31-أغسطس-2016

دبابات تركية على الحدود السورية

بين نفي أنقرة وتأكيد واشنطن فيما يخص اتفاق الهدنة بين قوات سوريا الديمقراطية من جهة وبين فصائل المعارضة من جهة أخرى، يتضح مدى الاختلاف بين القيادة التركية والإدارة الأمريكية حول الاستراتيجية المتبعة في الشمال السوري وتحديدًا بدخول الأتراك إلى الأراضي السورية.

فيبدو أن الأمريكان قبلوا على مضض هذا التدخل بشرط أن يتم تقديم مصالحهم المتمثلة بقتال تنظيم الدولة الإسلامية أولًا، وطردهم من الحدود التركية السورية إلى الداخل، ونزع المدن والقريات الحدودية من أيديهم، وقطع طرق الإمداد والمؤن والمقاتلين عنهم الآتية من أنقرة حسب الرؤية الغربية، في مقابل ذلك تؤيد الولايات المتحدة إبعاد الأكراد عن الحدود من قبل القوات التركية ووصولًا إلى ما بعد ضفة شرق نهر الفرات، التي تعتبرها أنقرة الحد الأقصى المسموح للأكراد الوصول إليه.

يبدو أن الأمريكان قبلوا على مضض هذا التدخل بشرط أن يتم تقديم مصالحهم المتمثلة بقتال تنظيم الدولة الإسلامية أولًا

على الأرض يبدو أن الأتراك وفصائل المعارضة تحقق تقدمًا ملحوظًا وسريعًا على حساب الطرفين، ففد انتهت من تأمين مدينة جرابلس وبسطت سيطرتها على ريفها وهي الآن على مشارف مدينة الباب وكذلك مدينة منبج التي تسيطر عليها الوحدات الكردية حليف واشنطن الذي يقاتل تنظيم الدولة الإسلامية.

اقرأ/ي أيضًا: بوتين ساعد أردوغان وفتح له طريق جرابلس

من هنا يبدأ تضارب الأولويات، حيث تريد الولايات المتحدة من أنقرة على ما يبدو البدء أولًا بمعركة الباب التي يسيطر عليها مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية، "وتحريرها" من أيديهم وعدم الالتفات إلى منبج، التي سيؤدي دخول الأتراك إليها بالسلاح إلى إحراج إدارة أوباما المتحالفة مع الأكراد، لذلك تم تأكيد التوصل إلى الهدنة من قبل الأمريكيين، حتى يتسنى لهم إقناع الأكراد بضرورة الانسحاب إلى شرق نهر الفرات، وتوجيه القوات التركية والفصائل المعارضة السورية المسلحة في ذات الوقت إلى مدينة الباب.

ما يتضح من ردود أفعال واشنطن أنها لن تسمح للأتراك بالعمل على إنهاء الوجود الكردي في الشمال السوري، فهي ربما لن تفي بالتزاماتها تجاههم حول احتمالية إقامة كيان كردي مستقل على الحدود، إلا أنها تعتبرهم حصانها الأسود -إلى الآن- في قتال تنظيم الدولة الإسلامية، كما تتخذهم أداة ضغط هامة وقوية على الدولة التركية لكي تبقى مراعية لمصالح واشنطن في المنطقة.

عدم رغبة الولايات المتحدة في إيجاد حل للنزاع السوري، وعدم رمي كامل ثقلها في الأزمة السورية، وتردد إدارة أوباما بشأنها، وسع من هامش المناورة والتدخل للأطراف الإقليمية كل حسب ما تقتضيه مصالحه، وهذا ما جعل الملف السوري يتشعب ويدخل في نفق المحاصصة بين اللاعبين بعيدًا عن رؤية السوريين ومشاركتهم في صنع القرار.

ستحدد الأيام وربما الأسابيع المقبلة خطة تدخل أنقرة في سوريا، وستتضح إذا ما كانت متناغمة من تطلعات واشنطن المهتمة بتحقيق نصر -ولو آني- على تنظيم الدولة الإسلامية، وعدم ذهاب الأتراك بعيدًا في تحركهم العسكري، فهل ستستجيب تركيا لما تطلبه أمريكا وتضمن بالتالي تأييد الأخيرة لها، أم أن شبح الأكراد سيظل يؤرق حلم الأتراك ويخلط حساباتهم وتحالفاتهم.

اقرأ/ي أيضًا:
لماذا دخلت تركيا إلى الحرب السورية
الأرضية الهشة للتدخل التركي في سوريا