23-يناير-2024
الجيش الإسرائيلي

(Getty) يفجر جنود جيش الاحتلال المنازل في قطاع غزة، ويقومون بتصوير أنفسهم

لا تحضر تصرفات جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة بشكلٍ كبير على وسائل الإعلام الإسرائيلية، وبينما يحتفي جنود الاحتلال بالدمار، ويتحول إلى فرصة لديهم من أجل إرسال "الهدايا والتحيات"، فإنهم يقومون بعمليات إعدام ميدانية، وتخريب للمنازل وسرقة للممتلكات.

وبعد أكثر من 100 يوم من الحرب على غزة، بدأ بعض الإعلام الإسرائيلي يتناول هذه السلوكيات، ورغم محدودية النقد، فإنه لا يتعلق بالفلسطينيين، بل في التصور الإسرائيلي عن الجيش ودوره في المجتمع، وكيف ينعكس سلوكه "الهمجي" في غزة، عندما يعود الجنود منها إلى مجتمعهم.

تناولُ سلوكيات جنود الاحتلال من قبل الإعلام الإسرائيلي لا يتعلق بالاهتمام بحياة الفلسطينيين، بل في التصور عن الجيش ودوره في المجتمع، وكيف ينعكس سلوكه "الهمجي" في غزة عندما يعود الجنود إلى مجتمعهم

كانت واحدة من الانتقادات الإسرائيلية البارزة، على عمليات توزيع الأسلحة في المجتمع الإسرائيلي، تدور حول اعتبارها ستزيد من مستوى العنف داخل المجتمع الإسرائيلي، دون الالتفات بالطبع إلى حقيقة أن "مهمة" و"توجيه" هذا السلاح ستكون ضد الفلسطينيين، وعلى هذا النسق يتم التعامل مع الجيش الإسرائيلي حتى الآن داخل إسرائيل، فالانتقادات التي توجه للجيش، أقله في وسائل الإعلام الرئيسية والتي تعبر عن التيارات السائدة، تتعلق بـ"الخشية" من تغير شكل الجيش وعلاقته مع المجتمع.

وفي هذا السياق، قال ياغيل ليفي، الأستاذ المختص في دراسة علاقة الجيش الإسرائيلي بالمجتمع، في مقالة له بصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية: "يمكن اعتبار أشرطة الفيديو التي تظهر جنود الجيش الإسرائيلي في لاهاي مجرد قصص واتهام اليمين بتوزيعها. لكن الحقيقة هي أنها تمثل سابقة: حيث يستغل الجنود وسائل التواصل الاجتماعي لتحدي القيادة العليا وحتى القيادة السياسية، التي يعتقد اليمين المتطرف أنها مقيدة للغاية".

وأشار ليفي إلى عدة أمثلة على سلوك الجيش، من خلال: "رسائل معارضة وقف إطلاق النار، ومهاجمة قرارات محكمة العدل العليا، والاعتراض على توريد الغذاء لسكان غزة، وانتقاد ضبط النفس الذي يمارسه سلاح الجو، والقرار بعدم وجود أبرياء في غزة".

كما يضاف إلى ما سبق، مجموعة من المواقف التي لم يدعمها الجيش مثل "لافتات تطالب بالعودة إلى غوش قطيف [كتلة استيطانية في قطاع غزة]، واحتفالات دينية مثل جلب لفائف التوراة ووضع المزوزات على منازل غزة، وإظهار الحماس لتدمير المنازل في غزة، وإتلاف المساجد، ودعوات للانتقام وتقارير عن تنفيذها، مثل تفاخر قائد سرية احتياط "الكتيبة 2908 التي دخلت بيت حانون، وفعلت ما فعله شمعون و ليفي فعل بنابلس".

واستمر ليفي في الحديث عن سلوك جيش الاحتلال في غزة بالقول: "نحن لا نتحدث فقط عن تنفيس الجنود. يتعاون القادة الميدانيون ويرسلون رسائل انتقامية، مثل الأمر اليومي الذي أصدره قائد الفرقة 36 داود بار خليفة "انتقم من مضايقيه" المقتبسة من سفر تثنية، أو قائد كتيبة في قاعدة التدريب 1، الذي دعا إلى عدم تكرار خطأ الملك شاول الذي كان رحيمًا بعماليق"، وعماليق هي نفس القصة التوراتية التي اقتبسها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وأشار إلى أن هذا السلوك "بلغ ذروته عندما طلب 90 من قادة كتائب الاحتياط من رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي عدم التوقف في غزة ولبنان والضفة الغربية حتى النصر"، وقال ليفي: إن "مثل هذا التحدي العلني من قبل ضباط الاحتياط بشأن ما يعتبرونه نهجًا منضبطًا من قبل المستوى السياسي هو أمر غير مسبوق".

وتناول حادثة إعدام المحتجزين في غزة من قبل الجيش الإسرائيلي، قائلًا: إن "هذا ليس مجرد خطاب؛ وينعكس ذلك في السلوك في الميدان. ويكفي القول إن إطلاق النار على المحتجزين الثلاثة الهاربين، لم يكن ليحدث لولا أوامر إطلاق النار التي تتجاهل القانون، في حين أن كل رجل في غزة يعتبر عمليًا هدفًا مشروعًا. ونحن لا نتحدث بعد عن السلوك العنيف في الضفة الغربية، والذي يسعى عمليًا إلى إشعال انتفاضة مسلحة في هذا القطاع"، بحسب مقالة ليفي.

وعلق ليفي على ما يفعله جيش الاحتلال بالقول: "ينبغي اعتبار هذه التصرفات تصعيدًا في العمليات التي جرت خلال السنوات العشرين الماضية، والتي تركزت على تحديات المعسكر القومي الديني وانتفاضة الجنود ذوي الياقات الزرقاء (في أعقاب قضية إيلور عزاريا، قاتل الشهيد عبد الفتاح الشريف) ضد ضبط النفس المفترض للجيش الإسرائيلي. هذه محاولة لإعادة تشكيل الجيش وتحويله، وانتفاضة من الأسفل تدعمها القيادة اليمينية، والتي تم التعبير عنها، على سبيل المثال، من خلال الإجراءات المتخذة ضد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي عندما تجرأ على إيقاف الجنود الذين دنسوا مسجدًا في جنين عن العمل".

واستمر في مقالته، قائلًا: "الأمر الأكثر إثارة للقلق هو انهيار التسلسل الهرمي للجيش. رئيس الأركان يسمع دعوات الانتقام، ويرى انتهاكات الانضباط، والموقف الاستهزائي تجاه قواعد إطلاق النار، لكنه لا يفعل شيئًا تقريبًا. لقد وقع عليه إرهاب اليمين". مضيفًا: "لا يسمع الجيش حتى التحذيرات بشأن هذه الأعمال واحتمال رفع دعاوى قضائية ضد إسرائيل".

وختم مقالته، بالقول: "من الممكن أن الجيش الإسرائيلي يستغل عواطف الجنود وقادتهم لغرس روح القتال، ولكن بعد الحرب سيتعين بذل جهد لإعادة تأهيل القوات البرية قبل أن يتحول بعضهم إلى عصابات".