03-مايو-2023
Getty

تعمل روسيا على مراقبة مراكز تدريب الجيش الأوكراني في ألمانيا (Getty)

يتواصل ظهور التقارير المتزايدة في الدول الغربية عن اكتشاف نشاط استخباري روسي، عبر عملاء على اتصال في وكالات الاستخبارات الروسية، وتبرز هذه الظاهرة في دول أوروبا، وتُعد ألمانيا من أبرزها بحسب صحيفة نيويورك تايمز، التي نشرت تقريرًا حول النشاط الروسي في برلين.

تحول التجسس عبر السفارات إلى نمط واسع الاستخدام من قبل موسكو 

وتشير الصحيفة الأمريكية إلى أن النشاط التجسسي الروسي يدور عبر القنوات الدبلوماسية، حيث تتزايد التقارير الغربية، التي تتحدث عن استخدام روسيا لسفاراتها وقنصلياتها حول العالم في عمليات التجسس. 

وتكشف الصحيفة عن تحذيرات من قبل الاستخبارات الألمانية لمستويات مسؤولة في ألمانيا، تدور حول عدم وضع شاشات الحاسوب بالقرب من النوافذ، والتوقف عن استخدام أجهزة لاسلكية سهلة الاستعمال، وإغلاق ستائر النوافذ خلال الاجتماعات.

وتقول مراسلة نيويورك تايمز في برلين إن "الوضع يبدو هزليًا تقريبًا للمسؤولين في بلد من أقوى دول أوروبا، حيث كانت التوترات بشأن عمليات التجسس الروسية أمرًا أظهرت الحكومة الألمانية منذ فترة طويلة الاستعداد لتجاهله. لكن أصبح ذلك صعبًا بشكل متزايد منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث استقرت برودة على غرار حقبة الحرب الباردة في جميع أنحاء القارة، وأعيد تشكيل العلاقات مع روسيا".

Getty

عمليات طرد متبادلة 

في أواخر الشهر الماضي، كشفت روسيا عن ما وصفته بعملية الطرد جماعي لدبلوماسييها من ألمانيا، عندما أعلنت عن طرد أكثر من 20 دبلوماسيًا ألمانيًا من موسكو. 

ينقل تقرير "نيويورك تايمز" عن تحليلات ألمانية، بأن هذه كانت "علامة نادرة على جهود خافتة، لكنها متنامية للاستخبارات المضادة" التي تقوم بها برلين الآن ولو متأخرة، بعد سنوات من عمليات الاستخبارات الروسية على الأراضي الألمانية.

وكانت وزارة الخارجية الألمانية شديدة التكتم بشأن عمليات الطرد الأخيرة، حتى أنها رفضت وصفها بأنها عمليات طرد. لكنها، أقرت بأن رحيل الدبلوماسيين الروس مرتبط بـ "تقليص تواجد المخابرات الروسية في ألمانيا".

ولطالما كانت عمليات الطرد رد فعل ألماني شائع على عمل الاستخبارات الروسية، بما في ذلك، في أول اختراق برلماني في عام 2015 وصولًا إلى غزو أوكرانيا، عندما طرد 40 دبلوماسيًا إلى موسكو. لكن التحليلات الأمنية، ترى في تصرفات ألمانية باعتبارها جزءًا من جهد أوسع لتعزيز مكافحة التجسس.

Getty

وقال المحلل شتيفان مايستر، من المجلس الألماني للعلاقات الخارجية، إن "سنوات من إهمال الاستخبارات المضادة ستستغرق وقتًا طويلًا لإصلاحها". يتذكر مايستر، أنه عندما عمل مع وكالات تجسس ألمانية في العام 2000، لم يكن لديهم من يتقن اللغة الروسية بين الموظفين. 

بالمقابل، يتحدث مايستر، عن أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، جعل منذ فترة طويلة ألمانيا، صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا، هدفًا رئيسيًا للتجسس، قائلًا: "الروس ليس لديهم حدود، لديهم الكثير من الموارد التي يضعونها في هذه الحرب الهجينة، حرب المعلومات. ونحن دائمًا خلفهم ولو بخطوات قليلة". وأظهر مايستر ابتهاجًا بطرد أعضاء السفارة الروس، لكنه أضاف: "لماذا استغرق كل هذا الوقت الطويل؟".

عمليات في برلين

ويكشف التقرير، عن قيام مجموعات روسية يشتبه في صلاتها مع الكرملين، في عمليات اختراق لمستويات سياسية وبرلمانية ألمانية مرتين على الأقل. ويشير التقرير إلى أن آخر اختراق مكشوف كان قبل أشهر فقط من انتخابات عام 2021.

وقبل ذلك بسنوات قليلة، قتل مسلح متهم بعلاقته مع الاستخبارات الروسية، عنصرًا سابقًا من  المعارضين الشيشان بالرصاص في حديقة كلاينر تيرجارتن، على بعد أقل من ميل واحد من حي الحكومة في برلين.

وفي عام 2021، ألقت الشرطة الألمانية القبض على حارس أمن في السفارة البريطانية للاشتباه في نقله لوثائق من مكان عمله إلى المخابرات الروسية.

وفي نهاية العام الماضي، "وفي أكثر الحالات إثارة للقلق على الإطلاق"، كما تصفها الصحيفة، تم القبض على مدير في جهاز التجسس الألماني للاشتباه في نقله معلومات استخبارية هامة إلى الاستخبارات الروسية، تم جمعها منذ غزو روسيا لأوكرانيا العام الماضي. 

مركز العمليات

ما سبق، يدور معظمه حول السفارة الروسية في ألمانيا،  ويصف التقرير مبنى السفارة، بأنه "مجمع فخم من الأبراج الحجرية الشاهقة المنقوشة بمطارق ومناجل سوفيتية. ولطالما كان موقعًا للفتن والرعب والمكائد"، وفق وصف الصحيفة.

قبل غزو أوكرانيا، وحتى بعد سنوات من ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، اشتهرت السفارة بإقامة الحفلات الفخمة التي جذبت كبار المديرين التنفيذيين في شركات صناعة السيارات والسياسيين ونجوم كرة القدم والممثلين الألمان. لكن الصحيفة تضيف "اثنان من العاملين فيها، سقطوا من النوافذ، في ظروف غامضة، مما أدى لوفاتهم، لقد كان لها جانب مظلم".  

في عام 2021، عثرت الشرطة الألمانية على سكرتير للبعثة الدبلوماسية الروسية أمام مبنى السفارة على الرصيف ميتًا. وتعتقد سلطات الأمن الألماني أن الدبلوماسي الشاب عميل سري لجهاز الأمن الفيدرالي الروسي "FSB"، الذي تربطه المؤسسة الأمنية الألمانية في هجوم قتل المعارض الشيشاني في حديقة تيرجارتن.

يقول التقرير، إن "السر المكشوف أن معظم البعثات الدبلوماسية تستضيف جواسيس من بين صفوفها". ولكن على مستوى السفارة الروسية، قالت مساعدة كبيرة سابقة لميركل لصحيفة "نيويورك تايمز"، كانت من بين زوار السفارة مع العاملين في مكتبها، إنهم يتبادلون التخمينات بشأن عدد الذين يعملون في السفارة والذي يصل أحيانًا إلى 600.

Getty

ويبدو أن العدد الكبير في العاملين بالسفارة ليس مجرد تخمين، ففي  الفيلم الوثائقي الحديث الذي عرضته الهيئة العامة للبث الإذاعي "ARD" الألمانية، قيل أن عدد من يعمل في السفارة الروسية قبل الحرب في أوكرانيا كان أكثر من 500 موظف. وتفترض المؤسسة الأمنية الألمانية أن ثلث هؤلاء على ارتباط في الاستخبارات الروسية مباشرةً، كما تقول مساعدة ميركل. 

وسابقًا، كشفت وكالة المخابرات المحلية الألمانية، أنها وجدت معدات تجسس محتملة على سطح السفارة، مرجحةً استخدامها على نواب توجد مكاتبهم في نفس الشارع.

روسيا في الداخل

وحول مواجهة النشاط الروسي، يقول المسؤول السابق بوزارة الدفاع الألمانية، والذي يعمل الآن كباحث في مؤتمر ميونيخ للأمن نيكو لانج، إن تعقيد مواجهة النشاط الاستخباري الروسي في ألمانيا، يأتي نتيجة النظام الفيدرالي حيث تمتلك كل ولاية جهازها الاستخباري.

ويقر لانج، بأن عمليات التعاون وخدمات تبادل المعلومات والبيانات تتحسن، لكن يُقر بوجود الثغرات أيضًا. مشيرًا إلى أن النشاط الروسي الاستخباري يدور حاليًا حول معرفة معلومات عن الأسلحة المرسلة إلى كييف وتدريبات الجيش الأوكراني في ألمانيا. وتتابع الصحيفة الأمريكية، مؤكدةً على اكتشاف عملاء روسي بالقرب من مواقع تدريب عسكرية في ألمانيا.

كما قالت بولندا الشهر الماضي إنها كشفت عن شبكة تجسس روسية، كانت تهدف لتخريب خطوط السكك الحديدية في جنوب شرق البلاد، وهي طريق عبور رئيسي لشحنات الأسلحة إلى أوكرانيا.

أمّا القلق الألماني، فهو مرتبط في أزمات داخلية أيضًا، وتشير الصحيفة إلى أن أعضاء حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، الذي كان قادته ضيوفًا باستمرار داخل مبنى السفارة الروسية، يشغلون حاليًا مقاعد في بعض أهم اللجان النيابية من الخارجية إلى الدفاع.

القلق الألماني، فهو مرتبط في أزمات داخلية أيضًا، وتشير الصحيفة إلى أن أعضاء حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، الذي كان قادته ضيوفًا باستمرار داخل مبنى السفارة الروسية

ويقول النائب الألماني إيرهارد غروندل "أعضاء حزب البديل جلسوا في لجنة برلمانية، الأسبوع الماضي، أثناء مناقشة موضوع سري، يجلسون هنا، ولديهم أفضل العلاقات مع موسكو"، يضيف غروندل: "هذا هو الصداع الأكبر بالنسبة لي: العدو في الداخل".