25-يناير-2017

المبعوث الدولي للنظام يلقي كلمة خلال مؤتمر الأستانا (أليا رايميكوفا/الأناضول/Getty)

انتهت أمس الثلاثاء المباحثات التي عقدت بين النظام والمعارضة السورية في العاصمة الكازاخية "أستانا" باتفاق الأطراف الدولية على إنشاء آلية ثلاثية تقوم بمراقبة نظام وقف إطلاق النار، وذلك بالتزامن مع احتدام المعارك بين فصائل المعارضة وجبهة "فتح الشام" شمالي سوريا، وتوارد للأنباء عن حدوث انشقاقات متبادلة بين الطرفين.

شدد وفد المعارضة السورية خلال مباحثات الأستانا على انسحاب كافة الميليشيات المدعومة من إيران، وعلى رأسها "حزب الله" اللبناني

وبعد جهود دولية مشتركة لإنجاح اجتماع "أستانا"، أعلن وزير الخارجية الكازاخستاني، خيرت عبد الرحمنوف، عن البيان الختامي الذي توصل لـ"اتفاق حول إنشاء آلية ثلاثية (تركية، روسية، إيرانية) تقوم بمراقبة نظام وقف إطلاق النار وضمان الالتزام الصارم به، ومنع أي استفزازات، وتحديد مدى تطبيقه"، واستعداد الدول الثلاث لـ"محاربة الإرهاب في سوريا".

اقرأ/ي أيضًا: مفاوضات الأستانا..ضغوط روسية ومناورات إيرانية

رئيس وفد المعارضة، محمد علوش، أكد في تصريحات صحفية أن المعارضة لديها "تحفظات" على البيان الختامي، مشيدًا بالدور الذي لعبته روسيا لإنجاح المباحثات، بقوله إن "الروس انتقلوا من مرحلة كونهم طرفًا في القتال ويمارسون الآن جهودًا كي يصبحوا أحد الضامنين وهم يجدون عقبات كثيرة من جماعة حزب الله اللبنانية وإيران والحكومة السورية".

وشدد وفد المعارضة خلال المباحثات على انسحاب كافة الميليشيات المدعومة من إيران، وعلى رأسها "حزب الله" اللبناني، وحركة "النجباء" العراقية، في الوقت الذي بدأ النظام السوري يلمح لإمكانية دمج فصائل المعارضة مع قواته العسكرية، إذ لليوم الثاني على التوالي كرر رئيس وفد النظام، بشار الجعفري، دعوته لجميع الفصائل المشاركة في اجتماع "أستانا" بالانضمام لقوات النظام.

وانعكست المباحثات التي عقدت في "أستانا" على مدى اليومين الفائتين على الوضع العسكري شمالي سوريا، بعد أن بدأت جبهة "فتح الشام" في وقت متأخر من مساء أول أمس الاثنين هجومًا مفاجئًا على مقرات "جيش المجاهدين" في ريفي إدلب وحلب، بذريعة ذهابها للمفاوضات مع النظام السوري، واتسعت رقعة الاشتباكات بعد مؤازرة أكثر من فصيل لـ"جيش المجاهدين"، وإعلان الحرب على "فتح الشام".

ويملك "جيش المجاهدين" شعبية بين نشطاء الثورة السورية، كونه تشكل من مجموعة تحالفات بين فصائل المعارضة مطلع عام 2014 لقتال تنظيم "الدولة الإسلامية" في شمال سوريا، وتمكنه من السيطرة على أجزاء كبيرة كان التنظيم يسيطر عليها.

وأصدرت "فتح الشام" أمس الثلاثاء، بعد ساعات قليلة من إعلان البيان الختامي لمؤتمر "أستانا"، بيانًا هاجمت فيه فصائل المعارضة المشاركة في المباحثات، متهمًة إياها بـ"المساومة" عليها، و"عقد الاتفاقيات" لقتالها، و"كشف" مواقعها للتحالف الدولي الذي تقوده واشنطن.

وتعرضت "فتح الشام" خلال الشهر الجاري لأكثر من غارة جوية نفذتها مقاتلات التحالف الدولي على مواقع تابعة لها، آخرها القصف الذي استهدف قبل أيام معسكرًا لتدريب المقاتلين في جبل "الشيخ سلمان" بريف حلب الغربي، وأدى لمقتل نحو مائة متدرب، إضافة لخسارتها عددًا من القياديين البارزين في الغارات السابقة.

واشتعلت صفحات قادة الفصائل، والنشطاء السوريين منذ صباح أمس الثلاثاء على موقع "تويتر"، داعية جميع الفصائل لوقف الاقتتال، فيما أعلن "جيش المجاهدين"، وألوية "صقور الشام" النفير العام لقتال "فتح الشام"، وأصدر عدد من الفصائل بيانات منفصلة أعلنت وقوفها على الحياد في الاقتتال الدائر، بينها حركة "أحرار الشام الإسلامية"، أكبر فصائل المعارضة في الشمال السوري.

وكانت أبرز الردود التي اتخذت ضد هجوم "فتح الشام" على فصائل المعارضة من داخلها، عندما أعلن الشرعي العام في الجبهة، علي العرجاني، عبر صفحته الرسمية على "تويتر" انشقاقه، بالإضافة لتأكيد أحد شرعيي "جيش الإسلام"، أبو أنس الكناكري، انشقاق عناصر من "فتح الشام" وانضمامهم لـ"أحرار الشام" و"صقور الشام" في ريف إدلب.

يظهر من الهجوم الذي بدأته "فتح الشام" على المعارضة أنها تريد استباق أي اتفاق على قتالها من قبل فصائل المعارضة المشاركة في "أستانا"

ورغم التزام عدد من الفصائل الحياد في القتال الأخير، وإعلانها عن إرسال قوات فصل بين الطرفين، ونشر حواجز على الطرقات لمنع مقاتلي "فتح الشام" من العبور، تواردت أنباء عن حدوث اشتباكات بين "أحرار الشام" و"فيلق الشام" من طرف، و"فتح الشام" وحركة "نور الدين الزنكي" من طرف آخر، لم يتسن لنا التأكد من صحتها حتى لحظة إعداد التقرير.

اقرأ/ي أيضًا: معسكرات فتح الشام تحت نيران التحالف الدولي

ويظهر من الهجوم الذي بدأته "فتح الشام" أنها تريد أن تستبق أي اتفاق يفضي إلى قتالها من قبل فصائل المعارضة المشاركة في "أستانا" بعد دعوة الأطراف الدولية لتوحيد الجهود من أجل قتال تنظيم "الدولة الإسلامية"، و"فتح الشام" المصنفة ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية.

وتتجاهل "فتح الشام" بشكل أصبح واضحًا التزام عدد من الفصائل عدم الذهاب لـ"أستانا" تضامنًا معها، ويظهر أكثر محاولتها السيطرة على مناطق المعارضة في الشمال السوري، خصيصًا أنها قامت في فترات سابقة على مدى الأعوام الثلاثة الفائتة بالقضاء على أكثر من 10 فصائل من "الجيش السوري الحر" بحجة تلقيهم دعمًا أمريكيًا.

فيما تدرك فصائل المعارضة أهمية المرحلة الحالية، والجدية التي يظهرها الروس في تعاملهم مع المباحثات، ومحاولة عرقلة "فتح الشام" لأي مسعى تفاوضي من الممكن أن ينهي الأزمة السورية، وهو ما دفع عددًا من قادة الفصائل لترفيع وتيرة التصريحات الموجهة ضد الأخيرة، وإعلانهم قتالها حتى القضاء عليها، وليس ظاهرًا إمكانية التوصل لأي حل بين جميع الفصائل المشاركة في القتال، إذ لم تنفع بيانات التهدئة من إيقاف الاشتباكات التي اشتعلت في مختلف المناطق الريفية.

وإذا ما استمرت المعارك بين الطرفين، فإنه من المرجح أن تفضي نهايتها لاندماج فصائل المعارضة ضمن تشكيلات جديدة، من الممكن أن توقف القتال لفترة محدودة، وهو ما سيكون عاملًا إيجابيًا خلال المفاوضات مع النظام السوري، والذي كان واضحًا محاولة "فتح الشام" عرقلة التوصل لأي اتفاق، ما سينعكس سلبًا على تواجدها في شمال سوريا، وهو ما ستفضي إليه الأيام القادمة.

اقرأ/ي أيضًا: 

سوريا..سباق دولي لكسب أوراق التفاوض في الأستانا