علي عبد الله صالح، في الخامس من شهر كانون الأول /ديسمبر العام الماضي. وقد دفعت هذه التوترات موسكو إلى إقامة قنوات اتصال أقوى مع السعودية في سبيل حل الأزمة.

تبدو آفاق التعاون البنّاء بين روسيا وإيران غير واضحة، أو بالأحرى قاتمة، بشأن حل الصراعات الإقليمية خارج سوريا مثل اليمن وأفغانستان

وثمة تباين مماثل في الأهداف يُقيد إمكانية التعاون الروسي الإيراني في أفغانستان. إذ تسعى روسيا إلى تنفيذ تسوية سياسية أفغانية تشمل حركة طالبان بأسرع ما يمكن. وفي الوقت الذي ترغب فيه إيران بالتوصل إلى تحقيق تسوية سلمية في أفغانستان على المدى الطويل، فإنها ليست على استعداد لتعليق العمليات العسكرية، إلى أن تكتسب القوات المناهضة للولايات المتحدة موقف أفضلية في غرب أفغانستان.

اقرأ/ي أيضًا: الأسد.. مصيرٌ تصنعه تحالفات روسيا

ومع استمرار إيران في تقديم المساعدات العسكرية لقوات طالبان بالقرب من حدودها، فإن صانعي السياسات الروس ينتابهم القلق من أن تعيق طهران عملية السلام الأفغانية لتحقيق أهدافها الخاصة.

وعلى الرغم من أن المصالح المتباينة تجعل الشراكة الروسية الإيرانية أضعف مما افترضه العديد من المحللين، فإن خيارات السياسة الأمريكية يُمكن كذلك أن تؤثر تأثيرًا عميقًا على قوة التحالف. وكما أشار السفير الأمريكي السابق لدى روسيا مايكل ماكفول، في مقابلة أجريت في شهر آب/أغسطس عام 2017، إلى أن إعادة فرض نظام صارم من العقوبات الأمريكية ضد إيران، بالتخلي عن الاتفاق النووي، يُمكن أن يدفع طهران إلى التحالف بقوة مع موسكو.

وفي حال قررت الولايات المتحدة الرد عسكريًا على استخدام الأسد للأسلحة الكيميائية، فمن المحتمل أن يعيد ذلك إشعال معارضة روسيا وإيران الراسخة للتدخلات العسكرية الأمريكية، الأمر الذي سيعزز من شراكتهما في سوريا.

وعلى الرغم من أنه من غير المحتمل أن يحدث تحسن ملحوظ في علاقات واشنطن مع روسيا أو إيران في المستقبل القريب، فإن صانعي السياسات في الولايات المتحدة يُمكنهم التأثير على مسار العلاقة الروسية الإيرانية.

وللاستفادة من الخلافات بين روسيا واستراتيجيات إيران المُتبعة في أفغانستان، يُمكن للدبلوماسيين الأمريكيين إعادة إقامة حوار دبلوماسي مع طالبان، مما سيقدم أساسًا حقيقيًا للتعاون بين الولايات المتحدة وروسيا في أفغانستان، ويزيد من معارضة نهج إيران الداعم لحل عسكري بين الآراء المتوافقة على الصعيد الدولي.

ويمكن لصانعي السياسات في الولايات المتحدة أيضًا أن يحاولوا تعزيز الحوار القائم بين المشاركين في محادثات جنيف وأستانا، فيما يتعلق بسوريا. ومن شأن هذه الخطوة أن تعطي روسيا الاعتراف بالوضع التي ترغب فيه، وتضعف الشراكة بين موسكو وطهران، إذ لا يزال صانعو السياسات الإيرانيون يشعرون بالقلق إزاء التعاون الروسي الأمريكي المتزايد، مما سيجعل موسكو تنأى بنفسها عن طهران، كما فعلت خلال السنوات الأولى في إدارة أوباما.

ورغم أن التحالف الروسي الإيراني يبدو قويًا، فإن الرؤى الاستراتيجية المتباينة بين البلدين يُمكن أن تجعل الشراكة غير مستدامة على المدى الطويل. وإذا ما رغبت الولايات المتحدة في إضعاف الاصطفاف الروسي الإيراني، فيتعين على مسؤوليها الامتناع عن إقامة علاقات عدائية متشددة مع موسكو وطهران، التي من شأنها أن تزعزع الاستقرار، ومحاولة الكشف عن التصدعات وأوجه الاختلاف في الشراكة من خلال التدخل الدبلوماسي المُستهدف مع روسيا.

رغم أن التحالف الروسي الإيراني يبدو قويًا، إلا أنّ تباين الرؤى الإستراتيجية بين البلدين، قد يجعل الشراكة بينهما غير مستدامة

وفي حال نفذ صانعو السياسات في الولايات المتحدة هذه الإستراتيجية، فإن الشراكة بين موسكو وطهران قد تضعف بشكلٍ كبيرٍ بمجرد أن تنتهي العمليات العسكرية في سوريا، مما قد يعزز نفوذ واشنطن في الشرق الأوسط لسنوات قادمة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كيف صنعت روسيا طبخة الموت في سوريا اليوم؟

روسيا تقتل القتيل وتمشي في جنازته