15-فبراير-2018

قد تكون رسالة طالبان مناورة تكتيكية (أسوشيتد برس)

ألقت صحيفة الغارديان البريطانية، الضوء على رسالة نشرتها حركة طالبان مُؤخرًا، يحمل مضمونها حثًا للإدارة الأمريكية على بدء مفاوضات سلام مع الحركة. وحللت الصحيفة مضمون الرسالة وما قد تعنيه في بعض جوانبها، في تقرير ننقله لكم مترجمًا بتصرف في السطور التالية.


في بداية غير متوقعة، وفي وقتٍ تزايدت فيه إراقة الدماء في أفغانستان، نشرت حركة طالبان رسالة تحمل دعوة مفتوحة تُعرب فيها عن رغبتها في إجراء محادثات سلام، وتدعو فيها "الشعب الأمريكي" و"أعضاء الكونغرس" الذين وصفتهم بـ"المحبين للسلام" إلى الضغط على إدارة الرئيس دونالد ترامب لإجراء مفاوضات سلام.

دعت حركة طالبان الشعب الأمريكي وأعضاء الكونغرس "المحبين للسلام" بتعبيرها، للضغط على ترامب من أجل إجراء مفاوضات سلام

وجاءت الرسالة التي نشرها المتحدث باسم حركة طالبان، ذبيح الله مجاهد، وسط ظروف متدهورة لقوات التحالف الأمريكية والأفغانية في ميدان المعركة، وبعد شهرٍ واحدٍ من هجومين شنتهما حركة طالبان على كابول أسفرا عن مصرع 150 مدنيًا.

اقرأ/ي أيضًا: حروب الإمبراطورية الأمريكية المسكوت عنها.. غطرسة الجنرالات!

وقد بعثت إدارة ترامب برسائل مُختلطة ومشروطة حول استعدادها لإجراء اتصالات مع طالبان، بيد أنها أصرت على أن جميع المفاوضات الرسمية يجب أن تقودها الحكومة الأفغانية. بينما ترفض حركة طالبان التحدث مع الحكومة الأفغانية دون مناقشة انسحاب القوات الأجنبية مع حليفتها القوية، أولًا.

وقالت رسالة طالبان: "إذا استمرت سياسة استخدام القوة لمدة مئة عام أخرى، فستكون النتيجة نفس تلك التي شهدتها البلاد على مدار الأشهر الستة الأخيرة منذ بدء إستراتيجية ترامب الجديدة".

وتؤيد الرسالة التي تحوي 2800 كلمة، الإحصاءات التي تصدرها الولايات المتحدة والأمم المتحدة بشأن التهديدات المروعة التي تشهدها البلاد. وفي محاولة لإقناع الرأي العام الأمريكي بأنه لا يوجد سبيل لتحقيق فوز نهائي بهذه الحرب، أشارت الرسالة إلى مقتل "3546 جنديًا أمريكيًا وأجنبيًا" في عام 2017، وكذا زيادة في إنتاج الهيروين بنسبة 87٪، وتقييم المفتش الخاص والمشرف العام على ملف إعادة إعمار أفغانستان التابع للحكومة الأمريكية والذي ذكر أن مساحة الأرض التي تسيطر عليها حركة طالبان قد ازدادت زيادة كبيرة.

وفيما يبدو أنه إشارة إلى الدعم المتزايد لحركة طالبان من روسيا وإيران، تشير الرسالة إلى أن ما أسمته بـ"المجتمع الدولي" "يدعم الآن مقاومتنا المبررة"، بحسب ما جاء في الرسالة.

وتقول الرسالة أيضًا، في خطاب مباشر لـ"الشعب الأمريكي"، أن عشرات المليارات من الدولارات التي أنفقتها الإدارات الأمريكية في أفغانستان، "قد جمعت منكم من الضرائب ومصادر الدخل الحكومي المختلفة وأُعطيت إلى اللصوص والقتلة"، وجدير بالذكر أن هذه الحجج لها أُذنٌ في واشنطن.

ويوم الإثنين الماضي، دعت حركة طالبان، السيناتور الأمريكي عن الحزب الجمهوري، راند بول، لإجراء محادثات في مكتب الحركة بقطر، بعد أن قال راند بول إن نفقات الولايات المتحدة يُتوقع أن تبلغ 45 مليار دولار في أفغانستان خلال عام 2018، "لتضاف إلى تلك الأموال التي تُلقى بلا أدنى فائدة"، على حد تعبيره.

ويرى توماس روتينغ، الباحث في شبكة "المحللين الأفغان"، أن دعوة طالبان هذه "تعد فرصة أفضل للتأثير على السياسة الأمريكية من تلك الرسائل المفتوحة أو المعممة".

في رسالتها توجه طالبان "ضربات موجعة" للإدارة الأمريكية بسردها لحقيقة الوضع في أفغانستان التي تحاول الولايات المتحدة إخفاءها

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن حركة طالبان كان مرحبًا بها في الانضمام إلى محادثات السلام، إلا أنه أضاف قائلًا، إن "المسؤولية تقع الآن على المتمردين لإنهاء حملة العنف التي بدأوها".

اقرأ/ي أيضًا: إستراتيجية ترامب للأمن القومي.. صورةٌ جديدة للغطرسة الأمريكية القديمة

وأضاف أن رسالة طالبان وحدها "لا تبدي استعدادًا حقيقيًا للمشاركة في محادثات السلام"، مُشيرًا إلى الهجمات التي نفذتها الحركة مُؤخرًا، والتي قال عنها إنها "تتحدث بصوت أعلى من كلمات الرسالة"، ثم أضاف: "الحكومة الأفغانية لا يمكنها التفاوض لإنهاء الحرب إلا إذا كانت طالبان على استعداد بالفعل. في حين تظهر الهجمات الأخيرة خلاف ذلك".

تجدر الإشارة إلى أن هناك آراء متضاربة داخل الإدارة الأمريكية، حول ذلك الأمر. إذ قال وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون إن الولايات المتحدة مستعدة لإجراء محادثات مع "الأصوات المعتدلة" في حركة طالبان التي يمكن أن تشكل جزءًا من حكومة كابول.

وحتى بعد تصريحات ترامب، قال جون سوليفان، نائب تيلرسون، إن السياسة الأمريكية ما زالت تسعى إلى إجراء محادثات مع حركة طالبان بقيادة حكومة أفغانستان، وقال إن تصريحات ترامب "تشير إلى رفض التحدث مع المتشددين في الوقت الذي تشهد فيه البلاد تلك الهجمات"، مُؤكدًا أن "المحادثات مع طالبان ستحدث مع مرور الوقت عندما تسنح الظروف بذلك".

ووفقًا لمسؤول غربي غير مخول له بالكلام علنًا، قال: "حتى إذا تجاهلها واضعو السياسات، فإن رسالة طالبان تظهر تطورًا مؤثرًا في دعايتهم"، مضيفًا: "إنني أكره أن أقول ذلك، ولكنهم بدأوا بتوجيه ضربات موجعة ومؤثرة، وذلك ببساطة، من خلال قولهم الحقيقة".

وقال مايكل سيمبل، وهو مفاوض سابق لدى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي مع حركة طالبان، إن الرسالة "أوضحت المزيد عن الخلاف في السياسة الداخلية للحركة بين المعتدلين المتواجدين في مكتب قطر، وبين العناصر المتشددة الأخرى الموجودة في أفغانستان وباكستان".

وأضاف مايكل سيمبل الذي يشغل حاليًا منصب أستاذ في جامعة كوينز في بلفاست عاصمة أيرلندا الشمالية، إن "طالبان رفضت إجراء محادثات مع الحكومة الأفغانية، ولإضفاء الشرعية على هذا الموقف، قامت بالإعلان صراحةً للعامة، بأنها على استعداد لإجراء محادثاتٍ مع الولايات المتحدة"، مضيفًا: "إن الرسالة لا تقدم اقتراحًا جديًا، ولكنها محاولة لتوفير غطاء لموقف المتشددين، الذي أعتقد أن معظم عناصر طالبان في مكتبهم بقطر لا يوافقون عليه". 

وقال سيمون غاس، وهو ممثل مدني كبير سابق في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أفغانستان: "على الرغم من نجاح حركة طالبان على أرض الواقع، ولكن هذا النجاح كان له الكثير من الآثار السلبية فيما يتعلق بالخسائر". وقال بعض الخبراء إن معنويات المقاتلين منخفضة جدًا، لا سيما بالنظر إلى فصائل المقاتلين التي تلت وفاة قادة طالبان أمثال الملا عمر والملا منصور.

قد تكون رسالة حركة طالبان بمثابة مناورة لتعزيز موقف الرافضين من داخل الإدارة الأمريكية لزيادة القوات الأمريكية في أفغانستان

ويعتقد سيمون غاس أنّ رسالة طالبان قد تكون مناورة تهدف إلى تعزيز موقف الذين يرفضون زيادة القوات الأمريكية في أفغانستان، ويمكن أن تكون أيضًا محاولةً لخلق انقسام بين الحكومتين الأفغانية والأمريكية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الملا منصور.. رحيل رجل طالبان الراديكالي

أين اختفت حركات مناهضة الحرب في الولايات المتحدة؟