28-مارس-2021

الحب ثمرتك الناضجة لك وحدك (Getty)

الثلاثاء: 31/7/2018

كل عام وأنا كما تعرفين، أما بعد

كنت أفكر أمس أن يكون يوم إجازة، لأحتفل فيه بنفسي، كونه قد صادف عيد ميلادي الخامس والأربعين، ولكن ما معنى أن أحتفل وليس معي أحد سواي، لم تتذكري بالطبع أن أمس كان عيد ميلادي، على الرغم من أنني ذكرتك به في رسائل سابقة. تخيلي كم تؤثر في هذه التفاصيل الصغيرة، ليس لأنّني طفل أو ساذج بل لأنّني أشعر بالبراءة وأنا أتحدث مع من أحب، هنا أنا لا أحب الفلسفة، وأنه في داخل كل منا طفل علينا ألّا نقتله، كم أكره هذه الجملة التافهة وإن تلفظ بها كتاب كبار فهي لم تعجبني لأنها جملة غبية بالفعل.

مؤلم جدًا أن يحدث ذلك، ولكنه حدث على كل حال، ولذا وصلت إلى قناعة مُرة وهي أننا صديقان، ولكننا أيضًا غير حميمين، علاقتنا صارت تشبه زملاء العمل، جفاء، ورفع عتب، ويطمئن أحدنا على الآخر أنه ما زال على قيد الحياة، وأن أموره تأخذ روتينها المعتاد، وربما صرنا في قرارة أنفسنا نتمنى أن يصحو أحدنا وفي داخله رغبة ألا يجد الطرف الآخر، ولا يرد على رسائله، فيريحه من عناء ما، فلم يعد مهما وجوده. لم نعد صديقين حتى، كما أننا بالمؤكد لم نعد حبيبين بتاتًا.

وعلى الرغم من كل ذلك سأواصل الكتابة، ولتسمح لي فخامتك أن أحدثك قليلًا عن الفرق بين الحب والصداقة، ذينك المعنيين اللذين خسرناهما معًا.

أثارتني هذه الجملة في رواية رجالي للكاتبة الجزائرية مليكة مقدم: "الصداقة هي الحب محرومًا من الجنس"، هذه هي المرة الثانية أو الثالثة التي أستخدم فيها هذا المقتبس، ولذا أن تدعي امرأة أنها تحبك دون أن تذهبا معًا برضا كامل إلى الفراش لممارسة الحب ما هو إلا صداقة قوية، ليس إلا. الحب بين شخصين هو أن يكونا أيروسيين حتى الموت. وأنت لم تعودي روحية حتى، فكيف ستفكرين بمتعة الجسد معي، فالجنس بلا عاطفة كما يقول باولو كويلو: "عنف نمارسه على أنفسنا". كم كنت أتمنى في قرارة نفسي أن يكون احتفالي خاصًا، في هذا اليوم، عندما همست لك: هل يناسب أن نلتقي يوم الاثنين، تذرعت بما لا يقنع أكثر الأطفال سذاجة، فكثيرة هي أيام الاثنين التي التقينا بها، كنت أرغب أن يكون يومًا خاصًا بحضرتك، فليس أجمل من أن تحتفل بعيد ميلادك في حضرة امرأة ادعت يوما ما أنها تحبك. لا عليك، هل ستتذكرين الآن أنه كان أمس عيد ميلادي، لا بأس، لقد فات الأوان، ولم يعد له طعم أو مذاق، إنه أشبه بثمرة تركت في العراء فتعفنت.

لعلك تلاحظين أنني قد امتنعت منذ فترة عن أن أكتب قصائد غزلية، وامتنعت عن عادتي الساذجة في أن أرسل لك قصيدة كل صباح، فالحب ليس أن تبعث قصيدة لامرأة جميلة تصف فيها ما خلقه الله وترى أن فيها شهوة الحياة، دون أن تتذوق طعمها بكل ما أوتيت من لذعة المذاق. عندئذ لن تكون إلا شاعرًا مهذبًا يتغنى بهذا الجمال كما يتغنى شاعر آخر بجمال وردة أو سروة أو نجمة في السماء. وإذًا ستكون صديقًا وفيًا ومخلصًا لتقف عند العتبة ولا تتخطاها، واضعا بينك وبين تلك المرأة ستارًا كثيفًا من زجاج، ترى الماء، وظل الماء وتبقى عطشًا. لم نعد صديقين وفيين أيضًا، لقد خانت النفس شقيقتها كثيرًا، خيانات قاسية يومية.

كيف تذكرتني أمس، وبعثت لي رسالتك أول النهار؟ ماذا كنت تقصدين؟ ربما هو العبث، ليس أكثر، أعجبتك رسالة ما ربما كانت من عابث ما، فتصدقت علي بها، فــ"شكرًا جزيلًا"، عليك أن تدركي أن الحب ليس أن تسأل الشخص عن أحواله، وتطمئن على صحته، وهل ما زال على قيد الحياة. إنه بالفعل إن أجاب على رسالتك سيكون حيًا، ولكنك ماذا فعلت له ليكون مستمتعًا بهذه الحياة، وهل منحت أعضاءه وشهوة روحه حيويتها، وتفقدتها عضوًا عضوًا واطمأننت على سلامة فعاليتها. إن جعلتها راكدة دون حراك، فاعلم أنك صديق جيد فقط. الرسالة المحولة منك إلي، وربما أيضا لغيري كذلك، فما هي إلا كبسة زر، والكل يغدو مستمتعًا بتلك الرسالة الظريفة.

الحب ليس أن تزور شخصًا أو تحادثه، وتستمتع بأحاديثه، هذا إن كانت تلك الأحاديث تمتعك، فالمهرجون يفعلون هذا أيضًا، والأصدقاء كذلك يفعلون، وربما فعلها الأعداء أحيانًا، ولكنك هل أتيت محملًا بك، لتجعل كلك بين يدي هذا الشخص، ليعيد ترتيبك في أوضاع مجنونة تجعل الوقت غير الوقت، والمكان متحركًا منتشيًا يكاد يرقص من شدة الفرح.

الصداقة ثمرة عامة، متاحة لكل الناس، والحب ثمرتك الناضجة لك وحدك، هل استمتعت يومًا بالحب لتدرك اختلافه عن الصداقة، إياك أن تقتنع أن الحب لا يكون إلا بالنظر وبالمكابدة وحرق الأعصاب، إنه ليس حبًا إنه العذاب، الحب أن تعيش سعيدًا كل لحظة تغتسل فيها مع من تحب، ويختلط الدم بالدم والماء بالماء، ويصبح الجسدان جسدًا واحدًا، تصنعه كيمياء خاصة، يجعلكما كيانًا واحدًا معرفًا بشيء واحد هو الحب.

الحب ليس هو أن تذكر الشخص بعيد ميلاده، إنك تذكره بالاقتراب من النهاية، دون أن تجعل هذه النهاية محفوفة بزركشة اللون المصطبغ على جسد مشوب بشهوته، وإلا فإنك لن تختلف عن شركة الاتصالات التي ستذكره بعيد ميلاده أيضًا، ولا عن أسرة البنك الفلاني الذي يمنحك رقم حسابك الخاوي، والمخصص فقط لأغراض الراتب، فإنهم أشد وفاء منك، لا ينسون، وإن أنت نسيت.

الحب ليس شركة، وليس صداقة، إنه أن تموت مستسلمًا بكليتك لقدرك بين أحضان من تحب راضيًا مرضيًا مبتسمًا، وتقول: "لا أريد إلا أن أحيا بالموت فيك، ولا أموت إلا بالحياة فيك". هو باختصار أن تفهم أنك قد خلقت لأجله هو وحده، لتكون قديسه وقربانه، والصداقة أن تحرسه من العبث، ولم تكوني إحدى تينك الحسنيين. كيف يخسر المرء خسارتين في يوم مولده؟ لست أدري. تذكري ذلك النص الذي كتبته يومًا: "لا شيء ينفع لو كرهتِ". فلو كنت صديقًا وليس حبيبا حتى لتذكرت أن أمس كان عيد ميلادي الخامس والأربعين. أرجوك ألا تعتذري بعد قراءة الرسالة، فلا شيء ينفع إن نسينا، فالوردة في موعدها تكون جنة، والجنة في غير أوانها تكون صحراء قاحلة.

وبالمجمل- يا عزيزتي- فإنّ للناس آراءهم في هذا الموضوع، أما أنا فأرى أن من تحبها وتحبك يجب أن تصلا معًا إلى قمة النشوة الروحية المتمثلة بالممارسة الجنسية، عدا ذلك فإنه فلسفة خاوية من أي معنى، وتفتقر إلى المعنى الحقيقي من إيجاد الخلق على هذه الشاكلة.

هل ستتذكرين إن بقينا أحياء في العام القادم أن يوم 30/7 هو عيد ميلادي؟ ربما، والآن دعيني أختم.

 

المشتاق لكل شيءٍ فيكِ

فراس حج محمد

 

اقرأ/ي أيضًا:

من يعيد للمدينة ذاكرتها؟

عشبةُ الخلود البيضاء