12-يوليو-2017

السياسات المتهورة لابن سلمان تضعف من موقف السعودية في مقابل تعزيز النفوذ الإيراني (بندر الجلود/الأناضول)

تتفاقم الصراعات في المنطقة، وفي كل منها تبرز المملكة العربية السعودية طرفًا فيها، بل إن آخر تلك الصراعات وأكثرها هزلية، السعودية نفسها هي التي اختلقته، وهو المتمثل في حصار قطر. على ضوء ذلك، نشر الموقع الإلكتروني لمجلة فورين بوليسي الأمريكية، مقالًا تحليليًا عن السياسيات السعودية الحالية وأثرها على صراعها مع الغريم التقليدي إيران، وأثرها على نفسها في إطار محيطها العربي؛ هل تدفع بها إلى تقوية موقفها الإقليمي وتعزيز نفوذها، أم أنّها بسبب تلك السياسات التي توصف بـ"المتهورة" تسحب البساط بيدها من تحت أقدامها، وتدفع بإيران دفعًا نحو تبوّؤ موقفًا أقوى إقليميًا؟ في السطور التالية ننقل لكم المقال وما يحمله من إجابات، مترجمًا.


ينظر دونالد ترامب إلى محمد بن سلمان، الذي أصبح ولي العهد السعودي الجديد في حزيران/يونيو الماضي، باعتباره على الأرجح قائدًا في الشرق الأوسط، وقد جاء "على صورته" هو، إذ يتفق عداء ولي العهد الشاب نحو إيران والمقاطعة والحصار ضد قطر، مع موقف ترامب العدائي تجاه إيران. لكن تدخل ترامب في الخلافات الداخلية بين دول مجلس التعاون الخليجي، انطلاقًا من سردية أن إيران هي المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط؛ من شأنه أن يمنح إيران فرصة إستراتيجية، مثلما فعل الرئيس السابق جورج بوش بغزوه العراق، الذي لعب دورًا ليس بالهين في كبح تحركات إيران ومطامعها منذ الثورة الإيرانية، بصرف النظر عن الموقف من نظام صدام حسين بطبيعة الحال.

وقد تخفق حسابات السعوديين إذا ما بالغوا في الاعتماد على مباركة سياساتهم الإقليمية، فبعيدًا عما تقوم به الولايات المتحدة، فإن تصعيد الخطاب الهجومي ضد إيران وفرض حصار على قطر التي هي عضو مجلس التعاون الخليجي، سيُضعف على الأرجح الموقف السعودي، وما تبقى من النظام من أركان منظومة السياسة العربية. أما هذه الخطوات التي استهدفت السيطرة على المد الإيراني، فمن شأنها أن تقوي من قبضة طهران، بل قد يكون الساسة الإيرانيون في واقع الأمر على صواب في اعتقادهم بأن السعودية باتت تستخدم قوتها الذاتية لإيذاء نفسها دون أن تدري.

رغم التهديد الذي تمثله إيران للمصالح السعودية، يبقى التهديد الأكبر الذي تواجهه الرياض سياساتها المتبعة لإضعاف الصف العربي

كيف تقوض السعودية من موقفها، بتصعيد الصراع مع إيران والعمل على إخضاع قطر بالإجبار؟ تستمد السعودية تفوقها العسكري على إيران، من خلال علاقاتها الأمنية بالولايات المتحدة، إلا أن قوتها السياسية في المنطقة ترتكز بالأساس على موقع المملكة القوي في العالم العربي. لكن النظام العربي أمسى أكثر هشاشة بسبب التآكل الذي سببته الحروب الأهلية في العراق وليبيا وسوريا واليمن.

اقرأ/ي أيضًا: تأسيس مملكة محمد بن سلمان "المتهورة".. الحكاية من أوّلها

ورغم التهديد الواضح الذي تمثله إيران للمصالح السعودية، يبقى التهديد الأكبر الذي تواجهه الرياض هو ضعف الصف العربي، الناجم عن تأثيرات الحروب الأهلية والسياسات السعودية في دعم الثورات المضادة، وهو ما يمثل فرصة ذهبية لإيران. ومن المرجح كذلك أن يسفر تصعيد العداء تجاه إيران، عن إطالة أمد هذه الحروب، ما يهدد بمزيد من الضعف للعالم العربي، ومن ثم إضعاف السعودية مقارنة بإيران.

وكلما طال أمد حروب الوكالة بين السعودية وإيران في الحروب الأهلية الإقليمية، زاد خطر توسع هذه الحروب إلى دول عربية أخرى مثل الأردن ولبنان، ومع ارتفاع احتمال زيادة تشتت النظام العربي الرسمي، تزداد مكاسب إيران في لعبة القوة الإقليمية.

ما يجري في أوساط المعارضة لبشار الأسد في سوريا حاليًا، هو انعكاس للتهديد الذي تمثله انقسامات العالم العربي، وما تحمله من خطر تجاه السعودية، وهو ما يمثل تهديدًا أشدّ خطرًا من التهديد الإيراني. فعلى النقيض من التحالف المنظم، الذي تقوده إيران لدعم الحكومة السورية، تنقسم المعارضة انقسامًا شديدًا، إذ توجد المئات من جماعات المعارضة المختلفة، بداية من المجموعات الجهادية المسلحة مثل تنظيم القاعدة في سوريا، أو هيئة تحرير الشام التي تقودها جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقًا)، ومرورًا بالجماعات الأخرى مثل جيش الشام وأحرار الشام، وحتى الفصائل الأكثر قوة مثل الجيش السوري الحر. 

وتنشغل هذه الجماعات بهيكلة المناطق الواقعة خارج سيطرة الحكومة السورية مثل محافظة إدلب. وبالنظر إلى الدعم الذي تتلقاه الحكومة السورية من إيران وروسيا فضلًا عن المليشيات الأجنبية الشيعية، فمن غير المرجح أن تشكل هذه الجماعات  المعارضة تهديدًا وجوديًا للأسد، أو لإيران، على المدى القريب.

إلا أن تهديد القواعد السورية لهذه المجموعات على يد روسيا وإيران، وترجيح كفة ميزان الحكومة السورية، بالإضافة إلى الجهود الحثيثة لخفض التصعيد بواسطة إيران وروسيا وتركيا، فمن الممكن لهذه الجماعات، وبخاصة هيئة تحرير الشام، أن توجه أنظارها تجاه دول عربية أخرى، ما يُسفر عن مزيد من إضعاف النسيج السياسي العربي، ممثلًا تحديات أمنية وسياسية محتملة للسعودية. بعبارة أخرى، يمكن للجماعات السنية التي خاضت الحرب في سوريا أن تمتد لمناطق أخرى من العالم العربي، ما يزيد من تآكل الموقف السعودي تجاه إيران.

بحرب السعودية على جماعة الإخوان، فإنها تفتح الباب أمام جماعات أكثر تطرفًا، غالبًا من التي نشأت في سوريا، مثل هيئة تحرير الشام

وفاقمت السعودية من خطورة الوضع القائم في سوريا، عبر اعتمادها بشكل خطير على استقطابات ضمن المنطقة العربية، ولاسيما فيما يخص موقفها من قطر، فعلى سبيل المثال، تعتبر السعودية الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، بينما احتفظت قطر بعلاقات مفتوحة مع هذه الجماعة التي يكاد يبلغ عمرها قرنًا من الزمان، وذات الحضور العميق في العديد من الدول العربية.

اقرأ/ي أيضًا: "هيئة تحرير سوريا".. الفصائل المتشددة تتوحد

وبصرف النظر عن الدوافع التي لدى قطر، فإن وضع الإخوان المسلمين تحت مظلة الجماعات الجهادية مثل القاعدة وداعش، يهدد بسحب بساط الشرعية من تحت أقدام الفكر الوسطي في طيف الأفكار السنية المتنوع، وهو أمر قد ينفجر في المحصلة في وجه الرياض، فبإبعاد الإخوان المسلمين من المشهد السني، تفتح السعودية ومعها الإمارات، الباب أمام جماعات أكثر تطرفًا، غالبًا من التي نشأت في سوريا، مثل هيئة تحرير الشام، والتي تشكل خطرًا داهمًا على السعودية والعالم العربي عمومًا.

والأهم من ذلك هو أن النظام الإقليمي في الشرق الأوسط يواجه العديد من الضغوطات، وليس هنالك سوى عدد قليل من صمامات الأمان المتبقية التي يسعها الإسهام في الحد من النزاعات. يُنظَر إلى قطر ومعها عُمان والكويت، باعتبارها الدول التي تؤدي وظيفة تفريغ هذا الضغط، فالجسور التي تبنيها هذه الدولة مع الإخوان المسلمين وإيران، تخلق مسارات للحوار وحل النزاعات داخل وخارج العالم العربي.

وربما تشتاط السعودية غضبًا من موقف قطر، لكنه موقف يساعد على نزع فتيل الأزمات والصراعات وضبطها، ما قد يبقي الباب مفتوحًا أمام مسارات دبلوماسية نحو تطبيع العلاقات بين إيران والسعودية. في المقابل فإن الحصار السعودي على قطر، قد يؤدي إلى احتدام الصراع وتهديد قدرة قطر على تخفيف الضغط عبر حيادها الإستراتيجي، وعليه فإن العالم العربي قد ينقسم إلى معسكرين، يضم الأول البحرين والإمارات والسعودية ومصر من جهة، وقطر وعمان والكويت من جهة أخرى، وهو أمر سيضعف في النهاية الموقف السعودي.

الخطر الآخر المحدق هو ابتعاد قطر أكثر عن محور مجلس التعاون الخليجي، فربما تكون سياسة قطر الخارجية مستقلة، إلا أنها مع ذلك تعاونت مع المملكة العربية السعودية في مبادرات عديدة، منها الحرب في اليمن. واحتمال زيادة اعتماد قطر على تركيا وإيران، اللتين أصبحتا شريان السلع الاستهلاكية الرئيسي، ما يعني خسارة إجمالية للرياض.

غالبًا ما ستؤدي سياسات السعودية إلى تقوية الأجنحة داخل مؤسسة الحكم الإيرانية، الأكثر قدرة على استغلال الثغرات في العالم العربي

الأدهى من ذلك هو أن الخلاف القطري السعودي، قد يزيد من التقارب الإيراني التركي، وهو تقارب ازداد مع الوقت بفضل التهديد المشترك من حزب العمال الكردستاني والتعاون التكتيكي بينهما مع روسيا في المفاوضات السورية في أستانا بكازاخستان. لقد كان دور تركيا كجسر تواصل بين الرياض وطهران علامة صحية في منطقة مضطربة، أما التقارب بين أنقرة وطهران فليس بالضرورة في صالح المنطقة ولا السعودية. هناك أيضًا خطر اضطرار باكستان التي سارت على خط رفيع من الحياد في الأزمة بين السعودية وقطر، لاتخاذ موقف لن يسر السعودية بالضرورة.

اقرأ/ي أيضًا: إيران وحماس على مائدة بروباغندا القرصنة السعودية - الإماراتية.. تصفيق لترامب!

كذلك قد يعرقل المسار السعودي الحالي جهود الحرب ضد تنظيم الدولة، فهجمات التنظيم الأخيرة في طهران، وزيادة التهديدات باستهداف تركيا، يخلق نظريًا التقاء في المصالح بين إيران والسعودية وتركيا. لكن البيئة العدائية الحالية تجعل من داعش العدو الثاني من ناحية الأهمية لكل دولة، حيث ترى كل من طهران والسعودية بعضهما البعض باعتبارهما التهديد الأكبر على أمنهما القومي.

وبالنظر إلى الحاجة لتقوية الجهود لمنع عودة تنظيم الدولة بعد تحرير الموصل والرقة، وكذلك منع الجماعات ذات الأفكار المشابهة من ملء الفراغ بعدها، فإن هذا الوضع لن يعود بالنفع لا على المنطقة ولا على السعودية. ويمثل داعش والمجموعات الجهادية المشابهة، تمردًا ضد النظام العربي الحالي، واستمرار وجوده سيضر بالدول العربية أكثر من الدول غير العربية الأخرى مثل إيران وتركيا.

وأخيرًا، فإن سياسات السعودية، ستؤدي على الأرجح إلى تقوية الأجنحة داخل المؤسسة الحاكمة في إيران، الأكثر قدرة على استغلال الثغرات في العالم العربي. والسعوديون ليسوا مخطئين تمامًا بشأن أطماع إيران التوسعية، إذ تستغل إيران بنشاط، كل فراغ في المنطقة، وذلك عبر نشاطها في العراق وسوريا واليمن.

وقاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني هو المسؤول عن تعزيز عمقٍ استراتيجي لإيران عبر استغلال الفراغات الناشئة عن الحروب الأهلية في الدول العربية. فالعدائية السعودية ستقوي أصوات أمثال سليماني، الذين يتخذون موقفًا هجوميًا تجاه السعودية، وتحجب بعض الأصوات القادمة من وزارة الخارجية ومكتب الرئيس الإيراني، التي لا تميل لرؤية المنطقة بعيون المعركة الصفرية.

لن تشعر السعودية بالأمان تجاه إيران، إلا إذا داوت الجروح الأيديولوجية والعسكرية والسياسية لديها ولدى أشقائها العرب

إذا فشلت السعودية في تغيير مسارها الحالي، فإنها على الأرجح ستضعف من موقفها الإقليمي وتقوي إيران. وسواءٌ أعجبها الأمر أم لا، فإن الشرق الأوسط انتقل من التمركز حول العرب، إلى منطقة "عربية تركية إيرانية". وفي حين قد تبدو فكرة مواجهة طموحات إيران التوسعية ضمن هذا النظام الإقليمي الثلاثي فكرة مقبولة استراتيجيًا، إلا أن محاولة حرمان إيران من نفوذها الإقليمي ستفشل وستضعف المملكة.

اقرأ/ي أيضًا: جحيم "سايكس بيكو".. الشرق الأوسط 73 دولة؟ 

وبدلًا من ذلك، فربما على الرياض أن تكون شريكًا بناءً في عمليات السلام في الحروب الأهلية مثل سوريا واليمن، لأن هذا هو ما سينمي من قاعدة نفوذها وتأثيرها في العالم العربي. أما الاستمرار في حرب الوكالة ضد إيران في اليمن، فهي أشبه بقصف منزلك وأنت تحاول إنقاذه. ولن يكون بإمكان السعودية أن تشعر بأمان ولو نسبي تجاه إيران، إلا إذا عمدت إلى مداواة الجروح الأيديولوجية والعسكرية والسياسية لديها ولدى أشقائها العرب.  

أما فيما يجب على الولايات المتحدة فعله إلى جانب دعم السعودية في العمل على خلق توازن قوى مع إيران، فهو تشجيع الرياض على فتح مسار دبلوماسي موازٍ مع طهران، ومحاولة التوصل لحل عاجل للخلاف مع قطر، بدلًا من الاستمرار في استغلال أسوأ الغرائز الاستراتيجية لدى الإدارة السعودية الحالية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

جذور السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.. الخليج وإيران نموذجًا

السعودية عملاق تمويل الإرهاب في بريطانيا.. الفضيحة مستمرة