03-مايو-2017

خليفة حفتر وفايز السراج (أرشيفية)

قد لا يمكن الوصول لحلّ سياسي للأزمة الليبية، دون أن يجلس أطراف نزاع على طاولة واحدة في مرحلة أولى، وأن يتم التوصل لاتفاق يتضمن خارطة طريق في مرحلة ثانية، ويبدو أن اللقاء بين خليفة حفتر قائد الجيش الليبي الموالي لمجلس النواب، وفايز السراج رئيس المجلس الرئاسي، يوم أمس، بالإمارات العربية المتحدة، يمثل بصفة أولية، خطوة في اتجاه إنهاء الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ زهاء ثلاث سنوات، بخاصة في ظلّ تسريبات حول الوصول لمسودة اتفاق. 

ويظل السؤال هو: هل يمكن الجزم بأن هذا اللقاء، قد يمثل أرضية حقيقية، يمكن البناء عليها للوصول لحل سياسي شامل ينهي الحرب الأهلية في ليبيا، وانقسام الدولة؟ 

رعاية إماراتية بعد "شلل" مبادرة دول الجوار

تؤكد الرعاية الإماراتية للقاء بين حفتر والسراج، على شلل مبادرة دول الجوار، التي أمضاها وزراء خارجية تونس ومصر والجزائر، بمبادرة تونسية، في شهر شباط/فبراير الماضي، إن لم تكن تأكيدًا على فشلها، إذ كان من المنتظر أن تمثل هذه المبادرة أرضية لحوار ليبي داخلي، يلحقه اتفاق حول خارطة طريق لإنهاء الأزمة في البلاد، بيد أن هذه المبادرة واجهتها عراقيل من حيث عدم انخراط بعض أطراف النزاع وعلى رأسها خليفة حفتر. وفي هذا الجانب، كشف موقع "ميدل إيست مونيتور" البريطاني عن أن خليفة حفتر رفض دعوة الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي في شهر آذار/مارس الماضي لزيارة تونس، بحجه "دعمه للإخوان". وبذلك، وُئدت مبادرة دول الجوار في مهدها.

اقرأ/ي أيضًا: 3 مؤشرات تقرع طبول الحرب الكبرى في ليبيا

لم تدخل الإمارات برعايتها للقاء الموعود مؤخرًا على الخطّ، بما أن الدولة الخليجية تمثل منذ البداية لاعبًا إقليميا ثقيلًا في الساحة الليبية، حيث لا يختلف متابعان على الدعم الإماراتي لخليفة حفتر على المستوى السياسي والمالي والعسكري. ولذلك، لم تكن قدرتها على رعاية اتفاق سياسي، إلا محدودة بحكم انخراطها البيّن لفائدة طرف دون آخر يرفض بشكل قاطع أي دور إماراتي.

وعليه، فقدرة الإماراتيين اليوم على رعاية لقاء بين خليفة حفتر وفايز السراج، وبخاصة الحديث حول الوصول لاتفاق ليبي، هو اختراق ديبلوماسي إماراتي جديد في الأزمة الليبية، وإن كان الإماراتيون بالضرورة في حاجة إلى إسناد إقليمي ودولي.

كان لقاء حفتر والسراج مُبرمجًا في القاهرة، قبل نقله إلى أبوظبي، بعد مشاورات مصرية إماراتية

ولم تكن مصر بالضرورة خارج  مسرح التوضيب، إذ لم تبد الدبلوماسية المصرية متحمّسة منذ البداية لمبادرة دول الجوار رغم الدعم الرسمي لها، ذلك فإن هذه المبادرة هي أقرب لتصوّر تونسي جزائري مشترك، يختلف عن تصوّر مصري مبناه حسابات وتقاطعات مع القوى الليبية المسيطرة على شرق ليبيا. فبين الجار الشرقي لليبيا، والجارين على جانبها الغربي، لا زالت هنالك اختلافات جوهرية مكشوفة، وفق تقديرات كل جار لأمنه القومي ومصالحه مع الجار المشترك المريض. وقد كشف إبراهيم بلقاسم، مدير المركز الليبي للإعلام وحرية التعبير، أن لقاء خليفة حفتر وفايزالسراج كان مبرمجًا في القاهرة، قبل نقله لأبو ظبي بعد مشاورات مصرية إماراتية.

وربما يكون مراد عقد اللقاء في الإمارات بدلًا عن مصر، هو توجيه رسالة للأطراف الإقليمية والدولية على وجود التزام "جدّي" هذه المرّة للوصول لحلّ سياسي، كون الإمارات تمثّل الداعم الإقليمي الرئيسي لخليفة حفتر. ففي شهر شباط/فبراير الماضي، كان من المنتظر عقد هذا اللقاء في القاهرة، غير أن خليفة حفتر رفض ذلك، ما أحرج القاهرة التي دعت السراج لزيارتها.

وكشفت وقتها، مصادر في الخارجية المصرية عن أن الوزير المصري سامح شكري، دعا ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لـ"كبح جماح" خليفة حفتر، والضغط عليه من أجل تهدئة الأوضاع, وعليه، فإنه باستضافة الإمارات للقاء الأخير، يبدو أن حفتر قد رضخ للضغوط الإماراتية.

من جهة أُخرى، أشارت مصادر إعلامية قريبة من دوائر صنع القرار الإماراتي، إلى وجود دور ألماني "شارك في تسريع اللقاء"، في الوقت الذي أشاد فيه وليد فارس، مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية، باللقاء الذي اعتبره "إنجازًا إماراتيًا".

هذا ويُرجّح وجود دور روسي، بخاصة وأن حفتر قد وقع عقود لشراء أسلحة مع روسيا مؤخرًا، فضلًا عن النفوذ الروسي الذي زاد على مدار السنوات الماضية، من بوابة حفتر الذي يُعوّل على دعم روسيا السياسة والعسكري له.

اقرأ/ي أيضًا: من أجل الخروج من "الانتقالي" في ليبيا

بيد أن هذا اللقاء يبدو أنّه تمّ بعيدًا عن أعين الأوروبيين، فخليفة حفتر قد أعلن سابقًا تحفظه على تحرّك الايطاليين الذين يتهمهم بالانحياز لحكومة السراج على حسابه. وتخشى إيطاليا من تجاوز أمريكي لتوجهاتها في ليبيا، حيث تناقضت التسريبات حول المحادثات، خلال الشهر الماضي، بين ترامب ورئيس الحكومة الإيطالية، بين وجود تفويض أمريكي لإيطاليا لحلّ الأزمة الليبية، وبين توجه أمريكي لمساندة الروس، وفق ما نقلته صحف إيطالية. 

ويخشى الأوروبيون، وتحديدًا الايطاليون والفرنسيون، من بلورة حل سياسي برعاية دولية أمريكية وروسية، مسنودة برعاية إقليمية إماراتية مصرية، تتجاوز الأوروبيين ومصالحهم.

أما عن دول الجوار، وتحديدًا تونس والجزائر، فيبدو أنهما خارج الترتيبات لهذا اللقاء، إذ تعيش الجزائر حاليًا على وقع انتخابات تشريعية، فيما تواجه تونس احتجاجات شعبية، ليبقى السؤال مفتوحًا حول دورهما في المرحلة المقبلة.

هل نضجت أرضية التوافق؟

وعقب اللقاء، أصدرت الخارجية الإماراتية بيانًا أشارت فيه إلى "الأجواء الإيجابية" للقاء الذي اعتبرته "مبشرًا بنتائج إيجابية"، وأنه "خطوة إيجابية تدعو إلى التفاؤل". في الأثناء، نشرت وسائل الإعلام الليبية المحسوبة على معسكر خليفة حفتر، والتي واكبت اللقاء وانفردت بنشر تفاصيله؛ ما سُميّ بـ"مسودة اتفاق"، تتضمن 8 نقاط، أهمها توحيد الجيش وعمله تحت سلطة المجلس الرئاسي، وتكوين حكومة ممثلة لكل الأطراف، والتأكيد على التعجيل بالاستفتاء على الدستور، والدعوة لانتخابات رئاسية وبرلمانية في موعد أقصاه آذار/مارس 2018، بالإضافة إلى تشكيل فرق عمل مشتركة للتنسيق والمتابعة. كما نصّت المسودة على سريان الاتفاق بمجرد توقيعه، مع تأكيدها على مرجعية اتفاق الصخيرات.

ويمكن حصر معوقات الوصول لاتفاق نهائي وتنفيذه بين أطراف النزاع الليبي في نقطتين أساسيتين:

1. هل حصل فايز السراج على تفويض من القوى السياسية والعسكرية الفاعلة في المنطقة الغربية؟

بقدر ما يمسك المشير خليفة حفتر بخيوط صناعة القرار السياسي والعسكري في المنطقة الشرقية للبلاد، فإن مقابله فايزالسراج، لا يبدو إلا لاعبًا مفوضًا للقوى السياسية والعسكرية في المنطقة الغربية، وبالتالي، لا يمكن الوصول إلى اتفاق حقيقي دون توافق بين خليفة حفتر من جهة، وخصومه في الجانب الغربي الذي يُفترض أن يكون فايز السراج ممثلًا لهم من جهة أُخرى، وإن كان هو نظريًا رئيس المجلس الرئاسي الذي يمثّل، وفق اتفاق الصخيرات، السلطة التنفيذية العليا في البلاد.

اقرأ/ي أيضًا: استقالة الكوني.. تجديد لإعدام اتفاق الصخيرات

وعليه، لا يمكن لفايز السراج تقديم التزامات أو تنازلات دون العودة لجهة التفويض، بخاصة في المسائل المتعلقة بإدارة الجيش وقيادته، وهو ما أكّد عليه عبد الحفيظ غوقة، نائب رئيس المجلس الانتقالي السابق، الذي قال إن فايز السراج لم يقابل حفتر إلا "بعد حصوله على تفويض من القوى في المنطقة الغربية".

الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وفايز السراج على هامس القمة العربية في عمّان (الأناضول)
الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وفايز السراج، على هامش القمة العربية في عمّان (الأناضول)

في نفس الإطار، انعقد قبل أسبوع واحد، لقاء بين عقيلة صالح عيسى رئيس مجلس النواب، وعبد الرحمن السويحلي رئيس المجلس الأعلى للدولة، المنبثق عن اتفاق الصخيرات، وذلك برعاية إيطالية، كاشفًا عن إذابة الجليد بين رئيسي الجهازين التشريعيين في البلاد.

وفي تلك الأثناء، أعلن عضو مجلس الدولة وحيد البرشان، الداعم لحكومة الوفاق، أن لقاء فايز السراج بحفتر "مفاجئ واستفزازي"، كما لم تواكب باهتمام هذا اللقاء إلا وسائل الإعلام القريبة من المعسكر الشرقي، حيث لا تزال تتعامل القوى في المنطقة الغربية بحذر وبرود في آن واحد، مع اللقاء، وسط ترقب حول تبعاته.

وفي نفس السياق، وباستثناء القوى المؤيدة لحكومة فايز السراج، يظلّ التساؤل حول القوى التي لم تنخرط منذ البداية في اتفاق الصخيرات، والحديث عن حكومة الإنقاذ والقوى العسكرية المؤيدة لها غرب البلاد، والتشكيلات العسكرية ضد خليفة حفتر في الشرق، وتحديدًا "مجلس شورى ثوار بنغازي"، الذي قال عن الاجتماع الأخير، إن "العدو اجتمع وهو على باطل".

2. هل من آفاق لتنفيذ بنود المسودّة؟

محلّ الأزمات قد لا يكون إلا فيما تبين في البداية كتفاصيل، وإن اتُّفقَ على المبدأ والإطار. فحين تم توقيع اتفاق الصخيرات في كانون الأول/ديسمبر 2015، مثلت المادة الثامنة المتعلقة بسلطة المجلس الرئاسي في التعيين بالمناصب العسكرية، حجر الزاوية فيما يرفضه خليفة حفتر، الذي اعتبر أن القبول بهذه المادة "تفريط في الجيش الليبي"، لتكون هذه المادة سببًا في إسقاط اتفاق الصخيرات.

ومن المنتظر تشكيل لجان بين الطرفين لتحديد تفاصيل تنفيذ الاتفاق، وستعمل هذه اللجان في القاهرة وفق مصادر إعلامية، ليبقى السؤال حول قدرتها على التوافق في عديد النقاط الخلافية.

وتحدثت مصادر إعلامية عن وجود اتفاق نحو تقسيم ليبيا لمناطق عسكرية، تحت إشراف قيادة موحدة يترأسها خليفة حفتر. وفي السابق، أعلنت قيادات عسكرية من الجانب الغربي، رفضها الانضواء تحت مظلة حفتر الذي يوصف من قبلهم بأنه "مجرم حرب". فيما يرفض حفتر، من جهته، أن يكون خارج أي ترتيبات مستقبلية، مثلما تم طرحه سابقًا، بأن يقع اختيار شخصية توافقية لقيادة الجيش. كما سبق ورفض حفتر تولّي المهدي البرغثي، حليفه السابق، قيادة وزارة الدفاع في حكومة الوفاق، فيما تنقل تسريبات عن إمكانية إلغاء هذه الوزارة مطلقًا. وعليه يمثل التحدي الرئيسي في قبول القوى العسكرية الغربية بحفتر كقائد للجيش، وهو إن قبوله يحتاج ضمانات يجب على حفتر تأمينها.

من المنتظر تشكيل لجان بين الطرفين حفتر والسراج، في القاهرة، لتحديد تفاصيل تنفيذ الاتفاق

ويُلحق الاتفاق تغييرات هيكلية على ما ورد في اتفاق الصخيرات، بخاصة في ظل الحديث عن اتجاه لإعادة هيكلة المجلس الرئاسي وتشكيل حكومة منفصلة عنه، إذ تفترض إعادة هيكل المجلس الرئاسي، إضافة شخصيات جديدة، قد يكون حفتر أولّها ليضمن مشاركته في اتخاذ القرار داخل الهيكل التنفيذي الرئيسي في البلاد. كما يتوقع أن يحتاج تشكيل حكومة توافقة ممثلة لكل الأطراف، إلى مفاوضات عسيرة، بخاصة بالنسبة إلى الوزارات التي تضم أجهزة حاملة للسلاح، وذلك بالإضافة لضرورة ضمان تمثيلية سياسية وجغرافية واجتماعية.

وفي هذا الصدد، أشارت مصادر إعلامية إلى وجود اتفاقٍ على إنشاء هيكل جديد، تحت مسمى "مجلس رئاسة الدولة"، يتكوّن من رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس حكومة الوفاق فايز السراج، وقائد الجيش خليفة حفتر، ولكن مع هذا، ما مدى قبول القوى السياسية والعسكرية في المنطقة الغربية، وتحديدًا في مصراتة، إضافة للقوى في المنطقة الجنوبية؛ بهذا الهيكل الذي يضمّ شخصيتين من شرق البلاد وشخصية واحدة من الغرب؟

على جانب آخر، نصّ الاتفاق على التعجيل بتنظيم الاستفتاء على الدستور، إجراء انتخابات عامة قبل آذار/مارس 2018، وهو تحدٍّ يصعب تحقيقه، إذ يفترض التوافق بداية على مشروع الدستور الذي عادت لجنة الستين المكلفة بصياغة الدستور لمناقشته مؤخرًا، بخاصة وأنه لم تتجاوز بعد الخلافات الجوهرية حوله، ومنها تحديدًا ما يخص السلطات الممنوحة للمنطقة الشرقية في النظام السياسي الجديد.

اقرأ/ي أيضًا: شبح ديمقراطية المحاصصة في ليبيا

كما يفترض أيضًا إصدار قانون انتخابي مركّب بالنسبة للانتخابات الرئاسية، بما أن مشروع الدستور ينصّ على انتخاب الرئيس، أخذًا بعين الاعتبار التمثيل الجغرافي للأغلبية، فليس بالضرورة الأكثر حصولًا على الأصوات هو المرشح الفائز. كما يستلزم كذلك التوافق على المفوضية الانتخابية التي ستشرف على الاستفتاء والانتخابات، وضمان إخضاع كل المجال الجغرافي الليبي للعملية الانتخابية، وهو ما يعني وجوب انخراط كل القوى السياسية والعسكرية الليبية في هذه العملية. وهي جميعًا مراحل يصعب تجاوزها خلال أقل من عام كما ورد في الاتفاق، هذا على فرض الوصول إلى اتفاق سياسي شامل خلال أسابيع.

في النهاية، يمثل لقاء خليفة حفتر وفايز السراج تقدّمًا في الجهود الرامية لحلّ الأزمة الليبية، بيد أنه  لم تنكشف بعد المؤشرات الجدية لانخراط مختلف القوى السياسية والعسكرية في البلاد في هذه الجهود، والتوافق حول مضامينها، وذلك لإنهاء أزمة أنهكت الليبيين واستنزفت الدولة المنقسمة لسنوات.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

هل التدخل العسكري ضرورة حتمية في ليبيا؟

ماذا تفعل القوات الفرنسية في ليبيا؟