21-أكتوبر-2016

عناصر من فجر ليبيا (أ.ف.ب)

بينما كانت تتجّه أنظار المتابعين في ليبيا لمدينة سرت حيث تخوض قوات البنيان المرصوص معركة تطهيرها من تنظيم الدولة الإسلامية، خرج فجأة، قبل أيام، خليفة الغويل رئيس حكومة الإنقاذ، غير المعترف بها دوليًا، بعد غياب طويل ليعلن عبر التلفزيون، ومن طرابلس، عن سيطرة قوات موالية للمؤتمر الوطني العام، هيكل برلماني وبدوره غير معترف به دوليًا، على مقرّات للمجلس الأعلى للدّولة، وهو هيكل عوّض المؤتمر بموجب اتفاق الصخيرات.

 لم تحصل حكومة الوفاق على ثقة البرلمان كما تفترض خارطة طريق اتفاق الصخيرات، وبذلك تم إضافتها إلى مشهد الفوضى المؤسساتية في ليبيا

ترافقت هذه السيطرة مع إعلان مجموعة الأمن الرئاسي المكلفة بحراسة هذه المقرّات انشقاقها عن حكومة الوفاق وموالاتها لحكومة الغويل. ليظلّ بذلك المسلسل الليبي على حاله، خاصة في العاصمة طرابلس التي رغم استتباب الأمن فيها نسبيًا مقارنة بغالبية مدن البلاد، لا تزال محلّ صراع بين الحكومات الثلاث، وذلك في ظلّ الأزمة السياسية في البلاد.

اقرأ/ي أيضًا: أزمة الحكومة الليبية..البرلمان يتشبث بدور سياسي

كيف عادت حكومة الإنقاذ بعد سبات؟

حينما دخلت حكومة الوفاق للعاصمة طرابلس في شهر آذار/مارس الفارط، توعّدتها حكومة الإنقاذ مدعومة من مجموعة من نواب المؤتمر الوطني الرافضين لاتفاق الصخيرات، بل هدّدت حينها باعتقال رئيس الحكومة الجديدة فائز السراج، غير أن التوازنات العسكرية في العاصمة فرضت نفسها. حيث سيطرت "الوفاق" على العاصمة بفضل دعم أكبر التشكيلات العسكرية والأمنية فيما انكفأت حكومة الانقاذ بحكم الأمر الواقع.

توجهت لاحقًا الحكومة الجديدة نحو شرق البلاد، أولًا نحو طبرق للحصول على ثقة البرلمان، وثانيًا نحو سرت بالسلاح لتحريرها من تنظيم الدولة.

وقد استطاعت الحكومة عبر قوات "البنيان المرصوص" تحقيق نجاحات عسكرية في سرت حيث لم يبق لها حاليًا إلا ملاحقة بعض عناصر التنظيم الإرهابي في بعض جيوبهم بالمدينة. بيد أن نجاح حكومة الوفاق على المستوى العسكري، الذي انطلق عمليًا بالسيطرة على طرابلس، وإن كان دون مواجهات، ثمّ هزم الدولة الإسلامية في معقله المركزي في البلاد في مرحلة ثانية، لم يترافق هذا النجاح  مع تحقيق النجاحات السياسية المنتظرة، حين وقف البرلمان في طريقها.

حيث لم تحصل الحكومة الجديدة على ثقة البرلمان كما تفترض خارطة طريق اتفاق الصخيرات، كما تواصلت الخلافات بين أعضاء المجلس الرئاسي لدرجة القطيعة. فلم تصبح الهياكل الجديدة المنشأة بموجب الاتفاق الممضى، وهي حكومة الوفاق ومجلس الدولة، إلا مؤسسات إضافية في مشهد الفوضى المؤسساتية. وتواصل مشهد ثلاث حكومات تدّعي كلّ منها الشرعية، ووجدت بذلك حكومة الإنقاذ رغم انكفائها السياسي والعسكري بحكم الأمر الواقع، مساحة جديدة لتصدير خطابها من جديد، واستغلت فشل تطبيق ورقة الصخيرات كحجة إضافية لتعزيز موقفها.

الظهور الأخير للغويل ودخول حكومته لطرابلس لم يكن بالنهاية إلا استعراضًا لا يؤشر على تغيير حقيقي في التوازنات العسكرية

غير أن الظهور الأخير للغويل ودخوله لمقرات المجلس الأعلى للدولة لم يكن بالنهاية إلا استعراضًا لا يؤشر على تغيير في التوازنات العسكرية في طرابلس. حيث استغل الغويل غضب أفراد المجموعة الأمنية المكلفة بحراسة المقرات نتيجة عدم دفع رواتبها. وبالتالي فانحياز هذه المجموعة لحكومته لم يكن بالنهاية نتيجة تغير حقيقي في موازين القوى العسكرية والسياسية. إضافة لذلك، لا تمثل المجموعة "المنشقة" فاعلًا حاسمًا على الأرض، حيث لازالت تؤيد أكبر التشكيلات المسلحة حكومة الوفاق.

اقرأ/ي أيضًا: ماذا تفعل القوات الفرنسية في ليبيا؟

مبادرة لحكومة وحدة وطنية في الوقت الضائع

في خروجه الأخير، دعا رئيس حكومة الإنقاذ خليفة الغويل لتكوين حكومة وحدة وطنية مع حكومة الشرق، وهي دعوة تلقاها الثني بإيجابية الذي دعا مجلس النواب للحسم فيها.

في الواقع، ليست هذه الدعوة الأولى لتكوين حكومة واحدة بين المؤتمر الوطني وحكومته الذي يمثل محور "فجر ليبيا" من جهة، والبرلمان وحكومته الذي يمثل محور "الكرامة"، وهما الفريقان المتحاربان منذ صيف 2014. فقد جرت بداية هذه السنة مشاورات بين رئيس المؤتمر نوري بوسهمين ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح للوصول لتوافق بينهما وتجاوز ورقة الصخيرات المرفوضة منهما، ولكن فشلت هذه المشاورات بالنهاية في تحقيق أهدافها.

المواقف بين الفريقين لا تزال أقرب إلى التناقض في ملفات أساسية لعلّ أهمّها هو دور "الجيش الوطني"، وذلك في غياب مؤشرات على تقارب وجهات النظر. فبينما يعتبر مجلس النواب أن القوات المسلحة التي يقودها حفتر تمثّل الجيش الوطني الوحيد في البلاد، يصف المؤتمر هذه القوات بأنها خارجة عن الشرعية. فلم يكن الموقف المشترك لرئيسي الهيكلين التشريعيين المتنازعين برفض اتفاق الصخيرات إلا لأن كل منهما يعتبره قد جاء في حقيقته على حساب طرف دون الآخر. وبالتالي، فهما موقفان يختلفان في أساسهما الجوهري.

كما تأتي دعوة الغويل في الوقت الضائع بعدما فشل الفريقان في تحقيق التوافقات طيلة المدة المنقضية. ولا يمثل الترحيب السريع من الثني إلا محاولة من الطرف المقابل، الرافض لحكومة الوفاق كذلك، لمزيد حصار هذه الحكومة وتعزيز صفوف معارضيها، ولذلك فهو  ترحيب لا يُنتظر أن تتبعه أي خطوات عملية سوى تجاوز اتفاق الصخيرات برمّته.

وتظلّ بذلك طرابلس في هذا الصراع حلبة يسعى الجميع للسيطرة عليها، حيث لا يقتصر المشهد في العاصمة على حكومتي الوفاق والإنقاذ فقط، بل يشمل كذلك الحكومة المؤقتة حيث لا تبعد قوات مؤيدة لها إلا بضع عشرات الكيلومترات من جهة الجنوب في ظلّ مطالبة مؤيديها بـ"تحرير" عاصمة البلاد.ليظلّ الوضع على حاله في ظلّ مشهد الشلل السياسي وغياب مؤشرات لحلّ أزمة البلاد والتي تتزايد مظاهرها يوما بعد يوم.

اقرأ/ي أيضًا:

برود الدبلوماسية التونسية في الملف الليبي

معارك الهلال النفطي..الأزمة الليبية باقية وتتمدد