27-سبتمبر-2022
حملة اعتقالات ضد الرافضين لقرار التعبئة (الأوروبية)

حملة اعتقالات ضد الرافضين لقرار التعبئة (الأوروبية)

منذ دخول قرار التعبئة العسكرية الجزئية بروسيا حيز التنفيذ، تواصلت حالات الفرار الجماعي من البلاد، كما الاحتجاجات الرافضة لإجبارية حمل السلاح، التي ردَّ عليها نظام فلاديمير بوتين بحملة اعتقالات واسعة، طالت العشرات من النشطاء السلميين.

منذ دخول قرار التعبئة العسكرية الجزئية بروسيا حيز التنفيذ، تواصلت حالات الفرار الجماعي من البلاد، كما الاحتجاجات الرافضة لإجبارية حمل السلاح

وكان بوتين قد أعلن معرض الأسبوع الماضي عن التعبئة العسكرية الجزئية، التي سيتم من خلالها  استدعاء 300 ألف جندي احتياط من أجل الزج بهم في خطوط القتال الدائر بأوكرانيا. وفي خطاب له، قال الرئيس الروسي: "من أجل حماية وطننا، وسيادته ووحدة أراضيه، ولضمان أمن شعبنا وشعوب المناطق المحررة، أرى أنه من الضروري دعم مقترح وزارة الدفاع ورئاسة الأركان بإعلان التعبئة الجزئية في الاتحاد الروسي".  وتابع بوتين مبررًا القرار بالقول: "بات من الواضح أنه لا مفر من مرحلة تنفيذ عملية عسكرية على نطاق أوسع في دونباس، مثلما حدث مرتين قبل ذلك (ويجب) على الحكومة الروسية إعطاء وضع قانوني للمتطوعين الذين يقاتلون في دونباس".

38 احتجاجًا ومئات الاعتقالات

ويبدو أن تلك الكلمات كانت أبعد من أن تقنع الشعب الروسي، الذي آثر الخروج إلى الشارع احتجاجًا على القرار، غير المسبوق في البلاد منذ الحرب العالمية الثانية. واندلعت المظاهرات في ثماني وثلاثين مدينة روسية على الأقل، بما في ذلك موسكو وسانت بطرسبرغ وأوفا وتشيليابينسك وإيكاترينبرج في سيبيريا، واستمرت إلى غاية يوم الأحد 25 أيلول/ سبتمبر. وبحسب مرصد "OVD-Info" المختص في رصد الاحتجاجات في روسيا، اعتقلت الشرطة قرابة 2400 شخص.

وحظيت العاصمة موسكو بحصة الأسد من الاعتقالات، بحوالي 583 شخصًا، تليها سانت بطرسبرغ بـ 479 شخصًا. ووفق ما جاء به تقرير المصرد فإن إحدى الفتيات في العاصمة تعرضت للضرب وفقدت الوعي أثناء الاعتقال، وسُلبت هواتف بعض المعتقلين، كما هناك حالات متفرقة من "الاعتقالات الاحترازية" باستخدام نظام التعرف على الوجه في مترو الأنفاق.

هذا وانتهجت سلطات موسكو سياسة انتقامية بحق هؤلاء المحتجين على قرار التعبئة، تمثلت في إحالتهم إلى هيئة التجنيد من أجل الزج بهم في الحرب بشكل إجباري. وهو ما أكده تقرير المرصد بالقول إن "هناك معلومات من 15 دائرة شرطة تفيد بتسليم المعتقلين أوامر استدعاء إلى مكتب التسجيل والتجنيد العسكري". وطالت هذه الانتقامات الممنهجة حتى أشخاصًا ذوي إعاقة، مثل الناشط فيكتور كابيتونوف، الذي اعتقل في محطة مترو موسكو يوم 22 أيلول/ سبتمبر، وتم بعدها اقتياده إلى مكتب التجنيد العسكري كعقاب عن مشاركته في إحدى المظاهرات.

وشهدت محج قلعة، عاصمة جمهورية داغستان ذات الأغلبية المسلمة، اشتباكات عنيفة بين المحتجين والشرطة الروسية، التي استخدمت لتفريقهم الغاز المسيل للدموع وطلقات نارية في الهواء. وفي مدينة خاسافيورت، شوهدت نساء يطاردن رجال الشرطة، مرددات هتافات "لماذا تأخذون أبناءنا، من الذي هوجم؟ هل روسيا هي التي هوجمت؟ إنهم لم يأتوا إلينا. هل نحن من هاجمنا أوكرانيا. روسيا هي التي هاجمت أوكرانيا! أوقفوا الحرب!".  وعلى مشارف مدينة إنديري، أغلق السكان الطرق المؤدية إليها من أجل عرقلة تحرّك العربات العسكرية، وتعطيل إجراء التجنيد الإجباري. واستعملت الشرطة الصاعق الكهربائي والهراوات خلال عملية الاعتقالات، التي طالت ما يزيد عن 100 شخص، في ما وصف بـ "عمليات الاحتجاز القاسية للغاية".

وفي السياق ذاته، أحصى المرصد الروسي أزيد من 16.5 ألف حالة اعتقال في صفوف المناهضين للحرب في أوكرانيا، منذ اندلاعها في 27 شباط/ فبراير الماضي. حيث وضعت الشرطة ما يقرب 4 آلاف منهم تحت بروتوكول إداري يقيد حريتهم بموجب المادة الخاصة بـ "تشويه سمعة الجيش"، كما تم توجيه تهم جنائية إلى 245 شخص. 

هروب جماعي

وبينما اختار قطاع واسع من الروس الخروج إلى الشارع، مرددين هتافات: "اتركوا أبناءنا يعيشون!" و"ابعثوا بوتين إلى الخنادق بدل أبنائنا". فضَّل قسم آخر من هؤلاء الرافضين قرار التجنيد الإجباري الهروب إلى الخارج، ما أثار موجة نزوح جماعي نحو المعابر الحدودية للبلاد، تعبَّر عنها في نفاذ تذاكر الرحلات إلى الخارج ساعات قليلة بعد خطاب الرئيس، كما عشرات الأميال من السيارات التي اصطفت على مخارج البلاد نحو فنلندا وجورجيا وأرمينيا وحتى منغوليا.

وأظهرت صور موقع "فلايت رادار 24"، المختص في رصد حركة الملاحة الجوية، تزايدًا للرحلات الخارجية من روسيا إلى بلدان مجاورة، على رأسها تركيا. وحسب الموقع المذكور، فقد "تم بيع كل تذاكر الرحلات الخارجية المنطلقة من روسيا خلال نهاية الأسبوع"، مضيفًا بأن 25% من هذه الرحلات كانت وجهتها تركيا، في وقت تغلق فيه البلدان الأوروبية مجالها الجوي وأراضيها أمام الروس. ووفق تطبيق "غوغل تراندز" الذي يتعقب اتجاهات البحث على غوغل، فإن وتيرة البحث عن "مغادرة روسيا" زادت قرابة 100 مرة بعد إعلان التعبئة.

وفي يوم الأحد، شوهدت طوابير طويلة من السيارات مصطفة على طول الطريق المؤدية إلى معبر ألتانبولاغ الحدودي مع منغوليا. وقال رئيس حرس الحدود المنغولي في البلدة، لوكالة الأنباء الفرنسية، بأن أزيد من 3 آلاف مواطن روسي عبروا الحدود، "معظمهم من الشباب غير المتزوجين، وبينهم 500 من النساء والأطفال". وفي كلمة له، دعا رئيس رابطة مغول العالم ألبغدورج تساخيا، الفارين من التجنيد الإجباري إلى دخول بلاده، حيث "نستقبلكم بأذرع مفتوحة لأنكم تهربون من القمع والقتل"، خاصة الأقلية المنغولية الروسية التي "عانت على مر التاريخ من الاضطهاد". وأردف بالقول: "سيد بوتين، لقد التقيت بك في أكثر من مناسبة، وحدك القادر على إيقاف هذه الحرب".
وبدوره علَّق الرئيس الكازاخي، جمرات توكاييف، في كلمة حول وفود الروس الفارين نحو بلاده، قائلاً: "في الأيام الأخيرة أرغم الكثير من الناس على الفرار من روسيا نحو بلادنا، أجبروا على المغادرة بفعل الأوضاع اليائسة التي تعرفها بلادهم، يجب علينا رعايتهم وضمان سلامتهم".

غربًا، ومنذ الجمعة، وصف حرس الحدود الفنلندي حركة المرور إلى البلاد عبر حدودها مع روسيا بأنها أصبحت كثيفة، حيث "تتضاعف في كل يوم أعداد الروس اللاجئين إليها". وأفاد ذات المصدر لرويترز، بأن فنلندا استقبلت في غضون يومين فقط من إعلان التعبئة أزيد من 7 آلاف روسي. 

وفي مطار العاصمة الأرمينية، يريفان، رصدت "فرانس بريس" وصول أولى أعداد الروس الفارين من التجنيد الإجباري، أحدهم سيرغي (44 سنة) و ابنه نيكولاي (17 سنة)، اللذان يصفهما تقرير الوكالة بأنهما "كانا تائهين ومرهقين من الهروب المستعجل". وحسبما صرح سيرغي فإن "الوضع في روسيا جعلني أقرر المغادرة، نعم غادرنا روسيا بسبب التعبئة"، ووافقه ابنه نيكولاي قائلًا: "قررنا ألا ننتظر حتى يتم استدعاؤنا للجيش، فغادرنا".

هذا وتضاربت المواقف الأوروبية بشأن منح هؤلاء الفارين صفة اللاجئين السياسيين. ومن جانبها، أعلنت برلين استعدادها لمنح اللجوء إلى الروس الفارين، ذلك على لسان وزيرة داخليتها، نانسي فيزر، التي قالت في تصريحات للصحافة المحلية: "أي شخص يعارض بشجاعة نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ويقع لهذا السبب في خطر كبير يمكنه التقدم بطلب للحصول على اللجوء في ألمانيا على أساس الاضطهاد السياسي".

بالمقابل رفضت دول البلطيق تمتيع الفارين من بوتين بهذه الحماية، وذلك ما عبَّر عنه وزير خارجية إستونيا، أورماس رينسالو، في تصريحاته لرويترز: "إن رفض الامتثال لواجب مدني في روسيا أو قبوله، ليست مسوغات لمنح أي شخص صفة اللاجئ". وذهب نظيره اللاتفي، إدغار رينكفيكس، حد التلميح بأن القرار معاملة بالمثل للروس عن عدم تظاهرهم مبكرًا ضد بوتين. وكتب رينكفيكس في تغريدة: "الكثير من الروس الذين يفرون الآن من روسيا بسبب التعبئة لم يحركوا ساكنًا إيزاء قتل الأوكرانيين، ولم يحتجوا في ذلك الوقت، (وبالتالي) ليس من الصواب اعتبارهم معارضين واعين. (إضافة إلى أن) هناك مخاطر أمنية كبيرة لقبولهم داخل أراضينا، وأن العديد من الدول خارج الاتحاد الأوروبي تسمح بدخولهم ".

رد فعل موسكو

 هذا ولم ينف الكرملين وجود رفض شعبي لقرار التعبئة العسكرية، بينما قال المتحدث باسمه، ديميتري بيسكوف، بأن تقارير الإعلام الغربي حول المظاهرات وأحداث النزوح الجماعي "مبالغ فيها". كما أحجم بيسكوف عن نفي ما ورد في تقارير إعلامية روسية، بخصوص تلقي المحتجين المناهضين للتعبئة الذين اعتقلوا استدعاء للخدمة العسكرية، قائلًا إن "هذا ليس ضد القانون".

بالمقابل، لم يوافق عدد من المسؤولين الروس على الطريقة التي أتت بها التعبئة، أبرزهم رئيس مجلس حقوق الإنسان في الكرملين، فاليري فادييف، الذي انتقد في منشور على "تلغرام"، الطريقة التي تُطبّق بها الإعفاءات من التجنيد، وتحدث عن حالات تجنيد غير مناسبة، منها لممرضات وقابلات لا خبرة عسكرية لديهن. وقال فادييف: "بعض (مسؤولي التجنيد) يسلمون أوراق الاستدعاء في الساعة الثانية صباحًا، كما لو كانوا يعتقدون أننا جميعًا متهربين من الخدمة العسكرية". وطالب المسؤول الروسي وزير الدفاع، سيرغي شويغو، بأن "يجد حلولاً لهذه المشاكل".

لم يوافق عدد من المسؤولين الروس على الطريقة التي أتت بها التعبئة، أبرزهم رئيس مجلس حقوق الإنسان في الكرملين، فاليري فادييف

وفي نفس سياق انتقادات رئيس مجلس حقوق الإنسان في الكرملين، كتبت رئيسة تحرير قناة "روسيا اليوم" الإخبارية الحكومية، مارغريتا سيمونيان، معبرة هي الأخرى عن غضبها من طريقة التعبئة، قائلة: "تم الإعلان عن إمكانية تجنيد الأفراد حتى سن 35 عامًا، في حين تصل استدعاءات لمن هم في عمر 40 عامًا (...) إنهم يثيرون حنق الناس، كما لو كانوا يقصدون ذلك، وكأنها نكاية. كما لو أن كييف أرسلتهم".