28-مايو-2017

مبانٍ مدمرة إثر غارات سابقة للطيران المصري على ليبيا في 2015 (الأناضول)

مع دقات الساعة 12 ظهر أول أيام رمضان، التالي لحادث الهجوم على حافلة أقباط المنيا، استأنفت مقاتلات مصرية غارات جوية جديدة استهدفت مواقع تابعة لـ"مجلس شورى مجاهدي درنة" شرقي ليبيا.

وبدأت الضربات الجوية المصرية في العمق الليبي أول أمس الجمعة، بعد ساعات من استهداف الحافلة، وذلك بتنفيذ ست غارات جوية على ستة تمركزات بالمنطقة الشرقية في ليبيا، قرب مدينة درنة. ولا زالت هناك ثلاث روايات بشأن ما جرى، واحدة مصرية وأُخرى ليبية، وكلتاهما متقاربتان، والرواية الثالثة لمجلس شورى المجاهدين المستهدف، وجميع الروايات الثلاث تكشف عمّا يبدو أنّه مخطط مصري لضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد، استثمارًا لحادث حافلة أقباط المنيا، فما الذي جرى؟

6 ضربات جوية و3 روايات

قالت مصادر مصرية إنّ مقاتلاتٍ مصرية دمّرت المركز الرئيسي لتنظيم "مجلس شورى مجاهدي درنة"، بعدما توفّرت لديها معلومات عن دعمه ماديًا ولوجيستيًا لعملية حافلة أقباط المنيا، التي راح ضحيتها 29 مصريًا قبطيًا بينهم أطفال ونساء، وفقًا للمصادر الرسمية، كما قالت المصادر المصرية إن المعلومات التي توفرت تكشف عن تجهيز مجلس شورى المجاهدين لعمليات نوعية جديدة داخل الحدود المصرية.

في حين أعلنت قوات حفتر مشاركتها في القصف المصري على درنة، استنكر فايز السراج الغارات المصرية دون تنسيق مع المجلس الرئاسي

ومن جانبها أعلنت القوات الجوية الليبية التابعة لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، أنها اشتركت مع المقاتلات المصرية في القصف الذي استهدف عدة مواقع في درنة، بالتزامن مع خطاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي أعلن فيه نقل عمليات "ضرب الإرهاب" إلى خارج الحدود المصرية، بقوله: "مصر لن تتردد في ضرب أي معسكر للإرهاب في أي مكان في العالم، ولن تتهاون في حماية شعبها".

وأضافت القوات الجوية التابعة للجنرال خليفة حفتر في بيان لها، أن هذه العملية "تأتي في إطار عمليات تمهيدية لدخول القوات البرية للجيش الليبي مدينة درنة، وتحريرها من الإرهابيين"، على حد تعبير البيان الذي وصف الضربات المتتالية بـ"الناجحة"، وأن خسائر التنظيم المستهدف "كانت كبيرة في العتاد والأرواح".

وعلى قناة الجزيرة الإخبارية، كان الرأي الثالث حاضرًا، حين استضافت القناة عبر الأقمار الصناعية، محمد المنصوري، المتحدث باسم مجلس شورى مجاهدي درنة، ليقول إنّ القصف المصري استهدف مواقع مدنية مأهولة بالسكان، وألحق أضرارًا بمنازل وسيارات ومزارع لمواطنين، نافيًا أن تكون أي مواقع تابعة للتنظيم قد أُصيبت جرّاء القصف، كما شدد على نفي أن يكون لمجلس شورى المجاهدين أي علاقة بالهجوم المسلح على حافلة أقباط المنيا.

اقرأ/ي أيضًا: داعش يحفز العالم للتدخل السريع في ليبيا؟!

هذا وقد أصدر المجلس الرئاسي الليبي لحكومة الوفاق الوطني، برئاسة فايز السراج، بيانًا استنكر فيه القصف الجوي المصري دون تنسيق معه، باعتباره "انتهاكًا لسيادة البلاد"، فيما أكّد على تطلعه "التنسيق في ظل التحالف الدولي والإسلامي لمواجهة العمليات الإرهابية في الداخل والخارج، مع الاحترام الكامل للسيادة الوطنية"، بحسب ما جاء في البيان.

هل ينقذ السيسي رأس حفتر؟

ووفقًا لما أعلنته قوات حفتر، فإن الغارات المصرية ستعقبها عملية بريّة للاستيلاء على درنة، وهو ما قد يفسِّر سرعة تنفيذ الغارة الجوية على التظيم الليبي، حتى قبل جمع المعلومات اللازمة عن هُوية مرتكبي جريمة حافلة أقباط المنيا، إذ إن حفتر الحليف الاستراتيجي للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ما بعد الحدود الشرقية، كان في انتظار المدد للانقضاض على بؤرة معارِضة له، بخاصة وأنّ درنة هي الكتلة الوحيدة التي لا تزال تحافظ على صلابتها في مواجهة قوات الجنرال الليبي المتقاعد سابقًا.

وقد أفادت عدّة مصادر عشائرية وقبلية في ليبيا بأن المنطقة بالفعل مأهولة بالمدنيين المعارضين لقوات حفتر، الذين تحميهم قوات مجلس شورى المجاهدين، والتي على جانب آخر تطارد عناصر تنظيم داعش، حتى فرّ هربًا من المدينة.

البعض حللّ ضربات مصر "العاجلة والمريبة" في ليبيا بأنّها تأتي في سبيل "ضرب ثلاث عصافير بحجر واحد"، يقصدون بذلك مساندة حفتر، والترويج للحرب على الإرهاب، وأخيرًا ادعاء الثأر لضحايا عملية حافلة أقباط المنيا!

المواجهة بين مجلس درنة وداعش

كان البيان الوحيد الذي استخدم وصف "إرهابيي تنظيم القاعدة" هو الخاص بقوات حفتر، إذ قالت وسائل الإعلام المصرية إنها غارات استهدفت أجنحة داعش في ليبيا، ليتضح بعد ذلك لغير المتابع أن المجلس على عداء مع داعش ومواجهة مستمرة معها.

وتَشكّل مجلس شورى مجاهدي درنة في كانون الأوّل/ديسمبر 2014 بقيادة سالم دربي، ليدخل في صراع ساخن وصل إلى "حرب الشوارع" على الموارد والسلطة، بعدما ضمّ إلى قواته ميليشيات أنصار الشريعة، المصنفة دوليًا على قوائم الإرهاب الخاصة بمجلس الأمن، وكذا جيش الإسلام وشهداء بوسليم.

ما يُؤكد التمييز بين مجلس درنة وداعش المعارك التي خاضاها ضد بعضهما، حتى استطاع "شورى المجاهدين" في النهاية طرد داعش من درنة

وتحوَّل الأمر إلى ثأر وعداء مطلق بين "شورى مجاهدي درنة"، ومقاتلي داعش، حين استهدف الأخير أحد قياديي مجلس شورى مجاهدي درنة وهو ناصر العكر، ثُمّ يتأكّد التمييز بين التنظيمين العسكريين مع إعلان "شورى المجاهدين" في نيسان/أبريل 2016 انتصاره على عناصر داعش، والسيطرة على كامل مدينة درنة، وهو ما يعني قطعًا أنه ليس كما يُروّج النظام المصري من أن مجلس شورى مجاهدي درنة أحد أجنحة داعش، في إطار الحرب على تنظيم "ولاية سيناء" الذي رُوّج لكونه الوحيد الذي يستهدف الأقباط في مصر؛ وإنما "شورى مجاهدي درنة" معادٍ لداعش. 

استهداف حافلة المنيا "على هوى ترامب"

حاول عبد الفتاح السيسي استثمار حادث استهداف أقباط المنيا سياسيًا، ولذلك وضع اسم ترامب في جملة بدت أنها خارج السياق، خلال خطابه عقب الهجوم، والذي تزامنت معه غارات المقاتلات المصرية على درنة.

وكان وليد فارس، مستشار ترامب السياسة الخارجية الأمريكية، قد قال في وقت سابق، إن إدارة ترامب "ستدعم الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، والبرلمان المنتخب، وستصنع نقطة اتفاق مع روسيا"، ولكن لماذا؟ وفقًا لتصريحات وليد فارس، فإن ذلك سببه أن إدارة ترامب ستتعامل مع قوات حفتر باعتباره "المعترف به رسميًا".

ويتوافق الموقف الداعم لحفتر مع ما قاله ترامب إبان حملته الانتخابية حين انتقد إدارة أوباما لأنها "تساند ميليشيات يصنفها القانون الأمريكي بالإرهابية"، على حد تعبيره. وفي عدّة تقارير دولية، وُصف حفتر بـ"حصان ترامب الأسود" في الأزمة الليبية، وبالنسبة لمصر والإمارات فحفتر هو "الجنرال المدلل" لهما، وعلى ذلك تلاقت الإدارات الثلاث الأمريكية والمصرية والإماراتية، وكان الطيران الحربي المصري رأس الحربة في هذا التلاقي لدعم حفتر لبسط نفوذه على ليبيا.

ووفقًا لقوله، فإنّ ترامب يدعم حفتر لأنه لا يريد أن "تسقط ليبيا من جديد تحت سلطة ونفوذ المليشيات الإرهابية"، ولا يريد "أن تقسم إلى مناطق نفوذ"، وإنما ما يريده هو "أن تكون لها هيئة منتخبة تمثل الشعب الليبي"، أو هكذا قال. 

وتتماس مواقف الرئيس الأمريكي مع قول السيسي في خطابه، أول أمس الجمعة: "أثق في قدرة الرئيس الأمريكي على مواجهة الإرهاب في العالم"، ليخرج بعدها ترامب ببيان يعزّي فيه مصر في ضحاياها، مُباركًا الضربة الجوية ضد درنة في ليبيا. ولكن على ما يبدو كانت للأمر مقدمة سبقت ما حدث بوقت ليس بالقصير، حين التقى السيسي بترامب في واشنطن، وتناقشا بشأن أزمات الشرق الأوسط وعلى رأسها الأزمة الليبية.

بتتبع وربط تصريحات ترامب والسيسي وحفتر، يتضح أن الغارات المصرية على درنة حدثت باتفاق يسبق هجوم حافلة أقباط المنيا

على الجانب الآخر، وجّه حفتر عدة مطالب لترامب، في أكثر من مناسبة وعبر أكثر من وسيلة، من أبرزها مجلة "لو جورنال ديدمانش" الفرنسية، قائلًا: "أتوقع من الرئيس ترامب موقفًا إيجابيًا لدعم القوات الليبية (التي يتزعمها) في مواجهة التنظيمات المتطرفة".

وبتتبع وربط تصريحات الثلاثي، ترامب والسيسي وحفتر، قد يتضح أن الضربة الجوية المصرية، بالتعاون مع القوات الجوية التابعة لحفتر، جاءت باتفاق مسبق على مساعدة الجنرال الليبي، وتخليصه من البؤرة المعارضة له في درنة، وكان الباقي فيها فقط تحديد الموعد، لذا كان هجوم حافلة أقباط المنيا، فرصة للهجوم الآن، دون أن يُشار إلى تورط مصر في شأن خارجي لا يخصها!

اقرأ/ي أيضًا: ليبيا.. الصراع على الهلال النفطي وأثره في الأزمة

وتُشير أغلب الأصابع، بما في ذلك المصرية المؤيدة للضربة الجوية في ليبيا، إلى أن داعش هو من نّفذ عملية حافلة أقباط المنيا، وليس تنظيم القاعدة أو أحد فروعه، لكن المواءمة السياسية اقتضت أن تقصف المقاتلات المصرية مواقع ليبية لإنقاذ رأس حفتر، بترجيح كفّته.

ويبدو أن إعلان حفتر محاربته لتنظيم الدولة أمر مشكوك فيه، إذ تخضع هذه الحرب المُعلنة لمنطق المصالح والحسابات السياسية، ففي نهاية العام الماضي، وجّه محمد الغصري، الناطق الرسمي باسم قوات البنيان المرصوص التابعة لحكومة الوفاق الوطني، اتهامات صريحة لحفتر بتسهيل هروب العناصر الفارّة من تنظيم الدولة من سرت نحو الجنوب!

 

اقرأ/ي أيضًا:

الجيش الليبي.. سراب موجود وهدف منشود

المحاصصة المناطقية في ليبيا.. الخطر الأكبر