26-مايو-2017

تبدو ضربات "داعش الصعيد" في بداياتها المبكرة بعد (فيسبوك)

من حادث الهجوم المسلح على حافلة المنيا في مصر، والتي كانت تقل أقباطًا، بينهم نساء وأطفال، في رحلة دينية من محافظة بني سويف إلى دير الأنبا صموئيل بصحراء المنيا الواقعة على بوابة صعيد مصر؛ بقي بضعة ناجين كانت مهمتهم رواية ما جرى.

يستخدم داعش أرض الصعيد منطلقًا لتوسيع عملياته في مصر، وكذلك أرضًا خصبة لجرائم استعراضية

قال الناجون إن ملثمين كانوا يرتدون لباسًا أسود، أطلقوا النيران على الحافلة التي ضمت 40 مصريًا قبطيًا، بعدما اعترضوا طريقهم بثلاث سيارات دفع رباعي، وأطلقوا النيران بشكل عشوائي، مجبرينهم على النطق بالشهادتين (لا إله إلا الله محمد رسول الله) قبل الشروع في قتلهم!

واتفقت أغلب المصادر كوزارة الصحافة ومحافظة المنيا والكنيسة المصرية، على وصول عدد ضحايا الحادث الإرهابي إلى 28 قتيلًا، و24 مصابًا، فيما لا يزال بعضهم في حالة حرجة.

هذا وتدور أصابع الاتهام حتى الآن حول تنظيم داعش في صعيد مصر، الذي أسمى نفسه "ولاية الصعيد" تشبُّهًا بتنظيم "ولاية سيناء"، فرع داعش في شبه جزيرة سيناء. فما هو تنظيم "داعش الصعيد"؟

داعش سوريا والعراق للذئاب المنفردة.. "إلى الصعيد دُر"

في 30 نيسان/أبريل 2015، كان الظهور الأول له، حين أعلن تنظيم ولاية سيناء، التابع لداعش، عن قرب تأسيس فرع جديد له بمحافظات صعيد مصر، ما أثار جدلًا واسع النطاق في ذلك الوقت، بإعلان أبو سفيان المصري، أحد أعضاء تنظيم الدولة في مصر عن "الإعلان عن ولاية الصعيد قريبًا".

كان الظهور الأول لـ"داعش الصعيد"، في نيسان/أبريل 2015 حين أعلن "ولاية سيناء" قرب تأسيس فرع للتنظيم في صعيد مصر

وطالب أبوإياد المصري، أحد مقاتلي داعش، في التوقيت نفسه عام 2015، مَن وصفهم بـ"الذئاب المنفردة"، التابعة للتنظيم، الذين جندهم عبر بعض مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي، بتشكيل خلايا فى الصعيد، بدلًا من النفير إلى العراق والشام، للانضمام إلى صفوف داعش هناك، قائلًا عبر أحد المواقع الجهادية: "على المجاهدين الاستعداد للحرب الشرسة التى على وشك أن تشتعل فى مصر، ومنطقة الصعيد مؤهلة لأن تصبح ولاية مهمة، على غرار ولاية سيناء لعدة أسباب، منها الطبيعة الجغرافية والجبلية للمكان، والظهير الصحراوي لمحافظاته التي توفر فكرة الأمان للعناصر الجهادية، وتمثل المكان المناسب لإقامة معسكرات تدريبية بعيدًا عن أعين الأمن، كما أن كثرة السلاح وتنوعه في هذه الأماكن يمثلان عنصرًا مهمًا للجهاد".

اقرأ/ي أيضًا: استراتيجية داعش للتجنيد.. الشباب أولًا

 وفيما خمدت حدّة التصريحات والترتيبات لظهور رؤوس التنظيم بولاية سيناء، بدأ بعض النشطاء والباحثين في طرح أسئلة وإجابات بشأن سر اختيار الصعيد كـ"عاصمة ثانية" للتنظيم الإرهابي، وكانت الإجابات جاهزة:

  • محافظتا أسيوط والفيوم بالصعيد كانتا معقليْن أساسيين للجماعات الإسلامية المسلحة آنذاك خلال صراعها مع الدولة في أواخر القرن الماضي.
  • تنشط التنظيمات الإرهابية في المناطق المهمّشة والمحرومة من رعاية السلطة المصرية، فالبداية كانت سيناء، المطرودة من رحمة الأنظمة المصرية، ما كوّن بها حاضنة للكراهية بسبب البطالة والقمع الأمني، ثمّ الصعيد الذي يمر بنفس الظروف تقريبًا، وهي ظروف مولّدة للغضب والكراهية.
  • هناك شبه تطابق بين البيئتين الصعيدية والسيناوية، من حيث التقاليد والعادات ونزعات التمرد، والجغرافية التي تشجع على القتال، وتستعصي على السيطرة بالنسبة إلى الجيوش النظامية، فالأرض لمن يجيد إدارة حرب الشوارع، وكما قال أحد قيادات داعش -لدى دعوته للتنظيم- أن "هناك طبيعة الأهالي محافظة وتتوافق مع الشريعة الإسلامية بشكل يسهِّل استقطابهم".
  • خطط تنظيم داعش لإنشاء فرع له في الصعيد لنقل المعركة إلى منطقة أخرى بعيدًا عن سيناء، وصرف نظر الأمن عن التنظيم بالعريش ورفح.

أمَّا لماذا محافظة المنيا تحديدًا؟ ربما لأنها الحاضنة الأكبر في الصعيد لحوادث الفتن الطائفية، لكثرة أعداد المصريين الأقباط فيها، والذين باتوا هدفًا أولًا لداعش في الفترة المقبلة، وفقًا لإعلان التنظيم.

المنيا وأسيوط.. "نقطة نور" 66 داعشيًا من ليبيا

الظهور الثاني لـ"داعش الصعيد" كان في 22 أيار/مايو 2016، حين أحال النائب العام المصري، نبيل صادق، 66 شخصًا إلى محكمة الجنايات بتهمة تشكيل خلية إرهابية والانضمام لها، تتبع تنظيم داعش، وتعمل في ست محافظات بصعيد مصر، كان على رأس تلك المحافظات المذكورة، محافظتا المنيا وأسيوط.

وجاء في قرار الإحالة بالقضية التي حملت رقم 832 لسنة 2016 أمن دولة عليا، أنهم ارتكبوا جريمة "تأسيس وقيادة جماعة إرهابية الغرض منها الدعوة إلى تعطيل أحكام الدستور والقوانين والاعتداء على الحرية الشخصية للمواطنين، وهي جماعة ولاية الصعيد، التابعة لتنظيم داعش الإرهابي، وتولوا قيادة خلايا تنظيمية تستهدف الاعتداء على أبناء الطائفة المسيحية واستحلال أموالهم وممتلكاتهم".

من أين تشكَّلت خلية الـ66؟

بتتبع خط سيرهم، تبيّن أن المجموعة التي قبض عليها، كان يفترض بهم تأسيس التنظيم الذي كان على وشك أن يولد، إلا أن القبض عليهم عطّل الأمر. وكان هؤلاء في ليبيا، وعادوا منها إلى مصر بعد أن كلّف التنظيم قياداته في ليبيا بإرسال بعضهم إلى صعيد مصر لتشكيل خلايا عنقودية، ومعسكرات تدريب، استعدادًا لإعلان "ولاية الصعيد"، فيما يُشتبه أنه جرى ذلك بالتعاون مع بعض القيادات القديمة في الجماعة الإسلامية.

وفقًا لتحقيقات 2016، كلف داعش قياداته في ليبيا بإرسال بعض العناصر على أن يكونوا نواة تنظيم "ولاية الصعيد"

وصلت تلك المجموعة إلى جنوب مصر، وتحديدًا أسيوط، عبر الظهير الصحراوي لها، وتمركزت هناك في نقطة "مخفية"، تحولت لاحقًا إلى مركز تدريب، لاستقبال عناصر جديدة قادمة من ليبيا عبر منفذ السلوم، عن طريق أربعة طرق فرعية بالصحراء الغربية، أبرزها دلجا وسمالوط والقوصية وديروط، فضلًا عن مجموعة أخرى انضمّت إليها من سيناء.

وكشفت تحقيقات النيابة المصرية في الواقعة، عن أن داعش أسس مجموعة أخرى لمساندتها ومدّها بالجهاديين في محافظة بني سويف شمال الصعيد، تورطت هذه المجموعة في إطلاق نار على قطار حربي مخصص لنقل الجنود، كما طالت نيرانها إحدى اقسام الشرطة، إلا أن الأمر مرّ بهدوء.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا لا يتعاونون مع الدولة المصرية؟

الثأر لسبعة جهاديين يبدأ من حافلة المنيا

الظهور الثالث لتنظيم ولاية الصعيد كان في العاشر من نيسان/أبريل الماضي؛ حين أعلنت وزارة الداخلية في بيان لها، تفاصيل حملة أمنية أسفرت عن تصفية سبعة ممن وصفتهم بـ"الإرهابيين الذين يعتنقون أفكار داعش"، وذلك في محافظة أسيوط. وكان هؤلاء السبعة، وفقًا لبيان وزارة الداخلية، مختبئين في منطقة جبلية بمركز أبنوب بصحراء أسيوط، اتخذوها وكرًا للتدريب وتجهيز العبوات المتفجرة. 

الوكر الذي قالت وزارة الداخلية إن السبعة الجهاديين كانوا يختبؤون فيه
الوكر الذي قالت وزارة الداخلية إن السبعة الجهاديين كانوا يختبؤون فيه

وقد عثر معهم على أوراق مدوّن بها خطة لسلسلة عمليات إرهابية في الصعيد، على رأسها "استهداف الأقباط"، الهدف الجديد لداعش، الذي أعلن عنه مؤخرًا، وبدأ التفتيش عنهم وعمّا شابههم مع حادث تفجير كنيستيْ الإسكندرية وطنطا، الذي اعتبر ضربة البداية، بخاصة وأن ضحايا الأقباط في الشهور الماضية بلغت 100، وكان أغلب المتورطين في قتلهم من الصعيد!

ولكن كيف؟

من بين 20 متهمًا في تخطيط وتنفيذ تفجيري الكنيستين، هناك 14 ترجع أصولهم إلى محافظة قنا في صعيد مصر، والتي تبعد مركزيًا عن قبضة الأمن والجيش وأجهزة المعلومات في القاهرة وسيناء، وهو ما سمح لتنظيم داعش بتجنيدهم، وتشكيل خلية منهم، وتوزيعها على محافظات لارتكاب عمليات إرهابية؛ لتكتمل سلسلة المحافظات الست، التي انتقاها داعش لتكون مركزه بالصعيد، بدأت بالمنيا والفيوم وبني سويف وأسيوط، وانتهت بقنا. وربما تكون عملية اليوم في المنيا ردًا على تصفية سبعة من رؤوس تنظيم "داعش الصعيد" بأسيوط.

ماذا قال "داعش الصعيد" الأصلي في اعترافاته؟

أمس الخميس، وزَّعت نيابة أمن الدولة العليا على صحف القاهرة، التحقيقات مع خلية الـ66 المتهمين بتأسيس تنظيم داعش بالصعيد، وقتالهم بدعوى عدم تطبيقهم الشريعة الإسلامية، وهو ما يتماس وإجبار أقباط حافلة المنيا على نطق الشهادتين قبل قتلهم، ويتشابه معه في طريقة التفكير.

وأكد المتهمون في الاعترافات أن "المتهم الأول مصطفى أحمد محمد عبدالعال، تولى قيادة الجماعة التابعة لتنظيم داعش، عقب اعتمادها من إدارة الولايات البعيدة لذلك التنظيم بالخارج"، إذ قال المتهم الأول إنه اعتنق الفكر القائم على تكفير الحاكم ومعاونيه، في عام 2014، على إثر اطلاعه على مطبوعات تتناول الأفكار التكفيرية وإصدارات تنظيم داعش الإلكترونية الداعمة لها. وذلك التوقيت، بالتقريب، هو نفسه توقيت بدء الدعوة لتأسيس "داعش الصعيد"، ودعوة قيادات الجهاد بالشام والعراق لانتقال ساحة المعركة من سيناء إلى الجنوب.. إلى المحافظات الست بالصعيد.

من بين 20 متهمًا في تفجيرات أحد الشعانين، هناك 14 شخصًا ترجع أصولهم إلى محافظة قنا في صعيد مصر

ومن بين اعترافات المتهمين إعداد برنامج تدريبي للمنضمين الجدد قائم على محورين، أولهما فكري تمثل في إصدارات التأصيل الشرعي لأفكارهم التكفيرية، والثاني بدني يتلخص في تمرينات رياضية، وكيفية الهروب من الملاحقات الأمنية، وأن تسليح التنظيم كان برشاشات مدّهم بها المشاركون، بينما حصلوا على التمويل من سيارة نقل أموال تم استهدافها على طريق "كفر الشيخ - بلطيم"، والاستيلاء على محتواها كرهًا باستخدام أسلحة نارية وخرطوش ومسدسات، وبعد إجبار سائقها وحارسها على النزول وتقييدهما، استولوا على ما بها من أموال وهربوا، كما خططوا لسرقة محل لبيع الذهب، مملوك لأحد أبناء الطائفة المسيحية بمدينة بيلا بمحافظة كفر الشيخ.

وأين المنيا من اعترافات أعضاء التنظيم؟

أقرّ المتهم الثالث في داعش الصعيد، ويدعى رامي عيد مصطفى، بسعيه لإقامة معسكر لتدريب عناصر خليته على استخدام الأسلحة النارية بأرض مملوكة للمتهم أسامة محمد سعد، يعمل مهنيًا بمركز مطاي في محافظة المنيا، وتكليفه لمتهمين آخرين بدراسة العلوم والاستراتيجيات العسكرية وأنواع الأسلحة وطرق تصنيع المفرقعات. وربما تكون تلك الاعترافات النواة الأولى للهجوم المسلح على حافلة المنيا.

 

 

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

تفجير كنيسة الإسكندرية: من يتحمل حقًا فاتورة الدم؟

العسكر والإرهاب.. ثنائية هدر الإنسان المصري