17-يوليو-2017

طرح رئيس حكومة الوفاق الليبية فائز السراج، في خطاب متلفز، خارطة طريق لحل الأزمة السياسية في البلاد (أنطون نوفوديريزكين/Getty)

في خطوة مفاجئة، أعلن رئيس حكومة الوفاق الليبية فائز السراج، خارطة طريق لحلّ الأزمة السياسية في بلاده، وذلك في خطاب متلفز لليبيين. ويأتي طرح هذه الخارطة بعد أيام من إعلان خليفة حفتر السيطرة الكاملة على بنغازي، وفي ظلّ فشل مبادرات حلّ الأزمة التي يُخشى استدامتها، وهو ما جعل الأمم المتحدة تفضّل تعيين مبعوث جديد لها لليبيا هو اللبناني غسان سلامة.

وبادر فائز السراج لإلقاء كلمته، وطرح مبادرته مع انسداد أي أفاق لحلّ للأزمة ومع استمرار التحديات السياسية والاقتصادية والمالية والأمنية، بعد أكثر من عام على انطلاق أعمال المجلس الرئاسي المنبثق من اتفاق الصخيرات المجمّد على أرض الواقع. ولذلك يبدو أنه قد وجد نفسه ملزمًا بالتحرّك والمبادرة بصفته المسؤول الرسمي الأول في البلاد، وفق الاتفاق الأممي، بإلقاء حجر في المياه الراكدة عبر كلمته التي وجّه فيها كذلك رسائل مضمونة الوصول للفرقاء الليبيين وتحديدا في المنطقة الشرقية.

رسائل السراج... خطاب جامع رغم كشف الحساب

حاول فائز السراج في بداية كلمته، التي ألقاها وخلفه كتبت جملة: "ليبيا.. معًا نحو المصالحة والبناء"، تجنّب الخطاب الاتهامي، إذ أكد على تحمّل الجميع المسؤولية "لما وصلنا إليه للآن وذلك دون مزايدة"، بتعبيره. وأغلق الباب، في الأثناء، على المتحسّرين على نظام القذافي بإشارته بأن المعاناة الحالية هي امتداد لمعاناة العقود السابقة. وكشف بأن كلمته تهدف لـ"عرض الحقائق بكل صدق وشفافية"، متحدثًا عن "خلاف الأخ مع أخيه" في إشارة للصراع الحالي بين الفرقاء الليبيين.

ورغم خطابه الجامع الداعي للوحدة، أشار فائز السراج إلى أنّ إحدى التحديات التي تواجهها البلاد هي عدم التزام الهياكل المنبثقة باستحقاقات الاتفاق الأممي، في إشارة لمجلس النواب المتمركز في المنطقة الشرقية، والذي رفض التصويت بالثقة على حكومته، وهو ما أدى لاستمرار حالة الثنائية المؤسساتية على مستوى التنفيذي، بوجود حكومة مؤقتة في شرق البلاد. كما يشمل هذا اللّوم في نفس الوقت المؤتمر الوطني العامّ الذي رفض رئيسه نوري أبو سهمين وعدد من أعضائه القبول، بحلّ هذا الهيكل والانضواء ضمن "المجلس الأعلى للدولة".

كان مجمل خطاب السراح داعيًا للوحدة، ورغم ذلك فقد ألقى باللوم على الفرقاء عدم التزامهم باستحقاقات الاتفاق الأممي

وقد وجه السراج لومًا صريحًا لأعضاء مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، "لعجزهما التام" باستحقاقهما بخصوص المناصب السيادية، وذلك بمناسبة حديثه عن استفحال الفساد في الدولة، وهي رسالة يوجهها للفاعلين السياسيين في البلاد في مختلف أجهزة الدولة.

اقرأ/ي أيضًا: من أجل الخروج من "الانتقالي" في ليبيا

كما وجّه رسالة مضمونة الوصول لخليفة حفتر، بقوله إنّه (أي فائز السراج) لم ينجرّ "للتصعيد المسلح المتكرّر حول الموانئ"، وذلك في إشارة لسيطرة قوات حفتر على الموانئ في منطقة الهلال النفطي بعد طرد قوات حرس المنشآت الموالية لحكومة الوفاق. فأراد السراج بهذه الإشارة التأكيد على حرصه على منع التصادم وتوفير فرص لحلّ الأزمة، بعيدًا عن منطق العنف، وذلك على خلاف ما ينتهجه حفتر، الذي توجّهت إليه رسالة أخرى ذات مغزى بيّن، إذ قال السراج: "ليس كل من اختلفنا معه من أبناء الوطن نصنفه إرهابيًا"، فيما يبدو خطابًا موجهًا بصفة حصرية لحفتر الذي لا يزال يتهم خصومه وتحديدًا الإسلاميين منهم بالإرهاب.

وعاد رئيس الحكومة لتحميل المسؤولية بطريقة مباشرة للسلطات والمسؤولين الذين أداروا البلاد منذ الثورة وحتى قبل مجيئه، وذلك فيما يخص انتشار السلاح، قائلًا: "لم يرَ من سبقونا خطورة انتشار السلاح، ولم يعملوا على جمعه منذ الأيام الأولى، وها نحن نجني ثمار ذلك".

إلا أنه رغم هذه الرسائل، شدّد فائز السراج على أهمية الوحدة والاصطفاف بين كل الفرقاء، كما لم يفوّت الفرصة للترويج لإنجازات حكومته لدى الليبيين، والتأكيد على أنه قام "كلّ ما بوسعه لتحريك عجلة الاقتصاد"، مُشيرًا لارتفاع إنتاج النفط منذ تشكيل حكومته من 150 ألف برميل إلى قرابة المليون برميل، كما أشار أمنيًا لتحرير سرت بفضل قوات "البنيان المرصوص".

وقد حاول السراج عمومًا الظهور بصورة المتعالي عن الصراعات، وذلك بقوله إنه ليس طرفًا في الصراع، بل يريد "المساهمة في الحلّ"، وهو ما جعله يقدم على طرح خريطة طريق هذه.

خارطة طريق السراج.. اجتهاد تكبحه عوائق

استعرض فائز السراج قبل عرض خارطة الطريق، تسعة مبادئ تقوم عليها الخارطة المطروحة، وأهمها اعتبارها مقترحًا لاستكمال الاتفاق السياسي والمسار التوافقي، وليست بديلًا عنه، والتأكيد على عدم الإقصاء والتهميش لأي طرف ليبي، وأن تكون المؤسسة العسكرية الموحّدة تحت السلطة المدنية، مع الإشارة لتفعيل آليات العدالة الانتقالية وجبر الضرر والعفو العام من أجل تحقيق مصالحة وطنية شاملة. وقد تضمنت جملة المبادئ أيضًا إنهاء المحاصصة الجهوية والتوزيع العادل للثروات، إضافة لتفعيل نظام اللامركزية في البلاد.

تضمنت خارطة الطريق الدعوة لانتخابات رئاسية وبرلمانية في 2018، وكذلك وقف إطلا النار وجميع أعمال القتال في أنحاء البلاد

وتضمنت خارطة الطريق دعوة إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية مشتركة في شهر آذار/مارس 2018، تستمر ولايتهما ثلاث سنوات كحد أقصى، أو حتى الانتهاء من إعداد الدستور والاستفتاء عليه. ويتم انتخاب رئيس الدولة بشكل مباشر من الشعب. ويقوم في الأثناء مجلس النواب ومجلس الدولة بتشكيل لجان للحوار المجتمعي لإعداد مشروع قانون الانتخابات ومقترح التعديل الدستوري، لتحديد صلاحيات رئيس الدولة وملامح المرحلة الجديدة. كما يقوم المجلسان بتشكيل لجان مشتركة للبدء في دمج مؤسسات الدولة.

اقرأ/ي أيضًا: دستور ليبيا.. رحلة البحث عن التوافق مستمرة بلا نجاح!

كذلك تتضمن خارطة الطريق وقف إطلاق النار وجميع أعمال القتال في كافة أنحاء البلاد، إلا ما يخص مكافحة الإرهاب. أمّا فيما يخصّ المصالحة، فاقترح السراج إنشاء "المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية"، على أن يكون مكونًا من 100 عضو، يتم اقتراحهم وفقًا لمعايير وضوابط تحددها اللجنة التحضيرية لمشروع المصالحة الوطنية، ويقوم بإعداد لمؤتمر ليبيا للمصالحة الوطنية.

وتبدو صعوبات جمّة تحول دون إعمال خارطة الطريق التي اقترحها فائز السراج، بداية بصعوبة توافق القوى السياسية الفاعلة، وتحديدًا مجلس النواب وحفتر على خارطة الطريق، وذلك في ظلّ رفض حفتر لجميع المبادرات السياسية السابقة الشبيهة بخارطة الطريق المطروحة حاليًا، إذ لازالت المؤشرات من المنطقة الشرقية تُبيّن عدم وجود إرادة جديّة للانخراط في عملية سياسية تشاركية.

من جانب آخر، تبدو خارطة الطريق طموحة جدّا بخصوص موعد تنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحددة في آذار/مارس القادم، أي بعد تسعة أشهر فقط، وهي مدّة يصعب، إن لم يكن مستحيلًا، على المفوضية العليا للانتخابات تنظيم انتخابات فيها على المستوى اللوجستي، خاصة في ليبيا الشاسعة جغرافيًا، ومع احتمال رفض عديد المجالس المحلية والمكونات الثقافية تنظيم انتخابات في مناطقها، وهو ما يطرح التمثيلية لاحقًا موضع سؤال.

كما تتجاهل خارطة الطريق مسار إعداد الدستور الجاري حاليًا، وقد سبق قبل أشهر التوافق على مشروع نهائي من المفترض أن يُعرض قريبًا على الاستفتاء، حيث تستلزم الأولوية تنظيم استفتاء حول دستور للبلاد، ويقع تنظيم انتخابات تشريعية ورئيسية على ضوء هذا الدستور الجديد، وليس انتخاب رئيس وبرلمان جديدين ومؤقتين، ما يعني مزيد من استدامة المرحلة الانتقالية دون موجب.

يطرح السراج خارطة طريق طموحة جدًا، لكنها لا تضمن إنهاء الانقسام في البلاد، بل تزيد من مدة المرحلة الانتقالية

بهذا، يقفز فائز السراج عبر مبادرته، على عديد المسائل ذات الأولوية، وعلى رأسها اعداد دستور للبلاد ينهي المرحلة الانتقالية، وذلك بالإضافة لتوحيد مؤسسات الدولة وفق ما يقتضيه اتفاق الصخيرات، إذ تفترض المبادرة المطروحة تجميد القوى المؤثرة في البلاد لأنشطتها العسكرية عبر وقف إطلاق النار، وهو ما يعني تنظيم انتخابات في حالة انقسام سياسي مؤسساتي عمليًا، وهذه مخاطرة كبرى لا تَضْمن استمرار الانقسام المؤسساتي بعد الانتخابات من قبل القوى المنهزمة. كما أنه على فرض نجاح اللجان المشتركة المنصوص عليها في الخارطة، في دمج أجهزة الدولة، وهو مستبعد على الأقل في الوقت الحاضر بخصوص الأجهزة العسكرية؛ فالتوحيد الموعود ليس شرطًا لتنظيم الانتخابات.

اقرأ/ي أيضًا: العلم الليبي.. صراع الشرعية بين الثورة وأعدائها

في النهاية، يقدم فائز السراج خارطة طريق طموحة جدّا، غير أنه وعلى فرض التوافق حولها، فإنها لا تضمن إنهاء الانقسام المجتمعي والسياسي في البلاد، بل ستزيد من مدة المرحلة الانتقالية. ولكن ربّما قد تسرّع هذه المبادرة من المجهودات الداخلية والخارجية لتقريب وجهات النظر والتوافق لإنهاء أزمة البلاد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المحاصصة المناطقية في ليبيا.. الخطر الأكبر

جداريات الحرب في ليبيا