11-فبراير-2016

جندي إيراني أمام صورة الخميني في ذكرى الثورة 1 شباط/فبراير 2016 (Getty)

في نقاشٍ جمعنا قبل ثلاثة أعوام، تحدث عبد الملك المخلافي، الأمين العام للمؤتمر القومي العربي آنذاك، وزير الخارجية اليمني حاليًا، عن جهود الشراكة والصداقة مع مثلث الجوار العربي "تركيا - إيران - أثيوبيا"، موضحًا بأن إيران -التي كانت محل النقاش حينها- كانت تنظر عبر قيادتها السياسية لمسألة الشراكة مع العرب بنوعٍ من الثانويَّة، رُغم ما يظهر من مواقف النظام الإيراني الرسمي الذي يرفع عقيرته بشعاراته المساندة للقضايا العربية.

يتلخص التناقض الغربي الإيراني، في مشكلة النظام الحاكم، وهو تناقضٌ قشريّ قد يتآكل بتغير السياسات أو بتغير النظام

وفي ردٍ له عن سؤالي حول الخصائص المتشابهة، والمصير المشترك، وواحديَّة الشعار، كعناصر تفرض حاجة الإيرانيين لمد يد الصداقة المخلصة للعرب باعتبارهم يخوضون معركةً واحدة، فرَّق المخلافي في نوعية التناقضات الغربية العربية، والغربيَّة الإيرانيَّة، إذ اعتبر أن التناقض الغربي العربي، هو تناقض في البُنى والهويَّة والأسس التي تقوم عليها تركيبة المجتمع العربي، فيما يتلخص التناقض الغربي الإيراني، في مشكلة النظام الحاكم، وهو تناقضٌ قشريّ قد يتآكل بتغير السياسات، أو بتغير النظام، لكنه لا يستهدف تغيير البنى السفلية لإيران والمتوافقة مع المزاج الغربي إلى حدٍ كبير.

ليس من السهل توضيح هذه الفكرة في إطار التباين الإيراني بين المجسم في ذاته، وصورته المرسومة، إذ كيف يُمكن المزاوجة بينَ شعبٍ متأثرٍ إلى حدٍ كبير بالتقاليد الأمريكيَّة المتوارثة من أيام الشاه وإلى اليوم، من المأكل، وحتى الماركات والطموحات، ونظامٍ إسلاميّ يوصف بالتشدد، حاكم بمنهج الوليّ الفقيه، ويدعو بالموت على أمريكا ليل نهار؟

تعرض المفكر الإيراني الراحل د.علي شريعتي -بشكلٍ غير مباشر- لهذه النقطة في كتابه "التشيُّع العلويّ والتشيُّع الصفوي" والذي أصَّل فيه لتحولات المجتمع الإيراني وتأثره بالقيم الغربية التي جاء بها الصفويون، كما يفند وبشكلٍ متسلسل، معتمدًا على رمزيات دينية، الفارق بين النوعين من التشيُّع، الصفوي والعلوي، لنجد إيران الماثلة أمامنا، أقرب ما تكون إلى النموذج الصفوي منها للعلوي.

قبيل سنوات، اعتقد كثير من المراقبين، أن مبدأ تصدير الثورة الذي وضعه روح الله الخميني، إبان صعوده إلى أعلى هرم السلطة عام 1979 قد فشل، باستثناء تجربة حزب الله اللبناني، وبدا أن الحرب العراقية الإيرانية والتي دامت منذ بداية الثمانينيات وحتى العام 1988م، قد أنهت هذا الطموح إلى غير رجعة، خصوصًا بعد وفاة الخميني الذي قال قبل وفاته، بأن توقيعه على اتفاقية إنهاء الحرب أشبه بتجرُّعهِ للسم.

ماذا عن البذور القوميَّة الانتهازيَّة التي بذرها الصفويون قبل قرون، بتحويل المذهب "الجعفري" إلى مذهبٍ قوميّ؟

ورغم اعتقاد قطاع من المهتمين بالشأن الإيراني، باختلافاتٍ كبيرة بين شخصيتي مرشديّ الثورة: الخميني، وخلفه الخامنه إي، إلا أن ما اتضح لاحقًا، أنه لا يقر التناقض بين الرجلين قياسًا بشطحات عقائدية لدى الخميني، تحاذيها مرونَة وانفتاح نسبيّ لدى خلفه، خصوصًا إذا ما توازت أهداف الرجلين رغم اختلاف مساراتهما لتحقيق ذات المبادئ والقناعات التي أصَّل لها الرَّجُل الأول كمانفيستو لدولة الثورة "الإمبراطورية" الخمينية.

لا يمكن الإجابة في مقالةٍ واحدة عن السؤال: ماذا تريدُ إيران من العرب؟ نضعُ هذهِ المؤشرات مع مساحةٍ كبيرة من الفراغات: لماذا لم تسع إيران لصداقة، أو لنقل "شراكة حقيقية" مع جيرانها العرب؟ ولماذا انحصر دعم إيران للقضايا العربية/الإسلامية على تقوية المليشيات المسلحة لا الحكومات؟ ما السر في الدعم الغربي غير المباشر للنفوذ الإيراني في المنطقة؟ وما علاقة هذا الدعم بالانسجام الحضاري بين المجتمع الإيراني، والمجتمعات الغربية، وعلى رأسها المجتمع الأمريكي؟

ثم، ما الرابط بين النظام الإيراني الذي يبدو عقائديًا متصلِّبًا، وبين البراغماتية المدمِّرة في سلوكه السياسي؟ وماذا عن البذور القوميَّة الانتهازيَّة التي بذرها الصفويون قبل قرون، بتحويل المذهب "الجعفري" إلى مذهبٍ قوميّ يهدف إلى عزل الإيرانيين أولًا، والشيعة ثانيًا عن محيطهم العربي والإسلامي، بل واستخدامهم في خدمة النزعة الصفوية في السطو على الدين وتجييره للحُكم، أو بطريقةٍ أخرى ما أطلق عليه الدكتور شريعتي بـ "دين الحكومة"؟

قبل أن نتساءل عما تريده إيران الحديثة من العرب، علينا أن نبحث ونفكر ونتأمل كثيرًا في جملةٍ من القضايا المختلفة والمترابطة، والتي شكلت وجود إيران الحضاريّ القائم، والأهم، قربها السوسيو/سايكولوجي والسياسي والحضاري، رُغم قشريَّة طابعها الشرقي والإسلامي كما يتراءى لجيرانها العرب.

اقرأ/ي أيضًا:

نهاية الشيطان الأكبر

السعودية وإيران.. إنه النفط