07-أغسطس-2017

مواطنون ليبيون في طرابلس يحرقون صورة السيسي ومحمد بن زايد (أ.ف.ب)

خلال المباحثات الليبية بين كل من اللواء خليفة حفتر، قائد ما يُعرف بالجيش الليبي، وفايز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا، والتي استضافتها فرنسا في تموز/يوليو المنصرم، اتفق الطرفان على وقف إطلاق النار وتنظيم انتخابات في ربيع 2018. 

وتأتي هذه المباحثات وما نتج عنها، ضمن سلسلة من المباحثات ومحاولات الصلح بين الفرقاء الليبيين لإنهاء الأزمة، تنتهي دائمًا بالفشل في ظل أزمة سياسية تعيشها البلاد منذ سنوات في أعقاب ثورة شباط/فبراير 2011 التي انتهت بإسقاط نظام معمر القذافي وقتل الأخير.

تجري مصر في الآونة الأخيرة عدة تحركات تُشير إلى أمرٍ ما يُجهّز لليبيا، يبدو أن للإمارات يدًا فيه

وعلى ما يبدو فلا تتنافى بشكلٍ كبير نوايا تطبيق الاتفاق الذي يأتي برعاية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مع التحركات المصرية والإماراتية وتدخلهما المباشر في الشأن الليبي. وبالجملة، يُحاول الدور الفرنسي في ليبيا التعامل بالطريقة الإماراتية في استخدام مصر، وذلك عبر الدفع نحو شراكة فرنسية مصرية خفية لتمرير مشروع تدخّل أجنبي، تحاول مصر منذ تولي السيسي تحقيقه في ليبيا، ولطالما دعا السيسي إلى تدخل أجنبي عسكري في ليبيا، لكن دعواه تصطدم برفض دولي وعربي.

اقرأ/ي أيضًا: في أوّل زيارة خارجية للودريان.. فرنسا تدير "حربها" في ليبيا من القاهرة

وبدت تلك السياسة الفرنسية في التعامل مع الملف الليبي من خلال مصر، واضحةً في زيارة جان إيف لودريان، وزير الخارجية الفرنسي إلى القاهرة، وهي أوّل زيارة خارجية له منذ توليه المنصب في عهد ماكرون. وكان شغله الشاغل من وراء هذه الزيارة، ليبيا.

وفيما تهدف كل من الإمارات وفرنسا لتكوين شراكات اقتصادية والحصول على عقود للاستثمار في ليبيا، يُحاول السيسي بشكل مُعلن تأمين حدوده الجنوبية وعودة العمالة المصرية إلى ليبيا كسابق عهدها، بينما يعمل في الخفاء وكيلًا مُؤجّراً للتعامل العسكري داخل ليبيا.

هذا وقد أعلنت مصر خلال الأيام التي تلت الاتفاق المذكور، افتتاح قاعدة عسكرية في المنطقة الغربية المصرية، تحت اسم قاعدة محمد نجيب، وهي قاعدة قديمة اُجريت عليها بعض التجديدات والتوسعات، وتقول الحكومة المصرية إنّها أكبر قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط. ويرى البعض أن هذه القاعدة تأتي دعمًا لخليفة حفتر في ليبيا، خاصةً وأنّ حفتر كان في مقدمة حضور حفل الافتتاح.

اقرأ/ي أيضًا: الغارات المصرية على ليبيا.. بعيدًا عن داعش وفي خدمة حفتر

وأعقب ذلك عدة لقاءات أجراها عدد من المسؤولين المصريين لدول ترتبط بحدود مشتركة مع ليبيا سواءً على المستوى الدبلوماسي أو العسكري، وأخيرًا يزور حفتر القاهرة للقاء رئيس أركان الجيش المصري محمود حجازي، المسؤول عن اللجنة المعنية بالملف الليبي في مصر.

التحركات المصرية

وتُشير تلك التحركات المصرية إلى أمرٍ ما يُجهّز لليبيا برعايةٍ إماراتية كما يبدو، وعلى عين خليفة حفتر، الذي تُوضح القرائن ارتباط الأمر بتقديم الدعم له للسيطرة على أجزاءٍ من الغرب الليبي وخاصة العاصمة طرابلس. ولربما أيّد ذلك أنه في أيار/مايو الماضي أصدر حفتر تعليمات لقواته في المنطقة الغربية للاستعداد لـ"الدفاع عن طرابلس ومواجهة الإرهاب وطرده وتدمير قواعده"، يقصد بشكل أكثر وضوح الهجوم على طرابلس للسيطرة عليها، غير أنّ رفض كلٍّ من الجزائر وتونس للتدخل العسكري في طرابلس، يُعرقل الأمر بشكل كبير.

بدأت التحركات المصرية الدبلوماسية مع تشاد، وهي إحدى الدول المرتبطة بحدود مشتركة مع ليبيا، إذ التقى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في الثاني من آب/أغسطس الجاري بوزير الدفاع التشادي ورئيس هيئة الأركان العامة للجيش التشادي، خلال زيارة لهما للقاهرة. ووفقًا لبيان رئاسة الجمهورية المصرية، فقد تحدث الطرفان عن تعاون عسكري بين البلدين فيما يخص ليبيا ومنطقة الساحل.

وعقب اللقاء المصري التشادي كان هناك لقاء بين سامح شكري وزير الخارجية المصري وعبدالقادر مساهل وزير الخارجية الجزائري في القاهر. وخلال مؤتمر صحفي جمع الطرفين، قال شكري إن الطرفين "اتفقا على على تعزيز التنسيق بينهما لحل الأزمة الليبية"، وفيما أكّد الوزير الليبي على تحركات بلاده لتعزيز التعاون مع مصر وتونس لحل الأزمة الليبية، حمّل أيضًا الداخل الليبي المسؤولية بقوله إنّ "ليبيا تمتلك القدرات لحل الأزمة الحالية دون تدخلات خارجية".

بعد قطيعة شهور، أجرى وزير الخارجية المصري زيارة للسودان، لمناقشة عدة ملفات على رأسها الملف الليبي

أنهى شكري لقاءه بوزير الخارجية الجزائري، وانطلق إلى السودان في الثالث من آب/أُغسطس الجاري، لتكون الزيارة الأولى بعد قطيعة بين البلدين لشهور، بعد اتهام الرئيس السوداني عمر البشير للنظام المصري بالوقوف خلف تمويل متمردين على الحدود السودانية. ورغم أنّ الزيارة كانت معنية بعددة ملفات، إلا أنّ الملف الليبي كان على رأسها، وفقًا لتصريحات إعلامية عن المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية أحمد أبوزيد.

اقرأ/ي أيضًا: القصة الكاملة للحرب الكلامية بين مصر والسودان.. ما علاقتها بليبيا والخليج؟

أمّا آخر اللقاءات فتمثّل في زيارة لخليفة حفتر إلى القاهرة أمس الأحد، التقى فيها محمود حجازي رئيس هيئة أركان الجيش المصري، وفقًا لما جاء في بيان رسمي مصري قال إنّ اللقاء تطرّق لـ"مسارات التحرك المستقبلي للبناء على ما تمّ التوصل إليه (في الأزمة الليبية) دون التفريط في الثوابت الوطنية"، لكن لم تُعلن هذه المسارات، ولا النقاط الرئيسية التي تحدد ماهيّة الثوابت الوطنية.

ترتيبات عسكرية لحفتر

التحركات الدبلوماسية المصرية تأتي بالتوازي مع أُخرى عسكرية، متمثلة في إنشاء/ تجديد وتوسعة قاعدة محمد نجيب العسكرية التي يفصلها عن الحدود الليبية نحو 500 كيلومتر، وتجديد قاعدة براني التي لا يفصلها عن الحدود الليبية سوى 100 كيلومتر فقط. ما يُشير إلى أنّ القاعدتين قد تمثلان نقطتي تمركز آمنتين داخل الحدود المصرية لدعم حفتر عسكريًا على عدة مستويات، من بينها التدريب لقواته والدعم بالسلاح، وربما بالطلعات الجوية أو التدخل البري إن تطلب الأمر، خاصة وأنّ لمصر سجّل حافل بالتدخل العسكري في ليبيا دعمًا لحفتر.

وتدعم كل من مصر والإمارات بشكل معلن، خليفة حفتر، بالمال والسلاح رغم القرار الأممي بحظر السلاح عن ليبيا، إلا أنّ تقريرًا للأمم المتحدة صدر في حزيران/يونيو الماضي، اتهم الإمارات بانتهاك هذا الحظر بتوريدها أسلحة ومروحيات قتالية وطائرات حربية لقوات حفتر، بينما امتنعت الإمارات عن الرد على طلب من الأمم المتحدة لإيضاح الأمر.

يهدف دعم الإمارات ومصر لحفتر إلى تفرد الأخير بالسلطة في ليبيا كحاكم بالوكالة عن البلدين

ومنذ 2014 وثمّة تدخل مصري إماراتي في ليبيا، إذ كانت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية قد كشفت في 24 آب/أغسطس 2014، عن قيام طائرات إماراتية انطلقت من قواعد عسكرية مصرية بغارات على منشآت عسكرية تابعة لما أسمته بـ"المليشيات الإسلامية" في طرابلس، كما أنّ مصر أعلنت بشكل صريح عن تنفيذها غارات جوية على ليبيا كرد فعل على ذبح داعش في ليبيا لـ21 قبطيًا مصريًا في 2015. وعقب تفجير حافلة أقباط المنيا في مايو الماضي، نفّذت مصر غارات جوية ضد أهداف في ليبيا، اتضح ألّا علاقة لها بالهجوم الإرهابي في مصر، وإنما جاءت دعمًا لحفتر وفقط!

اقرأ/ي أيضًا: السراج وحفتر في الإمارات.. هل نضج الحل السياسي في ليبيا على طاولة غير محايدة؟

تأتي هذه الخيوط مجتمعة لترسم لوحة أكبر عن الدعم الذي يتضح أكثر فأكثر لحفتر من قبل الإمارات ومصر، بالمخالفة لكل التحركات الدولية الرامية إلى رأب الصدع الليبي سلميًا، وبالمخالفة للاعتراف الدولي بحكومة السراج، وبالحظر الأممي لتوريد الأسلحة لليبيا، إذ يبدو أن دعم البلدين لحفتر لا ينطوي على إنهاء الصراع فقط لصالحه، وإنما كما يبدو من هذا الإصرار، أنه ينطوي على رغبةٍ في تفرّد حفتر بالسلطة المطلقة في البلاد، كحاكم بالوكالة عن مصر والإمارات، وهو المتهم من قبل منظمات حقوقية دولية بـ"ارتكاب جرائم حرب"، تتمثل في قتل مدنيين وتنفيذ إعدامات ميدانية والتمثيل بجثث قتلى المعارضة في مدينة بنغازي شرقي ليبيا، وتحديدًا في 18 آذار/مارس الماضي والأيام القريبة من ذلك التاريخ، وفقًا لمنظمة هيومن رايتس ووتش.

 

اقرأ/ي أيضًا:

التدخل العسكري في ليبيا.. هل بدأ قرع الطبول؟

ليبيا.. الصراع على الهلال النفطي وأثره في الأزمة