21-ديسمبر-2017

أبو محمد الجولاني قائد هيئة تحرير الشام (يوتيوب)

لا يزال الغموض يتصدر المشهد العسكري لمحافظة إدلب، منذ تموز/يوليو الماضي، حين أعلنت هيئة تحرير الشام (هتش) سيطرتها على مدينة إدلب، تزامًا مع عدة تطورات شهدها الشمال السوري، كان أهمها الإعلان عن تشكيل حكومة إنقاذ بديلًا عن الحكومة السورية المؤقتة المدعومة من الائتلاف الوطني السوري المعارض، ومحاولة قوات النظام مدعومًة بالميليشيات الأجنبية، التقدم من ريف إدلب الشرقي، كل ذلك وضع المنطقة أمام احتمالات جديدة تلغي ما سبقها من توقعات مع بروز تطورات جديدة على الأرض.

في الأيام الماضية، أثير حديث عن أن نظام الأسد أبرم اتفاقًا يقضي بخروج مقاتلي هتش من الغوطة الشرقية، لكن بنود الاتفاق لا تزال غامضة

هتش خارج الغوطة الشرقية

لكن أبرز من كل ذلك، كان ما أثير خلال الأيام الماضية، حول اتفاق مع النظام السوري يقضي بخروج مقاتلي هتش مع عوائلهم، ومن يرغب من مدنييّ الغوطة الشرقية المحاصرة بريف دمشق، إلى محافظة إدلب، المنطقة التي أصبحت معقلًا رئيسيًا لهتش في شمال سوريا. ويسود الاتفاق الموقّع بين الطرفين غموض تام، حيثُ لم تفصح جميع الأطراف بما فيها فيلق الرحمن، عن بنوده.

اقرأ/ي أيضًا: عناد "هتش".. الإعلان عن حكومة ثانية في الشمال السوري

إلا أن البند الذي يعد سببًا في عرقلة تنفيذ الاتفاق حتى الآن، بحسب وسائل إعلام عديدة، كان سببه فشل إنهاء ملف مقاتلي هتش الأسرى لدى جيش الإسلام، بالأخص بعدما كشف عن مقتل 17 مقاتلًا لهتش من أصل الـ30 المحتجزين لدى جيش الإسلام، فضلًا عما نقل عن خلاف يسود مقاتلي هتش بين مؤيد ورافض للاتفاق، حيثُ هناك أحاديث عن إعدام جيش الإسلام لقياديين أردنيين في هتش، بينما نفى جيش الإسلام ما نشر عن تنفيذه إعدامات بحق عناصر هتش المحتجزين لديه على خلفية الاشتباكات التي اندلعت بين الطرفين قبل بضعة أشهر.

وبموازاة ذلك فإن هتش تخوض معارك عنيفة في ريف إدلب ضد قوات النظام، مدعومًة بالميليشيات الأجنبية، وتنظيم داعش لكن بشكل منفصل، حيثُ يسعى الطرفان للتقدم باتجاه المحافظة التي باتت تسيطر عليها هتش بشكل شبه كامل. وفرض التطور العسكري على هتش أن تجتمع مع ثلاثة من كبرى الفصائل الإسلامية في المنطقة، للاتفاق على إعادة إحياء غرفة عمليات جيش الفتح الذي كان قد تشكل عام 2015 من عدة فصائل للسيطرة على مدينة إدلب، ولاحقًا كافة مناطق الريف.

هتش في مواجهة تنظيم القاعدة أيضًا!

دخلت هتش في دوامة جديدة من الصراعات، وهي ما تشير إليه الوقائع المتوفرة، بعدما نشر حساب "انتهاكات جبهة النصرة" على فيسبوك، تسجيلًا صوتيًا قال إنه منسوب لأحد المقاتلين المنشقين عن هتش، حيثُ اتهم الصوت المتحدث، الشرعي السابق في جبهة النصرة أبو ماريا القحطاني، بالوقوف وراء خروج النصرة من عباءة القاعدة، ودعا مقاتلي هتش للانشقاق عنها، وتجديد البيعة للقاعدة مرة أخرى.

ويأتي هذا التسجيل بعد أقل من شهر على شن هتش حملة اعتقالات طالت قيادات القاعدة الأردنيين المنشقين عن هتش، بسبب موافقتهم على دخول القوات التركية إلى شمال سوريا. 

دخلت هتش مرحلة جديدة من الصراعات، ببعديها السياسي والعسكري، باعتقال قادة القاعدة شمال سوريا وبهجومها على مقار الحكومة المؤقتة

وزعم بيان صادر عن هتش، إن الحملة جاءت بعد أن فشلت جميع "مساعي الصلح"، واصفًة القيادات المعتقلة بـ"رؤوس الفتنة"، وهو ما دفع زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري للرد على حملة الاعتقالات عبر تسجيل صوتي مهاجمًا قائد هتش أبو محمد الجولاني، ونافيًا أن يكون قد وافق على فك بيعتها، الأمر الذي أعلنته جبهة النصرة في 2016 قبل أن تبدل اسمها لجبهة فتح الشام.

بيان هتش بخصوص حملة الاعتقالات التي نفذتها
بيان هتش بخصوص حملة الاعتقالات التي نفذتها 

وبذلك يبدو أن هتش دخلت في مرحلة جديدة باعتقالها لقادة القاعدة المتواجدين في الشمال السوري، والذي يؤكد أنها خلال الفترة القادمة قد تدخل في نزاع منفصل مع المقاتلين الذين لا يزالون يدينون بالولاء لتنظيم القاعدة، وهو ما قد يدفع بهتش لإعادة بناء تحالفاتها العسكرية السابقة مع الفصائل التي هاجمت مقراتها خلال الأشهر الماضية، لكنها في النهاية قد تتخذ من احتمالية التدخل العسكري ورقة ضغط في حال اضطرت لذلك.

اقرأ/ي أيضًا: 4 سيناريوهات محتملة ينتظرها الشمال السوري

هتش في واجهة الصراع السياسي

وإلى جانب الصراع العسكري الذي تخوضه هتش لتمتين نفوذها في محافظة إدلب، دخلت في صراع ثانٍ لكنه جاء سياسيًا هذه المرة، حيثُ دعت حكومة الإنقاذ الموالية لهتش، الحكومة السورية المؤقتة، إلى إخلاء مكاتبها في الشمال السوري، في خطوة مفاجئة بوصف المراقبين، وأول أمس الثلاثاء، قامت وزارة الداخلية في حكومة الإنقاذ بتنفيذ الإنذار، حين طلبت من القائمين على المكاتب التابعة لوزارات الحكومة المؤقتة تسليم المكاتب التي يشرفون عليها.

والواضح أن الهيئة، وبالتزامن مع الاضطرابات التي تشهدها بين صفوفها، فإنها ترغب في تدعيم تواجدها السياسي في المنطقة عبر حكومة الإنقاذ، وهو ما قد يكون محاولة لنيلها شرعية التواجد في شمال سوريا من خلال الاعتراف بها من قبل جسم سياسي، غير أن ذلك يبقى مستحيلًا في ظل وجود الحكومة السورية المؤقتة التي تجمع فصائل المعارضة المعتدلة، والتي تدعوها للخروج من المحافظة.

وبالإضافة لذلك، فإنها في عملية الاعتقالات الأخيرة بحق قيادات القاعدة، تكون وجهت رسالة جديدة تؤكد عبرها أنها أصبحت –نظريًا– خارج حسابات القاعدة، وباتت تسعى لتثبيت تواجدها في الشمال كجسم سياسي/عسكري، تكون له الكلمة الأخيرة في مصير المنطقة، لكن ذلك قد يصطدم في سعي النظام السوري مدعومًا من إيران، لاستعادة المناطق الخارجة عن سيطرته بشكل كامل، بالأخص بعد فشل الجولة الأخيرة من مفاوضات جنيف، والتي أظهرت تنصل وفد النظام السوري من أي اتفاق سياسي في مقابل رغبته باستعادة كافة المناطق عسكريًا.

وفي حال وافق مقاتلو تحرير الشام على الخروج من الغوطة الشرقية، فإنها بذلك تكون قد دعّمت عدد مقاتليها في الشمال السوري، وهو ما يساعدها على توسعها في مناطق الانتشار، فضلًا عن حصولها على مقاتلين آخرين تدعم فيها جبهات القتال في ريف إدلب.

تحاول هتش إعادة رسم خارطة تواجدها في شمال سوريا بسلسلة إجراءات، بينها تثبيت وجود الحكومة الموالية لها والخروج من عباءة القاعدة

ومن هنا يمكن القول إن هتش بدأت تعيد رسم خارطة تواجدها في الشمال السوري، عبر سلسلة من الإجراءات بدأتها بالسيطرة على مدينة إدلب، وبعدها التسريبات الصوتية التي أدت لاستقالة ثلاثة شرعيين على الأقل، وأخيرًا بخروجها من عباءة تنظيم القاعدة الذي ترى فيه طوق نجاتها الأخير من حملة عسكرية دولية، لتبدأ لاحقًا بإعادة تنظيم صفوفها بما بتناسب مع تطورات المرحلة القادمة على الصعيد السياسي، لكن وفق ما تراه لا يضر بهيكليتها التنظيمية والعقائدية التي نشأت عليها، وكان سببًا لالتحاق مئات المقاتلين غير السوريين في صفوفها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بعد حربهم ضد الفصائل الأخرى.. عسكريو "هتش" يتآمرون على مجلس شورى الهيئة

خارطة التنظيمات المتطرفة في سوريا.. سباق نهايات لن تكتمل