29-يناير-2017

جنود من تحالف "جيش الفتح" خلال إحدى معارك إدلب عام 2015 (عمر قادور/أ.ف.ب/Getty)

لم يمضِ وقت طويل على المبادرة التي أطلقتها حركة "أحرار الشام الإسلامية" لوقف القتال بين فصائل المعارضة السورية وجبهة "فتح الشام"، حتى أعلن مساء أمس السبت عن تشكيل جسم عسكري جديد حمل مسمى "هيئة تحرير الشام"، ضم إلى جانب الجبهة عددًا من الفصائل الإسلامية المتشددة، أُلحق ببيانات انشقاق فصائل عن تحالفات سابقة، وانضمامها لأخرى جديدة.

يأتي التشكيل الجديد "هئية تحرير الشام" الذي تتزعمه "فتح الشام" لتجنب المزيد من الغارات الجوية للتحالف الدولي التي تضرب مواقعها 

وفي بيان وقع عليه جبهة "فتح الشام"، حركة "نور الدين الزنكي"، لواء "الحق"، جبهة "أنصار الدين"، وجيش "السنّة"، أعلن عن تشكيل "هيئة تحرير الشام"، وسمي القائد العام الأسبق لحركة "أحرار الشام"، أبو جابر هاشم الشيخ، قائدًا لها، داعيًا باقي الفصائل لـ"إتمام هذا العقد والالتحاق بهذا الكيان جمعًا للكلمة وحفظًا لمكتسبات الثورة والجهاد"، على حد ما جاء في البيان الذي نشر عبر الصفحة الرسمية للهيئة على موقع "تويتر".

اقرأ/ي أيضًا: فتح الشام تضع الشمال السوري على خط النار

وعقب إعلان التشكيل الجديد، عملت مجموعة من الفصائل على إصدار بيان أكدت فيه انضمامها لـ"هيئة تحرير الشام"، بالإضافة لمجموعة من الشرعيين، بينهم قياديون سابقون في "أحرار الشام"، فيما أعلن قطاع الشمال في حركة "نور الدين الزنكي" انشقاقه عن الحركة، وانضمامه لـ"فيلق الشام"، فيما أعلنت كتيبتان عسكريتان على الأقل انضمامهما لـ"أحرار الشام".

وتعليقًا على إعلان التشكيل الجديد، أكد الناطق الرسمي باسم "أحرار الشام"، أحمد علي قره علي، أنه "لم تدخل أي من تشكيلتنا العسكرية ضمن هيئة تحرير الشام"، مضيفًا أن "استقالة هاشم الشيخ و(الناطق العسكري) أبو يوسف المهاجر جاءت بصفات شخصية وهم معلقين عضوياتهم سابقًا".

وكانت مجموعة من المبادرات أطلقت منذ يوم الاثنين الفائت لاحتواء المشهد العسكري المتأزم بعد هجوم "فتح الشام" على أكثر من فصيل في شمال سوريا ردًا على تمثيلهم ضمن الوفد العسكري في اجتماع "أستانا"، ورفضت الجبهة أيًا من المبادرات المقدمة، والتي كان آخرها مبادرة "أحرار الشام"، قبل أن تخرج بالتشكيل الجديد.

وعبر صفحته الرسمية على "تويتر"، أعلن أبو جابر الشيخ في أول تغريدة له بعد الإعلان تشكيل "هيئة تحرير الشام"، وقف إطلاق النار بين جبهة "فتح الشام" وفصائل أخرى، ليشهد الشمال السوري هدوءًا حذرًا بعد أيام من الاشتباكات العنيفة، وتعرض عدد من مقرات ومستودعات الذخيرة لفصائل المعارضة لهجوم من قبل الجبهة.

ويأتي التشكيل الجديد بالتزامن مع تكثيف التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن من استهدافه لمقرات ومعسكرات "فتح الشام"، وسقوط نحو 200 قتيل في صفوفها، ما يدل أن الأخيرة تسعى في عملية الاندماج الأخيرة لتجنب المزيد من الغارات الجوية التي تضرب مواقعها، رغم تخليها عن اسمها السابق "جبهة النصرة"، وإعلان فك ارتباطها بتنظيم "القاعدة" في مرحلة سابقة من العام الفائت.

اقرأ/ي أيضًا: البيان الختامي لمؤتمر الأستانا يشعل الشمال السوري

ويظهر من عمليات الانشقاق التي من المتوقع أن تستمر خلال اليومين القادمين، أن فصائل المعارضة بدأت العمل على توحيد صفوفها ضمن جسمين عسكريين، الأول تمثله "فتح الشام"، والثاني حركة "أحرار الشام الإسلامية"، فيما لا يزال مصير تنظيم "جند الأقصى" المتشدد، والذي هاجم مقرات لـ"أحرار الشام" في وقت سابق من الشهر الجاري مجهولًا، وسط توقعات أن يتم احتوائه ضمن التشكيل الجديد.

يبدو أن "فتح الشام" سارعت لإعلان التشكيل الجديد "هيئة تحرير الشام" خوفًا من عملية اندماج مفاجئة تطيح بنفوذها في شمال سوريا

وبناء على التشكيل الجديد فإن الشمال السوري يتجه أكثر نحو إعادة تمركز للفصائل العسكرية، ما يجعل إمكانية حدوث اشتباكات جديدة واردًا، وبالأخص أن "فتح الشام" تسعى جاهدة لمصادرة أي قرار سياسي أو عسكري لباقي فصائل المعارضة، بالإضافة لقمعها أغلب المظاهرات المدنية التي تخرج في مناطق سيطرتها، ومحاربتها لفصائل "الجيش السوري الحر" تحديدًا بحجة تلقيها الدعم من واشنطن.

ويرى مراقبون أن الأيام القادمة من الممكن أن تشهد هدوءًا نسبيًا بين حركة "أحرار الشام" والفصائل المتحالفة معها من طرف، و"هيئة تحرير سوريا" من طرف آخر، إلا أنه لن يستمر طويلًا، معللين ذلك بأن الأولى وقفت منذ البداية ضد هجوم "فتح الشام" على مقرات الفصائل الأخرى، وصعدت من لهجتها ضد الجبهة بعد رفضها لجميع المبادرات، وهو ما أزعج الجبهة، وجعلها تخرج للجميع بتحالف جديد.

وسعت "فتح الشام" منذ منتصف العام الفائت لإتمام عملية الاندماج بين كافة فصائل الشمال السوري، إلا أن العملية لم تكتمل بسبب مطالبتها بمعظم المناصب القيادية، ومحاولتها السيطرة على القرار السياسي، ما جعل عددًا من الفصائل، على رأسهم "أحرار الشام" تتردد في الموافقة على عملية الاندماج، وكان لرفض "فتح الشام" الخروج من الشطر الشرقي لمدينة حلب، ومن ثم هجومها على مقرات الفصائل في الوقت الذي كانت لقوات النظام والميليشيات الأجنبية التي تحاول اقتحامها أثرًا سلبيًا على طبيعة العلاقة مع باقي الفصائل.

وكشفت وثيقة تم تداولها بين وسائل الإعلام المحلية في الـ7 من الشهر الجاري عن تشكيل "مجلس قيادة تحرير سوريا"، ضم 9 فصائل في الشمال السوري، معظمها تعرضت مقراته لهجوم "فتح الشام" خلال الأيام الأخيرة.

وأكد القيادي في "أحرار الشام" إياد الشعار صحة مضمون الوثيقة بقوله: "الورقة التي وقعت عليها عبارة عن مسودة اتفاق من أجل تشكيل عمل جبهوي ستعرض على جميع الفصائل وكان الاتفاق ألا يتم الإعلان إلا بعد الانتهاء من العمل كاملًا بحيث يصبح جاهزًا خلال مدة 3 أشهر".

ويبدو أن "فتح الشام" سارعت لإعلان التشكيل الجديد خوفًا من عملية اندماج مفاجئة تطيح بنفوذها في شمال سوريا، ما يعني التمهيد للقضاء عليها نهائيًا، كما أن أي تشكيل جديد سيساعدها على تجنب غارات التحالف الدولي، ريثما تعيد ترتيب أوراقها، وتوزيع مقراتها العسكرية من جديد، إلا أنه من المرجح أن يكون مسألة وقت، كون البنتاغون هدد باستهداف أي فصيل يتحالف مع الجبهة.

اقرأ/ي أيضًا: 

معسكرات فتح الشام تحت نيران التحالف الدولي

مفاوضات الأستانا..ضغوط روسية ومناورات إيرانية