18-يوليو-2017

الصدام المباشر بين أحرار الشام وتحرير الشام بات على وشك الحدوث (أرشيفية/ عمر حاج قدور/ أ.ف.ب)

يسود مدينة إدلب وريفها خلال الأيام الجارية، هدوء حذر، بعد أن توصلت حركة أحرار الشام الإسلامية وهيئة تحرير الشام، لـ"اتفاق صلح"، في ظل تخوفات من حدوث مواجهة بين كبرى الفصائل المتواجدة في شمال سوريا بسبب العثور على جثتي شخصين، الأربعاء الماضي، في جبل الزاوية بريف إدلب الشرقي.

ويعتبر التوتر الأخير جديدًا من ناحية تحركات الطرفين، إذ لطالما شهدت مدينة إدلب اشتباكات متقطعة بينهما منذ بداية العام الجاري، لكنها جاءت هذه المرة من طرف حشد الفصيلين لمقاتليهما بأعداد كبيرة، قبل أن يتوصلا لاتفاق صلح يؤخر المصادمة المباشرة بينهما، والتي تشير المعطيات المتوفرة أنها صارت أقرب من أي وقت سابق، رغم المحاولات الدؤوبة للوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف.

رغم اتفاق الصلح الأخير، إلا أن الصدام المباشر بين أحرار الشام وهيئة تحرير الشام بات أقرب من أي وقت مضى!

أسباب الخلاف

تتعرض مدينة إدلب مع مدن وقرى الريف، إلى تفجيراتٍ منذ أكثر من شهرين، ناجمة عن زرع عبوات ناسفة إما على الطرقات الواصلة بين القرى أو مزروعة داخل السيارات. ومنذ بداية تموز/يوليو الجاري، سُجل انفجار ما لا يقل عن 15 عبوة ناسفة، وكانت إحدى المعاهد الشرعية لتحرير الشام في منطقة "حفسرجة" بريف إدلب، استُهدفت في الخامس من الشهر الجاري بسيارة مفخخة يقودها انتحاري، ما أسفر عن مقتل وجرح نحو 20 شخصًا، بينهم أطفال وطلبة يدرسون في المعهد، علاوة على مقتل أبو يحيى المصري مؤسس المعهد.

اقرأ/ي أيضًا: هل يتصادم الجهاديون في الشمال السوري؟

وفي محاولة لمنع سلسلة تفجيرات العبوات الناسفة التي تضرب مدينة إدلب، نفذت أحرار الشام عمليتين أمنيتين، أوقفت فيهما خليتين تابعتين لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بريف إدلب. وبين توقيت عمليتي أحرار الشام، نفذت تحرير الشام عملية مماثلة على نطاق واسع في مدينة إدلب، تمكنت فيها من إيقاف نحو 100 عنصر لداعش في المدينة، من ضمنهم والي التنظيم أبو القعقاع الجنوبي، والمسؤول الأمني العام للتنظيم أبي سليمان الروسي، والمسؤول الشرعي العام أبو السوداء المصري، والمسؤول العام للتنظيم أبي إبراهيم العراقي، وجميعهم مسؤولون عن مناطق الشمال السوري فقط.

إلا أن الأوضاع بعد تنفيذ الفصيلين للعمليات الأمنية، أخذت منحى مختلف، فيما كان البعض يظن أنهما اتخذا قرارًا بالبحث عن الجهة المسؤولة التي أنهكت المدنيين بتفجيراتها المتكررة، إذ عثر يوم الأربعاء الماضي على جثتي عنصرين من تحرير الشام يكنيان بأبي ممدوح، وأبي عبد العزيز، وذلك قرب بلدة "سرجة" بريف إدلب، ما أجج الوضع العسكري في شمال سوريا، منذرًا بحدوث مواجهة محتملة بين الفصيلين، بعد اتهام تحرير الشام، لإحدى الفصائل المنضوية ضمن أحرار الشام، بوقوفها خلف عملية الاغتيال، كون الجثتين وجدتا في مناطق سيطرتها.

تحرير الشام.. حشد عسكري رغم اتفاق الصلح

حمّلت تحرير الشام، في بيان صادر عنها، فصيل "صقور الشام" المنضوي ضمن أحرار الشام، مقتل العنصرين التابعين لها، "كون الجريمة قد ارتكبت في منطقتهم، إضافة إلى قرائن سابقة تدل على تورطهم بها"، وفقًا لما جاء في البيان، داعية الصقور لتسليم المتورطين في عملية الاغتيال، فرد الناطق الرسمي باسم أحرار الشام محمد أبو زيد، على البيان، ببيان آخر يُؤكد فيه أن حركته "ستتصدى بكل قوة لأي عمل يستهدف أيًا من قطاعاتها".

ويوم السبت الماضي، ترددت أنباء عن حشد تحرير الشام لمقاتليها تمهيدًا لاقتحام مدينة "سراقب" بريف إدلب الشرقي، وهو الأمر الذي أكده متحدث أحرار الشام، محمد أبوزيد الذي أشار إلى حدوث ذلك رغم اتفاقية الصلح بين الطرفين، والتي تضمنت تهدئة شاملة، وتشكيل لجنة لمتابعة المظالم.

ولا تعد هذه المرة الأولى التي تتوصل فيها أكبر فصائل المعارضة السورية لاتفاق بينهما، إذ حدث أكثر من اتفاق مشابه للأخير، منذ أن أعلنت مجموعة من فصائل المعارضة في شمال سوريا انضوائها ضمن ألوية حركة أحرار الشام في شباط/ فبراير الماضي، بعدما هاجمت جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقًا) مقراتها بذريعة حضورهم للاجتماع الأول لمباحثات أستانا. وجاء انضمام الفصائل لأحرار الشام بعدما أعلنت فتح الشام عن اندماجها مع أربعة فصائل أخرى ضمن تشكيل ما يعرف بهيئة تحرير الشام.

إلا أن الهيئة بقائدها العسكري أبي محمد الجولاني، الذي كان قبل الاندماج، القائد العام لفتح الشام؛ لم تخرج عن إطار سياستها العامة اتجاه فصائل المعارضة في الجيش الحر، أو الإسلامية العاملة بشكل منفصل، فتابعت ما كانت عليه سابقًا من هجوم على مقار للفصائل، كان أخرها الهجوم على مقار "الفرقة 13" في مدينة معرة النعمان، ما رفع من حدة الاحتقان الشعبي ضدها بسبب انتهاكاتها المستمرة، وأجج من حالة الاحتقان إطلاق عناصرها الرصاص على المتظاهرين في بعض القرى، وتفريقها لمظاهرات مدنية في بعضها الآخر.

وبالتزامن مع انعقاد مباحثات "أستانا 5" مطلع الشهر الجاري، نفذت عمليات عضد مواقع للنظام السوري بريف حلب، للتأثير على الاجتماع الذي كان يهدف إلى ترسيم حدود مناطق "تخفيف الصراع"، فهي من الجهات المعارضة بشدة لأي حل سياسي أو مفاوضات تبرم مع النظام السوري، كونها من الفصائل غير المدعوة لطاولة المفاوضات السياسية.

ترفض هيئة تحرير الشام أي حل سياسي أو مفاوضات تبرم مع النظام السوري، كونها من الفصائل غير المدعوة لطاولة المفاوضات

لكن الهيئة في مقابل ذلك، دخلت في دوامة تصريحات الدبلوماسيين الأمريكيين المتناقضة، فبعد البيان الصادر في آذار/مارس الماضي، عن المبعوث الأمريكي الخاص لسوريا، مايكل راتني، والذي جاء في مضمونه أن "المكون الأساسي لهيئة تحرير الشام هي جبهة النصرة (قبل أن تبدل اسمها لفتح الشام وتعلن فك ارتباطها بتنظيم القاعدة)، وهي منظمة مدرجة على لائحة الإرهاب. وهذا التصنيف ساري المفعول بغض النظر عن التسمية التي تعمل تحتها وأي مجموعات أخرى تندمج معها"؛ فاجأت المسؤولة في الخارجية الأمريكية نيكول تومبسون، بتصريحها لمحطة "سي بي سي نيوز" الأمريكية، بقولها إن "البيان الصادر سابقًا عن الخارجية كان يجب أن يقول إن جبهة النصر منظمة إرهابية، وهي لآن لم تعد موجودة على أي حال".

اقرأ/ي أيضًا: "تحرير الشام" على خطى جبهة النصرة في حربها ضد الجميع بسوريا

وكانت الخارجية الأمريكية قد رصدت مبلغ عشرة ملايين دولار أمريكي، مكافأة لمن يدلي بمعلومات تحدد مكان الجولاني، ما يضع المراقبين للفصائل السورية، والدول الفاعلة في سوريا، أمام تساؤلات كبيرة حول رؤية الولايات المتحدة للهيئة، وإن كان ثمّة توافق على تواجدها، إلا أنهم يتجاهلون المصادقة عليه، خوفًا من غضب روسيا التي تعتبر الهيئة تنظيمًا إرهابيًا.

إدلب.. صراع اليسار واليمين الإسلامي

منذ أن استطاع تحالف لمجموعة من فصائل المعارضة بينها حركة أحرار الشام، وجبهة فتح الشام، السيطرة على كامل مدينة إدلب مع ريفها، في الربع الأخير من عام 2015؛ تقاسم الطرفان السيطرة على مدينة إدلب مع الريف، ووسعت فتح الشام، ولاحقًا بعد اندماجها مع تحرير الشام، من مناطق نفوذها بعد سيطرتها على مواقع لفصائل من الجيش الحر، إضافة للمناطق التي استلمت إدارتها من تنظيم "جُند الأقصى" المنحل، والذي اندمج عدد من عناصره مع الهيئة، فيما قرر العدد الباقي التوجه لمناطق سيطرة داعش في مدينة الرقة بداية العام الجاري.

ومع توقيع دول تركيا وروسيا وإيران، مذكرة مناطق "تخفيف التصعيد" مطلع أيار/مايو الماضي، بدأ الحديث عن إمكانية دخول قوات تركية وروسية مشتركة إلى مدينة إدلب وريفها، لتنفيذ الاتفاق المبرم بين الدول الضامنة، الأمر الذي دفع بتحرير الشام لرفض دخول أي قوات مشتركة إلى المحافظة التي تعتبرها معقلها الأساسي، وكذا رفضت تحرير الشام دخول الجيش السوري الحر إلى المحافظة، محذرًة من أنها ستتصدى لأي فصيل يقرر الدخول إلى إدلب.

لدى أحرار الشام تطلعات إلى الاشتراك في العمل المدني بسوريا، وتخطوا في سبيل ذلك خطوات حثيثة اتضحت ملامحها في الآونة الأخيرة

ومنذ الشهر الماضي، بدأ الحديث عن إمكانية تشكيل إدارة مدنية منفصلة عن الفصائل العسكرية، لإدارة شؤون المدينة والريف، فضلًا عن دعوات تطالب بتسليم المحافظة لحكومة مدنية منتخبة من المواطنين، أو عبر لجنة مشتركة تكلف أيضًا حكومة مدنية بإدارتها، كما كثرت في الآونة الأخيرة الحملات الرامية لاتخاذ فصائل المعارضة علم الثورة رايًة لهم، والقيام بتظاهرات تنتهي برفعه في إحدى الساحات العامة.

اقرأ/ي أيضًا: "فتح الشام".. تضع الشمال السوري على خط النار

وخلال هذه الفترة الداعية لتشكيل إدارة مدنية تتسلم زمام تسيير الأمور في المحافظة، أعلنت حركة أحرار الشام اعتماد القانون العربي المُوحد في محاكمها لـ"توحيد المرجعية القضائية في جميع المناطق المحررة، وإخراج الناس من الارتجالات القضائية التي لا زمام لها ولا خطام"، وفقًا لبيان صادر عنها، كما ظهر علم الثورة إلى جانب راية أحرار الشام في كلمة مصورة للقائد العام للحركة علي العمر، ما اعتبره مراقبون خطوة جديدة من أحرار الشام في إطار سياستها الرامية لاشتراكها في العمل المدني.

كما أن مدينة سراقب تشهد اليوم الثلاثاء، ولأول مرة، انتخاب أعضاء المجلس المحلي للمدينة. ومطلع الشهر الجاري نشر المجلس المحلي عبر صفحته الرسمية، أسماء المرشحين لرئاسة وعضوية المجلس المحلي، وفي هذا الإطار دعا سكان المدينة لحضور مناظرة بين المرشحين لرئاسة المجلس الأحد الماضي. وتعد هذه الخطوة الأولى من نوعها في إطار تحوّل المجالس المحلية لمؤسسات مدنية منفصلة في قرارها عن الفصائل العسكرية.

وضمن هذا الصراع للفصل بين عمل الفصائل العسكرية والمؤسسات المدنية، يمكننا إدراج الصراع القائم بين أحرار الشام وتحرير الشام، علمًا أن الأولى التزمت لأكثر من مرة ضبط تصرفاتها لاحتواء حدوث اقتتال قد يُعقّد الخارطة العسكرية في شمال سوريا، فيما تسعى تحرير الشام لإفشال أي مشروع مدني تنموي لا يتوافق مع وجهة نظرها. ونهاية الشهر الماضي اقتحمت عناصر من "جهاز الحسبة" التابع لتحرير الشام مخيم "الجولان" بريف إدلب، بسبب إذاعة أغاني تركية خلال نشاط دعم نفسي للأطفال تنظمه إحدى المنظمات غير الربحية.

التزمت أحرار الشام كثيرًا بالانضباط لاحتواء أي تعقيد في المشهد، بينما تسعى تحرير الشام إلى إفشال أي مشروع مدني لا يتوافق مع هواها

وعليه فإن تقاطعات كبيرة في وجهات النظر لإدارة مدينة إدلب، بدأت ترتفع حدتها بين كبرى فصائل الشمال السوري. وتؤكد جميع المؤشرات على أن التصادم بينهما صار أقرب من أي وقت مضى، كون تحرير الشام لا تزال تحاول فرض أجندتها على كافة المحافظة، وتسعى بصور مختلفة إلى توسيع رقعة نفوذها، فيما تعمل أحرار الشام على عكسها من ناحية تقربها من الناشطين بعد تبنيها لعلم الثورة الذي يحمل رمزية خاصة عند النشطاء في مختلف مناطق المعارضة، وهو ما تصر الهيئة على رفضه.

اقرأ/ي أيضًا: الثورة السورية العظيمة دائمًا

وزيادة على ذلك فإن تجربة انتخابات المجلس المحلي لمدينة سراقب وريفها، من الممكن أن تكون بداية لتجارب ممثلة قد تُطبّق على باقي مجالس الشمال السوري، وهو ما يتعارض مع رؤية تحرير الشام، التي تسعى لاستلام إدارة المدينة بكافة شؤونها على حساب العمل المدني، لذلك فإنه في حال نجحت تجربة مدينة سراقب في انتخاب مجلسها، فإن إدلب ستشهد خلال الأيام القادمة حراكًا مختلفًا من الممكن أن يرفع الاحتقان الشعبي المتزايد ضد تحرير الشام، لأنها بكل تأكيد لن ترضى على تجارب مماثلة تهدد شرعيتها ومناطق نفوذها، في الوقت ذاته طالما أنها تتعامل على أنه الفصيل الوحيد، وصاحب القرار الأخير في شمال سوريا متجاهلة تواجد باقي الفصائل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

داعش والنصرة كالفرق بين المخابرات العسكرية والجوية

في تعثّر الثورة السورية