27-سبتمبر-2023
شركة فاغنر

ديمتري سيتي من حلفاء بريغوجين وينشط في أفريقيا الوسط، عصب نشاط فاغنر في قارة أفريقيا (تويتر)

مع مرور أكثر من شهر على مقتل زعيم شركة "فاغنر" العسكرية الروسية يفغيني بريغوجين، فإن مصيرها واستمرارية عملها، تستمر في الحضور نتيجة نشاطها الواسع في عدة دول أفريقية، وأهمية دورها في النفوذ الروسي حول العالم، إلى جانب نشاطها الكبير اقتصاديًا. وما يحرك ذلك، هو عدم الإعلان عن اسم "الزعيم" الجديد لمجموعة المرتزقة.

وفي تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال"، يسلط الضوء على شخصية ديمتري سيتي، رجل "فاغنر" في جمهورية أفريقيا الوسطى، والذي من المتوقع أن يقود الشركة مستقبلًا في أفريقيا عمومًا، وهو الذي انتشرت صورته على القمصان في العاصمة بانغي.

بعد مقتل مؤسس "فاغنر"، الشهر الماضي، تم الدفع في ديمتري سيتي صاحب الثقافة والتعليم الفرنسي، والبالغ من العمر 34 عامًا، إلى الواجهة في قلب معركة السيطرة على إرث الشركة

سيتي إلى الواجهة

وبعد مقتل مؤسس "فاغنر"، الشهر الماضي، تم الدفع بالرجل صاحب الثقافة والتعليم الفرنسي، والبالغ من العمر 34 عامًا، إلى الواجهة في قلب معركة السيطرة على إرث الشركة.

ومن خلال معرفته الوثيقة بالشركات التي تعمل كواجهة لـ"فاغنر"، وشبكات التهريب، من المرجح أن يلعب سيتي دورًا محوريًا. 

وتشير "وول ستريت جورنال"، إلى أن جمهورية أفريقيا الوسطى التي مزقتها الحرب، هي مركز العصب لأنشطة "فاغنر" في أفريقيا، ومركز عملياتها التجارية. وسيتي متعدد اللغات، قريب جدًا من السياسيين في البلاد، لدرجة أنه يعيش، ويعمل في فيلا فاخرة في العاصمة بانغي، والتي كانت في السابق المقر الرسمي للرئيس فوستان تواديرا، ويحيط بها معسكر للجيش، يشغله حاليًا عناصر من "فاغنر". 

ويتنقل سيتي في شوارع العاصمة المزدحمة في سيارة دفع رباعي من طراز تويوتا، فضية اللون، من دون لوحات ترخيص، حيث يزور أرقى المطاعم، ويجتمع مع كبار المسؤولين الحكوميين، ويسافر بانتظام إلى البلدان المجاورة مثل الكاميرون وتشاد.

getty

التنافس على إرث "فاغنر"

ومع ذلك، تلفت الصحيفة الأمريكية، النظر إلى أنه غير الواضح ما إذا كان نفوذ "فاغنر" في أفريقيا سيبقى سليمًا، وإلى متى سيحتفظ سيتي بسلطته. 

أخبر مسؤولون في  الحكومة الروسية، حلفاء "فاغنر" الأفارقة، وهم مجموعة من الرجال الأقوياء، وقادة المجالس العسكرية، وأمراء الحرب، أنهم سيفرضون سيطرة أكثر صرامة على المجموعة العسكرية. 

وتتنافس شركات المرتزقة الأخرى التي تديرها الأوليغارشية الروسية، وتربطهم علاقات وثيقة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على غنائم "فاغنر"، حيث ضمت الجولة الأخيرة التي قامت بها وزارة الدفاع الروسية في مناطق نفوذ "فاغنر" الأفريقية، مجموعة منهم.

وبحسب الصحيفة الأمريكية، يفتقر سيتي إلى علاقات بريغوجين بالكرملين، وهو الأمر الذي فتح الأبواب الأفريقية أمام "فاغنر"، والعلاقة مع القادة الأفارقة.

كما تثير علاقات سيتي ببريغوجين تساؤلات رؤساء المجموعة الجدد، حول جدية "ولاء" صاحب النفوذ في أفريقيا الوسطى لموسكو.

ويستند هذا لدور سيتي في عمليات "فاغنر" الأفريقية، ومقابلات مع أكثر من عشرة أشخاص مطلعين على الموضوع، بمن فيهم عملاء لـ"فاغنر"، وشركاء أعمال، وسياسيون في البلدان التي تتواجد فيها المجموعة، ومسؤولون أمنيون دوليون حاليون وسابقون.

getty

نشاط سيتي في جمهورية أفريقيا الوسطى

أدار صاحب الشعر الأشعث، كما تصفه الصحيفة الأمريكية، مشاريع "فاغنر"، التجارية والدعائية في أفريقيا على مدار نصف العقد الماضي. والتحق سيتي بكلية إدارة الأعمال في باريس، ويقول إنه يتقن اللغات الروسية والإنجليزية والإسبانية والفرنسية. 

وكشف أشخاص مطلعون على العمليات التجارية لـ"فاغنر"، أن سيتي يشرف على شبكة من شركات الواجهة التي استخدمتها المجموعة لتصدير الذهب والماس والخشب والمواد الخام الأخرى من قاعدتها في جمهورية أفريقيا الوسطى. 

وقال هؤلاء الأشخاص، إن سيتي يدير أيضًا وسائل إعلامية، تمولها "فاغنر"، وحملات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لمشاركة الدعاية المناهضة للغرب، والداعمة للقادة الأصدقاء مع موسكو.

وأدرجت السلطات الأمريكية والأوروبية، سيتي على قائمة العقوبات، بسبب عمله مع "فاغنر" في أفريقيا، مما يجعل من غير القانوني التعامل معه، وتجميد أي أصول تعود له في الولايات المتحدة.

في الأسابيع التي تلت مقتل بريغوجين، أبلغ رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى فوستين تواديرا، موسكو بأنه يريد بقاء سيتي وغيره من عناصر "فاغنر" القدامى في البلاد، بحجة أن إزاحتهم من شأنها أن تعطل جهود حكومته لمحاربة الجماعات المتمردة، وفقًا لما ذكره مسؤول سابق ومسؤولي الأمن الأوروبيين الحاليين. 

وفي مقابلة أجرتها معه في وقت سابق من هذا الشهر مع صحيفة "برافدا" الروسية، قال سيتي إنه يواصل العمل لصالح روسيا، وعندما سأله أحد المراسلين الذين يزورون بانغي عن مقتل بريغوجين، أجاب: "نحن بحاجة إلى مواصلة العمل وعدم فقدان الشجاعة". 

وحذر سيتي، في مقطع مصور نشر على موقع الصحيفة الروسية، بعد أن انفجرت قنبلة وضعت في بريد أرسل إليه، وأصابت ثلاثة من أصابعه وصدره، من أن سحب العملاء "أصحاب الخبرة مثله من القارة قد يعرض الشبكات الداعمة لموسكو التي ساعد في تأسيسها، نيابة عن موسكو، إلى الخطر". 

وقال سيتي، وهو يرتدي قفازًا جلديًا أسودًا يخفي يده اليمنى المشوهة: "إذا بدأنا في التراجع، فإن كل ما تم تأسيسه سوف ينهار أيضًا". 

ووفق الصحيفة الأمريكية، وصل عناصر "فاغنر" إلى جمهورية أفريقيا الوسطى في عام 2017، بدعوة من الرئيس تواديرا المحاصر، من قبل الجماعات المتمردة. 

وكان من بين أول من هبطوا ديمتري سيتي، الذي درس التجارة الدولية في سانت بطرسبرغ، قبل أن يحصل على درجة الماجستير في التسويق والأعمال في باريس. وجاء في سيرته الذاتية التي نشرها على الإنترنت بعد تخرجه في عام 2015: "أنا مهتم للغاية بالعمل في شركة دولية في مجال التكنولوجيا الفائقة، والتي من شأنها أن تتحدى مهاراتي وكفاءاتي بمهام مثيرة".

ووفقًا لوزارة الخزانة الأمريكية، فقد تم تعيينه من قبل وكالة أبحاث الإنترنت التابعة لبريغوجين، وهي "مزرعة متصيدين" مقرها سان بطرسبرغ. 

وقال تقرير المستشار الخاص روبرت مولر، والذي نشر عام 2019، إن الوكالة التابعة لبريغوجين، استخدمت حسابات مزيفة على وسائل التواصل الاجتماعي، لنشر الدعاية ومحاولة التدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016 . وفي حين نفت الحكومة الروسية تدخلها في التصويت، بدا أن بريغوجين اعترف بمثل هذه الجهود العام الماضي.

شبكة علاقات سيتي

وكانت أول وظيفة لسيتي في جمهورية أفريقيا الوسطى، هي العمل كمترجم فوري للمنقبين الذين يبحثون عن فرص التعدين نيابة عن شركة تابعة لبريغوجين، تدعى "M Invest"، وهى خاضعة للعقوبات الأمريكية حاليًا.

وفي غضون أشهر، سجل سيتي، أول شركة تابعة لـ"فاغنر" في البلاد، وهي شركة "Lobaye Invest"، التي حصلت على ترخيص للبدء في استخراج الذهب والماس.

ووفقًا للاتحاد الأوروبي، قامت الشركة التي يديرها سيتي بتمويل محطة إذاعية جديدة، تبث اليوم دعاية مؤيدة لروسيا ومعادية للغرب، وتقوم بتسويق الكحول التي تنتجها شركة أخرى لـ"فاغنر" لمواطني أفريقيا الوسطى . 

وقد  تم فرض عقوبات على شركة "Lobaye Invest" من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وقد أسس سيتي شبكة علاقات مع  السياسيين المحليين، من بينهم  حسن بوبا، وهو زعيم متمرد تحول إلى وزير في الحكومة، وأدار مقاتلوه المهام القتالية إلى جانب مرتزقة "فاغنر" في جمهورية أفريقيا الوسطى، والمستشار الأمني للرئيس تواديرا ، فيديل غواندجيكا. 

في مقابلة صحفية، وصف غواندجيكا، سيتي بأنه أحد "أصدقائه المقربين جدًا"، وقال إنهم تعرفوا على بعض أثناء حفل عشاء في منزله. 

وبعد مرور عام، تمت ترقية سيتي إلى مدير البيت الروسي في بانغي، وهي مؤسسة تهدف إلى تعزيز القيم الثقافية الروسية في الدولة الواقعة في وسط أفريقيا.

getty

الانحياز إلى صف بريغوجين 

وبعد عودته إلى بانغي من موسكو، إثر رحلة علاج للتعافي من الجروح التي أصيب بها، نتيجة البريد مفخخ الذي أرسل إليه في البيت الروسي، واتهم وقتها بريغوجين، فرنسا بإرسال البريد المفخخ، وهو اتهام نفته الحكومة الفرنسية. وفي حزيران/يونيو، اتهم بريغوجين القيادة العسكرية الروسية، بتعمد منع إمدادات الأسلحة والذخيرة لقوات فاغنر في أوكرانيا، وتمرد وقرر الوصول إلى موسكو لمواجهة الحكومة هناك، فيما وانتهى التمرد المجهض باتفاق بين بريغوجين وبوتين، يقضي بسحب جنود "فاغنر" من ساحات القتال الأوكرانية. 

وانحاز سيتي علنًا إلى بريغوجين، وأصدر مقطع فيديو تعهد فيه بمواصلة العمل لصالح "فاغنر" على الرغم من الجولة الجديدة من العقوبات الغربية، وقال بالفرنسية: "سنواصل العمل، وسنواصل تنفيذ جميع مشاريعنا تحت قيادة يفغيني بريغوجين.. معه سنحصل على نتائج".

بعد أسابيع، رافق سيتي، بريغوجين في أجزاء من رحلته الأخيرة، لتفقد إمبراطوريته في القارة الأفريقية، وشارك معه في حضور لقاءات بالبيت الروسي في بانغي، حيث تم التقاط بعض الصور الأخيرة المعروفة لمؤسس "فاغنر"، قبل مقتله في حادث تحطم طائرة يوم 23 آب/ أغسطس الماضي. 

ونشر المستشار الأمني لرئيس جمهورية أفريقيا الوسطى وصديق سيتي، صورة على له على فيسبوك، وهو يرتدي قميصًا كتب عليه "Je suis Wagner"، وهي كلمة فرنسية تعني "أنا فاغنر". أما الزعيم المتمرد السابق الذي تحول إلى وزير في الحكومة، فقد طار إلى سانت بطرسبورغ لزيارة نصب تذكاري مؤقت لبريغوجين.

تشير "وول ستريت جورنال"، إلى أن جمهورية أفريقيا الوسطى التي مزقتها الحرب، هي مركز العصب لأنشطة "فاغنر" في أفريقيا

وفي الأسابيع التي تلت وفاة بريغوجين، عمل سيتي للحفاظ على إرث بريغوجين في القارة، وفقًا لشريك تجاري في "فاغنر"، ومسؤول أمني أوروبي. وسافر سيتي إلى دوالا في الكاميرون، وهو طريق رئيسي لـ"فاغنر" لإخراج البضائع القادمة من وسط أفريقيا، كما أن هذه المدينة هي مقر قناة "أفريك ميديا"، وهي قناة تلفزيونية موالية لروسيا تقول الحكومة الأمريكية إنها مرتبطة ببريغوجين.

أمّا عن مستقبل فاغنر في أفريقيا، فقد قال سيتي لمراسل "برافدا": "ليس لدي إجابات على هذه الأسئلة.. ننطلق من افتراض أن كل شيء يبقى على حاله وأننا مستمرون في العمل".