13-أكتوبر-2018

أثارت قضية خاشقجي إدانات غير مسبوقة للسعودية (Getty)

سكب النظام السعودي، الذي يحاول بلا جدوى أن يبدو مُجددًا وإصلاحيًا على يد ولي العهد المثير للجدل، محمد بن سلمان، آخر ماء وجهه، بعد قصة اختفاء الصحفي السعودي المقيم في الولايات المتحدة جمال خاشقجي، في القنصلية السعودية في تركيا، منذ الثاني من شهر تشرين الأول/أكتوبر الجاري. فيما تلقي هذه الواقعة بظلالها على المملكة الغنية، التي لم تشفع لها أموالها في شركات الدعاية العامة، هذه  المرة، لتضليل الرأي العام والمستثمرين.

تواجه الإدارة السعودية الجديدة بعد اختفاء خاشقجي، عدة أزمات هي الأسوأ منذ صعود ولي العهد محمد بن سلمان إلى السلطة

تواجه الإدارة السعودية الجديدة بعد اختفاء خاشقجي، عدة أزمات هي الأسوأ منذ صعود ولي العهد محمد بن سلمان إلى السلطة، مع تصاعد وتيرة "الضغط" على الرياض لكشف الحقائق حول مصير الصحفي المعارض، خاصة أن طريقة اختطافه لا تخلو من وحشية واستهتار بالقوانين الرسمية والأعراف الدولية، وكذا بسيادة الدول. وكما يشير الصحافي البريطاني المعروف ديفيد هيريست، في مقالة نشرها موقع ميديل إيست آي، فإن سطوة ابن سلمان توشك على الانتهاء، بعد خطوة اختطاف خاشقجي "المجنونة"، وهو ما يتسبب بانفكاك حتى مجموعات الضغط، التي كانت تساهم في دخول الأمير السعودي إلى المجتمع الدولي.

وباستثناء إسرائيل، التي أبدت قلقًا واضحًا على مستقبل المنطقة إثر تراجع مكانة السعودية بعد قضية خاشقجي، حسب ما تبين تصريحات لمسؤولين نقلتها صحيفة جيروزاليم بوست، فإن ثمة إدانة واسعة النطاق وغير مسبوقة، تتعرض لها إدارة محمد بن سلمان.

ترامب يطلب تفسيرًا والكونغرس قد يفرض عقوبات

بالإضافة إلى تذكيره المتواصل لابن سلمان في مؤتمرات انتخابية داخل الولايات المتحدة، أنه يحميه مقابل ما يدفعه لجيشه، لم يستطع دونالد ترامب أن يبدو محايدًا حول مسألة خاشقجي، رغم تساهله في مسألة تزويد الأسلحة للسعودية، معتبرًا أنها قضية ربحية محض.

اقرأ/ي أيضًا: كيف ورط خاشقجي السعودية باختفائه أكثر من مقالاته؟

تفجرت أخبار خاشقجي في الولايات المتحدة سريعًا، حيث أدى اختفاؤه إلى إثارة نوع من الغضب الجماعي ضد المملكة العربية السعودية، لم تستطع أن تثره سنوات من القصف على اليمن حسب تحليل نشرته واشنطن بوست. بينما كان ترامب واضحًا في طلبه من السلطات السعودية تفسيرًا لما حدث داخل القنصلية السعودية. ولم يبد أن ترامب الذي يحب أن يتمسك بصفقاته المليارية مع السعودية ويفخر بكونها من إنجازاته، يسير على نغمة واحدة مع كبار الجمهوريين في الكونغرس، الذين أبلغوا بعد اطلاعهم على معلومات الاستخبارات الأمريكية، بأنهم "على استعداد لإجبار الولايات المتحدة على اتخاذ إجراءات عقابية إذا تبين أن خاشقجي قد قُتل على يد النظام السعودي"، حسب ما تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية.

كما  نقلت الصحيفة البريطانية ما قاله ترامب لفوكس نيوز من أن الولايات المتحدة لديها محققون أمريكيون يعملون على القضية في تركيا، وهو ما نفاه الرئيس التركي رجيب أردوغان سريعًا، ملمحة إلى أن "رغبة ترامب في حماية مبيعات الأسلحة وعلاقته الوثيقة مع العائلة المالكة السعودية قد تؤدي إلى صدام مع الجمهوريين في الكونغرس".

أرسل الرئيس الجمهوري للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بوب كوركر، بالإضافة إلى 21 عضوًا آخرين في مجلس الشيوخ رسالة رسمية إلى ترامب، لفتح تحقيق أمريكي إلزامي في مصير خاشقجي، بموجب قانون ماغنيتسكي للمساءلة حول حقوق الإنسان، الذي يتعين على الإدارة من خلاله تقديم تقرير عن استنتاجات التحقيق وقرار بشأن العقوبات ضد الجناة.

حملة مقاطعة واسعة

استكمالًا لآثار أزمة خاشقجي على المملكة، فقد أعلن وزير الطاقة الأمريكي الأسبق، إرنست مونيوز، أنه أوقف دوره في مجلس إدارة مشروع نيوم حتى تتبين كافة الحقائق حول مصير الصحفي المختطف، مؤكدًا أن أي مشاركة مستقبلية له في المشروع ستتوقف على إيضاح الغامض في هذا الملف.

لم يكن مونيوز الأول الذي يُعلن انسحابه من مشروعات اقتصادية هامة في المملكة، حيث إن أكسيوس قد نشرت على صفحتها قائمة بأسماء الشركات والأفراد الذين علقوا مشاركاتهم بمشروع مبادرة الاستثمار المستقبلي أو ما يُعرف إعلاميًا بدافوس في الصحراء، منهم الكاتب الصحفي في نيويورك تايمز أندرو سوركين، ورئيس تحرير مجلة "ذا إيكونوميست" زاني مينتون بيدوس.

باستثناء إسرائيل، التي أبدت قلقًا واضحًا على مستقبل المنطقة إثر تراجع مكانة السعودية بعد قضية خاشقجي، حسب ما تبين صحيفة جيروزاليم بوست، فإن ثمة إدانة غير مسبوقة للرياض

كما انسحبت أريانا هافينغتون، التي تعمل في المجلس الاستشاري للمؤتمر، حسب وول ستريت جورنال. وقال مصدر لصحيفة "ديلي بيست" إن باتريك سون شيونغ، صاحب صحيفة "لوس أنجلوس تايمز"، انسحب أيضًا من الحدث. كما صرحت نيلي كرويس، وهي نائبة رئيس سابق للمفوضية الأوروبية، لصحيفة وول ستريت جورنال، بأنها ستعلق دورها في المشروع إلى أن يتم الكشف عن المزيد في ملف خاشقجي. وأعلن ريتشارد برانسون، رجل الأعمال الملياردير ومؤسس مجموعة Virgin Group، يوم الخميس، أنه سيعلق مهامه في مشروعين سياحيين سعوديين، قائلًا بهذا الشأن :"ما حدث في تركيا حول اختفاء الصحفي جمال خاشقجي، إذا ثبتت صحته، من شأنه أن يغير بوضوح قدرة أي منا في الغرب على القيام بأعمال تجارية مع الحكومة السعودية". كما أصدرت دارا خسروشاهي، الرئيسة التنفيذية لشركة أوبر، بيانًا قالت فيه: "أنا مضطربة للغاية من التقارير حتى الآن عن جمال خاشقجي"، مؤكدة في النهاية أنها لن تحضر المؤتمر الخاص بالمبادرة في الرياض.

كما دخلت مؤسسات إعلامية معروفة في حملة المقاطعة، منها صحيفة نيويورك تايمز وشبكة "سي إن إن"، و"فايننشال تايمز" بالإضافة إلى وكالات "بلومبيرغ" و"ذا إكونوميست".

اقرأ/ي أيضًا: بعد تعاطفهم مع خاشقجي.. أمراء سعوديون يختفون أيضًا!

السعودية لن تدخل المنظمة الدولية الفرانكفونية

فيما بدا أنه انسحاب استدراكي أكثر من كونه خطوة فعلية، سحبت السعودية طلب انضمامها كعضو مراقب إلى المنظمة الدولية الفرانكفونية بعد تعرضها لانتقادات حادة، بخصوص عدم احترام حقوق الإنسان. ويبدو أن النظام في السعودية لم يكن يضع في الحسبان أن جريمة بحجم ما حدث مع صحفي مهم مثل خاشقجي، بملابساتها الفجة، ستجعل من هذا الطلب يبدو خطوة غير واقعية، لا تتسق مع ما بات يثار من الجدل عالميًا حول حقوق الإنسان داخل المملكة. وكانت السعودية قد قدمت لأول مرة طلبًا للانضمام إلى المنظمة التي تضم في عضويتها 84 دولة عام 2016، بيد أن المنظمة فضلت تأجيل الطلب معتبرة أن الملف السعودي غير مكتمل في ذلك الوقت، وعادت المنظمة الفرنكفونية هذه المرة لتبدي إشارات من شانها دفع السعودية للانسحاب، ليس فقط بصدد قضية خاشقجي، بل أيضًا باعتبار الأزمة التي خلقتها السعودية مع كندا والتهديدات الغوغائية التي أقدمت علهيا بحق كندا، العضو الفاعل في المنظمة الفرانكفونية، عقب الانتقادات والإدانات الكندية للمسطرة الحقوقية السعودية خلال الأشهر الأخيرة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ملف جمال خاشقجي.. الغموض مستمر!

 اختطاف جمال خاشقجي في إسطنبول.. وقائع محتملة ببصمة ابن سلمان!