07-نوفمبر-2015

مؤتمر صحفي لجماعة الإخوان المسلمين في سورية (Getty)

الثورة السورية أعادت الإسلام السياسي بالعموم وجماعة "الإخوان المسلمين" بالتخصيص إلى التاريخ السياسي السوري، بعد خروجها في صدام الطليعة المقاتلة مع نظام حافظ الأسد في ثمانينيات القرن المنصرم، الفرصة التي لم يفوتها الأسد لإخراجهم من التاريخ السياسي بالعنف والإرهاب، لا بالأساليب الديمقراطية.

حينما وصلت المساعدات الغربية للمعارضة السورية، وصلت للإخوان المسلمين بمباركة غربية، بوصفهم من سيرث الأسد

حقيقة وجود الإخوان المسلمين لا يستطع أحد إنكارها أو التشكيك بها، أصدقاء الشعب السوري وبمقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية، أصرت في تشكيل المجلس الوطني السوري، ثم تشكيل ائتلاف قوى الثورة والمعارضة، على حضور قوي للإخوان، ومدت الدول الكبرى جسور التواصل معهم. وللتأكيد على معيار التزامهم بالدولة المدنية كانت الشراكة مع "حزب الشعب الديمقراطي" و"إعلان دمشق"، للتعبير عن هوية إسلام سياسي لا يتعارض مع هوية المجتمع المدني.

الغرابة لم تكن في الخيارات، بمقدار ما هي في اتخاذ الإخوان موقفًا سياسيًا متسلطًا، لأنه مع بدء عمل المجلس الوطني الذي تمت أخونته سياسيًا، لم يبدِ الإخوان رغبةً حقيقةً في تقديم إسلام مدني تجنبًا لإشكالية توصيفه بالليبرالي-الإشكالي- كانت فرصتهم التمهيدية للتسلط السياسي، كان تسلطًا لا يقبل الشك، لم يمنحوا الدكتور برهان غليون السياسي السوري الوطني والأكاديمي فرصةً لإنتاج معارضة سياسية ترتقي للمأمول.

مراجعة بسيطة للتعيينات في المجلس الوطني، تثبت رغبة الجماعة في أخونة المجلس ومكتبه السياسي وأمانته العامة وهيئته السياسية ولجانه. الشعارات الرنانة التي أطلقها الإخوان ليلًا ونهارًا مع بداية الثورة، لمنح العلمانيين والكفاءات السورية فرصةً لم يجد لها السوريون تطبيقًا في الممارسة السياسية. العقلية ذاتها مارسها الإخوان في تشكيل "ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السوري". ذهنية التسلط الرافضة منح أي دور علماني بارز، مما يمكنهم مستقبلًا من وراثة نظام بشار الأسد.

الدعم المالي والسياسي لمقدرات المعارضة السورية، خضع خضوعًا تامًا لكوادر الإخوان و"الإخونجية"، كتوصيف يتحمل مسؤوليته الشركاء الصوريين من أمثال حزب الشعب وإعلان دمشق والمستقلين من الساسة السوريين. طريقة الإخوان المسلمين في إدارة المعارضة السورية لم تمكن أحدًا من صوغ فكري سياسي، عصري وواقعي، يستطيع إقناع الرأي العام السوري قبل الدولي وصناع القرار العالمي، بوجود بديل قوي للأسد. حينها صنفت المعارضة السورية كلها بالهزيلة تجنبًا لاستعمال تعبير الفاشلة.

حينما وصلت المساعدات الغربية للمعارضة السورية، وصلت للإخوان المسلمين بمباركة غربية، بوصفهم من سيرث الأسد، وحاول الإخوان الابتعاد عن تجاذبات السياسة والظهورات الإعلامية، دافعين الكتلة العلمانية دفعًا للفشل أمام جمهور الثورة السورية حتى لا يستمر الدكتور برهان غليون أو أحد من الوجوه العلمانية.

لا يفهم إصرار الإخوان المسلمين في سورية على عدم تقديم برامج سياسية واقتصادية ومواثيق للمصالح الدولية المتبادلة، خلال لقاءاتهم للعديد من وزراء الخارجيات والسفراء الأجانب، رغم ذلك لا زالت تركيا تلعب دور المحصن لهم من عدم فقدانهم شرعية التمثيل السياسي للمعارضة السورية.

اقرأ/ي أيضًا: نقلة أوروبية نوعية في وجه حلفاء الأسد

سقطت الكتلة العلمانية في سورية وخرجت من التاريخ، حينما أسقطها الإخوان، عمدًا، وأسقطوا أنفسهم هم عبر قبول علاقة شكلية لا أكثر للتزاوج بين الإسلام والحداثة. فهم هذا الواقع يحتاج للتمعن في دعم الإخوان المسلمين الخفي لانشقاق في حزب الشعب الديمقراطي، الكتلة التاريخية للعلمانية السورية الأبرز، وخروج الإخوان من إعلان دمشق قبل الثورة، ومحاولتهم المتكررة لتفريغه من مضامينه. بالمقابل الكتلة العلمانية بقيت متشرذمة بين تحالفات محلية وإقليمية ودولية، تعوضها عن فشلها في الحضور بالمشهد السياسي السوري.

كان هذا مشروع الإخوان المسلمين منذ بداية الثورة السورية، ولازال مستمرًا، الخلاف بين الكتلة العلمانية والحفاظ على علاقات وطيدة مع الغرب، هذه المعادلة التي لم تستطع أن تجد رفضًا لها، لدى الكتلة العلمانية. وما أضعف هذه الكتلة العلمانية أمام هذا العنف السياسي، أكثر، لا أحد يستطيع مخالفة تعليمات فاروق طيفور على سبيل المثال، بالمقابل يكتفون بنصيب بسيط من المخصصات المالية والتمثيلية والإدارية في مؤسسات المعارضة المنخورة. 

الإخوان المسلمون المنتشرون في المناطق الواقعة خارج سيطرة النظام، يدركون أن الإسلام السياسي سيكون البديل عن الإسلام الأصولي

والآن أمام الإخوان خيارات إصلاح المعارضة السورية والكف عن الخلط بين الجماعة وكوادرها وأجندتها ومصلحة جمهور الثورة السورية، هذا الخلط المعيب بين المعارضة ككل والجماعة، وتوظيف المعارضة لأجندة الجماعة، وتحويل المعارضة ومؤسساتها لمقرات لكوادر الجماعة، الذين يفتقرون لأدنى مقومات الكفاءات التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم من حلم مجنون بتحول الجماعة لنظام أبدي يرث نظام أبدي.
في الواقع الميداني في سورية، حيث يتحكم الإخوان بكل المقدرات، بالإضافة لمصادر تمويلهم من استثمارات وجمعيات إغاثية منتشرة في أوروبا، مربوطة بالمساجد وأئمتها وحملات التبرع. هذا "العقل الإغاثي" مكنهم من القضاء على"العقل التقليدي"لدى الكتلة العلمانية التي تحصر عملها إعلاميًا وثقافيًا، ولا تحاول أن تجد لها مكانًا تحت شمس المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.

الإخوان المسلمون المنتشرون في المناطق الواقعة خارج سيطرة النظام، يدركون أن الإسلام السياسي سيكون البديل عن الإسلام الأصولي، ومازالت الكتل السياسية العلمانية تمر في أزمات متتالية، تكمن مشكلتها الأساسية في عدم مقدرتها على فهم معطيات السياسة التي لا تمارسها سوى مثاقفةً، وربما هذا الفراغ سيكون الإخوان المسلمون هم الرواد في ملئه.

والأزمة مع الإخوان المسلمين تتجاوز السياسة إلى السلوك والرؤية. فقدانهم للخطاب العصري والبرنامج السياسي الوطني وسياسات اقتصادية لمشروع دولة يتعدى مصالح الجماعة، ورؤيتهم للغير. الإسلام السياسي الشامي ممثلًا بالإخوان، ينظر بالدونية إلى سنة الأرياف، معتبرًا مدن دمشق، حلب، حُمُّص وحماه، مراكز سورية المنتجة، هذه الصورة المتخيلة عن أرياف السنة السورية، عززتها سمات مظلومية الإخوان في ثمانينيات القرن المنصرم، واعتبار أرياف السنة شركاء في الإبادة التي تعرضوا لها. وهناك تهرب لدى الجماعة من تنوع النسيج الاجتماعي السوري، وما يفرضه من شراكة تعزز قيم المواطنة، والخروج من فكرة تأمر الكتلة العلمانية بوصفها تتبنى مشاريع ليبرالية لا تتناسب مع رؤيتهم، الرؤية غير المتصالحة مع المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية على حد سواء.

لعل أبرز ما يؤكد الأزمة مع الإخوان المسلمين السياسية منها والسلوكية، عدم إدخال مساعدات إغاثية للمناطق الواقعة خارج سيطرة النظام، سوى للمناطق التي تدين بالولاء السياسي لهم. ريف درعا على سبيل المثال لا يحظى بدعم كما يحظى به ريف دمشق.

المرشد العام لإخوان سورية وكوادر الجماعة، تمادوا كثيرًا في الخلط بين مصلحة المشروع الوطني ومصلحة الجماعة، وأرهقوا المعارضة الرسمية ومؤسساتها بكوادر لا تملك أكثر من التخيل والإسراف في التخيل، عبر انغماسهم في رسم المشهد ما بعد سقوط الأسد على حساب الإجابة عن الأسئلة المطروحة عن دورهم في إفشال المعارضة السورية، ولو كان ذلك على حساب خراب مؤسساتها وسياساتها.

اقرأ/ي أيضًا: الأسد..مصير تصنعه تحالفات موسكو