16-أغسطس-2018

بينت صحف عالمية موقف السعودية المتهور من الأزمة مع كندا (Getty)

بتهور لم يعد خافيًا، أضافت المملكة العربية السعودية رقمًا جديدًا إلى معاركها الكثيرة والخاسرة، عندما قطعت العلاقات مع كندا وطردت السفير الكندي، واستدعت سفيرها هناك، وجمدت التبادلات التجارية والاستثمارات، وأجبرت عشرة آلاف طالب سعودي أن يسحبوا أوراقهم من جامعاتها من أجل تغريدة.

سلط كثير من الصحف والأقلام الغربية، الضوء على ما كشفته أزمة المملكة مع كندا، منها صحيفة الغارديان البريطانية، التي وصفت الأزمة بـ"الغريبة"، كما وصفت ابن سلمان بأنه شخصية سطحية

التغريدة التي استفزت المملكة كتبتها وزيرة خارجية كندا، كريستينا فريلاند، التي انتقدت اعتقال نشطاء سعوديين في مجال حقوق الإنسان، لا سيما الناشط رائف بدوي وشقيقته سمر، حيث تم اعتقالهما بتهمة "إهانة الإسلام من خلال القنوات الإلكترونية" والتواصل مع جهات خارجية. وقالت فريلاند: "منزعجة للغاية لمعرفة أن سمر بدوي، أخت رائد بدوي، قد سجنت في السعودية. تقف كندا مع عائلة بدوي في هذه الأوقات الصعبة، وما زلنا نطالب بقوة بالإفراج عن كل من رائف وسمر بدوي". وتبعتها وزارة الخارجية الكندية، داعية إلى إطلاق سراح جميع النشطاء السلميين في المملكة العربية السعودية.

اعتبرت المملكة التغريدة تدخلًا في الشؤون الداخلية لها. وعلى الرغم أنها نفسها تتدخل في شؤون معظم جاراتها، في البحرين وفي مصر وفي اليمن وفي لبنان، لكنها لا تسمح لرئيسة الوزراء الكندية بأن تعبر عن تضامنها مع  ناشطين معتقلين على خلفية عملهم في مجال حقوق الإنسان.

اقرأ/ي أيضًا: تشويشًا على النقد.. السعودية تستدعي إرهابها وتهدد كندا بشبح "غزوة مانهاتن"

وقد صرحت وزارة الخارجية السعودية عبر موقع تويتر بأن "الموقف الكندي هو تدخل صريح وسافر في الشؤون الداخلية للمملكة العربية السعودية، ويتعارض مع أبسط المعايير الدولية وجميع المواثيق التي تنظم العلاقات بين الدول". وأصدرت تحذيرًا: "أي خطوة أخرى من الجانب الكندي في هذا الاتجاه ستعتبر اعترافًا بحقنا في التدخل في الشؤون الداخلية الكندية".

رد فعل المملكة: مبالغ فيه ومتهور.. لكن هل يخص كندا وحدها؟

سياسة خارجية دون حسابات واعية، أو بكلمات أبسط اعتمدتها مجلة ذي ايكونوميست، أن هذا الرد كان سخيفًا، حيث بررت المملكة تصرفها أن ما فعلته كندا هو تدخل في شؤونها الداخلية، وأنها إن واصلت التدخل في الشؤون الداخلية السعودية سوف ترد السعودية بالمثل، وهو ما اعتبره بعض الساسة الكنديين ضربًا من ضروب الدعابة، حيث تساءلوا عما إذا كانت السعودية ستقوم بتسليح المتمردين في مقاطعة كيبيك التي تريد الانفصال، بيد أن الأمور هناك لا تجري على هذا النحو!

أحد الحسابات في موقع تواصل الاجتماعي تويتر، التي جلبت مزيدًا من السخافة والعبثية للسياسات الخارجية السعودية، كان حسابًا مرتبطًا بالمملكة، تحت اسم إنفوغرافيك السعودية، لوح بصورة  لطائرة على وشك مهاجمة برج سي إن في مدينة تورنتو، في مشهد رمزي يذكر بأحداث منهاتن في أيلول/سبتمبر عام 2001.

لكن محمد بن سلمان، كما يشير تحليل نشره المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الأربعاء، يحاول تهديد دول أخرى، ومنعها من إدانة الانتهاكات الحقوقية التي لا ينفك يمارسها. وهو يعرف أن كندا، ليست منطقة من مناطق النفوذ السعودي مثل مصر والبحرين، وأن أي انتقاد لسياساتها هناك، يمكن أن يوضع إلى جوار تقارير دولية وحقوقية كثيرة ترى المملكة بؤرة من بؤر الظلامية في العالم، حيث يُعتقل الأمراء والنشطاء والشيوخ والصحفيون، ويختفون قسريًا، هذا إلى جانب فظائع في اليمن كان آخرها مذبحة قُتل فيها أكثر من خمسين طفلًا في باص مدرسي في صعدة، بسلاح قوت التحالف الذي تقوده السعودية. ورأت صحيفة الإيكونوميست أن تصرفات ابن سلمان مع الكنديين، أرادت رسم صورة عدوانية لسياسيات المملكة الخارجية لتصير "البعبع" السياسي الذي يُرهب من يفكر أن ينتقد سياساتها الداخلية من الأوروبيين مثلًا، حلفاء كندا.

لكن الصحيفة أوردت أيضًا أن "السياسات الخارجية العدوانية، من حصار قطر، إلى الحرب في اليمن، قد تساعد ابن سلمان في تحقيق ذلك، لكنّها في الوقت عينه تعزّز صورته كقائد متهور وطائش".

ألوان طيف ابن سلمان الحقيقية

سلطت كثير من الصحف والأقلام الغربية، الضوء على حقيقة ما كشفته أزمة المملكة مع كندا، منها صحيفة الغارديان البريطانية، التي وصفت الأزمة بـ"الغريبة"، كما وصفت ابن سلمان بأنه شخصية سطحية  دعائية، تخفي جوهرًا سيئًا، كما أضافت أنه أبعد ما يكون عن الدعاية التي روجها لنفسه. وانتقدت الصحيفة سياسيات ابن سلمان الخارجية التي اعتبرت كل حملاتها السياسية والعسكرية بأنها انتهت إلى مستنقع كريه، و ذكرت الصحيفة الحرب على اليمن، وتأثيرها على صورة السعودية الحقوقية السيئة أصلا، بالإضافة إلى حصار قطر الذي وصفته بالتافه، وكيف استمر رغمه نمو الاقتصاد القطري، بينما عانى فيه الاقتصاد السعودي من انهيار صادم في الاستثمار الخارجي.

اقرأ/ي أيضًا: السعودية تطرد سفير كندا.. طيش ابن سلمان يصل أمريكا الشمالية

وتناولت صحيفة الفاينانشال تايمز جانبًا آخر مما كشفته هذه الأزمة، وهو أن أي تعاون مع السعودية، بات مرادفًا لعدم الاستقرار. ومن المعروف أن ابن سلمان يطمح إلى "فطم" اقتصاده عن النفط ليحوله إلى اقتصاد قائم على الاستثمارات الضخمة والتكنولوجيا، وفي سبيل ذلك كشفت "فاينانشال تايمز" أن صندوق الثروة السيادية في المملكة العربية السعودية أنفق حوالي ملياري دولار للحصول على ما يقرب من 5 في المئة من أسهم شركة "تيسلا"، وهي شركة  أمريكية، متخصصة في صناعة السيارات الكهربائية والمكونات الكهربائية للقطارات الكهربائية. وهي شركة عامة يتم تداول أسهمها في بورصة ناسداك.

تناولت صحيفة الفاينانشال تايمز جانبًا آخر مما كشفته الأزمة مع كندا، وهو أن أي تعاون مع السعودية، بات مرادفًا لعدم الاستقرار

تُظهر هذه الصفقة أن السعوديين مستعدون للاستثمار بهدوء بمبالغ كبيرة، في الوقت الذي لا توجد فيه حكومة أجنبية مستعدة لاتخاذ نفس الموقف من التكنولوجيا الأمريكية، لكن الصحيفة شددت على أمر آخر، وهو "أن مواقف هذه الحكومة بعيدة عن قيمها الخاصة، حيث إنها عندما استحوذت أوبر على أول استثمار من الصندوق السعودي ، كانت المرأة لا تزال ممنوعة من القيادة في المملكة، وقبل أشهر فقط، تم احتجاز مجموعة من رجال الأعمال السعوديين في فندق ريتز كارلتون بالرياض". وأضافت أن ولي العهد السعودي الذي يتباهى كونه قائدًا لليبرالية الجديدة في المملكة "لا يزال يقود نظامًا قمعيًا يشن حربًا وحشية في الخارج ويقطع رؤوس الناس في وطنه. وبناء عليه، فإن احتضان النخبة الليبرالية في سيليكون فالي لاستثماراته قد يكون أكبر تناقض أخلاقي لهم حتى الآن".

كما أشارت إلى جانب آخر براغماتي في هذه القصة، وهو أن "المسؤولين في المملكة - الذين أزعجتهم وزيرة الخارجية الكندية التي دعمت نشطاء لحقوق الإنسان القابعين في سجون المملكة - أمروا مديري الأصول في الخارج ببيع أسهمهم الكندية وسنداتهم ومقتنياتهم النقدية". وهو ما يعني أنه لا يمكن الاعتماد على وجود سياسة خارجية تعمل على "مزاجها" في إدارة علاقاتها التجارية واستثماراتها مع جيرانها، لأن ذلك يعني رهانًا غير محسوب العواقب، بالنسبة للشركات والمستثمرين الأجانب.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تقدير موقف: أزمة العلاقات السعودية - الكندية.. دوافعها وتداعياتها

عباس و"أبطال صفقة القرن".. تطبيع التطبيع والاستبداد