29-ديسمبر-2022
gettyimages

الحكومة المصرية رفعت الدعم عن العديد من السلع الأساسية (Getty)

تشهد أسعار المواد الغذائية في مصر، ارتفاعًا غير مسبوق وصل إلى مستويات قياسية، وسط مخاوف من تراجع المخزون، ونقص في العرض  للعديد من السلع الأساسية، بسبب قيود على الاستيراد، وعدم قدرة البنك المركزي المصري على توفير العملة الصعبة للمستوردين في المصارف.

تشهد أسعار المواد الغذائية في مصر، ارتفاعًا غير مسبوق وصل إلى مستويات قياسية

هذا الارتفاع في الأسعار ما هو إلا عرض للأزمة التي يواجهها الاقتصاد المصري مؤخرًا، بسبب التضخم وانهيار العملة المحلية، وارتفاع سعر الدولار، وأسعار الفائدة على الجنيه المصري، في بلد يتجاوز عدد سكانه 104 ملايين نسمة، وتصل نسبة الفقر فيه إلى نحو 30%. ويتوقع أن يكون العام القادم، عامًا صعبًا على الوضع المعيشي للمواطن المصري الذي ازداد تردّيًا وسوءًا، إذ أن الحكومة تضع خطةً تستهدف تقليص دعم المواد الأساسية بحسب الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على تخفيض ميزانية الدعم العيني للسلع، وهو ما سينعكس سلبًا على حياة المواطن المصري. 

وفي هذا الإطار، أرسلت وزارة التموين والتجارة الداخلية قائمةً بالأسعار الجديدة للسلع التموينية على بطاقات الدعم العيني في محلات البقالة والمكلفين بتوزيع السلع التموينية، والتي ستصرف بحدٍ أقصى لأربعة أفراد على البطاقة. ورفعت الوزارة سعر السكر من 10,5 إلى 14 جنيهًا، وزيت الخليط 600 غرام للعبوة، من 24 إلى 30 جنيهًا، والأرز المعبأ من 11 إلى 14 جنيهًا.

وقال وزير التموين والتجارة الداخلية المصري على المصيلحي، إن "الوزارة حددت أسعارًا إرشادية للسلع الأساسية بالأسواق، كالسكر والزيوت والدقيق". وجاء هذا القرار المفاجئ بالزيادة من قبل الوزارة، بعد أيام من نفيها أيّ زيادة لأسعار المواد الأساسية، في شهر كانون الثاني/ يناير القادم.

getty

هذا ورفعت المخابز في مصر أسعار الخبز الحر "السياحي" غير المدعم إلى جنيهين للرغيف من وزن 80 غرامًا، و1,50 جنيه للرغيف وزن 60 غرامًا، و1,25 جنيه للرغيف وزن 40 غرامًا، بدلًا من 1,50 جنيه و1,25 جنيه. وسبق قرار المخابز رفع سعر بيع الخبز الحر، وتقليص حجم الرغيف ووزنه بنسبة تصل إلى 40%، وأرجعت المخابز تقليص حجم الخبز، إلى الزيادة الكبيرة في أسعار الطحين، حيث ارتفع سعر الطحين الفاخر إلى 26500 جنيه للطن، والطحين العادي إلى 18500 جنيه للطن.

وترجع هذه الزيادات إلى  انخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولار، كما تعاني شركات استيراد القمح الخاصة من عدم قدرتها على تأمين الدولار لشراء المحصول من الخارج، في ظل القيود المفروضة من البنك المركزي على استيراد السلع، بالإضافة إلى تكدس بضائع قيمتها نحو 15 مليار دولار في الموانئ المصرية.

ولم يتوقف الأمر على الزيادة في أسعار المواد الأساسية التي يشملها الدعم، وأسعار مواد الطحين خارج شبكة الدعم، بل انتقل للحوم الحمراء، فقد ارتفعت أسعارها ما بين 10 و20 جنيهًا للكيلوغرام بالمناطق الشعبية، حيث بيع كيلوغرام اللحم بسعر 190 جنيهًا بدلًا من 170 جنيهًا، وسعر لحم الضأن (الضاني) من 180 جنيهًا إلى 200 جنيهًا للكيلوغرام الواحد. وجاءت هذه الزيادات في أسعار اللحوم بسبب الارتفاع الشديد في تكلفة الأعلاف.

ويرجع خبراء اقتصاد ارتفاع الأسعار، إلى تراجع سعر الجنيه، بشح العملات الصعبة في السوق الذي تحتاجه الدولة والتجار، لدفع قيمة الواردات، بالإضافة لحالة الفوضى التي تسود الأسواق المصرية، عقب قرار البنك المركزي الأسبوع الماضي رفع سعر الفائدة بنسبة 3%، تمهيدًا لاتخاذ البنك المركزي قرارًا بخفض قيمة الجنيه مجددًا لتقليص الفجوة بين سعره الرسمي مقابل الدولار، حيث يبلغ سعر الدولار الواحد في البنك 24,7 جنيهًا، فيما يبلغ سعره في السوق السوداء 35 جنيهًا.

يذكر أن الحكومة المصرية أعلنت أكثر من مرة عن نيتها رفع الدعم عن المواد الأساسية تنفيذًا لتوجيهات صندوق النقد الدولي. فقد حدد الصندوق مطالبه من الحكومة المصرية المصاحبة لموافقته على إقراضها 3 مليارات دولار، وهو القرض الذي سيتم على 8 أقساط مرتبطة بالتأكد من تنفيذ تلك المطالب من خلال زيارات لبعثات من الصندوق كل 6 أشهر.

وكشفت تقارير أن البنك الدولي شارك في تقديم المساعدة الفنية إلى وزارة التموين والتجارة الداخلية على مدى السنوات الماضية بهدف "تحسين كفاءة وفعالية دعم المواد الغذائية"، حيث تم استبعاد نحو 10 ملايين مستفيد من نظام البطاقات التموينية باستخدام عدة معايير منها امتلاك سيارة أو عقار، وبالتالي انخفضت تغطية النظام لتشمل 64 مليون مواطن، وفي الآونة الأخيرة طرحت وزارة التموين على البرلمان فكرة تشكيل لجنة مخصصة للنظر في إصلاح دعم الخبز وتحويله إلى دعم نقدي أي منح الأسر الأكثر احتياجًا دعمًا نقديًا بدلًا من دعم الخبز.

وضمن حملة إعلامية موجهة، ترافقت مع منشور للمعهد القومي للتغذية في مصر على مواقع التواصل الاجتماعي، يتحدث فيه عن بدائل غذائية تحتوي على البروتين وبميزانية محدودة، ومن بينها "أرجل الدجاج"، ورغم حملة السخرية والنقد الواسع لسياسات الدولة المصرية التي تسببت في غلاء الأسعار. أشارت مصادر إعلامية إلى أنه تم تحديد سعر الكيلوغرام من أرجل الدجاج بـ5 جنيهات مصرية، بالإضافة إلى تحديد أسعار هياكل الدجاج والطيور والعظم لبيعها.

ورغم موجة الغلاء إلّا أن الحكومة المصرية تستمر في السعي إلى زيادة الجباية من المواطنين، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن التوجه إلى تأسيس صندوق جديد باسم "صندوق دعم الأسرة المصرية"، وقال السيسي على هامش تفقده مجمع صناعات كيماوية في محافظة الجيزة، يوم الاثنين الماضي: "الصندوق الجديد يستهدف دعم الأسرة المصرية في أوقاتها الحرجة، من خلال مساهمة المتزوجين والحكومة. وسنتيح أمواله للإنفاق على الأطفال في فترة الخلافات الأسرية والطلاق، ورفض الزوجين، أو عدم قدرتهما، على تحمل مصاريفهما". متابعًا شرحه حول الصندوق، قائلًا: "أيّ شخص يقدم على الزواج يستطيع سداد المبلغ الذي ستحدّده الدولة للمساهمة في الصندوق، المبالغ التي سنوجهها للصندوق أولى من إقامة الأفراح يا مصريين، والتشاجر حول قيمة الشبكة (الخاتم) والفرش (تجهيز المنزل)"، على حدّ قوله.

خلال الأشهر الماضية قفز التضخم إلى أعلى مستوياته منذ 5 أعوام

وحول أسباب الأزمة، ترجع الحكومة المصرية جذورها إلى أسباب متعددة، مثل الحرب في أوكرانيا أو جشع التجار، وارتفاع الأسعار العالمية، دون أن تشير إلى أسباب الأزمة الحقيقية وبالأخص تلك المرتبطة في سياساتها المالية والاقتصادية. وخلال الأشهر الماضية قفز التضخم إلى أعلى مستوياته منذ 5 أعوام، ووصل إلى ما بين 18-19% خلال الأشهر الماضية.