22-سبتمبر-2017

تصاعدت الحرب الكلامية بين ترامب وروحاني في الأمم المتحدة (دون إميرت/ أ.ف.ب)

وضع خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الأمم المتحدة العالم على صفيح ساخن، وخاصة تعليقاته على الاتفاق النووي الإيراني، الذي أبرمه سلفه باراك أوباما منذ عامين. ووصف ترامب النظام الإيراني بـ"الديكتاتوري الفاسد"، كما استوحى في خطابه مفردات الرئيس الأسبق جورج بوش الإبن، حين وصف إيران بـ"الدولة المارقة"، وأن لديها "أكثر قدرة على التدمير في العالم"، كما أعاد على مسامع 130 ممثلًا من دول العالم، قوله إن إيران "دولة منهكة اقتصاديًا، وأنها مصدرة من الدرجة الأولى للعنف في العالم".

شهدت الأمم المتحدة ما يُمكن وصفه بالحرب الكلامية بين ترامب وروحاني على خلفية الاتفاق النووي الإيراني

وجدد ترامب ما سبق وأن كرره في أكثر من محفل، حين قال عن الاتفاق النووي الإيراني إنه بمثابة "إذلالٍ" للولايات المتحدة الأمريكية.

من جانبه، وفي معرض رده على تصريحات ترامب، وجه الرئيس الإيراني حسن روحاني، انتقادات لاذعة لترامب وإدارته، قائلًا إن "الإدارة الأمريكية تُدمّر مصداقيتها والثقة الدولية بها"، واصفًا خطاب ترامب بـ"الجاهل والباعث على الكراهية، وغير الملائم لسمعة الأمم المتحدة".

اقرأ/ي أيضًا: هل نشهد حربًا أمريكية على إيران قريبًا؟

إنجاز روحاني الأهم في مواجهة إدارة ترامب  

كان صيف عام 2015، هامًا بالنسبة لإدارة حسن روحاني الذي يُوصف بالرئيس صاحب التوجه الإصلاحي في إيران، وذلك إثر تمكنه من إبرام الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة، برعاية دول اُخرى كروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا. واعتبر محللون وقتها، أن الاتفاق "نزعٌ لفتيل التوتر بين إيران والغرب"، كما كان سببًا في رفع جزئي لبعض العقوبات المفروضة على طهران.

وبموجب هذا الاتفاق، تخلت إيران عن جزء كبير من اليوارنيوم المخصب الذي تملكه، وفككت مفاعلًا، وسمحت لمفتشي الأمم المتحدة بالدخول لمنشآتها النووية.

الاتفاق فتح المجال أمام عودة بعض الاستثمارات الأجنبية إلى إيران، كما أدى إلى رفع معدل النمو ليصل 6.6%، بحسب ما ورد في بيانات صندوق النقد الدولي، إلا أنه لم يحل مشكلات ذات طابع جوهري آخر في إيران، ولم ينه الصراع التقليدي مع المحافظين داخل منظومة الحكم الإيرانية.

من جهةٍ أُخرى كان الاتفاق بمثابة أول بادرة أمل في جعل الإصلاحيين يتمتعون بنفوذ ما داخل الإدارة الإيرانية، التي يتحكم في مفاصلها التيار المحافظ ممثلًا بشكل رئيسي في المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، المسيطر على الجيش والحرس الثوري والقضاء والمؤسسات الإعلامية، إضافةً إلى عدد من الشركات المتحكمة في الاقتصاد الإيراني.

تهديد أمريكي ووعيد إيراني.. وأوروبا تحبس أنفاسها

بعد وصول ترامب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة، أخذ المشهد مع إيران في التغير، وصولًا إلى خطاب ترامب بالأمم المتحدة، والذي علق عليه وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، بقوله إنه "خطاب كراهية لا يستحق الرد". 

أمّا وزير الخارجية الأمريكية ريكس تيلرسون، فقد قال إن بلاده "تحاول إقناع الإيرانيين بإعادة فتح ملف الاتفاق مرة أخرى"، واصفًا الاتفاق بأنه "ليس متينًا بما فيه الكفاية".

فيما تتصاعد حدة التلاسنات بين إيران وأمريكا، تحاول أوروبا المؤيدة للاتفاق النووي، تهدئة الأوضاع والتمسك باستمرارية الاتفاق 

وما بين هذا وذاك، قالت وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، إن "الاتفاق يسير بشكل جيد حتى الآن"، مُشيرة إلى أنّه "لدينا أصلًا أزمة نووية، ولا نريد الدخول في أُخرى"، تقصد الأزمة مع كوريا الشمالية.

اقرأ/ي أيضًا: إيران التي في خاطر الأمريكيين

صحيح أن الأوروبيين متفهمون للموقف الأمريكي في عدم الرغبة في تطوير إيران لسلاح نووي، لكن تشكيك الولايات المتحدة في الاتفاق النووي ومدى نجاعته، وفي هذا التوقيت، قد يضر بالمصادقة الأوروبية، إذ كان الاتحاد الأوروبي طرفًا في هذا الاتفاق.

ألمانيا أحد الدول المهمة، التي كانت طرفًا في توقيع الاتفاق، كان موقفها واضحًا منه متمثلًا فيما جاء على لسان وزير خارجيتها، سيغمار غابرييل، الذي قال، إنّ "ألمانيا لها كل المصلحة في عدم تعريض الاتفاق النووي مع إيران للخطر، وبالتالي عدم الانسحاب منه سواءً في الحاضر أو المستقبل".

وهو بذلك موقف يُندد ضمنيًا بتصعيد ترامب وإدارته، في الوقت الذي أكدت فيه إيران أنّها "لن تكون الطرف الذي سينسحب من الاتفاقية"، لكنها في نفس الوقت، وكما قال روحاني: "ستكون جاهزةً للرد على أية انتهاكات". روحاني أيضًا كان قد وصف الاتفاق بأنه "ناجح للدرجة التي تجعل منه مثالًا يُحتذى به"، في معارضةٍ لما تردده إدارة ترامب. وتتفق ألمانيا مع الرأي الإيراني، بدعوة أنجيلا ميركل إلى تفعيل اتفاق مشابه مع كوريا الشمالية.

مصير الاتفاق بعد التصعيد

من المحتمل ألا يحظى الاتفاق ذو العامين فقط، بمزيدٍ من الفرص، مع إصرار الإدارة الأمريكية تحجيم إيران في ظل تزايد تدخلاتها في الشرق الأوسط.

وصحيح أنّ واشنطن مدت العمل على تخفيف العقوبات على إيران بموجب الاتفاق النووي، لكن ذلك لن يدوم طويلًا، ففي حال لم يشهد ترامب أمام الكونجرس في منتصف تشرين الأول/أكتوبر القادم، على التزام إيران ببنود الاتفاق، فسيكون أمام الكونجرس 60 يومًا ليقرر ما إذا كان سيعيد فرض العقوبات التي رفعها عن إيران، وقد يكون ذلك تهديد، أو حتى خطوة أولية، للانسحاب من الاتفاق. 

لكن أيضًا في المقابل، قد يقف الكونجرس عائقًا أمام مساعي ترامب لتعطيل الاتفاق، حيث ستطلب منه شهادة علنية على خرق إيران لشروط الاتفاق، بالإضافة إلى تقرير خطي يؤكد ذلك.

من المحتمل ألا يحظى الاتفاق النووي بمزيد من الفرص، أمام اللهجة التصعيدية بين ترامب وإيران 

من جانب آخر، وفيما تبدو أنها محاولة أوروبية لتدارك الموقف، اقترحت فرنسا إضافة بنود خاصة بتطوير الصواريخ الباليستية، وكذا إضافة ترتيبات تخص فترة ما بعد عام 2025 التي لا يغطيها الاتفاق، وأن يتضمن الاتفاق بنودًا عن الدور الإيراني في الشرق الأوسط، وهذه الإضافة الأخيرة هي محاولة لتقليص نفوذ إيران في المنطقة، بطريقة تفاوضية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

إيران بعد كابوس العقوبات.. البحث عن الانتقام!

هل يتحمل حسن روحاني مسؤولية أزمات إيران ومصائبها؟