17-سبتمبر-2022
تاريخ إشكالي للإمارات مع الموانئ المصرية (Getty)

تاريخ إشكالي للإمارات مع الموانئ المصرية (Getty)

أشارت تقارير في الأيام الماضية، إلى أن شركة موانئ أبوظبي، إحدى أكبر الشركات في المنطقة والتي ترتبط بسجل إشكالي وبنهج قديم من السياسة الخارجية الإماراتية التي تعتمد على التوسع، استحوذت على سبعين بالمئة من حصص شركتين مصريتين كبيرتين، هما ترانسمار الدولية للنقل البحري، وترانسكارجو.

شركة موانئ أبوظبي، التي ترتبط بسجل إشكالي وبنهج من السياسة الخارجية الإماراتية التي تعتمد على التوسع، استحوذت على سبعين بالمئة من حصص شركتين مصريتين كبيرتين

احتفت وسائل إعلام تُنشر بالعربية والإنجليزية مقربة من الإمارات ومصر بالصفقة التي بلغت قيمتها بـ140 مليون دولار، باعتبارها أول "توسع دولي" للمجموعة التجارية المثيرة للجدل. غير أن مؤشرات عديدة تظهر أن هناك أبعادًا سياسية إشكالية لهذه الخطوة، ليس أقلها أن هناك علامات استفهام بشأن تكلفة الاستحواذ، بالنظر إلى أن الشركتين المصريتين ستحققان حسب الخطط السنوية لعام 2022 أرباحًا تصل إلى 70 مليون دولار وإيرادات تصل إلى حوالي 137 مليون دولار.

هناك البعد الاستراتيجي أيضًا، الذي ارتبط لسنوات بعمل مجموعات الموانئ الإماراتية. كما تقترح المعلومات المتوفرة عن الشركتين المصريتين، فإن مجال عملهما الأساسي هو أحد الأهداف التي حاولت أبوظبي التوسع فيها خلال العقد الماضي. حيث إن شركة "ترانزمار" تعمل في مجال النقل البحري في شمال وشرق أفريقيا وعبر الموانئ المطلة على البحر الأحمر. أما شركة ترانسكارجو، فتمتلك أسطولًا من معدات التحميل والتفريغ المتطورة، وتسيطر بشكل أساسي على ميناء الأدبية، وهو ميناء تابع للهيئة العامة لموانئ بورسعيد، ويُعد من أهم الموانئ التي تعمل في المناطق المطلة على البحر الأحمر في مصر. وخلال سنوات، احتكرت الشركة الحصة الأكبر من أعمال تشغيل الميناء.

نطاق عمل الشركتين شمال المحيط الهندي وجنوب البحر الأحمر كان كافيًا لإثارة اهتمام المجموعة التجارية الإماراتية. حيث حددت مساعي أبوظبي للسيطرة على موانئ البحر الأحمر السياسة الدبلوماسية لها طوال العقد الماضي وأبعد، بما في ذلك تدخلها المثير للجدل في اليمن، ودعمها لميليشيات عسكرية ذات نفوذ في جنوب البلاد، وكذا التدخل في الأوضاع الداخلية لبلدان مثل السودان والصومال وجيبوتي وغيرها.

وتقول تقارير حقوقية إن الإمارات تتحمل مسؤولية أساسية عن ما آلت إليه الأمور في اليمن، التي تقف على حافة المجاعة. إذ  تدعم أبوظبي عددًا كبيرًا من الميليشيات الانفصالية في جنوب البلاد، وكذلك المجموعات القبلية المسلحة، التي حال تقدمها العسكري دون أي تقدم تجاه حل سياسي.

وخلال العام الماضي وحده، وسعت الإمارات من نفوذها البحري ليشمل طرق التجارة الرئيسية في شمال وشرق أفريقيا. وهو توسع تجاري وسياسي أثار مخاوف حقوقية، وهدد الاقتصادات المحلية في عدة بلدان، وزاد من تآكل الاقتصاد والمخاوف من البطالة.

 في شهر حزيران/ يونيو الماضي على سبيل المثال، كشفت وكالة "رويترز" للأنباء، عن شروع الإمارات في بناء ميناء يطل على البحر الأحمر في السودان، بالتعاون مع مجموعة مستثمرين، وبمشاركة مالك مجموعة دال أسامة داؤود عبد اللطيف، رجل أعمال يحظى بعلاقات وثيقة مع أركان الانقلاب والسلطة العسكرية. تقدر ميزانية المشروع بستة مليارات دولار، في أكبر استثمار منذ انقلاب الخامس والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر. أثارت الخطوة جدلًا واسعًا بالنظر إلى أنها تهدد الميناء الوطني الموجود أصلًا في البلاد، كما تترك مصير أكثر من 16 ألف عامل التشريد والبطالة.

وكما يقول رئيس النقابة البديلة لهيئة الموانئ البحرية السودانية، عثمان الطاهر آدم، في تصريحات لـ"الترا صوت"، فإن التحركات هذه تحوم في سياق المساعي من أجل الهيمنة على البحر الأحمر، حيث إن الإمارات تسيطر على جل سواحل البحر الأحمر لكن ليس ميناء السودان، وقد حاولت الاستيلاء عليه مسبقًا مع الشركة الفلبينية، وسابقًا مع نظام البشير.

وتكمن إشكالية الاستثمار الإماراتي بحسب آدم، في الهيمنة التي تريدها أبوظبي القابضة على ساحل البحر الأحمر "بجانب الإشكالات الأمنية التي تصاحب الاستثمار، سواء ما حدث في جيبوتي واليمن وحتى الصومال من حروب ونزاعات أسبابها الحقيقية هي الضلوع في الاستثمار في ظل غياب الدولة، وهو سعي تملكي للموانئ لا استثماري"، بحسب تعبيره.

لا تبتعد هذه السياسات عن مصر. فمطلع العام الجاري، نشرت وسائل إعلام مصرية أن "موانئ أبوظبي" وقعت اتفاقية لإدارة ميناء السخنة، مع المجموعة المصرية للمحطات متعددة الأغراض، وهي الذراع التجاري لوزارة النقل المصرية. وهذا الاتفاق يأتي بعد تاريخ إشكالي من الشراكة. حيث كانت "موانئ دبي"، المجموعة الإماراتية البارزة الأخرى، قد استحوذت على شركة تنمية ميناء السخنة في عام 2008، وتسببت بطرد مئات العمال المصريين الذين كانوا يعملون لسنوات مع شركة أخرى للخدمات، تشارك في إدارة الميناء.

وفي عام 2018، وقعت "موانئ دبي" اتفاقية أخرى مع هيئة قناة السويس المصرية، لبناء منطقة صناعية في منطقة "العين السخنة"، غير أن المشروع الذي لم يتم إنجازه على الأرض تسبب بخسائر كبيرة بعد تراجع القدرة الاستيعابية للميناء، وهو ما أثار الشكوك حول منهجية إماراتية منظمة ليس فقط للهيمنة على الموانئ المصرية، ولكن أيضًا لتدمير قدراتها على المنافسة إقليميًا.

خلال العام الماضي وحده، وسعت الإمارات من نفوذها البحري ليشمل طرق التجارة الرئيسية في شمال وشرق أفريقيا

رغم هذا السجل الواضح، عادت الحكومة المصرية في نهاية العام الماضي، للتوقيع على اتفاقية جديدة، هذه المرة مع شركة "اعتماد القابضة"، التابعة لجهاز أبوظبي للاستثمار، من أجل بناء مدينة أبوقير الجديدة في الإسكندرية، أين يقع ميناء مصري آخر.