08-أكتوبر-2017

بدأ الجيش السوري الحر عملية عسكرية في إدلب بغطاء جوي تركي (أرشيفية/ أ.ف.ب)

يبدو أن ملامح اتفاق بين الدول الضامنة لاجتماع أستانا حيال مدينة إدلب، أصبحت جاهزة بعد إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن بدء العد التنازلي لتنفيذ عملية عسكرية في المنطقة التي تسيطر على غالبيتها العظمى هيئة تحرير الشام (هتش)، وذلك بالتزامن مع شن الأخيرة هجومًا جديدًا على مناطق سيطرة النظام بريفي حماة وإدلب.

بعد أيام من لقائه ببوتين وحسن روحاني، أعلن أردوغان أن بلاده ستدعم جويًا عملية عسكرية سينفذها الجيش السوري الحر في إدلب

الجيش السوري الحر رأس الحربة

وأمس السبت، انتشرت على نطاق واسع تصريحات للرئيس التركي أكد فيها بدء تحركات "جدية" في محافظة إدلب، مشيرًا إلى أن العملية التي سينفذها الجيش السوري الحر ستتلقى دعمًا جويًا من مقاتلات تركية، نافيًا "وجود أي قوات تركية داخل إدلب" في ذات الوقت، وذلك بعد نحو ثمانية أيام على لقائه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أنقرة، وألحقها بزيارة للرئيس الإيراني حسن روحاني في طهران.

اقرأ/ي أيضًا: بعد مئات الغارات الجوية.. لماذا أوقف النظام السوري هجومه الأخير على إدلب؟

قائد لواء المعتصم المنضوي ضمن فصائل غرفة عمليات "درع الفرات"، مصطفى سيجري، لفت بدوره في تصريحات صحفية إلى أن الجيش السوري الحر "أصبح بكامل جاهزيته لبدء العملية العسكرية"، مضيفًا أن مهام القوات التركية المشاركة في العملية تقتصر على تقديم "إسناد ودعم لوجستي"، في الوقت الذي تشهد فيه مقرات هتش حالًة من الاستنفار بالتزامن مع تحركات القوات التركية في منطقة ريحانية على الحدود السورية التركية من الجانب التركي.

وتأتي العملية العسكرية ضد هتش بالتزامن مع تطورات عديدة إما في الشمال السوري من ناحية استكمال الأخيرة عمليتها العسكرية التي بدأتها بريف حماة الشمالي الشرقي قبل أسبوعين تحت اسم "يا عباد الله اثبتوا"، أو دخول هتش نفسها في متاهة متوقعة بعد كلمة زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري الذي رفض فيها فك ارتباط جبهة النصرة بالقاعدة، بعد ما يقارب عام على إعلان النصرة تبديل اسمها لجبهة فتح الشام.

هتش: روسيا محتلة لا حليفة

وإزاء التطورات التي يشهدها الشمال السوري مع تسارع الأحداث، بعدما ورد صباح يوم الأحد عن حدوث اشتباكات بين القوات التركية وهتش، وفق ما نقل المرصد السوري لحقوق الإنسان؛ أصدرت هتش مساء أمس السبت، بيانًا هاجمت خلاله فصائل درع الفرات، واعتبرتها مساندة لما وصفته بـ"الاحتلال الروسي" المساند لقوات النظام السوري، رغم تأكيد الرئيس التركي أن القوات الروسية ستكون منتشرة خارج محافظة إدلب على حدودها مع باقي المناطق.

وفي إطار مساعي هتش الرامية لاستلام زمام الإدارة المدنية في الشمال السوري، أُعلن أمس السبت عن تشكيل "حكومة إنقاذ" برئاسة محمد الشيخ، والحكومة المسماة حديثًا منبثقة عن المؤتمر السوري العام، ولجنته التأسيسية الذي دعت إليه هتش قبل نحو شهرين مجلس مدينة إدلب وفعاليات مدنية لحضوره، في موقف قد يُعقّد المشهد العسكري في المنطقة، ويضع حكومة الإنقاذ في مواجهة مباشرة مع الحكومة السورية المؤقتة التي رفضت مقررات المؤتمر، واتخذت خطوات جديدة لتشكيل وزارة دفاع لفصائل المعارضة تحت إشرافها.

حكومة الإنقاذ المنبثقة عن المؤتمر السوري العام قد تزيد من تعقيد المشهد العسكري في شمال سوريا (فيسبوك)
حكومة الإنقاذ المنبثقة عن المؤتمر السوري العام قد تزيد من تعقيد المشهد العسكري في شمال سوريا (فيسبوك)

وتشير التطورات الأخيرة إلى أن حكومة الإنقاذ، قد لا تتمكن من ممارسة مهامها في ظل انقسام حاد يشهده الشمال السوري بين الفصائل المسلحة، خاصةً وأنّ كلًا من فيلق الشام، وحركة نور الدين الزنكي المنشقة عن هتش مؤخرًا، أعلنا رفعهما الجهوزية العسكرية استعدادًا للمشاركة في أية عملية عسكرية محتملة ضد هتش.

هتش.. بين فكي تنظيم القاعدة

وقبل بضعة أيام هاجم زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، هيئة تحرير الشام، متهمًا إياها بمحاولة إخراج مشروع القاعدة من سوريا، ومشيرًا إلى أنها تحاول "الوصول إلى السلطة عبر مُخادعة أمريكا التي لا تُخادَع". وتعكس كلمة الظواهري الأخيرة تخبطًا داخل أروقة التنظيم المتشدد، بعدما وافق في تموز/يوليو 2016، على تبديل جبهة النصرة اسمها لجبهة فتح الشام، وإعلان فك ارتباطها بالقاعدة.

وقال حينها أحمد الحسن أبو الخير، نائب أيمن الظواهري، في كلمة صوتية، إن موقف تنظيم القاعدة من فك ارتباط النصرة "سيسطّره التاريخ". لكن أيمن الظواهري في تسجيله الأخير تطرق للموضوع عينه، موضحًا أن "البيعة عقد شرعي ملزم ويحرم نكثه"، مُضيفًا: "نحن نوفي ببيعاتنا، ولا نقيل ولا نستقيل"، وهو ما قد يضع هتش أمام تحدٍ كبير في ظل التطورات المرتبطة بالعملية العسكرية المرتقبة في الشمال السوري ضدها.

في خطاب مسجل أخير هاجم الظواهري هتش، معتبرًا أن انفصالها عن القاعدة غير شرعي، بعد أن كان قد رحب به العام الماضي

وكانت وزارة الدفاع الروسية، قد زعمت في وقت سابق، أن مقاتلات روسية نفذت غارة جوية "دقيقة" استهدفت اجتماعًا لقيادات هتش أدت لإصابة القائد العام للتنظيم أبي محمد الجولاني، وأدخلته في "حالة غيبوبة"، لكن وكالة إباء، الذراع الإعلامية لهتش، نفت مزاعم الروس، وأكدت أن الجولاني "بصحة جيدة، ويمارس مهامه الموكلة إليه بشكل عام".

سيناريوهات محتملة للعملية العسكرية الأخيرة

تشير التطورات المتسارعة في المنطقة لعدة سيناريوهات محتملة، بالأخص بعد أحاديث وسائل إعلام متعددة عن دخول وفد عسكري تركي برفقة هتش لمدينة دارة عزة، غربي حلب، لتفقد المناطق المحيطة بمدينة عفرين التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تشكل عمادها الأساسي وحدات حماية الشعب الكردية الرامية لإعلان إدارة ذاتية في مناطق سيطرتها.

اقرأ/ي أيضًا: "قسد" وحجة معركة الرقة.. من حضن أوباما إلى التحالف المعلن مع نظام الأسد

ويأتي في مقدمة السيناريوهات المحتملة أن تنفذ هتش انسحابًا من مدينة إدلب باتجاه الريف الجنوبي، الذي انطلقت منه مؤخرًا لشن عمليات عسكرية ضد مواقع قوات النظام السوري والمليشيات الأجنبية المرافقة لها في ريف حماة، وبذلك تكون جنبت نفسها أي عملية عسكرية محتملة مع فصائل المعارضة المدعومة من القوات التركية، وهو الاحتمال الذي يظهر أكثر ترجيحًا من باقي الاحتمالات.

أما السيناريو الثاني، وهو لا يقل أهمية عن الأول، فهو أنه من الممكن أن نشهد اشتباكات بين بعض مقاتلي هتش الرافضين للتدخل العسكري التركي في سوريا، وهذه العناصر معظمها أجنبية كانت دعت عبر خطب الجمعة لقتال القوات التركية في حال دخلت سوريا. وكان لافتًا أن بيان هتش الأخير لم يهاجم التدخل التركي بشكل مباشر، إنما ركّزت في هجومها على فصائل درع الفرات، والقوات الروسية الداعمة للنظام السوري.

وبين هذين الاحتمالين يبرز احتمال حدوث انشقاق داخل جبهة فتح الشام، التي تشكل العماد الأساسي لهتش، فهي على الرغم من بنيتها التنظيمية المتينة تعرضت لانشقاقات متتالية خلال الشهرين الماضيين، فضلًا عن رسالة أيمن الظواهري الأخيرة، ما قد يؤثر على القيادات المعروفة بولائها لتنظيم القاعدة، ويجعل من فعل الانشقاق أمرًا ممكنًا، على أن تلتزم عناصر معينة عدم القتال، فيما يقود القتال ضد مقاتلي المعارضة المدعومين من تركيا العناصر الرافضة للخروج من إدلب.

وآخر السيناريوهات المتوقعة، يصب في خانة تعطيل العملية العسكرية برمتها، وهو احتمال نسبة وقوعه ضئيلة، لكنه يظل مطروحًا، خاصة بعد الأحاديث حول امتناع فصائل المعارضة عن المشاركة في أي عملية عسكرية في حال شاركت المقاتلات الروسية فيها، وهو ما أكده القائد العام لحركة أحرار الشام حسن صوفان، رغم نفي قائد لواء المعتصم مصطفى سيجري أي مشاركة روسية في العملية العسكرية.

 

 

إذن، وعلى ضوء ما سبق من تطورات متسارعة، فإن المشهد العسكري في شمال سوريا، بات أكثر قربًا لحل نهائي لكنه غير متضح المعالم بعد، وهو ما يؤكده تأخر العملية العسكرية التي كان متوقعًا بدأها أمس السبت.

في ضوء التطورات الأخيرة، يبدو المشهد العسكري في شمال سوريا، أكثر اقترابًا لحل نهائي، لكنه لا يزال غير واضح المعالم

ويظهر أن دخول الوفد العسكري التركي لغربي حلب محاولة تركية أخيرة لتجنيب المنطقة عملية عسكرية، غير أنه يبقى الأمر معلقًا بموقف هتش الذي منتظر منها اتخاذه لتجنيب نحو 2.9 مليون نسمة ويلات حرب جديدة كانوا فروا منها سابقًا بعد عمليات التهجير القسري التي تعرضوا لها من قبل النظام السوري.

 

اقرأ/ي أيضًا:

4 سيناريوهات محتملة ينتظرها الشمال السوري

حروب الإخوة الأعداء.. صراع المفاهيم في ريف إدلب