29-أبريل-2016

المادة 8 من باب الأحكام الإضافية من اتفاق الصخيرات (فاضل سنا/أ.ف.ب)

فشل مجلس النوّاب الليبي نحو 10 مرّات في عقد جلسة لمنح الثقة لحكومة الوفاق الوطني التي تم تشكيلها منذ زهاء شهرين رغم تنصيص اتفاق الصخيرات على منح الثقة للحكومة في ظرف 10 أيام منذ تشكيلها. وهو ما جعل الحكومة الجديدة تبدأ ممارسة صلاحياتها بصفتها حكومة أمر واقع في انتظار منحها الثقة وتأدية أعضائها لليمين. وقبل عقد كل جلسة برلمانية وخلالها وبعدها، لا يوجد حديث بين النوّاب الداعمين للحكومة والرافضين لها إلا على المادّة الثامنة من اتفاق الصخيرات. وهو خلاف استتبع سؤالًا حول موضع العربة والحصان، ليكون إسقاطه بين الفرقاء الليبيين، هل يتمّ تعديل الإعلان الدستوري ثم يتم منح الحكومة الثقة أم العكس؟

يرفض النواب المؤيدون لخليفة حفتر القائد العام للجيش الليبي، المادّة الثامنة تحت عنوان عدم إمكانية المساس من المؤسسة العسكرية

ولا يتعلّق الجدل بالمادّة الثامنة الواردة في الأحكام العامّة للاتفاق السياسي الذي تمّ التوقيع عليه في كانون الأول/ديسمبر 2015، حيث نصت هذه المادة على صلاحيات المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، الذي يتكوّن من تسعة أعضاء ويترأسه فائز السرّاج، ومنها القيام بمهام القائد الأعلى للجيش اللّيبي. فالمادة الثامنة محل الجدل هي المادة الواردة في باب الأحكام الإضافية من الاتفاق. حيث تنصّ هذه المادة على نقل كافة صلاحيات المناصب العسكرية والمدنية والأمنية العليا إلى المجلس الرئاسي فور توقيع الاتفاق و"يتعين قيام المجلس باتخاذ قرار بشأن شاغلي هذه المناصب خلال مدة لا تتجاوز 20 يومًا وفي حالة عدم اتخاذ قرار خلال هذه المدّة، يقوم المجلس باتخاذ قرارات تعيينات جديدة خلال مدّة لا تتجاوز 30 يوما".

اقرأ/ي أيضًا: "إنزال حكومي" على صفيح طرابلس الساخن

ويرفض النواب المؤيدون لخليفة حفتر القائد العام للجيش الليبي، غير المعترف به غرب البلاد، هذه المادّة تحت عنوان عدم إمكانية المساس من المؤسسة العسكرية. ولا يقتصر رفض المادة الثامنة، التي عطّلت عدم منح الثقة للحكومة، على نواب البرلمان فقط، بل يشمل كذلك المجلس الرئاسي نفسه. حيث يعارض نائب رئيس الحكومة علي القطراني، وهو مقرّب من حفتر وعلّق مشاركته في المجلس، هذه المادة وطالب بتجميدها. كما اتهّم القطراني المجلس الرئاسي بأنه "يقود مؤامرة ضد الجيش".

كما يشدّد عقيلة صالح رئيس مجلس النواب، إحدى الشخصيات الثلاث الواردة على لائحة عقوبات الاتحاد الأوروبي، على ضرورة تعديل الإعلان الدستوري بتضمين الاتفاق السياسي قبل منح الثقة للحكومة. ويشير عقيلة إلى ضرورة إسقاط المادة الثامنة من الأحكام الإضافية حيث صرّح مؤخرًا أن "إسقاط المادة الثامنة هو أساس منح الثقة للحكومة".

من جهته يرفض نواب المؤتمر الوطني العام الموقّعين على اتفاق الصخيرات المسّ من بنود الاتفاق رافضين إلغاء المادّة الثامنة. ويشدّد هؤلاء النواب الذين أصبحوا ينضوون في هيكل المجلس الأعلى للدولة، وهو هيكل استشاري استحدثه اتفاق الصخيرات، أن الاتفاق السياسي هو حزمة واحدة غير قابلة للتعديل.

يرفض نواب المؤتمر الوطني العام الموقّعين على اتفاق الصخيرات المسّ من بنود الاتفاق رافضين إلغاء المادّة الثامنة

اقرأ/ي أيضًا: المحاصصة المناطقية في ليبيا.. الخطر الأكبر

وسبق أن وصف صالح المخزوم، رئيس لجنة الحوار التابعة للمؤتمر ونائب رئيس المجلس الأعلى للدولة، المساس بالمادة الثامنة بـ"الانقلاب على الاتفاق السياسي". كما اعتبر محمد الصوان رئيس حزب العدالة والبناء، الإخوان المسلمين، إلغاء البرلمان للمادة الثامنة بأنه "مجاملة دبلوماسية وليس له أي قيمة قانونية". ويشدّد هذا الفريق على منح الثقة للحكومة والقبول بالاتفاق السياسي كما ورد دون تعديل.

ويخفي الخلاف حول المادّة الثامنة نقطة جوهرية في الصراع الليبي لم يحسمها اتفاق الصخيرات بوضوح. حيث يتعلّق الأمر بدور خليفة حفتر في العملية السياسية القادمة. ويلقى حفتر دعمًا في شرق البلاد ومن الأجهزة العسكرية الداعمة له في إطار "عملية الكرامة"، فيما تعارضه "قوات فجر ليبيا" المتمركزة في غرب البلاد، والتي تؤيد فصائلها العسكرية الرئيسية والمتمركزة أساسًا في مصراتة اتفاق الصخيرات. وفي حين ترفض هذه القوى أي دور لحفتر في المستقبل، فإنه تشدد القوى المقابلة في شرق البلاد على عدم تنحيته.

ويتصاعد هذا الجدل مع رهان تأسيس جيش ليبي موحّد. وفي هذا الجانب، صرّح مؤخرًا المبعوث الأممي مارتن كوبلر أن "الجيش الذي يقوده حفتر لا يمثل جيشاً لكل ليبيا". من جانبه، استقبل حفتر تشكيل الحكومة الجديدة بحذر، وقد وصف منذ يومين بيانًا للمجلس الرئاسي حول أداء المؤسسة العسكرية في بنغازي بـ"الهزيل والمخجل".

وتجاوزًا لإلغاء مجلس النواب للمادة الثامنة والنقاش القانوني الذي يصاحبه، يبقى السؤال حول تفعيل هذه المادة. فبينما أشار أحد نواب البرلمان لسقوط المادّة بتجاوز الآجال الزمنية المحددة ضمنها للقيام بالتغييرات في المناصب القيادية، يبدو أن التوازنات السياسية ومستلزمات اتفاق الصخيرات تشير لتحجيم دور حفتر في الفترة القادمة. وفي هذا الإطار، دعا عبد الرحمن السويحلي رئيس المجلس الأعلى للدولة، الهيكل الاستشاري الذي عوّض المؤتمر الوطني العام، إلى تشكيل قوة عسكرية لتحرير سرت إلى حين بتّ المجلس الرئاسي في تغيير القيادات العسكرية، وهو ما يعني تشديد السويحلي ضمنيًا على نفاذ المادة الثامنة وتفعيلها في المستقبل.

وأمام وجود مؤشرات على تحجيم دوره، رفض حفتر تعيين أحد مساعديه، وهو المهدي البرغثي، وزيرًا للدفاع في حكومة الوفاق الوطني، مع عدم وجود ضمانات حول بقائه على رأس المؤسسة العسكرية. كما أعلن حفتر، في هذا السياق، عن تحشيد قواه العسكرية لتحرير مدينة سرت التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية. ويرى مراقبون أن حفتر يسعى من خلال هذه المبادرة إلى فرض نفسه في الساحة الليبية. وقد حذرته وزيرة الدفاع الإيطالية علنًا من القيام بأي عمل عسكري خارج إطار حكومة الوفاق الوطني.

اقرأ/ي أيضًا:

هل التدخل العسكري ضرورة حتمية في ليبيا؟

التدخل العسكري في ليبيا.. هل بدأ قرع الطبول؟