03-مارس-2024
جوستاين جاردر

عند الحديث عن كتب الفلسفة المبسطة لجمهور القراء غير الضليعين بها، لا يمكن إغفال ذكر جوستاين غاردر، فقد ألف العديد من الروايات التي تعالج القضايا الوجودية الكبرى بلغة سردية شيقة وجاذبة، وتفاوتت الروايات في مستواها المعرفي فكان معظمها موجهًا للناشئة واليافعين كعالم صوفي، وبعضها للبالغين مثل رواية مايا. وقد ترجمت رواياته إلى لغات عديدة. وفي هذا المقال نبذة عن الكاتب ورواياته المترجمة إلى العربية تحديدًا.

 

تعريف عام بالكاتب

ولد جوستاين غاردر عام 1952 في النرويج، ونشأ في أوسلو، كان والده مدير مدرسة، وأمه معلمة وكاتبة قصص للأطفال، فنشأ في كنفهما في جو يسوده حب العلم والاطلاع، وكان كما يقول عن نشأته يتمتع بحرية عالية في الحديث والتعبير عما يجول بخلده من أسئلة وأفكار، هذه المساحة التي أُعطيَها ساهمت في ترك فطرته الطفولية سليمة ودهشته نحو العالم والكائنات، حتى جاء اليوم الذي قرر فيه أن يعبر عن هذه الدهشة وصرّح بأفكاره حول تعجبه من وجوده ووجود العالم والكائنات، فما كان من أبويه إلا أن اعترتهما الدهشة من قوله. فقرر منذ ذلك الحين أن يحتفظ بدهشته لنفسه ووعد أن يظل طفلًا لا يألف العالم.

الموضوع الفلسفي هو البطل الذي تتمحور حوله ومن أجله بقية الأحداث في مختلف نصوص جوستاين

رواياته المترجمة إلى العربية

كثيرًا ما يطغى الموضوع الفلسفي على قصص جوستاين، بل إن الموضوع الفلسفي هو البطل الذي تتمحور حوله ومن أجله بقية الأحداث في مختلف النصوص. يبدو جوستاين مسكونًا بالحكاية، وعن هذا يقول إن أدمغة البشر (حسب قناعته) مخلوقة لتلقي القصص لا المعلومات. فغلبت على رواياته أساليب القصة في داخل القصة، أو المراسلات الورقية أو الرسائل الإلكترونية، وعادة ما يفضل استخدام الراوي المتكلم، فيجعل القصة مسرودة على لسان أحد أبطالها. وللأسف لم تترجم رواياته كلها إلى العربية فظلت روايات (كش ملك، ابنة صانع الخواتم، الأقزام الصفر، لغز عيد الميلاد، وغيرها) دون ترجمة، وفيما يلي قائمة بأبرز الروايات التي ترجمت إلى العربية وجميعها صدرت عن دار المنى السويدية للنشر والتوزيع إلا رواية مايا صدرت عن دار كلمة.

  • سر الصبر 1990
  • عالم صوفي 1991
  • مايا 1999
  • فتاة البرتقال 2003
  • قلعة في البرينيه 2008
  • أسئلة وتساؤلات 2012
  • عالم آنّا 2013
  • نحن الذين هنا الآن 2022

 

  1. رواية سر الصبر

كُتبت هذه الرواية قبل عالم صوفي وفتاة البرتقال، ولكنها تُرجمت بعدهما. تتحدث سر الصبر (لغز السوليتير) عن الفتى هانس، الذي سافرت أمه إلى اليونان (بلاد الفلاسفة) لتكتشف الحقيقة، حين كان هو في الـ4 من عمره، فيخرج في رحلة برفقة والده وهو ابن (12) سنة، من النرويج إلى اليونان وخلالها يتوقفان عن مسيرهما في عدة أماكن كالمعابد والمعالم في المدن والضواحي ومن خلالها تُروى الحكايات الأسطورية المتعلقة بها. 

رواية سر الصبر تعتمد أسلوب القصة داخل القصة، تمتزج في ثناياها الأساطير والأحداث الفنتازية. حين يصل هانس ووالده إلى مدينة دورف ويدخلان مخبزًا يتولى شؤونه خباز باسم هانس أيضًا. الذي يعطي الطفل كعكة في داخلها كتاب غامض صغير جدًا، لا يُقرأ إلا باستخدام عدسة مكبرة أشد غرابة، ويذيقه الليموناضة الأرجوانية العجيبة.

في الكتاب الذي سيقرؤه هانس الفتى، قصة أوراق اللعب الـ52، وسيتعرف على قوانين لعبة السوليتير، وهي ترميز ذكي للحياة بألغازها والبشر الذين يحيون حياتهم ضمن أدوار مؤطرة، بينما كما هو معتاد من جوستاين لا بد أن يكون هناك عنصر/ فرد لا يتماهى مع هذه الرتابة، وهو هنا يتمثل بورقة الجوكر، التي كانت تطرح الأسئلة حول اللعبة ومبتكرها. فهل يكون الجوكر هو الفيلسوف؟

هذا التداخل بين السرد الواقعي والفنتازي الحالم الذي يتلبّس الأساطير، وخلال السير في رحلة باتجاه أرض الفلاسفة يتيح للقارئ خوض مغامرة شيقة مع الأب وابنه وسيلمس الرابط العاطفي الدافئ بينهما، وهو بين التشويق والفضول ستتملكه الرغبة في حل ألغاز الرواية وألغاز الحياة على حد سواء.
 

  1. عالم صوفي

رواية عالم صوفي
اختار جوستاين لبطلته اسم صوفي تحديدًا لكون كلمة صوفيا تعبر عن الحكمة في اللفظ الإغريقي

وفاء لهانس الصبي في سر الصبر، كتب جوستاين ملخصًا فلسفيا مبسطًا أراد منه أن يعمق الشرح عن الفلسفة والأفكار التي رغب في إيصالها لهانس والفتية من عمره، فكانت رواية عالم صوفي العمل الثاني الذي جاد به قلمه. في البداية أراده أن يكون مجرد ملخص لتاريخ الفلسفة أي أنه كتاب فلسفة مبسط وموجه إلى الناشئة. وكان مسكونًا بالشعور بالواجب تجاه الفلسفة وإرث المعلمين، الواجب الذي يحتم عليه تبسيط هذه المعرفة وكسر الحاجز بينها وبين المتلقين من الجمهور العادي غير المتخصصين في المجال، وكان لا يتوقع أن يجني منه الكثير، ولحسن الحظ كانت هذه الرواية سببًا في شهرته العالمية وترجمت إلى عدة لغات.

تتحدث الرواية عن صوفي أمندسون ومعلمها ألبرتو كنوكس الذي باغتها ببطاقاته البريدية التي أخرجتها من لامبالاة العادي إلى مواجهة الدهشة الكامنة في هذا العالم، بسؤالها (من أنت؟ من أين جاء العالم؟) ومن هذين السؤالين تستعرض الرواية تاريخ الفلسفة بدءًا بالأساطير ووصولًا إلى الفلسفة المعاصرة، مرورًا بكل رواد الفلسفة الغربية على امتداد 3000 عام.

وقد اختار جوستاين لبطلته المتخيلة اسم صوفي تحديدًا كما يشرح في الرواية لكون كلمة صوفيا تعبر عن الحكمة في اللفظ الإغريقي، وهي دلالة مستمدة من (الجانب الأنثوي/الأمومي من الإله) هذه الدلالة التي لعبت دورًا في الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية في القرون الوسطى.

مع استكمال النصف الأول من الرواية سيتضح أن بطلي القصة الحقيقين هما المايجور في قوات حفظ السلام ألبرت كناغ وابنته هيلد، التي أراد أن يهديها في عيد ميلادها هدية لا مثيل لها، فألف لها رواية عن صوفي وأستاذها وتاريخ الفلسفة. فصوفي إذن هي بطلة رواية في رواية أخرى.

 

  1. رواية مايا

في رواية مايا يبرز عنصر الغموض والألغاز أكثر. تدور الأحداث في جزيرة تافوني، وتجمع بين عالم أحياء من أستراليا، جاء إلى الجزيرة في إجازة، ويقابل هناك عدة أشخاص منهم زوجان جديدان إسبانيان غارقان في الحب، وروائي إنجليزي أرمل في فترة حداد، وهو (أي العالم) فقد ابنته وهجرته زوجته؛ وإليها يكتب رسالة، هي هذه الرواية نفسها.
من خلال أحداث الرواية وحواراتها، تتطرق الشخصيات إلى تأمل العالم من منظور فلسفي مرة ووجودي مرة وتطوّري مرة أخرى. وفي ثنايا القصة ينسج جوستاين مكائده الماكرة بتوظيف ورق اللعب مجددًا وخروج الجوكر منها إلى الحياة، هذه الغرابة التي تغلف النص الممزوجة بالتشويق، تجعل من أي رواية؛ رواية تستحق القراءة بلا شك. فهي رواية غريبة تتحدث من منظور أشد غرابة عن عالم فكرة وجوده مدهشة وغريبة بحد ذاتها، وكما يقول في الرواية "لو تعلق الأمر بالاحتمالات، لأوشك هذا الوجود على الاستحالة".

 

  1. رواية فتاة البرتقال

رواية فتاة البرتقال
الرواية دعوة لتقدير اللحظات القصيرة والعمر المحدود الذي نحياه كبشر على متن الكوكب

رواية فتاة البرتقال رواية حب وفلسفة وهي أيضًا تتبع أسلوب القصة داخل القصة، تدور أحداثها في النرويج، ويحكيها شاب صغير (جورج) الذي يتسلم رسالة ورقية ضخمة يعود إلى والده المتوفى قبل أكثر من عقد من الزمان. يقرأ علينا جورج رسالة والده التي تروي قصة فتاة البرتقال.

فتاة البرتقال هذه، هي البنت التي وقع الأب في حبها، وأثارت فضوله وسكنت قلبه وفكره، فاستمات في محاولة إيجادها، ليكتشف أنها صديقة طفولته فيرونكا. يقصّ الأب الحكاية على ابنه الذي يجهل متى سيقرؤها، والحال الذي صار إليه. فالأب قد كتب الرسالة وتركها إرثًا مخبئًا في الفترة التي اشتد فيها المرض عليه وتأكد أنه سيفارق هذه الحياة وزوجته وابنه ذا الـ4 أعوام.

الرسالة لا تقتصر على قصة الحب؛ بل هي مدججة بالأسئلة الفلسفية والتأملات الوجودية لهذه الحياة. ولهذا الكوكب البديع، والدهشة التي يثيرها تأمله كله -أرضًا وسماءً- فينا. والرواية دعوة لتقدير اللحظات القصيرة والعمر المحدود الذي نحياه كبشر على متن الكوكب. تبدأ الرسالة بعبارة مكتوبة من قبل رجل كان حيًا وغاب: (هل أنت مرتاح في جلستك يا جورج؟) وتنتهي بأكثر الأسئلة ثقلًا: (هل لو أتيحت الفرصة لأي منا باختيار الحياة رغم معرفتنا بأن العمر محدود وأن النهاية قادمة لا محالة وإن كنا نجهل توقيتها (وهذا الجزء الأسوأ) هل كنا لنختار الحياة رغم كل شيء؟ أم أننا كنا لنختار عدم خوضها أساسًا؟

 

  1. رواية قلعة في البرينيه

رواية قلعة في البرينيه قصة حب أخرى ممزوجة بالفلسفة تطل علينا من هذه الرواية، وهذه المرة بين شابين متحابين يفترقان ويختار كل منهما طريقًا في الحياة يخالف الآخر، وما فرّق بينهما كان حادثة غامضة تعرضا لها واختلفا على دلالتها وانعكاسها في عالم كل منهما، على إثر هذه الحادثة تختار سولرن الإيمان بوجود قوة علوية، بوجود الله، ويتمسك ستاين بموقفه من عدم الإيمان إلا بالمادة والعالم المشهود وكل ما هو قابل للتفسير بالعلوم التجريبية. هذا الشرخ في المعتقد الذي طرأ على معتقد كل منهما، تسبب في انفصال الحبيبين. فجمعتهما الصدفة/القدر (حسب وجهة نظر كل منهما) بعد 30 عامًا، وهما على إثر هذا اللقاء يقرران تبادل رسائل البريد الإلكتروني ومناقشة قضايا تتعلق بماضيهما وما جرى معهما واختلاف معتقداتهما، بشرط حذف الرسائل أولًا بأول، لأن حذفها سيمنحهما مساحة للتعبير بأريحية دون تحفظ ودون ندم.

هذا الكتاب ليس موجهًا لليافعين، فالرسائل في محتواها كانت شرحًا مطولًا على لسان البطلين لقضايا عديدة مرتبطة بموضوعات روايات جوستاين كلها (الزمن، الحب، الفلك، جوهر الحياة وروحانيتها وماديتها…) قد يجد القارئ هذه الشروح أقرب إلى مادة علمية، والحوار بين الروحانية والمادية أشبه بمحاضرات، وربما يشعره ذلك بالملل خاصة أن اللقاء بعد 30 عامًا ليس الغرض منه إشعال جذوة الحب بينهما مجددًا بقدر ما هو ذريعة لنقاش كل ما سبق. وعلى خلاف فتاة البرتقال فالجانب الشاعري في الرواية ليس ظاهريًا بالمعنى الرومانسي المعتاد.

ولكن، تظل الرواية عملًا قيمًا يضاف إلى أروع الروايات التي كتبها جوستاين غاردر، أو التي كتبها غيره ضمن نطاق موضوعات تأمل الوجود الإنساني نفسه.

 

  1. أسئلة وتساؤلات

قصة أسئلة وتساؤلات جوستاين غاردر
في القصة أسئلة تشوبها العاطفة والحزن والمخاوف الطفولية

هذا الكتاب (أسئلة وتساؤلات) قصة مصورة موجهة للأطفال. من ناحية النص فهو ليس أكثر من أسئلة. لكنها أسئلة من ذاك النوع الذي يحمل في طياته تأملات طفل عن نفسه والحياة والعالم، أسئلة تشوبها العاطفة والحزن والمخاوف الطفولية، ومن ناحية الرسوم فهي رسوم إبداعية (بريشة أكين دوزاكين) تتضافر مع النص في تفاصيلها وألوانها الشاحبة والحزينة وكأنها مرآة لقلب الطفل الذي يسأل.

يسأل الطفل عن الحياة وعن طبيعة العالم، والفضاء، والملائكة والأشباح والزمن والذكريات والخسارات والخوف والسعادة والتفكير بالمستقبل، والخالق والموت، ويسأل عن إمكانية تماثل توأمين كتماثل قطرتي ماء (وأن يتماثل عقلان)، والواقع والحلم والتعبير الكلامي، والصداقة، والمصير، وهدف الوجود فيختم بسؤال (ماذا يجدر بي أن أفعل بحياتي).

ويظهر في معظم الرسوم طيف لتوأمه/شبحه، الذي ربما يرمز إلى توأمه الميت الذي يرقبه من عالم آخر، أو كأنه روحه الواعية وذاته العليا التي تراقب حياته وأفكاره. وأيًّا كان التأويل، فهذه القصة رغم قصر نصها، استطاعت أن تطرح كل ما يؤرق الإنسان (الطفل) وكل ما يدهشه في هذا العالم بأرقّ ما يمكن دون تفصيل يخلّ بزخم السؤال، أو شرح يُفشِل الغموض القائم عليه. فكما كان جوستاين قادرًا على توظيف هذه الأسئلة ذاتها في رواياته الطويلة، استطاع امتلاك زمام الموضوعات وتكثيفها بأسئلة لا تتجاوز عدة أسطر.

 

  1. رواية عالم آنّا

في روايته عالم آنّا يختار جوستاين غاردر طرح موضوع البيئة ومصير الكوكب الموشك على الخراب، من خلال آنا الشخصية الأولى التي تُهدى خاتم ياقوت أحمر كإرث عائلي عندما تبلغ الـ15، وفي مستقبل بعيد 2082 تطل علينا نوفا التي من المفترض أن تكون حفيدة آنا المستقبلية، ووريثة الخاتم نفسه، وكأنه (الخاتم) حلقة وصل بين الزمانين.
في عالم نوفا يكون الكوكب في حالة دمار بسبب سلوك الأجيال السابقة على مر عشرات الأعوام، فتنقرض الحيوانات وتتضاءل الغابات بفعل التلوث والاحتباس الحراري والتغير المناخي، فترسل نوفا رسائل إلى جدتها في الماضي (آنّا) لتلومها على التفريط في الكوكب، والتفريط في حق الأجيال اللاحقة فيه، وتسليمه كتَرِكة غير صالحة للعيش.

غير أن الحبكة الروائية على ما يبدو جاءت في هذه الرواية على غير المتوقع، فبعض القراء وجد الأسلوب السردي مملًا ويشوبه النفَس الوعظي، وأن محتوى الرسائل مباشر وأحداث الرواية تخلو من التشويق مقارنة برواياته السابقة. وفي كل الأحوال فهذه الرواية موجهة للناشئة ليدركوا مسؤوليتهم (وكذلك البالغين) في حماية الكوكب وتسليمه لمن بعدهم قابلًا للعيش.

 

  1. نحن الذين هنا الآن 

نحن الذين هنا الآن جوستاين غاردر
"لدينا أسباب كثيرة لنناضل من أجل عالم أفضل. ولدينا الكثير من الأسباب الوجيهة للإيمان بعالم أفضل"

هذا العمل آخر ما كتبه جوستاين غاردر، وهو موجه لأحفاده (الحقيقيين الـ 8 الذين يذكرهم بالاسم في المقدمة) ولنا أيضًا أحفاده المعرفيين إن جاز التعبير. وهو يسميه (الرسالة المفتوحة) لأنه نص يصلح لأن يقرأه الناس جميعًا وإن كان موجهًا ومهدىً لأشخاص محددين.

الرسالة تأتي في 18 فصلًا عدا المقدمة والشكر الأخير، يتناول فيها جوستاين موضوعات هامة تخص الحياة على هذا الكوكب. المخاطر التي تهدده وأهمية تثمين هذه الحياة وضرورة تركه صالحًا للعيش من أجل الأجيال اللاحقة. كما يتحدث عن الأحافير وعن الفلك والزمن، وكذلك عن الحب وقيمة الروابط الإنسانية.

ما يميز هذا النص هو قربه من القلب، فرغم حضور هالة جوستاين ونَفَسه الإنساني في أعماله عمومًا، يظل هذا النص قريبًا من قلبي لأنه موجه منه بصفته الشخصية (الجد جوستاين) لنا نحن الذين سنعيش عمرًا طويلًا (كما يرجو لنا) ونشهد أحداث السنوات القادمة التي يصفها بالحاسمة في تاريخ العيش على هذا الكوكب، فحسب قوله: "لدينا أسباب كثيرة لنناضل من أجل عالم أفضل. ولدينا الكثير من الأسباب الوجيهة للإيمان بعالم أفضل".

 

في رواياته يبدو جوستاين غاردر مسكونًا بقضايا الفلسفة والوجود الإنسان ولغز الحياة: (نشأتها ومعناها)، وقد يبدو كأنه يكرر نفسه في قليل أو كثير مما يكتب باختلاف الحبكة الروائية والشخوص وتنوعها. ومهما يكن، ستظل روايات جوستاين تتمتع بسطوة خاصة مهما كان مستوى النص، ومهما بلغ تماهي القراء معه.. ففي ختام كل نص.. هنالك تلك النبضة المتزامنة مع انقباضة تلازمني؛ كأن بابًا رحبًا على الأسئلة والدهشة الذي كان مفتوحًا على مصراعيه قد أُغلق، تاركًا إياي أتخبط، متروكة للإجابات على اتساعها، بلا تتمة. وكأن نصوصه لا نهائية، يظل صداها يتردد ويتضخم. فأجد نفسي أغلق الكتاب ولا أملك إلا أن أحضنه مودّعة و"مودِعة" إياه في قلبي المضطرب، وأتفحص إيقاع نبضي يهدأ ثم يجن ثم يهدأ مرة أخرى.. وهكذا يبقى أثر النص يلازمني وإن خبا.