17-مايو-2024
ونددت الأمم المتحدة، يوم الجمعة، بالاعتقالات الأخيرة للمحامين في تونس، قائلة إن الاعتقالات، التي شملت أيضا صحفيين ومعلقين سياسيين، تقوض سيادة القانون.

(Getty) توصف عدة انتهاكات في تونس بـ"غير المسبوقة" ولعل أبرزها اقتحام دار المحامي

قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" إن السلطات التونسية اعتقلت تسعة أشخاص على الأقل وسط تصاعد الإجراءات الحكومية في الأسابيع الأخيرة لإسكات التعبير الحر، ومحاكمة المعارضين، وقمع المهاجرين وطالبي اللجوء. مشيرةً إلى أنه "ينبغي للسلطات التونسية احترام وحماية الفضاء المتاح للمجتمع المدني المستقل للعمل بشكل تام وحر". كما نددت الأمم المتحدة في الاعتقالات التي نفذتها السلطات التونسية على مدار الأيام الماضية.

جاء ذلك، بعد إضراب عام نظم من قبل نقابة المحامين، يوم الخميس، حيث نزل المئات إلى شوارع العاصمة احتجاجًا على اعتقال اثنين من زملائهم في الآونة الأخيرة، ويشيرون إلى تعرض أحدهم للتعذيب خلال فترة احتجازه.

نددت الأمم المتحدة، بالاعتقالات الأخيرة للمحامين في تونس، مشيرة إلى أن الاعتقالات التي شملت أيضًا صحفيين ومعلقين سياسيين، تقوض سيادة القانون

وهذه هي المرة الثانية هذا الأسبوع التي ينظم فيها المحامون التونسيون إضرابًا وسط تصاعد الأزمة السياسية في البلاد بعد اعتقال محاميين وصحفيين الأسبوع الماضي في حوادث منفصلة، بالإضافة إلى نشطاء حقوق إنسان في مجال حماية المهاجرين.

واحتج المئات من الجبهة الوطنية للإنقاذ الأسبوع الماضي، مطالبين بتحديد موعد لإجراء انتخابات حرة ونزيهة. وتولى الرئيس التونسي قيس سعيّد، الذي تنتهي ولايته هذا العام، معظم سلطات الدولة وأغلق البرلمان المنتخب في عام 2021.

اقتحمت الشرطة التونسية مقر نقابة المحامين، يوم الإثنين، للمرة الثانية خلال يومين مهدي زقروبة الذي انتقد الرئيس التونسي بعد اعتقال محامية أخرى سونيا الدهماني خلال اقتحام سابق.

وقالت نقابة المحامين وجماعات حقوقية إن مهدي زقروبة تعرض للتعذيب أثناء اعتقاله، وإنه كان يعاني من كدمات شديدة وآثار عنف.

وتأتي هذه الوقفة عقب إصدار بطاقة إيداع بالسجن في حق المحامي مهدي زقروبة، ليلة الأربعاء 15 أيار/مايو 2024، على الرغم من تأكيد محامين أنّ قاضي التحقيق "عاين تعرضه لتعذيب وحشي"، ثم نقله عقب التصريح بالحكم إلى المستشفى في سيارة تابعة للحماية المدنية وهو في حالة إغماء، وفق ما أكدته هيئة المحامين في بيان صادر عن مجلسها المنعقد بشكل طارئ.

يذكر أن الهيئة الوطنية للمحامين بتونس كانت قد دعت، منذ الحادثة الأولى لاقتحام دار المحامي، إلى تنفيذ يوم غضب وطني الخميس أمام قصر العدالة بتونس تتخلله وقفة احتجاجية،  على خلفية "بث جو من الرعب والهلع والاعتداء بالعنف الشديد على بعض الحاضرين من المحاميات والمحامين بدار المحامي وتهشيم للتجهيزات في خرق واضح للإجراءات الجزائية وللقانون، فضلًا عن الإحالات وإيقاف عدد كبير من المحامين في محاولة يائسة لضربها وتفتيتها وإلهائها عن دورها الوطنى كقوة اقتراح وشراكة فعلية في إقامة العدل وحقها في قانون"، وفق بيان للهيئة.

وفي سياق آخر، أمر قاض تونسي، يوم الأربعاء، بسجن صحفيين على ذمة المحاكمة، حسبما قالت عائلتاهما ومحاميهما، مما يعزز المخاوف من حملة واسعة النطاق تهدف إلى إسكات المعارضة والحد من حرية التعبير.

قال محاموهما إن الصحافيين في إذاعة IFM مراد الزغيدي وبرهان بسيس، اعتقلا يوم السبت بسبب تعليقات سياسية في الإذاعة.

استهداف المعارضة

قالت مديرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش لما فقيه: "تبعث الحملة ضد العمل المتعلق بالهجرة وتزايد الاعتقالات بحق منتقدي الحكومة والصحفيين برسالة مخيفة مفادها أن السلطات ستستهدف أي شخص لا ينصاع لها. باستهداف مجموعات المجتمع المدني هذه، تقوّض السلطات التونسية الدعم الحيوي الذي تقدمه هذه المنظمات إلى المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء الذين يعيشون في أوضاع فائقة الهشاشة".

وأشارت هيومن رايتس ووتش إلى أنه، منذ 25 تموز/يوليو 2021، فكك سعيّد المؤسسات الديمقراطية في تونس، وقوّض استقلال القضاء، وخنق ممارسة حرية التعبير والصحافة. وأضافت المنظمة الحقوقية: "على شركاء تونس الدوليين الضغط على الحكومة لإسقاط خطة اعتماد مشروع القانون المتعلق بمنظمات المجتمع المدني، الذي من شأنه في حال إقراره أن يقوّض حرية تكوين الجمعيات".

وأوضحت فقيه: "استهداف المنظمات غير الحكومية التي تدعم المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين هو جزء من جهد أوسع لتفكيك الفضاء المدني في تونس. وعلى الاتحاد الأوروبي، الذي تعهد بملايين الدولارات لتونس للتعاون في مجال الهجرة، ضمان أن تحمي السلطات الفضاء المتوفر للمجتمع المدني المستقل للعمل على هذه القضايا في تونس".

وأفادت منظمة العفو الدولية، أن "الحكومة التونسية شنّت، خلال الأسبوعين الماضيين، حملة قمعية غير مسبوقة ضد المهاجرين واللاجئين، والمدافعين عن الحقوق الإنسانية لهؤلاء، وكذلك ضد الصحفيين. ويأتي ذلك بعد أقل من أسبوعين من اجتماع تنسيقي رفيع المستوى مع وزارة الداخلية الإيطالية حول إدارة الهجرة غير النظامية".

وقالت مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية هبة مرايف: "تصعد السلطات التونسية من حملات القمع الكيدية ضد منظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق المهاجرين واللاجئين عبر استخدام ادّعاءات مضللة حول عملها، ومضايقة ومقاضاة العاملين في منظمات غير حكومية والمحامين والصحفيين. وتؤدي حملة التشهير عبر الإنترنت وفي وسائل الإعلام، بدعم من الرئيس التونسي نفسه، إلى تعريض اللاجئين والمهاجرين في البلاد للخطر. كما أنها تقوض عمل مجموعات المجتمع المدني، وتبعث برسالة مروعة إلى جميع الأصوات المنتقدة".

وأضافت "يجب على السلطات التونسية أن تضع حدًا لهذه الحملة الشرسة فورًا، وأن توقف جميع الأعمال الانتقامية ضد العاملين في المنظمات غير الحكومية الذين يقدمون الدعم الأساسي، بما في ذلك المأوى، للمهاجرين واللاجئين. وينبغي للاتحاد الأوروبي أن يراجع بشكل عاجل اتفاقيات التعاون المبرمة مع تونس للتأكد من أنها ليست متواطئة في انتهاكات حقوق الإنسان ضد المهاجرين واللاجئين، ولا في قمع وسائل الإعلام والمحامين والمهاجرين والنشطاء".

ونددت الأمم المتحدة، يوم الجمعة، بالاعتقالات الأخيرة للمحامين في تونس، قائلة إن الاعتقالات، التي شملت صحفيين ومعلقين سياسيين، تقوض سيادة القانون.

وقالت رافينا شمداساني، المتحدثة باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، إن "المداهمات التي تم الإبلاغ عنها في الأسبوع الماضي على نقابة المحامين التونسيين تقوض سيادة القانون وتنتهك المعايير الدولية بشأن حماية استقلال المحامين وعملهم". مضيفةً: "مثل هذه الأفعال تشكل أشكالاً من الترهيب والمضايقة".

انتهاكات لا مثيل لها

أعرب مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، مهدي مبروك، عن اعتقاده أن ما حدث من اعتقالات واقتحامات لدار المحامي في تونس، لم يكن له مثيل سواء كان في عهد الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة أو رئيس النظام السابق زين العابدين بن علي، لافتًا إلى أن كل المؤشرات تؤكد أن العقل السياسي في الكثير من الأحيان في السنوات الأخيرة يمر بلحظة "هوجاء".

وفي حديث للتلفزيون العربي من العاصمة تونس، أضاف مبروك أن ما وصفه بـ"الاقتحام المريع والدموي" الذي رافق هذه العملية غير المسبوقة تؤكد مرة أخرى أن البلاد ذاهبة إلى التصعيد.

قالت نقابة المحامين وجماعات حقوقية إن مهدي زقروبة تعرض للتعذيب أثناء اعتقاله، وإنه كان يعاني من كدمات شديدة وآثار عنف

وقال: "السلطة تهدف ربما إلى الذهاب إلى انتخابات لا لاعب فيها إلا لاعب وحيد، ولا صوت يعلو فوق صوت السلطة"، منبهًا من أن هذه السياسات قد تكون لها آثار عكسية، وربما من شأنها إما أن تدفع بالناس إلى العزوف عن الانتخابات، أو افتقاد العملية الانتخابية للنزاهة، وبالتالي تصبح لا معنى لها، وتصبح جزءًا من العبث السياسي الذي تشهده البلاد منذ سنوات.

وعدد مهدي مبروك انتهاكات السلطات التونسية، مشيرًا إلى تلك ضد الأفارقة القادمين من جنوب الصحراء والراغبين في العبور، وأخرى تستهدف النشطاء الجامعيين الذين حاولوا منذ سنوات تنقيح القوانين المتخصصة في مسائل استقبال اللاجئين والمهاجرين، والثالثة هي جبهة الإعلاميين والصحافيين والمدونين، أما الجبهة الرابعة هي المنظمات المدنية وأساسًا عمادة المحامين.