15-أكتوبر-2018

باب القنصلية السعودية في إسطنبول (إليف أوزتورك/الأناضول)

عشرة أيام أو تزيد منذ اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي، والأنباء عن اغتياله، والصمت هو الطابع الرسمي السائد في السعودية. غياب كامل للمسئولين وللتصريحات وكذلك التغريدات، وكأن الامر لا يعنيهم. وزير الخارجية مختفٍ ومستشاري ولي العهد خارج الخدمة، وولي العهد نفسه لم يدل بأي تصريح بعد لقائه المٌعد سلفًا مع وكالة بلومبيرغ. الجميع غائب، منذ أن اختفى خاشقجي في 2 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، في أعقاب زيارته لمبنى القنصلية السعودية في إسطنبول بتركيا.

يطول التناقض الموقف السعودي من قضية خاشقجي، فالرياض التي اشتهرت بحروبها الميدانية والكلامية تلتزم الصمت ولا تتحدث بالرغم من الاتهامات والبيانات التي تطولها من كل مكان

الارتباك سيد الموقف

يطول التناقض كل تفاصيل الأزمة، فالمملكة التي قطعت العلاقات مع كندا في آب/أغسطس الماضي، بسبب تغريدة لوزير الخارجية الكندي، تلتزم الصمت ولا تتحدث بالرغم من الاتهامات والبيانات والانتقادات التي تطولها من كل مكان؛ من وكالات الأنباء والقنوات الإخبارية والصحف الدولية.

اقرأ/ي أيضًا: ملف جمال خاشقجي.. الغموض مستمر!

انتقلت في اليومين الماضيين، الانتقادات والتساؤلات إلى الحكومات والهيئات والمنظمات الدولية، حتى بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التلويح بالعقوبات، فقررت المملكة أن ترد أخيرًا، وسارعت كالعادة ببيان يبدو أنه من إخراج الأمير المتسرع، أو كما تصفه الصحافة العالمية بالمتهور، وهو بيان، منسوب لمصدر رسمي دون ذكره، يهدد بفوضى اقتصادية عالمية في حال فرض عقوبات على المملكة.

كانت صيغة البيان في الغالب موجهة للداخل، أما الخارج فصدر له ما يشبه التراجع عن بيان التهديد المنشور في السعودية، حيث نشرت صفحة سفارة السعودية في الولايات المتحدة بيانًا موازيًا باللغة الإنجليزية، أعربت فيه عن تقديرها للجميع بما في ذلك إدارة ترامب لعدم القفز فوق التحقيقات.

وبشكل مفاجئ، تصدر الملك سلمان المشهد الذي كان مغيبًا عنه طوال الوقت، وأجرى اتصالًا هاتفيًا مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ووفقًا للإعلام السعودي، فقد كان الاتصال للتأكيد على "صلابة العلاقة بين الدولتين"، كما وافقت المملكة على قيام فرق البحث التركية بدخول القنصلية للتفتيش، بمشاركة مجموعات من الضباط السعوديين، وهو الأمر الذي أكد جاويش أوغلو، وزير الخارجية التركي، من قبل، على تعطيله من جانب المملكة، مطالبًا الرياض بالسماح للمحققين والخبراء الأتراك بدخول القنصلية. في حين نقلت وكالة الاناضول عن الوزير قوله: "لم نر حتى الآن تعاونًا لإجراء تحقيق سلس وكشف كل الحقائق، وهذا ما نريد أن نراه".  وأعلن الملك سلمان عن تكليف النائب العام السعودي بفتح تحقيق في القضية.

تهديدات وانتقادات دولية

بعد أربعة خطابات متكررة خلال فترة لا تتجاوز الشهر، تعمد خلالها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إهانة المملكة العربية السعودية والملك سلمان، والانتقاص من قدرة المملكة على حماية نفسها لأكثر من أسبوعين، حال الهجوم عليها من جانب إيران، وعقب تلك الخطابات المهينة ومع تصاعد أزمة خاشقجي بدأ ترامب بالحديث متأخرًا عن قضية الصحفي السعودي. في البداية لم يشأ ترامب أن يصدر حكمًا أو اتهامًا للمملكة، وقال في اتصال هاتفي مع قناة "فوكس نيوز"الأمريكية، إن محققين أمريكيين يعملون مع تركيا والمملكة العربية السعودية لمعرفة ما حدث للإعلامي السعودي جمال خاشقجي، وأكد أننا "ننظر إلى ذلك بجدية كبيرة جدا"، واعتبر الأمر "سابقة فظيعة للغاية".

بعد عدة أيام من تصاعد الحديث عن الاختفاء، هاجم ترامب السعودية ولوح خلال مقابلة تلفزيونية أجراها مع قناة CBS، السبت الماضي، بما أسماه فرض "عقاب شديد" في حال ثبوت ضلوعها باغتيال الصحفي والكاتب السعودي، جمال خاشقجي، ووصف ما حدث بالفعل "المشين والمقرف"، وذلك لأن خاشقجي صحفي، وفقًا لقوله. وبالرغم من التهديد الصريح في البداية إلا أن ترامب ذهب إلى التهدئة عند سؤاله حول الخيارات التي يمكن أن يتخذها، وقال إنه لا يميل إلى منع مبيعات الأسلحة للمملكة؛ "لا أريد إلحاق الأذى بالوظائف. لا أريد أن أخسر طلبية (يقصد الأسلحة). هناك وسائل أخرى للعقاب"، وبالرغم من هجومه إلا إنه ما زال يعمل على التواصل واستمرار العمل مع السعودية من أجل المال كما يقول هو نفسه.

بعد عدة  أيام من تصاعد الحديث عن الاختفاء، هاجم ترامب السعودية ولوح خلال مقابلة تلفزيونية أجراها مع قناة CBS، السبت الماضي، بما أسماه فرض "عقاب شديد" في حال ثبوت ضلوعها باغتيال الصحفي والكاتب السعودي

أما بريطانيا، قكانت من أكثر الدول تفاعلًا مع الأزمة، حيث قال وزير الخارجية جيرمي هانت إنه إذا صحت الادعاءات بشأن اختفاء الصحفي خاشقجي، "فستكون هناك عواقب وخيمة"، كما نقلت صحيفة إندبندنت البريطانية عن مصدرها بدء تجهيز قائمة بأسماء المسؤولين الأمنيين والحكوميين السعوديين الذين يمكن إخضاعهم لعقوبات إذا ثبت الانخراط الرسمي في اختفاء الصحفي جمال خاشقجي. كما شاركت مع وزراء خارجية كل من فرنسا وألمانيا، في صياغة بيان مشترك طالب بفتح تحقيق ذي مصداقية للتأكد من حقيقة ما حدث، وكذلك، إن كان مناسبًا، تحديد المسؤولين عن اختفاء جمال خاشقجي وضمان محاسبتهم.

 وسبق البيان المشترك عدد من البيانات الأخرى، من أبرزها مطالبة الاتحاد الأوروبي بتشكيل لجنة تحقيق حول اختفاء الصحفي السعودي، كما طالب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا مورغيني، بالكشف عن ملابسات الاختفاء.

اقرأ/ي أيضًا: "صدمة" خاشقجي.. العالم ساخط على السعودية باستثناء إسرائيل!

الانسحابات تتوالى

ويواجه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ضربات متلاحقة ليس على المستوى السياسي فقط ولكن على المستوى الاقتصادي. وكانت أكبر الضربات التي تلقتها المملكة إلى جانب الهبوط الحاد في مؤشرات البورصة، الانسحابات المتتالية سواء على مستوى مشروع نيوم أو من مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار، المقرر عقده في 23 تشرين الأول/أكتوبر الجاري لمدة 3 أيام، ويعقد تحت رعاية ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، للترويج لخطته 2030.

وإلى جانب إرنست مونيز وزير الطاقة الأمريكيالسابق، الذي أعلن عن تعليق دوره الاستشاري في المشروع لحين معرفة مزيد من المعلومات عن خاشقجي، قرر ريتشارد برانسون، الملياردير البريطاني صاحب "فيرجن جروب" تعليق المحادثات مع صندوق الاستثمارات العامة بشأن استثمارات مقررة بحجم مليار دولار. وحسب تحليلات عدة، فإنه وفي حالة غياب وزير الخزانة الأمريكي، ستيفن منوشين، ووزير التجارة الدولية البريطاني، ليام فوكس، فإن الأمر سيبدو إهانة قوية للسعودية من لاعبين ثقيلين على الساحة الدولية.

 ومع تزايد الإعلان عن مقاطعة المؤتمر وحذف منظميه يوم الجمعة لجميع أسماء الحاضرين من الموقع الإلكتروني للمؤتمر، كانت أبرز الشركات والمؤسسات العالمية المقاطعة على خلفية قضية الصحفي السعودي جمال خاشقجي، من الصحف والمؤسسات الإعلامية فايننشال تايمز ونيويورك تايمز وcnn وcnbc ووكالة بلومبيرغ. ومن الشركات "فورد" و"جي بي مورغان"، كما أعلن المدير التنفييذي لأوبر الأمريكية مقاطعته المؤتمر، وتأتي تلك الخطوة من جانب خسروشاهي بالرغم من أن صندوق الثروة السيادية في السعودية اكبر المساهمين في أوبر بنحو  3.5 مليار دولار،  ومن المتوقع أن تتخذ شركات أخرى نفس الخطوة وخاصة مع الضغوط الإعلامية عليهم، من أبرزها غولدمان ساكس وماستر كارد وبنك أوف أميركا، وقالت كل من شبكة فوكس بيزنس وإيكونوميست أنها تراجع موقفها من الحضور.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 اختطاف جمال خاشقجي في إسطنبول.. وقائع محتملة ببصمة ابن سلمان!

لماذا أثار "ملف خاشقجي" قلق إسرائيل على السعودية؟