18-فبراير-2016

لو تتوحد القوى الليبية فبإمكانها بمفردها القضاء على تنظيم داعش (عبد الله دوما/أ.ف.ب)

أعتقد أن هذا هو السؤال الأساسي الذي يجب طرحه حين تناول مسألة التدخل العسكري المرتقب في ليبيا، وإجابة السؤال تأسيسية من باب استيضاح النوايا وتبيّن الأهداف. ألا يمكن لليبيين وحدهم مواجهة المجموعات الإرهابية ودحرها؟ وأصلًا ماهي هذه المجموعات الإرهابية؟

هل تشمل ما يُعرف بـ"تنظيم الدولة الإسلامية" فقط أم تشمل كذلك "مجلس شورى مجاهدي درنة" التابعة لـ"أنصار الشريعة"، أم وهذا الأخطر تشمل التشكيلات العسكرية الرافضة للاتفاق الأممي والمؤيدة للمؤتمر الوطني والتي تم تهديدها بتعرضها لعقوبات نتيجة رفضها لاتفاق الصخيرات؟ فهل استهداف هذه التشكيلات لتقليص نفوذها وحملها على قبول الاتفاق من ضمن العقوبات التي تم الإعلان عن نيّة إقرارها؟

أي مجموعات يستهدف التدخل العسكري الأجنبي في ليبيا؟ وهل يشمل أيضًا التشكيلات العسكرية الرافضة لاتفاق الصخيرات؟ هذا هو السؤال الحقيقي

في البداية، يتمركز "تنظيم الدولة" في سرت وهي قاعدته، وهو يسعى للتمدد شرقًا في اتجاه مناطق الموانئ النفطية في تقدّم بطيء، ويحاول التوجه غربًا في اتجاه مصراتة دون تحقيق مبتغاه خاصّة وأنه يضع جلّ ثقله في المحور الشرقي لسرت. كما تحرّكت مؤخرًا مجموعات مصراتة شرقًا لوضع بوابات لمنع تمدد التنظيم.

وتوجد كذلك مجموعات للتنظيم تقاتل في درنة للسيطرة عليها دون تمكنها من ذلك أمام مجموعات أنصار الشريعة. كما توجد مجموعات صغيرة في صبراتة غرب طرابلس لا تسيطر على المدينة، مع الخشية من وجود خلايا نائمة للتنظيم في بعض مدن ليبيا الأخرى ومنها العاصمة طرابلس. فهل أن "تنظيم الدولة" هو أكثر كفاءة عسكرية من التشكيلات الليبية من السلوم لراس الجدير بتعدّدها وحجم عتادها؟ طبعا لا، إذًا ما العطب؟

العطب ببساطة هو في حالة الانقسام السياسي عبر ثنائية غرب/شرق، فذلك يضعف الدولة ويشتت أجهزتها الأمنية وتناحر التشكيلات العسكرية للقوى السياسية المتصارعة، يستفيد منه أساسَا تنظيم الدولة.

في شرق ليبيا مثلاً أين المفترض أن تمثل بنغازي، أكبر مدنها، قاعدة أساسية وخلفية للقوة العسكرية التي ستواجه التنظيم، تعيش المنطقة حالة انقسام سياسي وتناحر عسكري بين مجموعاتها، مجموعات حفتر من جهة ومجموعات "مجلس شورى ثوار بنغازي" التي تضم مجموعات الثوار في حرب التحرير سنة 2011. كما أن قوات حرس الموانئ النفطية في أجدابيا في حالة قطيعة شبه تامة سياسيًا وبالتتابع عسكريًا مع القوى المسيطرة على بنغازي بما في ذلك مجموعات حفتر.

في غرب ليبيا كذلك، تم تشكيل "لجنة الترتيبات الأمنية" وهي تضمّ القيادات العسكرية للقوى المؤيدة لاتفاق الصخيرات، بيد أنها ليست بصدد إعداد خطّة عسكرية لمواجهة "تنظيم الدولة"، بل بصدد وضع خطّة لتأمين وجود حكومة التوافق في طرابلس في ظلّ رفض رئاسة المؤتمر وقيادة الأركان لها. لكن هل توفر حكومة التوافق المنتظر تشكيلها بداية الأسبوع القادم حالة وفاق سياسي وتحالف عسكري بين التشكيلات الليبية بالتتابع لمواجهة التنظيم الارهابي؟

المشكل الأكبر في ليبيا يكمن في حالة الانقسام عبر ثنائية غرب/شرق، فذلك يضعف الدولة ويشتت أجهزتها الأمنية والمستفيد الأكبر "تنظيم الدولة"

في هذا الجانب، يجب التمييز بين الملفّ السياسي والملف الأمني وإن في علاقته بمواجهة التنظيم الإرهابي. فبالنظر للأطراف الموقعة على اتفاق الصخيرات، لا تحظى الحكومة بتوافق وطني جدّي، وأساسًا من المؤتمر الوطني وحكومته وتشكيلاته المنتشرة أساسًا في طرابلس. والاتفاق لا يضمن شروط أرضية سياسية صلبة ترافق الانتقال الديمقراطي المؤسساتي بعوامله المُستلزمة منها القبلي والجهوي. أما فيما يتعلق بالجانب الأمني الذي يهمّنا في هذا الجانب، يمكن التأكيد أن توحيد جهود التشكيلات العسكرية المؤيدة للاتفاق يشكّل الحدّ الأدنى المطلوب عسكريًا لمواجهة التنظيم الإرهابي.

عمليًا، لو تتوحّد تشكيلات مصراتة غربًا، وهي أكثر التشكيلات كفاءة عسكرية في ليبيا ومنها لواء "المحجوب" و"الحلبوص"، مع قوات حرس الموانئ في أجدابيا شرقًا، ومع الأجهزة العسكرية المؤيدة لحفتر وتحديدًا القوات الخاصة وسلاح الجوّ العسكري، فيمكن دحر "تنظيم الدولة" في أسابيع قليلة.

وسرت ليست غرب العراق، و"السرتاوية" لن يثأروا من 17 فبراير، كما يظنّ البعض، بالتحالف مع "تنظيم الدولة"، أو، وهذا الأهم، بانضوائهم طوعًا في التنظيم فلا حاضنة اجتماعية للتنظيم في ليبيا عمومًا وسرت خصوصًا. فحينما تكون حرب عصابات في المدينة بعد محاصرة التنظيم، لن يبقى لعناصر التنظيم إلا الاستسلام أو رمي أنفسهم في خليج سرت.

ماذا عن مجموعات التنظيم في درنة شرقًا وصبراتة غربًا؟ هي مجموعات صغيرة لا تشكل خطرًا جديًا يمكن دحرها في حالة وجود قرار سياسي جدّي بذلك. ليكون السؤال، ماذا يعوز هذا القرار إن لم يكن التواطئ مع التنظيم؟ ليس كذلك بالضرورة، حينما يضع الجميع يده على الزناد، فهو لا يطلق النار إلا حينما يعلم أن رصاصاته ستنجيه أولًا، وأنها لن ترتدّ عليه ثانيًا.

لذلك يمكن الجزم أن التدخل العسكري، بغض النظر عن طبيعته وحجمه، لا يمثل ضرورة حتمية لمواجهة تنظيم الدولة. يبقى السيناريو المنتظر للتدخل العسكري المرتقب، والذي تسنده التصريحات الأخيرة لمسؤولين غربيين، هو وجود قوة برية بقيادة ليبية سيتم دعمها بعد رفع حظر التسليح ومدعومة بقوة دولية بقيادة إيطالية على إثر طلب رسمي من الحكومة وفق مقتضيات القانون الدولي. ولكن هل ستقدم الحكومة الجديدة بالضرورة طلبًا رسميًا لمساعدة أجنبية لمواجهة "تنظيم الدولة"؟

أحمد معيتيق نائب رئيس الحكومة، ممثل تشكيلات مصراتة، سبق وأن صرح أنه سوف لن يتم طلب أو قبول تواجد قوات أجنبية في ليبيا ولو لغرض التدريب. إذًا فلننتظر.

يبقى الخطر الحقيقي حينما يتم استهداف المجموعات المعارضة لاتفاق الصخيرات، أو حينما يتم إعطاء غطاء جوّي للمجموعات المؤيدة للاتفاق في حالة انفجار الوضع على الأرض. وهذا هو السيناريو الكارثي بحقّ في ليبيا. بالنهاية، فرضية وضع "تنظيم الدولة" موطئ قدم في ليبيا وتأسيس دولة على غرار ما يحدث في سوريا والعراق لا تُسندها البيئة الليبية وطبيعة التوازنات العسكرية في البلاد. والليبيون أول من يعلمون ذلك.

اقرأ/ي أيضًا:

التدخل العسكري في ليبيا.. هل بدأ قرع الطبول؟

الحرب في ليبيا أم في الإعلام التونسي؟