29-فبراير-2024
عالم صوفي.. درب الفلسفة الشائك بلا وخز

رواية عالم صوفي.. رواية حول تاريخ الفلسفة

على الرغم من أن رواية عالم صوفي ليست الرواية الأولى للكاتب النرويجي جوستاين غاردر، لكنها كانت الرواية التي تكفلت بإيصال اسمه إلى العالمية في موضوعها الشيق الشائك. فهو شيق بلا شك لمن يحب أن يقرأ في الفلسفة، وشائك لمن يريد أن يكتب عنها. لكنه جوستاين.. ما كان لأحد غيره أن يكتب رواية تتناول أهم المساقات في المعرفة الإنسانية وأكثرها تعقيدًا وامتدادًا في التاريخ، بأسلوب روائي مميز، يمزج فيه الواقع بالخيال، بل وأبعد من ذلك، إذ يمتاز أسلوبه بالتشويق والتماسك الدرامي والفلسفي من حيث تصعيد الأحداث- الأفكار. فكما هو معروف عنه، لا يكتب جوستاين رواية أحداث بقدر ما يكتب رواية فلسفة وتفكير وتأمل في الكون والحياة وجوهر الوجود.

نجد الرواية كمعظم رواياته تخاطب جمهور الناشئة من خلال إعطاء البطولة والدور المركزي لصبي أو فتاة في عمر الـ15 عشر أقل أو أكثر قليلًا.

اختزال المحيط في بركة

تمكن غاردر بكفاءة من اختزال تاريخ الفلسفة منذ بداية تفكير الإنسان في وجوده ومحاولة تفسير ظواهر الكون بالأساطير، وتتبّعها إلى أن وصل إلى العصر الحديث. اختزالًا غير مُخل، وقد أوتي هذه القدرة لدراسته الفلسفة ابتداءً، ولاشتغاله مدرّسًا لمواد الفلسفة في مدارس الثانوية، هذا بالطبع أهّله لمعرفة المزالق ومواطن الصعوبة والسهولة في هذه المادة المعقدة والمتراكمة عبر التاريخ، بالنسبة إلى جمهوره الأول (طلاب المدرسة).

نجد الرواية كمعظم رواياته تخاطب جمهور الناشئة من خلال إعطاء البطولة والدور المركزي لصبي أو فتاة في عمر الـ15 عشر أقل أو أكثر قليلًا.

وكذلك لا بد من الإشارة إلى اعتماد جوستاين غاردر نمط القصة في داخل القصة كثيرًا في مؤلفاته، وغالبًا ما يعرض هذا التداخل السردي من خلال تلقي البطاقات البريدية أو الرسائل الورقية، والإلكترونية في رواياته اللاحقة، أو كتابة المذكرات. وغيرها. كما يوظف دورًا لبطل آخر يكون عالمًا بالفلسفة وعلوم الفلك، أو مطلعًا عليها. وكأنه في معظم أعماله لا يستغني عن ذاته الحقيقية (ذات معلم الفلسفة)، ليس إقحامًا منه لنفسه في النصوص، وإنما لأنه يهدف من أعماله إلى دفع القراء من اليافعين أو البالغين إلى التفكير والتحليل والتأمل مؤكدًا على جوهر فكرته من كتاباته حول الفلسفة بأنها "هي الطريق الوحيد لمعرفة الإجابات عن العالم".

 

تقاطع المسارات

ترجع صوفي إلى بيتها في أحد الأيام وتجد رسالة بريدية باسمها، فيها سؤال مبهم "من أنت" هكذا بلا ذكر لاسم المرسل أو أي معلومات عنه، يليه سؤال في رسالة أخرى "من أين جاء العالم؟" سؤالان يقضان مضجع الصبية التي كانت قبلهما خالية البال؟ ما هذان السؤالان؟ من أرسلهما؟ لكن البريد الأكثر ريبة كان في بطاقة مرسلة من الحامية النرويجية للأمم المتحدة، فظنتها من والدها الذي يعمل قطانًا على ناقلة نفط، تدّعي البطاقة أنها مرسلة إلى فتاة تدعى هيلد موللر كناغ بواسطة صوفي نفسها! توصل تهنئة لهيلد في عيد ميلادها بالنيابة عن أبيها.

"من الذي سحب صوفي من حياتها الهادئة ليضعها أمام أحاجي الكون الكبرى؟" هذا هو شعور صوفي تحديدًا، صارت لديها ألغاز لتحلها، وأسئلة لتعرف إجاباتها.

الرسائل اللاحقة تصل إلى صوفي محملة بدروس الفلسفة منذ بداية الأساطير، وفلاسفة الطبيعة، ديمقريطس، سقراط، كانت صوفي ترد على المرسل برسائل يوصلها كلبه إليه. حتى نبلغ معها الفصل المعنون بأثينا، لنجد أنه هذه المرة قد اتبع تكنيكًا مختلفًا، إذ أرسل شريط فيديو يظهر فيه شخصيًا ويعلن عن نفسه. إنه أستاذ الفلسفة، أستاذها: ألبرتو كنوكس. 

وهكذا، نظل برفقة صوفي ومعلمها نطالع دروس الفلسفة التي يستكملها بأفلاطون، وأرسطو، ثم مرحلة الهللينية، ثم مرحلة الديانات السماوية الثلاث وتقاطعها مع الفلسفة، ثم مرحلة العصور الوسطى، ومن بعده عصر النهضة، فالفترة القوطية، ثم فلسفة ديكارت وسبينوزا وجون لوك وهيوم وبيركلي وبجركلي، وهذا يعني أنه إلى هذا الحد قد لخص الفلسفة حتى أواخر القرن الـ18.

وطوال الصفحات الممتدة حتى الصفحة 299، تتلقى صوفي بطاقات البريد الغامضة من والد الفتاة المسماة هيلد موللر. هذا اللغز الذي سيشغل بال صوفي فمن هي هيلد هذه؟ وكيف يخطئ والدها العنوان ويرسل بطاقاته إلى صوفي؟ ويتحدث مرارًا عن هدية ستصل إلى هيلد من صوفي!

الذي لا يعرف أن يتعلم دروس الثلاث آلاف سنة الأخيرة، يبقى في العتمة.

الحبكة الملتوية.. (البلوت تويست) الماكر

حتى منتصف الرواية تظل هوية هيلد مجهولة لصوفي ولنا أيضًا. حتى إذا وصلنا إلى الصفحة 299، إلى الفصل المعنون باسم الفيلسوف بجركلي، أطلت علينا شمسها! وبعد تعرفنا إليها نجدها قد حظيب ببطاقات البريد موازلة للتي وصلت إلى صوفي، وقد حصلت كذلك على هدية وصفها والدها مرارًا بأنها هدية "لا تتوقف عن النمو" وأن هناك بنتًا ستتعرف إليها أيضًا. تفتح هيلد مغلف الهدية الثقيلة، وتفك الشريط الأحمر، لتجد حافظة أوراق (مؤلف) يطالعها عنوان مكتوب بخط اليد:

 

 (عالم صوفي) 

الذي لا يعرف أن يتعلم دروس الثلاث آلاف سنة الأخيرة، يبقى في العتمة.

نعم صحيح! كل ما قرأناه في الـ300 صفحة السابقة لهذه العبارة وكل ما عايشناه مع صوفي ومعلمها ألبرتو كنوكس، ما هو إلا نص مُختلق من تأليف والد هيلد السيد ألبرت كناغ! الذي سيكمل دروس الفلسفة مع صوفي وسنطالعها برفقة هيلد حيث سنكمل معها حكاية صوفي. سيتداخل العالمان، عالم الرواية من جهة، والواقع الذي تعيش فيه هيلد مع أبيها. وستتلاحق الأحداث وتزداد إثارة مع كل فصل جديد.

 

ألبرتو كنوكس.. التعليم صنعة الفلاسفة

يبدو واضحًا الآن أن اسم الأستاذ ألبرتو ما هو إلا تلاعب باسم ألبرت كناغ والد هيلد. الذي كان يهدف في كتابته لهذه القصة التي أرادها أن تكون هدية لابنته في عيد ميلادها الـ15، فاختلق شخصية ألبرتو المنحوتة منه وخلق شخصية صوفي التي تبلغ العمر ذاته، وأراد لها أن تكون صديقة لابنته. خلق هاتين الشخصيتين ليعطي لابنته دروسًا شيقة في الفلسفة، دروسًا تخالف المألوف وتكسر رتابة هذا المساق الكثيف، محاولته البريئة الماكرة ليستدرج اهتمام ابنته في ريعان شبابها، ويؤسس لها الأرضية التي ستجعلها تنظر إلى العالم بمنظور جديد غير الذي اعتادت عليه وركنت إليه.

يحاول المعلم أن يوضح لصوفي أهمية وجود الفلاسفة، فيشبّه ما يحدث في العالم بجلسة ألعاب خفة، ونحن كأننا دويبات صغيرة ملتصقة في فراء الأرنب الخارج من قبعة الساحر، ونحن نعلم أن الأرنب يشارك في اللعبة، ونحب أن نتشابك معها، والفلاسفة هم من يحاولون أن يتسلقوا قامة الشعرة "لينظروا في عين الساحر".

ألبرتو كنوكس يشبه الأب لا في الاسم فقط، بل بالمشاكسة أيضًا، وممارسة الألاعيب الذهنية، وفي طرقه الإبداعية لتعليم الفلسفة لصوفي، التي كانت بدورها تلميذة نجيبة، فهل هيلد نجيبة كصاحبتها؟

 

صوفي في مرآتين مختلفتين

صوفي هذه البنت التي كانت حتى تلقيها بطاقات البريد واحدة من آلاف البشر الغارقين بارتياح في فروة الأرنب، فأنقذها أستاذها البرتو من "لا مبالاة اليومي" وألقى بها في مهب الدهشة.

تتلقى صوفي الأسئلة بفضول ممزوج بالريبة في بادئ الأمر، ثم ما تلبث أن تعيد النظر في نفسها وحياتها والعالم المحيط بها، خاصة حين تبدأ في قراءة شروحات الفلسفة التي يرسلها ألبرتو، ومن ثم لقائها به شخصيًا وتلقيها الدروس مباشرة منه.

هذه الرعاية المعرفية إن جاز التعبير التي يحيط ألبرتو صوفي بها، هذا التعهد المعرفي بإخلاص من المعلم تجاه تلميذته هو ما يبرز في الرواية خاصة في الفصول التالية من النصف الثاني للرواية.

وكما أن ألبرتو معلم مخلص، فإن صوفي بوعيها لمدى أهمية الفلسفة واستعدادها للتلقي عن أستاذها، مهدت لنفسها دربًا يوصلها لاحقًا إلى معرفة جوهر وجودها، ألا وهو كونها (وأستاذها) شخصيتان في رواية لهيلد.

وهنا يبدأ السحر، سحر جوستاين غاردر وبراعته في التلاعب بالشخصيات والأحداث. بل والقراء كذلك، وشد انتباههم إلى كل ما سيُقرأ لاحقًا في النص. ولعل من أهم ما كتب في الرواية هو سبب اختيار تسمية بطلتها باسم صوفي.

تتضح آثار المعرفة التي تتيحها الفلسفة من أسئلتها البدائية على شخصية صوفي، وذلك يتبدى في علاقة توظيف المرآة في عدة مواضع خلال الرواية، هناك المرآة التي تنظر فيها إلى صورة نفسها لتجيب عن السؤال الأول (من أنت) ومطابقة انعكاس المرآة لحركاتها ومحاولتها تخيل نفسها في سيناريوهات متعددة؟ هل كانت لتكون نفسها لو سميت باسم آخر مثلا؟ ثم بعد فصول، نظرت إلى نفسها في مرآة أخرى، فباغتتها صورة انعكاسها بأن غمزت بعينيها الاثنتين معًا؟ كأنها تقول "أنا أراك أنا هنا في الجهة الأخرى" إذا غمزت صوفي بعينيها معًا.. فكيف يمكنها أن ترى انعكاسها يفعل؟

في منتصف النص تقريبًا، وفي حدود الحبكة الفاصلة بين البنتين (صوفي وهيلد) حيث يعرض كنوكس فلسفة بيركلي الذي ينكر وجود عالم مادي خارج الوعي الإنساني تنتهي صوفي بالنسبة لنا كشخصية في حكاية نقرؤها، لننظر إليها بوعي آخر، أنها صنع الوعي (المايجور كناغ) الذي كتبه وعي آخر (جوستاين) اختلقهما وكل عالمهما معًا.. وهنا نستحضر لوعة صوفي حين اكتشفت أن عالمها ما هو إلا حلم.. وأنها كمن ربحت ورقة يانصيب واتضح أنها وهم.

 

هيلد موللر تغمز بعينيها معًا

في مقابل انعكاس الأنا والوعي الذاتي لدى صوفي في المرآتين، تطالعنا هيلد وتعرفنا على شكلها وملامحها، وتستحضر مزحة أبيها حين أخبرها أنه "يمكننا أن نغمز بإحدى عينينا لصورتنا في المرآةـ لكنه من غير الممكن أن نغمز بالعينين معًا"، وستقرأ هي بطبيعة الحال ما خاضته صوفي مع مرآتها، هل تكون صوفي لهيلد هي البنت التي كسرت المستحيل، هل أراد ألبرت كناغ لصوفي أن تكون النسخة التي تخوض مغامرة كشف الذات والعالم عوضًا عن هيلد؟

تقرأ هيلد ما كتبه أبوها بنهم ونتعرف معها على الفلسفة منذ عصر بجركلي وعصر التنوير، مرورًا بفلسفة كانت، والفلسفة الرومانسية وهيغل، وكيركيغارد وماركس، ثم داروين وفرويد، وصولاً إلى الحقبة المعاصرة وأبرز روادها جان بول سارتر. وفي الأثناء تتقاطع دروس الفلسفة مع خط سير الأحداث في عالم صوفي من جهة، وخط سيرها في عالم هيلد من جهة أخرى. حتى أن صوفي طلبت المساعدة من هيلد للوصول إلى المايجور كناغ!

هيلد التي تتعاطف مع صوفي وألبرتو، ضحية والدها وخياله، تقرر أن تذيقه من الكأس نفسها، فتقرر استقباله من سفره بمقلب على طريقته هو.

 

ألبرت كناغ راسم القدر

نعرف من خلال الرواية أن المايجور كناغ والد هيلد لطالما رغب في كتابة نص ما، نص يوصف بأنه عمل كبير، فكتب رواية عالم صوفي ووهبها بكل ما فيها لابنته، لا ليكون هو وحده الذات الفاعلة مطلقة السلطة في النص، بل ربما لتشاركه هي أيضًا هذه السلطة، سلطة تقرير مصير الشخصيات.

يتبدى لنا أن الرابط الذي يجمع علاقة ألبرت كناغ مع ألبرتو كنوكس هو نفسه الذي يربط جوستاين غاردر مع كناغ، فبالنسبة إلى عالم الرواية ألبرت متحكم (قوة مطلقة، راسم القدر) بالنسبة لكنوكس وصوفي، وهذا ما يُعرض صراحة في النص وتصادق عليه هيلد بمحاولتها مساعدة الشخصيتين في الإفلات من مخيلة أبيها، (أو لنقل من قيد الكلمة) ولاحقًا نرى أنهما استطاعا الإفلات كلفتة ماكرة أخرى من لفتات جوستاين. وجوستاين هو القوة المطلقة في عالم كناغ (الذي على عكس صوفي لا يبدو لنا أنه يعي هذه الحقيقة لأن جوستاين لم يُرد له ذلك بطبيعة الحال) وإذن لن يكون في وسعه الإفلات، لا من قيد الكلمة ولا من قيد مخيلة جوستاين.. لكننا -نحن- قد نرخي العنان لمخيلتنا بأن تسمح له بالإفلات، لأننا كجمهور.. ربما نرغب مرة في أن نكون فاعلين.. ونساعد ألبرت كما ساعدت هيلد صوفي.

 

 

كذرة هباء في غبار الكون

نحن البشر، حين وعينا فرادتنا وامتلاكنا هبة الإدراك، امتلكنا أدوات العلم التي مكنتنا من اكتشاف جزء من حقيقتنا، ألا وهو أننا متشابكون مع هذا الكون الذي نسبح فيه، خارجيًا، وأننا مصنوعون من مادته داخليًا، "فكل الأجسام على الأرض تأتي من مواد أولية كونّت النجوم يومًا ما" إذن ما نحن إلا غبار نجوم.

 عندما نراقب الكون نكون في الحقيقة ننظر إلى الماضي، وليست لدينا أي فرصة لمعرفة الفضاء كما هو الآن. وإذا إذا كانت هناك مخلوقات واعية في كوكب يبعد 4 ملايين سنة ضوئية، واستطاعت هذه المخلوقات رصد كوكبنا، فالمؤسف أنها لن تتمكن بحال من الأحوال من رؤيتنا كما نحن الآن، فكل ما ستراه تلك المخلوقات صورة لكوكبنا قبل ملايين السنين.

في كل كتاباته، يعمد جوستاين إلى وضع المفارقة بين الحياة والفناء نصب أعيننا، وليس ذلك لحسّ تشاؤمي، بقدر ما هو إقرار بحقيقة زوال كل ما هو على هذا الكوكب.. نعم، حياتنا الضئيلة كجنس بشري مهددة بالفناء، وليس غيرنا من الكائنات من يعي هذه الحقيقة الموجعة. 

إلا أنه ليس بالإمكان إلا التسليم لقوانين الحياة بقلب رضيّ، لذلك يضيء جوستاين مع هذه المفارقة بصيص النور، فمحدودية حياة البشر لا تعني أبدًا أن ما قضوه على الأرض عبثي أو بلا معنى. ويقتبس من مسرحية فاوست لغوته مقطعًا شعريًا حين كانت صوفي حزينة لحظة وعيها بفنائها:

ابقي، فأنت جد جميلة

لا يمكن أن تزول آثار حياتي الأرضية

ومهما تناهت الدهور

وفي إحساس هذا الرضا الكلي

أنعم الآن باللحظة الأسمى

 

"الأذكى هي التي تعرف أنها لا تعرف".. الفلسفة في المتناول 

الفلسفة في المتناول فعلًا، وهذه ليست عبارة خيالية أو حالمة، بل هي من الثيمات الأساسية التي يركز عليها غاردر في مؤلفاته التي يستهدف بها اليافعين قبل البالغين، فهو إن كان بذل هذا الجهد الجبار لإعادة صياغة إرث الـ3000 عام من الفلسفة على هيئة نص يقربها من الناشئة، فإنه لا يُلزم أحدًا بدراسة الفلسفة والتخصص فيها من أجل أن يمتلك وعيًا يقظًا نحو نفسه والآخرين والعالم بكل مكوناته. بل لعل هدفه هو إيقاظ الدهشة في قلوبنا، فـ"إن الميزة الوحيدة اللازمة لكي يصبح الإنسان فيلسوفًا جيدًا هي قدرته على الدهشة"؛  دهشة الطفل الذي ينظر إلى كل ما حوله مشدوهًا من غرابته، ويرى كل شيء على أنه أعجوبة، الطفل الذي لم تكدر العادة شعوره بمعجزات الحياة وسحرها الذي يلفّنا دون أن ننتبه، هذا الطفل الذي ما يزال يجلس على حافة فروة الأرنب قريبًا من قبعة الساحر، ولم يغرق بعد بالمألوف. فهو كما يقول في معرض حديثه عن سقراط "أن الفيلسوف إنسان لم يستطع يومًا أن يتعود على العالم"

ما لم يُقل عن رواية عالم صوفي أكثر بعشرات المرات مما قيل، ولكن يبقى النص هو الناطق باسم نفسه، ولئن كان جوستاين قد وظف في روايته شخصيات عديدة من قصص الأطفال الخيالية تدخلت في حياة صوفي في نصف الرواية الثاني، فنحن لا نختلف عن هذه الشخصيات لا في غرابتنا ولا في سحر العالم الذي نعيش فيه، فإذا تأملنا حولنا وجدنا أن حقيقة عيشنا على هذا الكوكب تجربة أغرب من الخيال.