28-أبريل-2023
Getty

تعتقد المخابرات الأمريكية أن روسيا ستكون قادرة على تمويل الحرب في أوكرانيا لمدة عام آخر على الأقل (Getty)

تحدثت وثيقة أمريكية مسربة، عن سعي روسي من أجل زيادة تجنيد الاحتياط ضمن قوات الجيش الروسي، من أجل الحصول على تعزيزات بشرية عاجلة، ضمن المجهود الحربي المتعثر في أوكرانيا، بالإضافة إلى محاولة استباق هجوم الربيع الأوكراني المضاد، المتوقع خلال أسابيع.

ووفقًا لوثيقة من ضمن مجموعة وثائق البنتاغون السرية المسربة، والمصنفة على أنها تحديث استخباراتي يومي لوكالة المخابرات المركزية. ظهرت تفاصيل، تشير إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، دعم اقتراحات بتجنيد 400 ألف جندي احتياط بهدوء، طوال عام 2023 للمشاركة في حرب  أوكرانيا. 

تحدثت وثيقة أمريكية مسربة، عن سعي روسي من أجل زيادة تجنيد الاحتياط ضمن قوات الجيش الروسي

واستندت الوثائق المسربة التي نشرتها صحيفة "الواشنطن بوست" إلى معلومات تم الحصول عليها عن طريق اعتراض اتصالات عسكرية روسية أو عن طريق عمليات التنصت.

وتشير تقديرات استخباراتية غربية، إلى أن روسيا بدأت غزوها لأوكرانيا بقوة قوامها حوالي 150 ألف جندي روسي. فيما ارتفع هذا العدد إلى أكثر من الضعف مع  عملية التعبئة الجزئية التي جرت في خريف العام الماضي، مع إضافة أعداد من المقاتلين تقدر بـ50 ألفًا من عناصر مجموعة فاغنر الروسية، بالإضافة إلى عدد غير معروف ممن جندوا بشكلٍ قسري من دونيتسك ولوغانسك. وبحسب الوثائق المسربة، تقدر الولايات المتحدة أن روسيا تكبدت خلال المعارك بأوكرانيا ما بين 190 ألف إلى 223 ألف ضحية، بينهم ما يصل إلى 43 ألف قتيل.

Getty

ولم تكشف روسيا علانية عن عدد الجنود الذين قاتلوا أوكرانيا أو قتلوا هناك، لكن التقديرات المختلفة تشير إلى أن عدد القوات التي تم إرسالها أو تجنيدها خلال 15 شهرًا الماضية، بلغ حوالي 500 ألف جندي، ورغم ذلك لم تحقق موسكو أي مكاسب هامة طوال الصيف الماضي، فيما تحتاج إلى المزيد من الجنود لتحقيق الهدف الروسي المعلن بالاستيلاء على المقاطعات الانفصالية بشكلٍ كامل.

صعوبة عملية التجنيد

وتقول الصحيفة الأمريكية، إن الحاجة إلى قوات إضافية يزيد من نفور الروس، ويرفع من زعزعة استقرار اقتصاد روسيا، الذي يتعرض بالفعل لضغوط بسبب العقوبات الغربية، وضوابط التصدير وغيرها من الإجراءات العقابية. 

وأدت التعبئة الجزئية في خريف العام الماضي إلى عملية هروب جماعي للرجال في سن القتال، مما أدى إلى استنزاف للقوة العاملة ونقص في مجموعات التجنيد.

ولحماية بوتين من رد فعل عنيف وإعادة توجيه أي استياء عام بعيدًا عن الكرملين، استعانت خطط التجنيد الحالية بحكام المناطق، لتنظيم حملات تجنيد ومواصلة سحب المدانين من السجون الروسية، وفقًا لوثيقة استخبارات أمريكية أخرى.

وجاء في وثيقة مؤرخة بتاريخ 17 شباط/ فبراير، أن "العزوف السياسي الملحوظ من عمليات التعبئة لتجديد خسائر الجيش الروسي في أوكرانيا، يدفع إلى التفكير في استراتيجيات أقل مركزية للتعامل مع نقص الأفراد".

Getty

ومنذ ذلك الحين، بذلت الحكومة الروسية بالفعل جهودًا لامركزية ضخمة لعمليات التجنيد، بما في ذلك الحملات الإقليمية التي تم إطلاقها هذا الشهر والتي تحث الرجال على ممارسة مهن عسكرية كجنود متعاقدين، وإعلانات تلفزيونية تم بثها الأسبوع الماضي، تصور الخدمة العسكرية على أنها طريق للإثارة والمجد، وهروبًا من الوظائف الرتيبة، كما توضح "الواشنطن بوست".

خلافات بين دوائر الحرب

وبحسب التحديث الأمريكي، فإن روسيا تهدف إلى تجنيد 400 ألف جندي خلال العام، ضمن خطة يدعمها بوتين، ولم يضع هذا التحديث سياقًا، لكنه من المرجح أن تكون جزءًا من خطة أعلن عنها وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو لزيادة أفراد القوات المسلحة الروسية إلى 1,5 مليون جندي بحلول عام 2026.

وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، وهي المرة الأخيرة التي أعلنت فيها موسكو عن عدد جنودها الذين قتلوا في أوكرانيا، وقدرهم وزير الدفاع بـ 5937 جندي، وهو رقم تراه التقديرات الغربية بالمنخفض، حيث تتحدث الوثائق الأمريكية المسربة عن أن وزارة الدفاع الروسية ربما قللت من تقديرها لعدد القتلى.

أصوات من تحت الركام

وذكرت الوثائق المسربة أن جهاز الأمن الفيدرالي الروسي "FSB"، شكك في أواخر شباط/فبراير بتقديرات وزارة الدفاع لعدد القتلى، زاعمًا أنها أغفلت مقتل جنود يقاتلون مع القوات غير نظامية مثل "فاغنر" والحرس الوطني الروسي، وأكد جهاز الأمن الفيدرالي أن "العدد الفعلي للروس الذين أصيبوا وقتلوا في المعركة كان أقرب إلى 110 ألف". 

عجز وقلق

وجاء في إحدى الوثائق المسربة، أن هدف روسيا على المدى القريب يبدو هو تجنيد 415 ألف جندي متعاقد، من بينهم 300 ألف سيكونون بمثابة جنود احتياط، و 115 ألف سيشكلون وحدات قتالية جديدة أو يعوضون أفراد الوحدات التي تعاني نقصًا في عدد أفرادها.

وبناءً على التقديرات الحالية فإن القوات الروسية في أوكرانيا لديها عجز قدره 50 ألف جندي مقاتل و40 ألف جندي احتياط. 

وتشير الوثائق المسربة إلى أن خطة التجنيد عارضها بعض المسؤولين الاقتصاديين الروس، نتيجة قلقهم من الآثار المحتملة على استنزاف القوى العاملة المدنية. حيث تواجه روسيا أسوأ نقص في اليد العاملة منذ أكثر من 20 عامًا، بسبب الحرب في أوكرانيا، وتكافح الشركات للعثور على عمال مؤهلين، وفقًا لتحذيرات البنك المركزي، وتحليل نشره هذا الأسبوع معهد "Gaidar" للسياسة الاقتصادية، وهو مركز أبحاث اقتصادي كبير في روسيا.

وعلى الرغم من المخاوف الاقتصادية، فإن الجهود الحثيثة لتجنيد المقاتلين مستمرة. وخلال الأسبوع الماضي، تمت الموافقة على تشريع يسمح بالتجنيد الإجباري الإلكتروني، مما يجعل من المستحيل تقريبًا تجنب التجنيد. 

Getty

الدعاية في خدمة الخطة 

وأثارت هذه الخطوة تكهنات حول موجة ثانية من التعبئة، لكن يبدو أن المسؤولين الروس ملتزمين حتى الآن بأساليب أقل وضوحًا، مثل الترويج لمزايا الحياة العسكرية لتعزيز التجنيد الطوعي عبر الإعلانات التلفزيونية الجديدة التي تم إطلاقها الأسبوع الماضي، حيث حث الجيش من خلالها "الرجال الحقيقيين على إثبات أنفسهم بالانضمام إلى الحرب في أوكرانيا".

وجاء في إحدى مقاطع الترويح الذي تبلغ مدته 45 ثانية، وهو عبارة عن مشاهد متدرجة للون الأزرق الغامق، ليبدو وكأنه مقطع دعائي لفيلم، ويضم ثلاثة رجال روس، تم تصويرهم على أنهم غير سعداء في وظائف عادية مثل سائق سيارة أجرة، وحارس في متجر، ومدرب لياقة بدنية. 

ويتضمن الإعلان إشارات دعائية على الشكل التالي: "هل هذا هو المدافع الذي حلمت أن تصبح؟" يسأل الإعلان الحارس المرابط أمام البوابة الدوارة للمتجر. "هل هنا حقًا تكمن قوتك؟" يظهر التعليق التالي عندما يساعد المدرب العميل على رفع الوزن. "هل هذا هو المسار الذي تريد أن تسلكه؟"، يُظهر الإعلان بعد ذلك سائق التاكسي وهو يجمع عددًا من الفواتير المتكدسة من أحد الركاب. ثم يتخيل الثلاثة أنفسهم في ساحة المعركة، ومن ثم يقول الإعلان الروسي: "أنت رجل، لذا كن رجلًا، تطوع في الجيش بموجب عقد!".

ويكشف المقطع أن المجموعات الأكثر استهدافًا من قبل الكرملين والجيش، هم الرجال في سن القتال من الأسر ذات الدخل المحدود، والذين يأملون في تجنيدهم إلى القتال في أوكرانيا بأجر شهري يبلغ حوالي 2500 دولار أي ما يقرب  أربعة أضعاف متوسط الدخل ​​الوطني في روسيا، بالإضافة إلى بعض المزايا الاجتماعية . وظهرت أكشاك توزع كتيبات للجيش تعلن أن "خدمة العقد هي مستقبل جدير بالاهتمام"، مع حملة دعائية تشمل مقابلات مع جنود تظهر "فخرهم وعائلاتهم بما يفعلونه".

Getty

كما ضاعف الكرملين من الدعاية الرقمية المنتشرة عبر صفحات الإنترنت الأكثر شعبية في روسيا، هناك إعلانات مستهدفة على تطبيق "VKontakte"، وهو نسخة روسية للتواصل الاجتماعي مشابهة لفيسبوك، كما تقوم العديد من القنوات الموالية للحكومة الروسية على تطبيق المراسلة تليغرام بالترويج لدعوات التجنيد. وفي الآونة الأخيرة، أصدرت سلطات 15 منطقة على الأقل بيانات في وسائل الإعلام المحلية تشيد بفوائد العمل العسكري. 

وقاوم بوتين أي حملة تعبئة مركزية لأشهر، حتى مع تعرض قواته في أوكرانيا لهزائم متكررة وخسائر فادحة. ولكن، في أيلول/ سبتمبر الماضي، أعلن أخيرًا عن "التعبئة الجزئية" على الرغم من الوعود السابقة بأنه لن يكون هناك استدعاء شعبي.

على الرغم من المخاوف الاقتصادية، فإن الجهود الحثيثة لتجنيد المقاتلين مستمرة

وقد أثارت هذ الأنباء حالة من الذعر، وفر عشرات الآلاف من الرجال، وتحولت جهود التجنيد الإجباري إلى كارثة في العلاقات العامة وسط شكاوى من أن الرجال ذوي التدريب السيء وسوء التجهيز تم دفعهم إلى القتال. وبحلول تشرين الثاني/ نوفمبر، قالت مصادر روسية إنه تم الوصول إلى الهدف، وهو 300 ألف جندي. لكن، بوتين لم يوقع أبدًا على مرسوم ينهي برنامج التجنيد الإجباري، مما خلق ثغرة قانونية تسمح باستئناف جهود الاستدعاء في أي لحظة.

إلى جانب ما سبق، تعتقد المخابرات الأمريكية أن روسيا ستكون قادرة على تمويل الحرب في أوكرانيا لمدة عام آخر على الأقل، حتى في ظل العبء الثقيل والمتزايد للعقوبات غير المسبوقة، وفقًا لوثائق عسكرية أمريكية مسربة حصلت عليها واشنطن بوست، ويبدو أنها تعود إلى بداية شهر آذار/ مارس.