28-أغسطس-2017

تشهد إدلب تطورات مُؤثرة في سياق الأوضاع بالشمال السوري (أرشيفية/ صالح محمود ليلى/ الأناضول)

رغم التهديدات التي تُنذر الشمال السوري بتدخل متفق عليه بين الدول الغربية، بعد أن أصبحت هيئة تحرير الشام المعروفة اختصارًا بـ"هتش"، القوة الوحيدة المسيطرة عليه تقريبًا، وظهرت خلال الأيام الماضية محاولات سريعة من قبلها ترمي لتنظيم العمل المدني، وتوحيد المؤسسات الخدمية، وهو ما رفضته وزارة الإدارة المحلية في الحكومة السورية المؤقتة، ومجلس مدينة إدلب في آن واحد.

تحرير الشام تُشكّل إدارة مدنية لإدلب

منذ 20 من الشهر الجاري، بدأت هيئة تحرير الشام في إعادة ترتيب عمل المؤسسات الخدمية في محافظة إدلب، فأصدرت تعميمًا أعلنت خلاله دمج إدارة مدينة إدلب المعروفة سابقًا بـ"إدارة الفتح"، مع الإدارة المدنية للخدمات، مبررة ذلك بأنه لـ"تشكيل مؤسسات عامة موحدة". وطالب التعميم بتسليم المخابز الآلية ومديرتي الأفران والنقل لإدارتها المشكلة حديثًا، كما صدر في اليوم عينه تعميم منفصل دعا المجالس المحلية إلى تسليم كافة الدوائر التابعة لها للمؤسسات الاختصاصية.

في سعيها نحو إدارة ذاتية بالشمال السوري، بدأت هيئة تحرير الشام في تنظيم العمل المدني بإدلب ليكون تحت سيطرتها بشكل كامل

وفي اليوم التالي، أصدرت إدارة الخدمات تعميمًا نص على أنها الجهة الوحيدة المخولة بمتابعة أمور المجالس المحلية في مناطق سيطرة المعارضة، ما يعتبر تجاهلًا لعمل وزارة الإدارة المحلية في الحكومة المؤقتة، التي تقوم بالإشراف على المجالس المحلية، حيثُ ردت على القرار بتأكيدها أنها الجهة الوحيدة المسؤولة عن عمل المجالس، و"لا يوجد لأي جهة جديدة تنتج عن أي تغيير عسكري في أي مدينة (أي تسلط) وليس له علاقة بالحالة المدنية أو المجالس المحلية".

اقرأ/ي أيضًا: "تحرير الشام".. مصير مجهول في شمال سوريا بحثًا عن إدارة ذاتية

وبالمثل رد مجلس مدينة إدلب في بيان أكد عدم ممانعته التبعية "لجهة مركزية شريطة أن تكون حكومة مدنية مستقلة معترفًا بها". ويعتبر مجلس إدلب أول مجلس مدينة منتخب بشكل مباشر من قبل هيئة بلغ عدد أعضائها أكثر من ألفي عضو، حيثُ ترشح لعضوية المجلس 85 مرشحًا، وأفضت نتائج الاقتراع في بداية العام الجاري لتشكيل المجلس الحالي.

 

تحرير الشام تعلن استعدادها حل نفسها بشروط

الأمر الواضح من سلسلة القرارات الإدارية السريعة التي أصدرتها هيئة تحرير الشام من طرف واحد، وحددت بموجبها أن الإدارة المدنية للخدمات مسؤولة عن عمل تسع مؤسسات خدمية؛ تأتي في إطار محاولتها تجنب هجوم مفاجئ تقوده الولايات المتحدة والتحالف الدولي، أو النظام السوري بالاشتراك مع إيران وروسيا. لكنها في مقابل ذلك لا تزال تصر على أحقيتها في إدارة المدينة مدنيًا، بعد أن تحولت لقوة كبرى يصعب التصدي لها، وهو ما أثبتته الأحداث الأخيرة في معاركها مع حركة أحرار الشام الإسلامية.

وفي محاولة للإسراع في عملية تشكيل جسم إداريّ موحد للشمال السوري تحت قيادتها، أعرب القائد العام لهيئة تحرير الشام، هاشم الشيخ (أبو جابر)، عن موافقة الهيئة على حل نفسها، شريطة أن "تحل الفصائل نفسها، ونكون تحت قيادة واحدة"، داعيًا لتشكيل ما أسماه "مشروعًا جامعًا يُوضع له برنامج يرتكز على جهة سياسية تمثل الشعب، وجهة عسكرية تحمي الشعب"، وفق ما نقل موقع "عنب بلدي أونلاين"، بناءً على تسجيل حصل عليه من خطبة يوم الجمعة الماضي 25 آب/أغسطس التي ألقاها الشيخ في مدينة بنش بريف إدلب.

القائد العام لتحرير الشام، هاشم الشيخ، خلال تسجيله المصور الأخير (يوتيوب)
القائد العام لتحرير الشام، هاشم الشيخ، خلال تسجيله المصور الأخير (يوتيوب)

وحديث الشيخ الأخير في حال صحت نوايا هتش بشأن حل نفسها، فإنه قد يُمهّد لفتح الطريق أمام إمكانية تشكيل جسم مدني وعسكري موحد، لكن مع ذلك ستقف أمامه العديد من العوائق، على رأسها هيئة تحرير الشام نفسها، أو قياداتها وعناصرها بعد حلّها، وذلك لرغبتها التي اتضحت على مدار الفترة الماضية، في السيطرة المتفردة على الشمال السوري، فضلًا عن الأعداء الكُثر لها في كافة المدن السورية، بعد أن قاتلت الجميع تقريبًا، وتسببت في القضاء على أكثر من 14 فصيلًا مُسلحًا مقاتلًا للنظام السوري، بالإضافة إلى أنّها من بين الأطراف المعارضة استخدام قانون القضاء العربي الموحد في محاكمها، عكس أحرار الشام الذي تبنته في وقت سابق لهذا العام.

هل تُجنِّب أنقرة إدلب عملية عسكرية؟

وحتى تُجنِّب تركيا محافظة إدلب أي عملية عسكرية محتملة سارعت لعقد اجتماعات مع دول إقليمية مرتبطة بالشأن السوري. وبالتزامن مع العجلة الدبلوماسية التي تقودها، قالت صحيفة "يني شفق" التركية، إن جهات رسمية تركية تجري اتصالات مع شخصيات معارضة للوصول إلى حل يزيل احتمالات شن عملية عسكرية على المدينة.

وكشفت الصحيفة عن أن الاقتراح التركي يتضمن ثلاث نقاط رئيسية، ممثلة في: تشكيل هيئة إدارة محلية مدنية للمدينة تتكفل بإدارة شؤونها الإنسانية والحياتية مع تحييد التنظيمات المسلحة عن إدارتها، ونقل العناصر المسلحة في المعارضة السورية إلى جهاز شرطة رسمي يتكفل بحفظ الأمن، وأخيرًا حلّ تحرير الشام لنفسها. ولعل تقرير يني شفق يفسر ما أعلنه أبو جابر الشيخ في خطبة الجمعة.

تحاول تركيا تجنيب إدلب عملية عسكرية، ما دفعها لإجراء اتصالات مع شخصيات معارضة للوصول لحل يمنع وقوع ذلك 

والواضح في التعميمات الأخيرة الصادرة عن هيئة تحرير الشام، أنها تريد أن تتجنب تجربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، عندما أعلن عن حل جميع المؤسسات الخدمية، فهي على عكسه قامت بتعيين وجوه مدنية لإدارة المؤسسات الخدمية حتى تثبت للقوى الغربية زعم فصلها العمل المدني عن العسكري، رغم أن الوقائع تشير أنها تريد السيطرة على كافة مفاصل القرار بطريقة غير مباشرة.

اقرأ/ي أيضًا: حروب الإخوة الأعداء.. صراع المفاهيم في ريف إدلب

ودخلت محافظة إدلب غداة بسط تحرير الشام نفوذها بشكل كامل عليها، دوامة من الاحتمالات، فتصنيف الأخيرة على قوائم المنظمات الإرهابية لدى الأمم المتحدة، جعلها معرضة لهجوم محتمل من قبل أي طرف دولي في أي وقت، رغم معارضة أنقرة للعمل العسكري بشكل قوي، مع بروز أكثر من سيناريو محتمل.

4 سيناريوهات محتملة تنتظر الشمال السوري

مع هذه التطورات، يُرجّح أنّ مناطق الشمال السوري ينتظرها أربعة سيناريوهات مُحتملة خلال الفترة القادمة، هي:

السيناريو الأول:

أن يشنّ النظام السوري بالتعاون مع روسيا وإيران، حملة عسكرية على المدينة تحت حجة إيوائها لقيادات متشددة مرتبطة بتنظيم القاعدة، ما لن يترك لأنقرة أي فرصة للتحرك دبلوماسيًا، كون اجتماعات أستانا، اعتبرت أن هيئة تحرير الشام تنظيمًا إرهابيًا. لكن لا يزال هذا السيناريو مستبعدًا نتيجة الجهود التي تبذلها أنقرة لإقناع حلفاء النظام بتجنيب المدينة عملية عسكرية.

السيناريو الثاني:

ويتمثل في تقديم الولايات المتحدة الدعم العسكري لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، من أجل شن هجوم بريّ مدعوم من مقاتلاتها، على مدينة إدلب، وقد تضطر تركيا أمام هذا السيناريو في حال حدوثه، أن تتدخل عسكريًا، كي تمنع من توسع نفوذ القوات الكردية الرامية للحصول على حكم ذاتي في الشمال السوري، وهو ما يشكل تهديدًا على حدوها. إلا أن هذا السيناريو مرتبط بنتائج عملية الرقة، وثانيًا أن يُستبعد إثارة واشنطن غضب أنقرة بالإقدام على مثل هذا الفعل.

السيناريو الثالث:

قد يتمثّل السيناريو الثالث في تقديم أنقرة دعمًا عسكريًا لفصائل معارضة معتدلة بعينها، لاستعادة السيطرة على إدلب من تحرير الشام، لكنّ ذلك يستدعي دخولها صراعات مع قوى إقليمية سترفض هذا الخيار، والذي قد ينبني عليه وجود قوة عسكرية موحدة للمعارضة في الشمال السوري.

4 سيناريوهات محتملة تنتظر الشمال السوري، يُعتبر أرجحها أن تحل تحرير الشام نفسها وتقبل الاندماج في جسم موحد لإدارة المنطقة

السيناريو الرابع:

السيناريو الرابع والأخير هو إعلان تحرير الشام حلّ نفسها رسميًا، واندماج جميع الفصائل ضمن جسم عسكري واحد. ورغم أنّها زعمت استعدادها القيام بذلك، إلا أنّ الواقع يقول إن خطوة كهذه تتعارض مع مصالحها وطموحاتها التي اتضحت الفترة الأخيرة، بعد أن بسطت نفوذها على إدلب. مع ذلك قد ترضخ الهيئة أخيرًا لتنفيذ ذلك، لتجنيبها نفسها عملية عسكرية قد تقضي عليها، في تكرار لنموذج داعش.

اقرأ/ي أيضًا: هل يتصادم الجهاديون في الشمال السوري؟

وفي كل الأحوال يبدو أنّ تحرير الشام ليست على استعداد لخوض معركة صفرية وهي وحيدة، لذا قد تقبل بحلّ نفسها واندماجها في جسم موحد بالشمال السوري، يُمكنه إدارة المنطقة التي تأوي ما يُقدّر بمليوني مدني، وكثير من المعارضين. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل تبتلع القاعدة فصائل المعارضة السورية؟

ماذا تعرف عن الفصائل القوقازية المقاتلة في سوريا؟