25-أغسطس-2021

رواية "الصبي الخادم" (ألترا صوت)

ألترا صوت - فريق التحرير

تستعيد هذه المساحة الأسبوعية، كل أربعاء، ترجماتٍ منسية مختلفة الاتجاهات والمواضيع، كُتب لها أن تؤدي دورًا معينًا في لحظةٍ ما، قبل أن يطوي الزمن صفحتها فيما بعد، لتصير ترجماتٍ "طي النسيان"، بعيدة عن اهتمامات الناشرين العرب. إنها، بجملةٍ أخرى، مساحة يخصصها "ألترا صوت" لرد الاعتبار لهذه الترجمات، عبر لفت انتباه القراء والناشرين العرب إليها، في محاولةٍ لجعلها قيد التداول مجددًا.


انشغل الروائيون الأفارقة، على اختلاف توجهاتهم السياسية وخلفياتهم الثقافية والفكرية، بالتأريخ للاستعمار الغربي لبلدانهم، والإضاءة على التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تمخضت عنه، بالإضافة إلى رصد دوره في إنتاج الواقع الحالي للقارة التي تعيش، منذ أمدٍ بعيد، أزمات إنسانية ومعيشية تغذيها نزاعات أهلية دامية.

"الصبي الخادم"، رواية مكتوبة على شكل يوميات تحيط القارئ بالمصير الذي ينتهي إليه الأفريقي المتأرجح بين ثقافة مقهورة، وأخرى متسلطة

الكاتب والدبلوماسي الكاميروني فرديناند أويونو، (1929 – 2010)، واحدٌ من أبرز الروائيين الأفارقة الذين انشغلوا بتوثيق أحوال المجتمعات الأفريقية في ظل الاستعمار، حيث قدّم عددًا من الروايات التي تناولت هذه المسألة، وفي مقدمتها روايته الشهيرة "الصبي الخادم"، التي صدرت للمرة الأولى سنة 1966، ونقلها محمود قدري إلى اللغة العربية مطلع ثمانينيات القرن الفائت، حيث صدرت عن سلسلة "ذاكرة الشعوب" في "مؤسسة الأبحاث العربية"، في العاصمة اللبنانية بيروت، عام 1981، وهي أولى كتب السلسة التي عُنيت بتقديم نصوصٍ روائية أنتجتها شعوبٌ مختلفة.

اقرأ/ي أيضًا: تُرجم قديمًا: التاريخ السري لأمير موساشي

تقف الرواية على بدايات وصول الاستعمار الغربي إلى الدول الأفريقية، وتسلط الضوء على طبيعة العلاقة بين الأفريقي الأسود المستعمَر، والغربي الأبيض المستعمِر، وهي علاقة قائمة على الشعور بالمهانة بحسب ما جاء في مقدمة الروائي اللبناني إلياس خوري، محرر سلسلة "ذاكرة الشعوب" آنذاك، الذي أشار إلى إمكانية تلخيص تطور الرواية الأفريقية في ثلاث مراحل، هي: مرحلة اكتشاف الذات والتمسك بها، ومرحلة الاحتكاك بالغربي/ المستعمِر، والمرحلة النقدية. 

تنتمي رواية أويونو إلى المرحلة الثانية، حيث المثقف العاجز عن أن يكون مثقفًا أوروبيًا أو أفريقيًا، رغم علاقته بالمستعمِر واحتكاكه به من جهة، وجذوره الأفريقية من جهةٍ أخرى. وما تفعله هذه الرواية، شأنها شأن بقية الروايات التي تندرج ضمن هذه المرحلة، أنها تنقل: "هذا الواقع المرير، بروح تمتزج فيها السخرية اللاذعة بالأدب الأسود. ونكتشف في هذه الروايات تخلخل الوعي، والخوف، والموت، وهي تمتزج في ألحان جنائزية أفريقية"، وفق إلياس خوري.

ويضيف: "رواية أويونو "الصبي الخادم"، هي نموذج كبير الدلالات، على الواقع الثقافي الأفريقي. فأيونو الذي عمل صغيرًا مع الإرسالية الدينية في الكاميرون، ثم انتقل لإكمال دراسته، ثم عمل في السلك الدبلوماسي كممثل لبلاده في الأمم المتحدة، ينقل في هذه الكتاب تجربة معاشة بلغة السخرية والخوف. هذا الازدواج، السخرية، والخوف، هو الميزة الأساسية في هذه الرواية".

تروي الرواية قصة "تاوندي"، الطفل الكاميروني الذي كان يعاني من قسوة والده وتعنيفه المستمر الذي دفعه إلى الهرب من البيت، ثم القرية بأكملها، واللجوء إلى "الأب غيلبرت" الذي كان يعمل في إحدى البعثات التبشيرية الأوروبية، والذي سيعمّده ويمنحه اسمًا جديدًا هو "جوزيف"، ليبدأ منذ تلك اللحظة حياة جديدة بوصفه خادمًا فرنسيًا، كما توهم، للأب غيلبرت.

بعد وفاة الكاهن، ينتقل جوزيف إلى المقر العسكري، حيث سيعمل خادمًا لدى الكومندان. وهناك، سيتعرف إلى زوجة الأخير التي جعلت منه مرسالًا بين وبين عشاقها. وعند اكتشافه الأمر، كان أول ما فعله الكومندان، هو وضع جوزيف في السجن لأنه على درايةٍ بعلاقات زوجته الغرامية، بل والشاهد الوحيد عليها أيضًا، أي أنه مطّلع على ما يجعل من ادعاءات الكومندان حول الشرف والبطولة، خاليةً من أي معنى.

في السجن، يتعرض جوزيف لتعذيبٍ وحشيٍ ينهي حياته. وفي لحظات احتضاره، حين يعيده السجانون إلى أصله وهويته الأولى، يختزل جوزيف، أو تاوندي، ما خبره بقوله: "ما نحن؟ ما نحن الرجال السود المسمّون فرنسيين؟". ويضيف: "أنا من الكاميرون يا صديقي.. أنا من "الماكا".. كنت سأعيش طويلًا، حتى تشيخ عظامي، لو كنت طيبًا ولزمت بيتي.. في قريتي".

تقف رواية فرديناند أويونو على بدايات وصول الاستعمار الغربي إلى الدول الأفريقية، وتسلط الضوء على طبيعة العلاقة بين المستعمَر والمستعمِر

في جملته الأخيرة، يشير بطل الرواية إلى مسؤولية الغربي/ المستعمِر عما آلت إليه أحواله. ويقدّم، في الوقت نفسه، عينة معبرة عن طبيعة العلاقة بين المستعمِر والمستعمَر. وهي علاقة تبدو في الرواية أقرب إلى لعنة، تدفع الطرف المقهور والمستسلم إلى حتفه.

اقرأ/ي أيضًا: تُرجم قديمًا: ليلة القتلة

"الصبي الخادم"، رواية مكتوبة على شكل يوميات تحيط القارئ بالمصير الذي ينتهي إليه الأفريقي المتأرجح بين ثقافة مقهورة، وأخرى متسلطة. إنها رواية عن موت رمزي يتمثل في عدم شعور تاوندي بالانتماء إلى هويته الأولى، وآخر حقيقي يتجسد في مقتل تاوندي نفسه، على يد المستعمرين الغربيين الذي سعى للانتماء إلى هويتهم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تُرجم قديمًا: كيف يحيا الإنسان

تُرجم قديمًا: رواية الأصول وأصول الرواية